شدد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون على "محورية دور القضاء في بناء الدولة التي يعتبر الحكم العادل ركنها الأساسي"، ودعا القضاة لان يكونوا عادلين بين حقوق الدولة وحقوق المواطنين، وان يكونوا "مستقلين ذاتيا وغير مستقيلين من مهامكم ومسؤولياتكم والابتعاد عن الشائعات وسواها".

وإذ اكد رئيس الجمهورية انه سيكون "الحامي للقضاة الذين يدافعون عن القانون ويطبقون نصوصه"، دعاهم الى الا يظلموا بريئاً ولا يبرئوا ظالماً، وتوجه الى القضاة قائلاً: "حتى ولو طلبت منكم شخصياً اتخاذ قرار مخالف للقانون، فعليكم التمتع بالجرأة اللازمة لرفض الطلب، لانه علينا جميعاً ان نكون تحت سقف القانون".



كلام الرئيس عون جاء خلال لقائه قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس مع وفد رفيع من القضاة، ضم، مفوض الحكومة القاضية فريال دلول، رئيسة الغرفة الثانية بالإنابة القاضية فاطمة الصايغ، رئيس الغرفة الرابعة القاضي يوسف نصر، رئيس الغرفة الخامسة بالإنابة القاضي يوسف الجميل والمستشار القاضي عبد الله احمد.

في مستهل اللقاء، القى القاضي الياس كلمة قال فيها: "جئنا قضاة من مجلس شورى الدولة لتهنئتكم بانتخابكم رئيسا للجمهورية ولتهنئة الشعب اللبناني بعهدكم الذي نأمل منه كل خير وازدهار لوطننا لبنان، وكلنا ثقة بأن عهودكم ستتحقق باذن الله وبفضل ما تتحلون به من حكمة ونزاهة وحزم وشجاعة خبرها الشعب اللبناني في شخصكم منذ ان توليتم مسؤولياتكم الوطنية في المؤسسة العسكرية وصولا الى قيادتها ابان ظروف صعبة واستثنائية مرّ بها لبنان".

اضاف: "نعاهدكم بأن نكون على قدر تطلعاتكم وعهودكم المتعلقة باستقلالية القضاء الإداري ورفعته، من خلال التزامنا الاستمرار بالقيام بمهامها المحددة قانونا في نظام مجلس شورى الدولة، سواء من الناحية القضائية او الاستشارية، بما يحقق تثبيت دعائم دولة القانون والمؤسسات ومكافحة الفساد ويحفظ حقوق الدولة والمواطنين".

ورحب الرئيس عون بالوفد، وقال: "علينا الآن قيادة البلاد الى بر الأمان ويجب ان نبني دولة، والركن الأساسي في هذا السياق هو الحكم العادل"، وقال: "الامن والقضاء اساسيان، واذا كان الامن ممسوكاً، فلا يمكنه الاستمرار وحده من دون القضاء. ان دوركم أساسي كقضاء اداري، ان تكونوا عادلين بين حقوق الدولة وحقوق المواطنين، وما اطلبه منكم، هو ان تكونوا مستقلين ذاتيا وغير مستقيلين من مهامكم ومسؤولياتكم والابتعاد عن الشائعات وسواها، بحيث يكون عملكم هو الرد المثالي على حملات التجني، استناداً للقانون ونصوصه، خصوصاً وان بعضكم يعمل كمستشار لبعض الوزارات وهو ما يتطلب إرضاء المصلحة العامة قبل أي شيء".

اضاف: "هناك قضاة يتخذون قرارات بناء على الشائعات او وفق ردود تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الاعلام، ليس المطلوب إرضاء احد من هؤلاء، بل الضمير وفقاً للقانون. وهذا ما يجب ان تقوموا به خصوصاً وانكم الحكم العادل، وهذا يتطلب إرضاء الضمير والجرأة في اتخاذ القرارات".

واكد الرئيس عون انه سيكون "الحامي للقضاة الذين يسيرون في هذا المسار والذين يدافعون عن القانون ويطبقون نصوصه"، وتوجه الى الوفد قائلا: "لا تظلموا بريئاً ولا تبرئوا ظالماً، فلا احد يمكنه إرضاء الجميع، انما على الأقل يجب العمل على إرضاء الضمير والذات".

وخلال تبادل الحديث مع الوفد، شدد الرئيس عون على انه حتى ولو طلب منهم شخصياً اتخاذ قرار مخالف للقانون، فعليهم التمتع بالجرأة اللازمة لرفض الطلب، لان "علينا جميعاً ان نكون تحت سقف القانون".

واستقبل الرئيس عون النائب احمد الخير الذي هنأه على انتخابه رئيساً للجمهورية، وعرض معه الأوضاع العامة والاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة.

كما تطرق البحث إلى حاجات قضاء المنية - الضنية والشمال على الصعيدين الاجتماعي والإنمائي.

وأوضح النائب الخير انه نقل إلى الرئيس عون "ارتياح ابناء المنية - الضنية لانتخابه، وأملهم في ان يكون عهده عهد إنماء لكل المناطق اللبنانية وخصوصا منطقة الشمال.

والتقى رئيس الجمهورية سفيرة سويسرا Marion Weichelt Krupski التي سلمته رسالة تهنئة لانتخابه من رئيسة الاتحاد السويسري كارن كيلر سوتر، وتم عرض للعلاقات بين البلدين وسبل تطويرها.

وجددت سفيرة سويسرا "التزام سويسرا بالعمل على دعم لبنان للخروج من الازمات التي تواجهه".

وفي ما يلي نص الرسالة الرئاسية:

"السيد الرئيس،

باسم المجلس الاتحادي السويسري، أتقدم إليكم بأصدق التهاني بمناسبة انتخابكم لرئاسة الجمهورية اللبنانية.  يشكل انتخابكم خطوة حاسمة للبنان، بعد فترة طويلة من الفراغ المؤسساتي، ويعكس الثقة في قدرتكم على التصدي للتحديات العديدة التي تواجه بلادكم.

ان سويسرا تولي أهمية كبيرة لعلاقاتها مع لبنان، وتحيي الجهود المبذولة لدعم الاستقرار وتعزيز السلام، ولا سيما من خلال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل اليه اخيراً. نحن على قناعة بأن خبرتكم والتزامكم سوف يضعان الأسس لمستقبل مستقر ومزدهر لبلدكم.

وبهذه الروح، تظل سويسرا ملتزمة بدعم لبنان في جهود الإصلاح وإعادة الإعمار وتعزيز المؤسسات.  ونأمل أن توفر هذه الولاية فرصًا جديدة للتعاون، لا سيما لصالح السلام والحوار والاستقرار الإقليمي".

وفي قصر بعبدا، النائب والوزير السابق محمد الصفدي وزوجته الوزيرة السابقة فيوليت الصفدي، في زيارة تهنئة.

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

القانون الدبلوماسي الدولي بين النظرية والتطبيق

 

 

د. عبدالله الأشعل **

نُعالج هذا الموضوع على أساس أن الاتفاقيات المشكلة للقانون الدبلوماسي الدولي وأولها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961،هي تقنين لسلوك الدول في المجال الدبلوماسي، لكنَّ المُمارسات الدولية خلقت هوة بين هذه النصوص وبين العمل الدولي بحيث إن بعضها تحول إلى منازعات حسمتها محكمة العدل الدولية وبعضها الآخر ظل يُثير الجدل في العمل الدولي بين دول العالم، والحل هو عرض النزاع على المحكمة الدولية وكذلك تعديل هذه النصوص في مؤتمرات دوليةٍ لاحقًا.

ولذلك نعرض ثلاثة موضوعات: الموضوع الأول هو اتفاقيات فيينا، المشكلة لجسد القانون الدولي الدبلوماسي، والموضوع الثاني هو المفاصل الأساسية والقضايا التي أثارت جدلا في العمل الدولي، أما الموضوع الثالث فهو موقف محكمة العدل الدولية من المنازعات الدبلوماسية التي عرضت عليها.

الموضوع الأول

يتكون القانون الدولي الدبلوماسي من عدد كبير من الاتفاقيات؛ الاتفاقية الأولى خاصة بالعلاقات الدبلوماسية عام 1961، والاتفاقية الثانية عام 1963 حول العلاقات القنصلية، والاتفاقية الثالثة خاصة بقانون المعاهدات عام 1969، والاتفاقية الرابعة خاصة بحصانة الدولة عام 1975، والاتفاقية الخامسة خاصة بوضع ممثلي الدول لدى المنظمات الدولية العالمية يقصد بها الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة، والاتفاقية السادسة خاصة بالحصانات والامتيازات المقررة لموظفي الأمم المتحدة تطبيقاً للمادة 105 من ميثاق الأمم المتحدة والمصدر السابع هي مجموعة اتفاقيات المقر التي أبرمت بين الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة التابعة لها وكذلك المنظمات الإقليمية وبين دول المقر، وكلها على نسق واحد، يضاف إلى ذلك أنَّه عقدت بين المُنظمات الإقليمية ودولة المقر اتفاقية خاصة بالحصانات والامتيازات المقررة لممثلي الدول الأعضاء وكذلك لموظفي المنظمة الدولية العالمية والإقليمية، ومعنى ذلك أنَّ لدينا اتفاقات مقر لعدد من المنظمات الدولية مع الدول التي استضافات هذا المقر وهي علي وجه التحديد الولايات المتحدة وكينيا وبلجيكا ومصر وأديس أبابا وكولومبيا في أمريكا اللاتينية مقر منظمة الدول الأمريكية وكذلك المنظمات الإقليمية الآسيوية ولولا أن هذه الاتفاقيات يحكمها نسق واحد لكنا قد أفردنا لكل حالة دراسة خاصة.

ولا يفوتنا اتفاقية حصانة الدولة واتفاقية التوارث الدولي وخاصة في مسائل المعاهدات.

الموضوع الثاني

مفاصل المنازعات الدبلوماسية والجدل بين الدول التي كشف عنها العمل الدولي، أهمها ما يلي:

1-     السلطة المطلقة للدولة المرسلة والدولة المستقبلة.

2-     الالتباس بين الوظائف والحصانات الدبلوماسية للبعثة وبين الوظائف والحصانات للبعثة القنصلية وكذلك ممثلي الدول لدى المنظمات الدولية.

3-     المركز القانوني لبعثة رعاية المصالح عند قطع العلاقات الدبلوماسية (يستكمل البحث الذى نشرته مجلة الحقوق التابعة لكلية الحقوق جامعة الكويت عام 1984).

4-     الالتباس بين حماية المصالح ورعاية المصالح والالتباس بين التمثيل الثنائي والمتعدد ونظرا لأن العمل الدولي لم يكن التمثيل المتعدد كاشفا فيه للدروس فانه بحاجة إلى مزيد من الدراسة.

5-     التقارير التي ترسلها البعثة الدبلوماسية والبعثة القنصلية عن الأوضاع الداخلية والمسافة الفاصلة بين الطرق المشروعة وغير المشروعة في الحصول علي المعلومات في العمل الدولي.

6-     حصانة مقر البعثة والجدل حول اشتراط موافقة رئيس البعثة علي دخول المقر عند نشوب حريق وقد تكررت المشاكل باضطراد حدوث الكوارث الطبيعية واصبحت بحاجة إلى مراجعتها.

7-     حامل الحقيبة الدبلوماسية والحقيبة غير المصحوبة وتفتيشها عند الشك فيها.

8-     إبعاد الدبلوماسي في الأوضاع المختلفة.

9-     العلاقات الثنائية وعلاقات الدول الأعضاء مع المنظمة الدولية.

10-    الدبلوماسية الإلكترونية.

الموضوع الثالث

 المنازعات الدبلوماسية أمام محكمة العدل الدولية وكيف حكمت المحكمة بين الأطراف المتنازعة ودلالة هذه الأحكام بالنسبة للقانون الدبلوماسي. ونذكر في هذا المقام عددا من القضايا ذات الصلة التي تفيد في إثراء موضوعنا.

أولًا: قضية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس هذه القضية رفعتها دولة فلسطين ضد الولايات المتحدة عام 2018، وطلبت فلسطين من المحكمة الحكم بأن التصرف الأمريكي يخالف اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية من حيث إن المادة الثالثة تؤكد أن التزامات الدولة المضيفة وقيام البعثة الدبلوماسية بوظائفها على إقليم الدولة المضيفة لصالح الدولة المرسلة تتم على نفس إقليم الدولة المضيفة فلا بُد أن يكون الإقليم قد اكتسب اكتسابا صحيحا.

ثم إن نقل السفارة يتناقض مع قرار التقسيم كما يخالف قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن خاصة القرار 478 الصادر في 20 أغسطس 1980 والذي أبطل القانون الإسرائيلي القاضي باعتبار القدس عاصمة أبدية ودائمة لإسرائيل.

ونحن نضيف الحقيقة الآتية وهي أن الدولة المضيفة من حقها أن تختار عاصمتها بإرادتها بشرط ألا تخالف بذلك القانون الدولي، كما ألزم البعثات الدبلوماسية بالإقامة بالعاصمة ولكن مادامت هذه العاصمة عليها إشكال قانوني، ثم إن قرار مجلس الأمن المذكور أبطل التشريع الإسرائيلي فإنَّ البعثات الدبلوماسية ملتزمة بعدم الإقامة في القدس ولذلك طلبت فلسطين من المحكمة إبطال قرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة خاصة وأن هذا القرار تنفيذ للقانون الصادر من الكونجرس عام 2002 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. معنى ذلك أن المحكمة مطالبة بالحكم بأن قرار النقل ينتهك التزامات الولايات المتحدة في القانون الدولي. ولا تزال القضية محل نظر المحكمة.

ثانيًا: قضية إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بنيويورك عام 1988. فقد صدر قرار وزير العدل بإغلاق المكتب بناءً على قانون صدر من الكونجرس بأن المنظمة كيان إرهابي. فطلبت الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية أن تفتيها فيما إذا كان هذا ينتهك التزامات الولايات المتحدة في اتفاقية المقر وأفادت المحكمة بالتفصيل مدى هذا الانتهاك ولكنها لم تطلب من الحكومة الأمريكية طريقة مُعينة لتصحيح الخطأ القانوني وبناءً على ذلك سعى الأمين العام لدى وزارة الخارجية الأمريكية لإعادة فتح مكتب المنظمة لأنَّ إغلاقه يُعتبر اعتداءً على الأمم المتحدة.

ثالثًا: قضية مندوب الدومينيكان الدائم لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف؛ حيث رفعت الدومينكان دعوى في المحكمة ضد سويسرا عام 2006،لأنها انتهكت اتفاقية المقر بينها وبين الأمم المتحدة حيث رفضت تعيين الدومنيكان لأحد رجال الأعمال مندوبا دائما لها بجنيف ولكن الدومنيكان سحبت القضية واختارت التسوية الودية مع سويسرا.

رابعًا: قضية الرهائن الأمريكيين في طهران في نوفمبر79 رفعت الولايات المتحدة دعوى ضد إيران بسبب احتلال السفارة والقنصلية الأمريكية في طهران واحتجاز كل العاملين فيها لمدة 444 يوما بحجة اخفاء واشنطن وثائق سرية تخص الأمن القومي الإيراني وتساعد علي الكشف عن أعداء الشعب الإيراني وقد اتهمت أمريكا إيران بانتهاك اتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية والعلاقات القنصلية وقد اصدرت المحكمة بناءً على طلب أمريكا مجموعة من الإجراءات المؤقتة هدفها اعادة السفارة والقنصلية إلى أمريكا واطلاق سراح الرهائن وأصدرت المحكمة حكما في 24/5/1980 بهذا المعنى وأكدت أن سلوك الدولة الإيرانية ينتهك القانون الدولي العام لكن الولايات المتحدة سحبت القضية من المحكمة واتجهت إلى محادثات سرية مع إيران توسطت فيها الجزائر وتم إبرام الصفقة في محادثات غير مباشرة في يناير 1981 (للتفاصيل انظر مقالا لنا في هذا الموضوع في المجلة المصرية للقانون الدولي عام 1982) وهكذا فضلت أمريكا التفاهم مع إيران بدلا من انتظار تنفيذ الحكم أو تنفيذه بعملية عسكرية.

خامسًا: قضية باراجواي ضد أمريكا عام 1998 وقد اتهمت باراجواي الولايات المتحدة انتهاك اتفاقية العلاقات القنصلية ولكن باراجواي فضلت التفاهم مع أمريكا وسحبت القضية ويبدو أن الإدارة الأمريكية تدخلت لدى القضاء الأمريكي لعدم تنفيذ أحكام الاعدام في عدد من رعايا باراجواي في الولايات المتحدة.

سادسًا: هندوراس ضد البرازيل عام 2009 اتهمت فيها هندوراس البرازيل بانتهاك التزاماتها وفق المادة 2 فقرة 7 من الميثاق وكذلك احكام اتفاقية فيينا وكانت القضية تتحصل بأن بعثة البرازيل الدبلوماسية في هندوراس لجأ إليها رئيس هندوراس كما لجأ إلى البعثة بعض المواطنين من هندوراس المقيميين في البرازيل ولكن هندوراس فضلت التسوية الودية للقضية عام 2010 وسحبت الدعوى ولكن صدر حكم القضاء في هندوراس باتهام الرئيس بالخيانة العظمى لأنه يريد تعديل الدستور للفوز بولاية جديدة متجاوزا نص الدستور فلجأ الرئيس أمام محاولات القبض عليه إلى سفارة البرازيل وطلب اللجوء السياسي وعلي كل حال تم تسوية القضية وديا بين البلدين.

سابعًا: دعوى ألمانيا ضد ايطاليا عام 2008 وأصدرت المحكمة حكما في الموضوع عام 2014 وكانت القضية تتعلق باتفاقية حصانة الدولة واتيح للمحكمة أن تفسر حدود حصانة الدولة القضائية وهي تختلف تماما عن الحصانة الدبلوماسية.

ثامنًا: رفعت المكسيك دعوى عام 2003 ضد أمريكا بتهمة انتهاك التزاماتها في اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية حيث قررت المحاكم الأمريكية الاعدام بحق 54 من مواطني المكسيك وطلبت المكسيك أن تصدر المحكمة أمرا بعدم تنفيذ احكام الاعدام بحق ثلاثة فقط من المتهمين لحين الفصل في النزاع وقد استجابت المحكمة لذلك كما طلبت المكسيك من المحكمة أن تأمر أمريكا بعدد من الإجراءات لتنفيذ هذا الأمر وأن تحكم المحكمة بأن واشنطن لم تف بالتزاماتها في اتفاقية فيينا حيث لم تبلغ المكسيك بالمعلومات فور التأكد أن المقبوض عليهم من المكسيك وغيرها من الاجراءات التي تضمنتها الاتفاقية لصالح المتهمين وطالبت المكسيك بأن تحكم المحكمة بسبب هذه المخالفات بأبطال أحكام الاعدام ولكن المحكمة أكدت أن ذلك خارج عن اختصاصها.

تاسعًا: قضية الكونغو ضد بلجيكا عام 2000 حيث أصدر قاضى التحقيق البلجيكي أمرا دوليا بالقبض علي وزير خارجية الكونغو وتسليمه إلى بلجيكا لمحاكمته بارتكاب انتهاكات خطيرة داخل الكونغو للقانون الدولي الإنساني وابلغ القرار إلى جميع الدول بما فيها الكونغو يوليو 2000 وطلبت الكونغو من المحكمة الحكم بصفة عاجلة بإلغاء هذا الأمر ولكن المحكمة رفضت فطلبت الكونغو أن تحكم المحكمة بأن بلجيكا انتهكت حصانة وزراء الخارجية من الاجراءات الجنائية وطلبت الغاء أمر القبض وتقديم تعويض علي اضراراه. وأكدت المحكمة أن حصانة الوزير مطلقة وأن اساسها الوظيفة ويتمتع بهذه الحصانة عن كل افعاله الرسمية والشخصية مادام في المنصب حتى لو كانت اتهامات بجرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية واكدت المحكمة أنه ليس هناك استثناء علي هذه الحصانة وميزت المحكمة بين الحصانة القضائية والمسؤولية الجنائية وأكدت أن الحصانة القضائية تمنع المحاكمة لفترة زمنية وعلي جرائم معينة ومجرد صدور حكم القبض يشكل انتهاكا من بلجيكا اتجاه الكونجو وأن بلجيكا فشلت في احترام حصانة الوزير الكونغولي كما أن بلجيكا اخطأت في انها وزعت القرار علي الدول واعتبرت المحكمة أن قرارها يعتبر ترضية للكونغو عما اصابها من ضرر ولكن المحكمة تركت لبلجيكا أن تلغى الأمر بالقبض علي الوزير بالطريقة التي تريدها.

عاشرًا: في عام 1982 طلب المجلس الاقتصادي والاجتماعي من المحكمة رأيا استشاريا عاجلا حول مدى تمتع مقرر اللجنة الفرعية حول الاقليات في لجنة حقوق الانسان بالحصانات والامتيازات المقررة باتفاقية الأمم المتحدة وكان هذا المقرر قد مرض ولم يحضر جلسة اللجنة ولم يقدم التقرير وانتهت مهمته دون أن يعفي من المهمة وقامت السلطات الرومانية (وهو من رعاياها) برفض منحه تصريحا للسفر واشتكى المقرر للأمم المتحدة واتصل الأمين العام المساعد بناءً علي طلب اللجنة بالسلطات الرومانية التي ادعت أن اتفاقية الأمم المتحدة لا تسوى بين المقررين ومهمتهم موسمية وأن الامتيازات والحصانات وظيفية لا تسرى إلا خلال المهمة الرسمية وأصدرت المحكمة رأيها في 15/12/1989 رفضت دفع رومانيا بأن المحكمة غير مختصة وخلصت المحكمة إلى أن الاتفاقية تنطبق علي الخبراء غير موظفي الأمم المتحدة حتى لو لم يسافروا وهذا يسرى في دولة الجنسية أو الاقامة ما لم تكن الدولة تحفظت على ذلك.

حادي عشر: قضية إيران ضد كندا 2023 حول اتفاقية حصانة الدولة.

ثاني عشر: دعوى الكونغو ضد فرنسا؛ حيث صدر حكم قضائي فرنسي ضد رئيس الكونغو وعدد من الشخصيات الأمنية والعسكرية بتهمة جرائم ضد الانسانية في الكونغو، ولكن المدعي طلب رفض الدعوى. وتمت تسوية النزاع وديًا.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الجميّل التقى سفيرة سويسرا
  • ما هي موارد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وفقاً للقانون ؟
  • العدل تحدد موعد المقابلات الشخصية للقضاة ومحامي الدولة والعاملين فيها المنشقين عن النظام البائد والراغبين بالعودة للعمل
  • نيابة عن رئيس الدولة.. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات في القمة العربية غير العادية التي افتتح أعمالها الرئيس المصري
  • ما هي الرسائل السياسية التي تحملها زيارة الرئيس اللبناني إلى السعودية اليوم؟
  • وزير الدولة للشؤون الخارجية ومبعوث الرئيس الفرنسي الخاص إلى لبنان يناقشان الأوضاع الإقليمية الراهنة والموضوعات ذات الاهتمام المشترك
  • نيابة عن رئيس الدولة .. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات في القمة العربية غير العادية التي افتتح أعمالها الرئيس المصري
  • ضبط 18 مخالفا لتهريبهم 480 كيلوجرامًا من القات بعسير وجازان
  • القانون الدبلوماسي الدولي بين النظرية والتطبيق
  • مصرع امرأة وإصابة 4 أشخاص بحادث سير في صلاح الدين