هل يصح القول: الأديان السماوية؟
د. #هاشم_غرايبه
في قوله تعالى: “أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ” [آل عمران:83]، وفي كل موضع آخر لم يرد الدين إلا بصيغة المفرد، لم يرد في أية مرة بصيغة (الأديان)، ومع ذلك لا يزال كثيرون يرددون عبارة الأديان السماوية، جهلا أو إضلالاً.
لا يعني ذلك رفضا أو إنكارا للشرائع والرسالات التي سبقت الإسلام، فهي بلا شك من عند الله، لكن من يوحّد الله ويعتقد أنه متفرد بألوهية الكون، يعلم يقينا أنه لا يمكن أن ينزل أديانا متباينة على البشر، ويخيرهم باتباع ما يشاؤون، بل دينا واحدا.
قد يتساءل البعض مغرضا: لو كان الدين عند الله الإسلام، فلماذا عدد أتباع غيره أكثر؟.
التساؤل الإستنكاري في أول الآية التي ذكرنا، هو دليل على أن الله يعلم أن كثيرا من الناس سيتبعون غير دين الله، بسبب الميل لاتباع الهوى، والنزوع الى اتباع الأسهل والأقل تكليفا.
وفق احصاء 2020 يبلغ عدد سكان العالم (7.82 مليار)، يتوزعون حسب الديانة كما يلي: المسيحية 31.50% ، الإسلام 24.90% ، الهندوسية 15.2 %، البوذية 6.77 %، السيخ 0.35 % ، اليهودية 0.2 % ، ديانات اخرى 9.41%، غير متدينين 9.66% وملحدين 2.01%.
النسب المئوية المذكورة، لا تمثل القناعات الفكرية الحرة للإنسان، فهي تأتي في الأغلب ولاديا، أي يتبع الفرد الدين الذي ولد عليه إلا في حالات ضئيلة، عندما تتهيأ ظروف تتيح للإنسان التفكير الحر والمناقشة الموضوعية بدون ضغوط اجتماعية أو سياسية، عندها يتحول الى دين الله، لكن لا يوجد شخص يعتنق الإسلام بقناعته، تحول الى غيره، فقد يتحول الأمي الى متعلم، لكن لا يمكن أن يتحول المتعلم الى أمي.
العائق الأساسي أمام التحول أمران: الأول أن المرء يميل الى الأسهل والأقل تكليفا، فالبوذية أو الإلحاد مثلا ليست دينا حقيقيا بتشريعات، بل مجرد فلسفات لا يتطلب اتباعها التزامات يومية (العبادات)، أوتكلف مالا (الزكاة والجهاد بالمال)، ولا تفرض التضحية بالنفس والجهد (الدعوة).
الثاني: أن هذا التحول ليس أمرا مقبولا من البيئة المجتمعية، لأنه يفترض تغيير الولاءات، لذا يعد بمثابة الخيانة، فمن يقدم عليه يتعرض لمخاطر قد تكلفه حياته أو علاقاته الإجتماعية، فقد ذكر الفيلسوف البريطاني الملحد (برتراند رسل)، أنه كان لا يطيق رؤية خاله بعد أن دخل الإسلام، مع أنه كان يحبه قبل ذلك، إن كان هذا تصرف شخص مثقف بل مفكر، .. فكيف بالعامة!؟.
من ملاحظة الآية الكريمة، فبعد أن ورد ذكر الدين فيها بالإفراد وليس بالتعدد، عرّفه تعالى بالإضافة، بنسبته إلى ذاته العلية (دين الله)، فاصبح معرفا بأنه هو الذي اختاره الله دينا، فلا دين عنده غيره، لذلك لا يجوز القول (الأديان السماوية) بل هو دين سماوي واحد، ولإزالة كل ابهام ممكن حول مسماه، وحتى لا يدّعي أي كان أن ما يتبعه هو دين الله، قال: “وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا”.
نلاحظ أنه تعالى لم يقل: (وبه آمن من في ..)، لأنه حتى الكافر والمشرك قد يؤمن بوجوده لكنه لا يتبع دينه، بل ذكر تعالى (أسلم) لكي تؤدي معنى استسلم لأمره باتباعه دينه، وتشير في الوقت نفسه الى أنه هو الإسلام، وحدده تعالى بأنه هو ملة ابراهيم: “مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ” [الحج:78]، وأوصى ذريته (كل الأنبياء من بعده) باتباعه، وسماهم المسلمين من قبل نزول الرسال الخاتمة.
دائما يعبر الله عن الكون بعبارة السماوات والأرض، أما إسلامهم طوعا فكان إسلام ذرية آدم، عندما أخذ ميثاقهم قبل خلقهم بشرا: “وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى”، وأما إسلامهم كرها فذلك يوم القيامة حينما يقول المكذبون نادمين: “قالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ”.
كل البشر سيسلمون له حينذاك حينما يروا تحقق ما وعد به الله على لسان رسله، لكن إسلام من كَذّب بالدين الحق في الدنيا لن ينفعه، مثلما ما نفع فرعون إيمانه لما رأى العذاب.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه الأدیان السماویة دین الله
إقرأ أيضاً:
صلاة تشهدها ملائكة الليل والنهار .. واظب عليها فى رمضان
صلاة الفجر، أقسم الله -تعالى- في القرآن الكريم بوقت صلاة الفجر؛ للإشارة إلى أهميّتها وأجرها، وعِظم أثرها في النّفس، فورد في الحديث الشريف أنّ مَن صلّى الفجر جماعةً كان في ذمّة الله -تعالى- وحمايته، وقد رُوي كذلك عن الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ النّاس لو علموا فضل صلاة الفجر والعشاء لأتوهما ولو حبواً، وفي حديث آخر قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (مَن صلّى الصبحَ في جماعةٍ فكأنما صلّى الليلَ كلَّهُ)، ورُوي أنّ ملائكة الليل تجتمع بملائكة النّهار في وقت صلاة الفجر وتسجّل شهادتها على المصلّين لله تعالى، ولصلاة الفجر ركعتين نافلةً يركعهما المسلم، قال عنهما الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّهما أفضل من الحياة الدنيا وما فيها لعظيم فضلهما، فإذا كان فضل ركعتين النّافلة خير من الدّنيا وما فيها، فلا شكّ أن فضل ركعتيّ الفريضة أجرهما أكبر ومكانتهما أرفع من ركعتيّ النّافلة.
قرآن الفجر كان مشهوداًيُعرّف المفسّرون لفظ قرآن الفجر بأنّه تلاوة القرآن الكريم في صلاة الفجر، فقراءة القرآن ركن من أركان الصّلاة، وتُسمّى الصّلاة بالسجود أو بالركوع؛ لأنّهما من أركان الصّلاة أيضاً، ولذلك فتفسير قول الله تعالى: (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)؛أيّ أنّ صلاة الفجر مشهودة؛ أي تشهدها ملائكة الليل والنّهار، إذْ تجتمع الملائكة في صلاة الصّبح، وقد خُصّت صلاة الفجر بالذّكر في القرآن الكريم؛ لأنّها تُصلّى بقراءة جهريّة للقرآن الكريم، كما أنّها أطول من باقي الصّلوات، فكان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقرأ في صلاة الصّبح ما يقارب ستين آية أو مئة آية، وقد يقرأ سورة السجدة كاملةً في ركعةٍ واحدةٍ، أو سورة الرّوم، وكذلك كان يقرأ سورة التّكوير وسورة ق.
دعاء الليلة السادسة من رمضان .. ردد هذه الأدعية تيسر حياتك وتجعل لك نصيبًا فيما تحب
دعاء الصائم قبل الإفطار مستجاب .. احرص عليه
وردت عدّة أحاديث نبويّة تبيّن فَضْل صلاة الفجر وتحثّ عليها، وفيما يأتي بيان بعضها: إنّ صلاة الفجرِ في جماعة تَعدِل قيام كلّ الليل، وقد رُوي عن عمر بن الخطاّب -رضي الله عنه- أنّه يفضّل صلاة الصّبح على قيام كلّ الليل. صلاة الفجر جماعةً تعدّ حصن للمسّلم وهي أمان له، فالذي يصلّي الفجر في جماعةٍ بعتبر في ذمّة الله -تعالى- حتى يُمسي. صلاة الفجر تعدّ ضمان لدخول الجنّة بإذن الله تعالى، فقال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (مَن صلَّى البردَينِ دخَل الجنةَ)، والبردين هما: صلاة العصر وصلاة الصُّبح. إنّ صلاة الفجر تحجب مؤدّيهاعن النّار، فرُوي عن الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- ما يدلّ على أنّ المحافظ على صلاة الفجر لا يدخل النّار. إنّ مَن يؤدّي صلاة الفجرِ تشهد الملائكة له بحضوره للصّلاة، فهي موكّلة بحضور صلاة الصّبح مع المصلّين. إنّ في صلاة الفجر براءة لصاحبها من النّفاق، فالرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- قال إنّ صلاة الفجر من أثقل الصّلوات على المنافقين. إنّ صلاة الفجر تعدّ سبباً لنشاط المسّلم وهمّته، فقد ورد في حديثٍ نبويّ أنّ مَن ينام يعقد الشّيطان على رأسه ثلاث عُقد حتى ينام ويكسل، وإذا استيقظ المسّلم لصلاة الفجر وذكر الله -تعالى- انحلّت عقدة منهنّ، وإذا توضّأ انحلّت العقدة الثّانية، وإذا صلّى الفجر انحلّت العقدة الثالثة. إنّ صلاة الفجر تعدّ من وصايا الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه رضي الله عنهم، فقد أوصى الرّسول أصحابه بأداء صلاة الفجر لعظيم فضلها.
أمور تعين على صلاة الفجرهناك عدّة أمور تُعين على صلاة الفجر ويستطيع المسّلم القيام بها؛ منها:
1)الخوف من الله -تعالى- والخشية منه؛ فعلى المسّلم أن يبقى دائماً منتبهاً متيقظاً لحاله، فيخشى سخط الله -تعالى- وعِقابه، ويخاف أن تنتهي حياته دون أن يقدّم ما يُرضي الله -تعالى- عنه ليفوز بالجنّة يوم الحساب، ومن الأمثلة على ذلك من حياة الصّحابة رضي الله عنهم: عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- الذي كان يبكي ويخشى من طول الأمل ومن اتّباع الهوى، فطول الأمل يُنسي الإنسان أنّ له حياة آخرة وأنّه سيُحاسب على جميع أعماله التي قام بها في الحياة الدنيا، وأمّا اتّباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ ويميل الإنسان إلى سواه، فعلى المسلم أن يبقى ذاكراً لله -تعالى- لينال رضاه.
2) البُعد عن المعاصي والمحرّمات؛ فالمعصية تغطّي القلب وتحرمه من الرؤية الصحيحة والهمّة للطّاعة وقد يُحرم المسّلم من التّوفيق في الطاعات، فيُحرم العبد بذنبه صلاة الفجر.
3) الاستغفار؛ فمهما حرص المسّلم على الابتعاد عن المعاصي وترك الذّنوب فإنّه قد يقع في التقصير والخطأ والزّلل، فيكون الاستغفار وسيلةً لمَحو السيّئات التي يغفل عنها المسّلم، وفضل الاستغفار عظيم وثقيل في الميزان، وقد امتدح الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- المُكثؤين من الاستغفار.
4) الإكثار من الأعمال الصالحة في اليوم؛ فالحسنة تجرّ خلفها الحسنة، وكذلك السيّئة تشجّع على السيّئة، فمَن أكثر من الطّاعات في نهاره وُفّق للمزيد منها. النيّة الصّادقة والعزم على الاستيقاظ باكراً لأداء صلاة الفجر؛ فمن نام ونيّته جازمة للقيام وقت صلاة الفجر وُفّقه الله -تعالى- لذلك.
5) النّوم على طهارة؛ فرُوي عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ مَن بات طاهراً يبيت فوق رأسه مَلك يدعو ويستغفر له إذا استيقظ في الليل، ووجود مَلَك فوق رأس المسّلم أدعى وأقرب لقيامه لأداء صلاة الفجر.
6) الاستعانة بوسائل أخرى للإستيقاظ؛ مثل: ضبط المنبهات والاتفاق مع صديقٍ ما، وغير ذلك من الوسائل.