التخطيط التنموي في تونس: بين النقد والاستشراف
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
منذ حصولها على الاستقلال سنة 1956، اعتمدت الدولة التونسية نهج التخطيط التنموي بوصفه إحدى أهمّ الآليات لتحقيق النمو الاقتصادي، وتحسين الأوضاع الاجتماعية، وبناء المؤسسات الوطنية.
ونجحت على مدى العقود الماضية في إرساء تقاليد وآليات إجرائية ومنهجيات ومؤسسات مركزية وقطاعية وجهوية لإعداد المخططات وتنفيذها وتقييمها.
ولئن ساهم التخطيط المركزي في تأسيس بنية تحتية صناعية وتعليمية وصحية تُحسب لتونس، مقارنة بالعديد من الدول النامية، فإنّ الوعود الكبرى التي رافقت هذا النهج واجهت وما زالت تواجه تحدّيات جمّة حالت دون تحقيق "المعجزة الاقتصادية"، أو بلوغ مستوى الدول الصاعدة.
بعد الثورة التونسية سنة 2011، التي قامت على مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، برزت فرصة تاريخية لإعادة النظر في منوال التنمية، ورسم طريق جديد ينأى عن كلّ عوامل الفشل السابقة.
بيد أنّ عدّة عوامل، داخلية وخارجية، تضافرت لتحول دون حدوث القطيعة الضرورية مع النهج الماضي. فما بين "مخطط الياسمين" مباشرة بعد الثورة، و"المخطط الخماسي 2016-2020″ الذي انتهى أجله دون أن تتحقّق أهدافه الاستشرافية، أضحى الرهان على سؤال مركزي: هل تحتاج تونس حقًّا إلى مخطّط تنموي جديد بالطريقة ذاتها، أم إلى مراجعة شاملة لمنوالها ومقاربتها في التخطيط؟
إعلانلكن، قبل التوصل إلى مقاربة فعالة جديدة تجيب عن ذلك السؤال، تعرض النهج القائم، محل التساؤل، إلى انتكاسة كبيرة إثر الأزمات السياسية والاقتصادية المتعاقبة التي بلغت ذروتها في 25 يوليو/ تموز 2021، حين تمّ الانقلاب على الديمقراطية ودخلت البلاد إلى فترة الحكم الانفرادي الشعبوي.
منذ ذلك الحين، تحوّل "التخطيط التنموي"، إلى مجرد أداة بيروقراطية تُستخدم لتبرير قرارات فردية، ومقاربات ارتجالية، مثل؛ الدفع نحو مركزة أكبر للدور الاقتصادي للدولة، ونحو نماذج اقتصادية غير مدروسة كالشركات الأهلية، التي افتقرت إلى آليات واضحة للتمويل والإدارة. وهو ما زاد في تعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بنسق متسارع وخطير يهدد استقرار الدولة وأمن المجتمع.
في ظل هذا النظام الدكتاتوري، الذي يفتقر إلى التشاركية والانفتاح على كل مكونات المجتمع، أصبح التساؤل مشروعًا: هل يمكن أن ينجح التخطيط التنموي في ظل نظام أوتوقراطي، فاقد للنجاعة، والمعرفة التقنية، والإرادة لتحقيق تنمية مستدامة؟
يستعرض هذا المقال، مسار التخطيط في تونس منذ الاستقلال إلى ما بعد الثورة، ثم ما بعد الانقلاب، ويسلّط الضوء على أهمّ المحطّات والتحوّلات، قبل أن يعرض قراءة نقدية للمقاربة المتّبعة طيلة العقود الماضية، وصولًا إلى رسم معالم رؤية استشرافية بديلة منسجمة مع التطورات الحاصلة في العالم، بغرض إخراج البلاد من دائرة إعادة إنتاج الفشل التنموي.
أوّلًا: جذور التخطيط التنموي في تونس
مرحلة ما بعد الاستقلال (1956- أواخر الخمسينيّات)
غداة الاستقلال، وجدت الدولة التونسية نفسها أمام تحدّيات كبرى تتعلّق ببناء المؤسسات السيادية، وتحقيق حدّ أدنى من الكفاية الاقتصادية والاجتماعية. وشأنها شأن دول كثيرة نالت استقلالها حديثًا، تأثّرت تونس بالنزعة الاشتراكية والتخطيط المركزي الذي كان رائجًا في بلدان المعسكر الاشتراكي، وفي عدد من الدول الرأسمالية نفسها (مثل فرنسا) التي اعتمدت هي الأخرى نوعًا من التخطيط التوجيهي بعد الحرب العالمية الثانية.
إعلانسعت الدولة الناشئة إلى اعتماد مخطّطات تنموية ثلاثية أو خماسية للتركيز على القطاعات الإستراتيجية: الصناعة الثقيلة والفلاحة والتعليم والصحة.
ومنذ المخطّط الأوّل، ظهرت نزعة قوية لدى السلطة المركزية في قيادة المبادرات التنموية، سواء من حيث تعبئة الموارد المالية، أو تحديد المشاريع الاستثمارية، أو تهيئة المناطق الصناعية.
من التأميم إلى الليبرالية فالإصلاح الهيكلي والانفتاح المحدود
مرّ الاقتصاد التونسي بجملة من التحوّلات الكبرى:
مرحلة التأميم (1961–1965): تحت وطأة الأفكار الاشتراكية والتعاضديات، حاولت الدولة توجيه النشاط الاقتصادي بقبضة مركزية، لكن التجربة لم تُعمّر طويلًا بفعل ضعف الإمكانات وتنامي المقاومات المجتمعية. مرحلة الانفتاح الليبرالي (السبعينيّات من القرن الماضي): انطلقت الدولة في تشجيع الاستثمار الخاصّ والسياحة في الشريط الساحلي للبلاد، مفسحةً المجال أمام شراكات أجنبية ودخول رؤوس أموال خارجية في مشاريع ذات قيمة مضافة ضعيفة وطاقة تشغيلية عالية تستند إلى أجور ضعيفة، وإن ظلّ التخطيط حاضرًا في صيغة موجِّهة. مرحلة الإصلاح الهيكلي (الثمانينيّات): تحت ضغط المؤسسات المالية الدولية، واجهت تونس أزمة مديونية خانقة، فاضطُرّت لاعتماد برنامج الإصلاح الهيكلي الذي قيّد حرية القرار التنموي بالاشتراطات الخارجية. وزاد الارتباط بالخارج دون سياسات تحرير اقتصادي كاملة في التسعينيات وبعدها، خاصة بعد توقيع اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في 1995.في هذه المسارات جميعًا، ظلّ إعداد المخطّطات والبرامج التنموية السنوية مرتبطًا ببنية بيروقراطية راسخة: (مندوبية عامة للتنمية الجهوية، دواوين تنمية، مندوبيات جهوية، لجان قطاعية…). وقد اكتسبت الدولة على امتداد عقود تقاليد وآليات إجرائية واضحة تُوَثَّق في تقارير تقييمية دورية. إلّا أنّ سؤال الفاعلية ظلّ مطروحًا مع كلّ مخطّط خماسي أو ثلاثي جديد.
إعلانثانيًا: إنجازات محدودة وكلفة اجتماعية مرتفعة
رغم ما حقّقه التخطيط من نتائج إيجابية على مستوى توسعة شبكة البنية التحتية: (طرقات، كهرباء، مياه…) والرفع من معدّلات التمدرس وتحسين المؤشّرات الاجتماعية نسبيًّا، فإنّ العوامل التالية أضعفت أثر المخطّطات التنموية في تحقيق الإقلاع الاقتصادي:
التفاوت الجهوي: إذ تمحورت أغلب الاستثمارات العمومية الكبرى في الشريط الساحلي، وبدرجة أقلّ في مناطق قريبة من المراكز الحضرية الرئيسية، ما أدّى إلى تعميق الهوّة بين الساحل والداخل.
وعلى الرّغم من إدراج مشاريع تنموية في بعض المخطّطات المتعاقبة للجهات الداخلية، فإنّ نسبة الإنجاز ظلّت ضعيفة، وبقيت البطالة والفقر والتهميش الجهوي من أبرز التحدّيات.
استفحال الاقتصاد الرَّيعي: حيث أسهمت طبيعة التخطيط المركزي، إلى جانب سيطرة الحزب الحاكم قبل الثورة، في خلق نسيج اقتصاديّ تحكمه رخص وامتيازات تحتكرها عائلات نافذة ولوبيات موالية للمنظومة السائدة.
وقد تكرّس هذا الوضع مع البرامج التنموية القُطرية التي غالبًا ما كانت خاضعة لاعتبارات سياسية ومصلحية.
تغيّر السياسات وتناقضها: مع تغيّر الحكومات أو انتقال البلاد من توجّه اشتراكي إلى آخر ليبرالي، كانت إستراتيجيات التنمية تتعرّض للتبديل أو الإلغاء أو المراجعة الجذرية، ما أفقدها عنصر الاستمرارية.
إضافةً إلى ذلك، ساهم توسّع المديونية وعجز الميزانية في تهميش أهداف المخطّطات نفسها، إذ إنّ الحكومات المتعاقبة خضعت لشروط المانحين، ما انعكس سلبًا على مبدأ السيادة الوطنية في اتخاذ القرارات الإستراتيجية.
غياب التقييم الشامل والشفّاف: إذ اعتادت الإدارات الجهوية والمركزية تقديم تقارير مرحلية وجزئية، تبيّن مدى تقدّم تنفيذ المشاريع المرصودة في كلّ ولاية أو قطاع، لكنّ هذه الآلية البيروقراطية لم تُتَرجَم إلى تقييم وطني شامل قادر على ربط تلك النسب ومؤشرات الإنجاز بالأهداف الكبرى: كالتشغيل والعدل الاجتماعي والابتكار والتصدير وضمان الأمن الغذائي، أو تحقيق التوازنات الكبرى. وبالتالي، ظلّ التخطيط يدور في حلقة مفرغة: إعداد مخطّط جديد دون تقييم حقيقي لسابقه.
إعلانهذه العوامل مجتمعة خلقت مناخًا متوتّرًا على مدى عقود، تجلّى في تنامي الاحتقان الاجتماعي، وبرزت أوضح صوره في انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008، ثمّ في انفجار الثورة سنة 2011، التي كان فشل التنمية أحد أهمّ العوامل البنيوية المؤدّية إليها.
ثالثًا: الثورة التونسية وفرصة التغيير المهدورة
مع اندلاع الثورة وسقوط نظام بن علي، كانت تونس أمام فرصة ذهبية لإعادة هندسة منظومتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي قلبها المنوال التنموي. إذ تعلّقت الآمال بأن يجري استثمار الزخْم الشعبي الكبير ورحيل منظومة الحزب الواحد، لطرح مقاربة تنموية تشاركية جديدة تتجاوب مع روح الثورة وتطلّعات الشارع التونسي. لكنّ الواقع جاء مختلفًا:
انشغال بالمسار السياسي وغياب الرؤية التنموية: حيث تحوّل الاهتمام سريعًا إلى الصراع الأيديولوجي حول النموذج المجتمعي، وإلى الجدال السياسي والدستوري حول إدارة المرحلة الانتقالية وطبيعة النظام السياسي وتقاسم الصلاحيات التنفيذية. وأُهمِل النقاش حول صياغة برنامج اقتصادي- اجتماعي ثوري قادر على التصالح مع الجهات المحرومة ودعم المبادرات الشبابية. وتُرك الملف الاقتصادي التنموي بين أيدي البيروقراطية الإدارية ولوبيات المصلحة الداخلية والجهات المانحة الخارجية.
ظهور "مخطّط الياسمين": وهو مخطط تنموي خماسي أعدّته الحكومة المؤقتة برئاسة الباجي قائد السبسي (2011) بتنسيق من وزير المالية آنذاك جلول عياد، وبدعم من اتحاد الأعراف. وقد رُوِّج للمخطط بأنّه سيجعل من تونس "سنغافورة المتوسّط". غير أنّ إعداده افتقر إلى تشاركية فعليّة، حيث تمّ الاتكال على مكاتب دراسات دولية ومقترحات مجموعة الثماني في مؤتمر "دوفيل" بفرنسا في مايو/ أيار 2011.
وجاءت النتيجة في شكل مجلّد أنيق من الوعود المالية والأرقام المرتفعة لخلق مليون موطن شغل وتعبئة 125 مليار دينار…، بالارتكاز على فرضية نسب نمو لا تقل عن 5٪ سنويًا، دون أدنى إنجاز فعلي في أرض الواقع.
إعلانغياب التصوّر الاقتصادي لدى الحكومات الانتقالية: حيث إن حكومتَي الترويكا (2012-2013) اعتمدتا بدرجة كبيرة على ما ورد في "مخطّط الياسمين". إذ لم تُبلورا رؤية تنموية جديدة تتناسب مع خيارات ثورية طالبت بتكريس العدالة الاجتماعية والقطع مع الفساد والاقتصاد الرَّيعي. وغادرتا الحكم دون منجز اقتصادي يُذكر.
ثم جاءت حكومة المهدي جمعة (2014) لتعمّق الانخراط في منطق الاستدانة مقابل تقديم تعهّدات للمؤسّسات المالية الدولية بإجراء إصلاحات هيكليّة تقشّفية. وفي الأثناء، باتت دوائر القرار التنموي ذات صبغة خارجية أكبر مع لجنة قيادة دولية فيها شخصيات رسمية أجنبية، لإعداد دراسات إستراتيجية لم تُنشر للعموم ولم تُعرض على البرلمان، ما أثار تساؤلات حول شفافية الخيارات التنموية في فترة ما بعد الثورة.
رابعًا: مخطّط 2016-2020: الكثير من النوايا ونتائج باهتة
في ظلّ حكم الباجي قائد السبسي رئيسًا للجمهورية، والحبيب الصيد رئيسًا للحكومة، بدأ إعداد المخطط الخماسي للتنمية 2016-2020 في يوليو/تموز 2015. كان الهدف المعلن هو القطع مع الآليات القديمة وإشراك المواطنين والمجتمع المدني في تحديد الأولويات الجهوية، مع اعتماد "وثيقة توجيهية" تُعَدّ بمثابة الرؤية الإستراتيجية. غير أنّ العملية شهدت عدّة هنات، من أبرزها:
دور مكاتب الدراسات الأجنبية: حيث لجأ وزير التنمية ياسين إبراهيم أوّلًا إلى بنك الأعمال الفرنسي "لازار" للمساعدة في إعداد المخطط وتسويقه. ثم استُبدل بـ"أرجيل" و"كومات" و"جون أفريك" وبمشاركة "دومينيك ستروس كان" المدير السابق لصندوق النقد الدولي.
ورغم إلغاء التكليف الأوّل تحت ضغط التساؤلات حول الشفافية والسيادة والمصلحة الوطنيتين، فإنّ الاتكال الكامل على خبرات خارجية بقيت مسألة ضبابية.
تواصل المنهجية التقليدية بنكهة "تشاركية" محدودة: إذ إنه مع تضييق الآجال وشيوع البيروقراطية، بقيت القنوات الرسمية؛ (المجالس الجهوية، دواوين التنمية…)، هي المسيطرة على العملية. واكتُفي بجرعات من الاستشارات المحدودة مع المنظمات الاجتماعية وبعض ممثّلي المجتمع المدني في الجهات. فكانت النتيجة مخطّطًا ضخمًا من الأهداف والنوايا دون قلب حقيقي لموازين السياسات ولا وضع خطط تمويلية واقعية.
إعلانالتعويل على "الإصلاحات الكبرى" بإملاءات خارجية: إذ ركّز المخطّط المذكور، وكذلك تصريحات المسؤولين الحكوميين حينها، على "إصلاح الدولة والإدارة"، وتنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية؛ وهي في معظمها مطالب قديمة لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، لا تنسجم بالضرورة كلها مع مسار تطوير اقتصاد تضامني أو الحدّ من التفاوت الطبقي والجهوي.
تقييم محدود الأثر: حيث جاء موعد انتهاء المخطّط الخماسي الأول بعد الثورة بنهاية سنة 2020 دون أن تتحقّق النسب المتوقّعة من النمو أو توفير مواطن الشغل أو تقليص الفقر والتفاوت الجهوي.
وعاد الحديث عن ضرورة تقييم النتائج. بيد أنّ العادة الإدارية في تونس رسّخت نمطًا من "التقييم" الإحصائي – الأقرب إلى التقدّم المادّي للمشاريع من حيث الإنجاز المالي والفني- بدل تقييم المنوال ككلّ في ضوء أهداف التنمية المستدامة أو أهداف الثورة.
فاقد الشيء لايعطيه! كان من الخطأ انتظار تغيير جوهري في منهجية التخطيط من حكومة صرّح وزيرها للإصلاحات (توفيق الراجحي) أن وضع البلاد لا يتطلب منوالًا تنمويًا جديدًا وإنما فقط "إصلاحات" في المنوال السابق، مؤكدًا أنه "لو لديك سيارة ولاحظت أنها ليست ناجعة بما فيه الكفاية فأنت لا تغير كل شيء في مرة واحدة بل تتطرق الى أصل المشكل ثم لا تغير إلا الذي يجب تغييره وتحافظ على الباقي"!!
كان الكثير من التونسيين يتوقعون أن الهدف الرئيسي للثورة تعويض العربة المعطلة التي عجزت عن إيصالنا إلى بر الأمان بعربة جديدة منسجمة أكثر مع واقعنا، بمحرك قوي ونظيف وفعال ومقتصد (الدولة) ودفع ذاتي وعدل في الرفاهية بين كل الركاب، وقدر كبير من الأمان والسلامة ووضوح في الرؤية ومرونة في الحركة مع ثبات في الاتجاه وقدرة على الوصول إلى الوجهة المحددة. فأصبح المطلب بعد خمس سنوات من الثورة مجرد إصلاحات ترقيعية في هيكل متهالك يندفع بسرعة متزايدة نحو حائط أملس.
إعلانخامسًا: البهتة التنموية وخروج القطار عن السكة المهترئة
في بداية 2021، نشرت مقالًا في جريدة الصباح التونسية تساءلت فيه إن كانت البلاد ما زالت بحاجة إلى مخطّط خماسي جديد. وبينت فيه آنذاك، عدم جدوى الدخول في مغامرة إعداد مخطّط خماسي جديد (2021-2025) بالأسلوب البيروقراطي المعتاد، في ظل الأوضاع المعقدة التي كانت تعيشها البلاد. حيث كانت الأزمة السياسية على أشدها بسبب تشظّي المشهد الحزبي وتصاعد الصراعات الأيديولوجية وتنازع الصلاحيات بين مختلف الرئاسات والمؤسّسات.
وكان الوضع الاقتصادي في أسوأ حالاته في أعقاب مرور جائحة كوفيد-19، وما خلفته من تفاقم لعجز الموازنة، وتدهور قيمة الدينار، وازدياد نسب البطالة، وإفلاس مئات المؤسسات الصغرى والمتوسّطة المتأثّرة بالجائحة، مع تصاعد التوتّر والإضرابات في أكثر من قطاع وجهة.
كل هذا في ظل تراجع ثقة المانحين والمستثمرين، بسبب تعطّل الإصلاحات الهيكلية وعدم استقرار المناخ السياسي. وقلت آنذاك إن الأولوية ليست إعداد مخطّط خماسي يوزَّع على مشاريع قد يعجز تمويلها وقد لا تحظى بالتوافق اللازم؛ بل تقتضي الواقعية إعداد "برنامج إنعاش اقتصادي وتضامن اجتماعي" يمتدّ لأربع سنوات، لإنقاذ النسيج الاقتصادي والاجتماعي، على أن يتمّ، في الأثناء، فتح حوار وطني حقيقي حول منوال التنمية المقبل، على مستوى النخب والفاعلين السياسيين والمجتمع المدني والمواطنين عمومًا، حتّى تُعرض المخرجات كبرامج واضحة أثناء المحطّات الانتخابية المقبلة.
ما حصل إثر ذلك كان تعطل مسار إعداد المخطط الخماسي (2021-2025) لقرابة السنتين، ثم الانطلاق في إعداد مخطط ثلاثي للفترة الممتدة من 2023 إلى 2025، بشكل بيروقراطي في إطار شكلاني محدود، بعيدٍ عن أي روح تشاركية جدية أو حوار مجتمعي، في ظل أوضاع سياسية جديدة تمثلت في الانقلاب على الدستور وحلّ البرلمان، وتجميع كل السلطات في يد رئيس الجمهورية وقمع الحريات واستهداف الأحزاب والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني.
إعلانوهو ما أفرز مخططًا أحاديًا باهتًا فضفاضًا، تعطلت المصادقة عليه من طرف مجلس الوزراء لمدة عامين كاملين، حيث صودق عليه من حكومة أحمد الحشاني يوم 9 مارس/ آذار 2024.
وانسجامًا مع طبيعة المرحلة المرتكزة على الشعارات الشعبوية، تم ربط المخطط الثلاثي 2023-2025 أثناء إعداده بمشروع "رؤية تونس 2035″، التي تم تقديمها من طرف رئيس الحكومة ذاته باعتبارها تمثل "نموذجًا تنمويًا جديدًا يرتكز على التجديد والإدماج والاستدامة". وتم إعدادها من طرف الإدارة بدعم تقني من طرف الوكالة الألمانية للتنمية GIZ. "منوال تنموي جديد" لم يشارك في إعداده أو مناقشته أحد لا في المنتظم السياسي ولا المجتمع المدني ولا حتى في البرلمان.
وفي شهر يوليو/ تموز 2024، أعلنت فريال الورغي وزيرة الاقتصاد والتخطيط عن الانطلاق في إعداد المخطط الخماسي 2026-2030، مستندة إلى رؤية تونس 2035، ومعتمدةً على مقاربة تأخذ بعين الاعتبار التقسيم الترابي الجديد للبلاد إلى خمسة أقاليم، حيث سيتم وضع مخطط تنموي خاص بكل إقليم.
خلال السنوات الأخيرة، أصبح التخطيط التنموي نوعًا من الشكلانية الإجرائية المفرغة من أي مضمون جدي والفاقدة لأي تشاركية حقيقية في الإعداد ولأي ارتباط بالواقع. وأصبحت الفرضيات والأهداف المرقمة وهمية خيالية توضع على الورق دون أن تتبعها جهود حقيقية في الإنجاز وتحويلها إلى واقع.
سادسًا: ما هي المقاربة البديلة للتخطيط التنموي في تونس؟
في ظل الواقع السياسي الراهن، حيث تخضع تونس لحكم استبدادي غير شرعي، تظل الأولوية الوطنية الملحّة هي استعادة الشرعية الديمقراطية، وإعادة بناء نظام سياسي يستند إلى ديمقراطية ناجزة ومستدامة، تتجاوز هشاشة التجارب السابقة.
ومع السعي لتحقيق هذا الهدف المحوري، ينبغي علينا التفكير في ابتكار مقاربة جديدة للتخطيط التنموي تكون قادرة على توجيه البلاد نحو منوال تنموي جديد يضع الإنسان ورفاهيته كقيمة أساسية. هذا التوجه يتطلب استلهام التجارب الناجحة عالميًا، والاستفادة من إطار أهداف التنمية المستدامة 2030، مع مراعاة خصوصيات الواقع التونسي.
إعلانلن يكون من المجدي ومن المقبول مستقبلًا أن يُفرض أي مخطط تنموي قادم من طرف الإدارة البيروقراطية المركزية أو اللوبيات الريعية، ثم يأتي السياسيون إثر ذلك لتبني شعاراته ثم التملص من نتائجه.
حالما تعود البلاد إلى مناخات شرعية ديمقراطية، يجب العمل على أن يكون الشأن التنموي في قلب اهتمام النخب السياسية، وأن تكون البرامج الاقتصادية والاجتماعية في صلب التنافس الانتخابي عوضًا عن الانشغال بالحروب الأيديولوجية والسياسية التي أثرت سلبًا على مسار التنمية في البلاد.
في هذا السياق، يجب أن يكون المنوال التنموي مستقبلًا محور حوار وطني إدماجي تشاركي، من أجل بناء رؤية وطنية جامعة تتضمن ثوابت يتفق عليها الجميع، مثل السيادة الاقتصادية والأمن الغذائي والمائي والطاقي والبيئي، وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، والانتقال الرقمي، مع ترك التفاصيل للتنافس البرامجـي بين الأحزاب، وآليات التنفيذ للحكومات.
لا بد من تجاوز المنهجية التقليدية للتخطيط التنموي، المعتمدة على الاستشارات القطاعية والجهوية بالأسلوب البيروقراطي المعتاد، والمرتكزة على تجميع مقترحات المشاريع من الوزارات المختلفة ووضعها في ملف واحد دون رؤية جامعة وخيط ناظم.
ولا مناص من أن تنطلق عملية التخطيط مستقبلًا من تقييم شامل وشفاف، لا يقتصر على نسب إنجاز المشاريع المبرمجة، بل يشمل مؤشرات التنمية البشرية والتنافسية والحوكمة والفساد، ومدى التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) السبعة عشر، ومدى التقدم في تحقيق الإصلاحات الكبرى، مع التركيز على أثر المشاريع الكبرى على الفئات الهشّة والجهات المهمّشة.
التخطيط التنموي في تونس يجب أن يضع الإنسان في صميم اهتماماته، من خلال التركيز على تحسين جودة التعليم والرعاية الصحية، وتعزيز العدالة الاجتماعية عبر تقليص الفجوات الجهوية والاجتماعية وخلق فرص عمل كريمة وشاملة.
إعلانبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون السياسات التنموية مرنة وتستجيب لتغيرات السياق المحلي والدولي، مع التركيز على دعم التحول الرقمي كوسيلة لتحسين كفاءة الخدمات وتعزيز التنافسية الاقتصادية. كما يتعين دعم الشباب والمبادرات الريادية من خلال توفير التمويل والبنية التحتية المناسبة لتحفيز الابتكار وريادة الأعمال.
تمويل التنمية في ظل شح الموارد وارتفاع المديونية يتطلب حلولًا مبتكرة تشمل تحفيز الشراكة بين القطاعين؛ العام والخاص، وتطوير أدوات تمويل تشاركية مثل الصكوك الإسلامية والصناديق الوقفية وسندات المشاريع، وإشراك الجاليات التونسية بالخارج ضمن منظومة استثمار شفافة. كما يمكن تعزيز اللامركزية الجبائية لتمكين الجهات المحلية من تعبئة موارد إضافية لدعم خططها التنموية.
ولا يمكن تحقيق هذه الرؤية دون استعادة ثقة المواطنين والشركاء الدوليين، من خلال محاربة الفساد وتحسين مناخات الأعمال، وتمكين الجهات والفئات المحرومة. ولا شك أن بناء الثقة يحتاج إلى إرادة سياسية جادة ومشروع إصلاحي شامل يعيد الاعتبار لمؤسسات الدولة ويعزز الشفافية والمساءلة.
خاتمة واستشراف
على مدى قرابة سبعة عقود من التخطيط التنموي في تونس، تراوح الأداء بين مكاسب لا يمكن إنكارها في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية وتحسين المؤشرات الأساسية، وبين إخفاقات هيكلية عميقة في مجالات التشغيل والحدّ من الفقر والتفاوت الجهوي والفساد والارتهان للدوائر المالية الدولية.
وجاءت الثورة لتفتح بابًا واسعًا لتجديد المقاربات التنموية وتحويلها من "مجرّد تجميع مشاريع مشتتة" إلى رؤية وطنية تشاركية جامعة. إلّا أنّ السياقات السياسية المتقلّبة بعد الثورة، وغياب الرؤية، أدّت إلى إعادة إنتاج جزء كبير من المنظومة التنموية السابقة، وإن تغيّرت شعاراتها وشكلها. ثم جاءت مرحلة الشعبوية لتعيد التخطيط التنموي إلى مرحلة المركزة المفرطة المرتهنة للإرادة الفردية الآحادية العاجزة.
إعلانلقد أدى فشل "النموذج التنموي" لنظام الحزب الواحد في تونس إلى إندلاع ثورة عصفت بذلك النظام وغيّرت الجغرافيا السياسية في كامل المنطقة. وسيؤدي الفشل الذريع لأنظمة ما بعد تلك الثورة ونظام ما بعد الانقلاب في إرساء التنمية المنشودة وتحسين واقع المواطن إلى هزات لا أحد غير الله يعلم مداها وارتداداتها.
لذا، والنخب التونسية تناضل من أجل استعادة الديمقراطية، من واجبها العمل على صياغة رؤية تنموية جديدة بمنهجية مبتكرة، تضع الأسس لتنمية شاملة ومستدامة هدفها الأسمى رفاهية الإنسان. رؤية تواكب المرحلة المقبلة من ديمقراطية ناجزة ومستدامة، قادمة حتمًا، لأن ذلك يتماشى مع مسار التاريخ. وكما قال محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاقتصادیة والاجتماعیة المجتمع المدنی إعداد المخطط بعد الثورة ط الخماسی فی إعداد المخط ط مخط طات ط تنموی مخط ط ا من طرف مخطط ا رئیس ا ما بعد
إقرأ أيضاً:
ما أوضاع المساجين السياسيين في تونس؟
تونس- ندّد سياسيون وحقوقيون بتدهور الوضع الصحي لعدد من الموقوفين في قضايا رأي وملفات سياسية مرتبطة بما يسمى "التآمر على أمن الدولة"، معتبرين ذلك انتهاكا صارخا لحقوقهم الأساسية ومصدر قلق متزايد بشأن أوضاعهم داخل السجون التونسية.
كما أعربوا عن خشيتهم من سعي السلطة للتعتيم على محاكمة الموقوفين ومنع وسائل الإعلام من تغطيتها وإطلاع الرأي العام على مجرياتها. وبينما يطالب البعض بمقاطعتها دعا آخرون إلى محاكمات عادلة أمام الرأي العام تحترم حقوق الدفاع.
وقبل أيام، نددت نقابة الصحفيين التونسيين بتدهور صحة الصحفي محمد بوغلاب، الموقوف منذ مارس/آذار 2024 في قضايا رأي أغلبها مرتبطة بالمرسوم (54)، الذي يعتبره مراقبون وسيلة للتضييق على حرية التعبير لا لمكافحة الأخبار الزائفة.
احتجاجات سابقة لإطلاق سراح المساجين السياسيين في العاصمة تونس (الجزيرة) معاناة صحفيينوقالت النقابة إن بوغلاب البالغ من العمر 61 عاما، يعاني من تدهور صحي خطير داخل السجن نتيجة إصابته بالسكري، مما أثر على بصره. وبحسب المقربين منه فإن نسبة الإبصار في عينه اليمنى أصبحت "شبه منعدمة".
وحذرت النقابة من تدهور الحالة الصحية للصحفية شذى بالحاج مبارك، التي تعاني من مرض الكلى ومن تضرر سمعها. وتم احتجازها في القضية المعروفة إعلاميا باسم "أنستالينغو" منذ أغسطس/آب 2024.
ويقبع في السجون -منذ أشهر- 5 صحفيين هم محمد بوغلاب وشذى الحاج مبارك ومراد الزغيدي، إضافة إلى المنشط الإذاعي برهان بسيس والمعلقة الإذاعية والمحامية سنية الدهماني، وسط دعوات لوقف الملاحقات ضدهم وإطلاق سراحهم.
إعلانوفي ظل هذه الأوضاع، يؤكد مراقبون أن قائمة المسجونين الذين يعانون من تدهور صحي داخل السجون التونسية طويلة وتشمل شخصيات سياسية وصحفيين ونشطاء من المجتمع المدني يواجهون أوضاعا صعبة "دون رعاية طبية كافية".
ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، تاريخ إعلان الرئيس قيس سعيد عن التدابير الاستثنائية وتوليه السلطة بشكل كامل، شنّت السلطات الأمنية اعتقالات شملت صحفيين وحقوقيين وسياسيين من مختلف التوجهات، مما أثر بشكل كبير على واقع الحريات.
سياسة تنكيلوحول تردي الوضع الصحي لعدد من المساجين، يقول القيادي بحزب التيار الديمقراطي المعارض هشام العجبوني في تصريح للجزيرة نت إن "استمرار سجن المعارضين والصحفيين والنشطاء رغم معاناتهم الصحية يأتي في إطار التنكيل بهم".
وتطرق إلى وضعية رئيسة "هيئة الحقيقة والكرامة" سهام بن سدرين، التي تدهورت حالتها الصحية بسبب خوضها إضرابا عن الطعام منذ أسبوعين إلى درجة إدخالها غرفة الإنعاش، ورغم ذلك مدد قاضي التحقيق احتجازها 4 أشهر إضافية.
وقال أعضاء لجنة الدفاع عن سهام بن سدرين، للجزيرة نت، خلال وقفة احتجاجية مؤخرا أمام وزارة العدل، إن اعتقالها يأتي على خلفية نشاطها على رأس الهيئة التي فضحت تجاوزات منظومة الاستبداد والفساد قبل ثورة 2011.
كما أشار العجبوني إلى رئيسة منظمة "تونس أرض اللجوء" شريفة الرياحي، الموقوفة منذ نحو 8 أشهر على ذمة التحقيق على خلفية عملها في مجال حماية اللاجئين، مستنكرا إيداعها السجن بتهم واهية رغم أنها أم لرضيع في عمر الشهرين.
واعتقلت السلطات الأمنية عددا من النشطاء الذين يعملون في مجال الدفاع عن حقوق المهاجرين عقب تصريحات أطلقها الرئيس الحالي قيس سعيد في فبراير/شباط 2023 بشأن ارتفاع تدفق المهاجرين من جنوب الصحراء باتجاه تونس.
عدد كبير من المعارضين السياسيين المعتقلين يواجهون تهمة التآمر على أمن الدولة (الجزيرة) إيقاف تعسفيورفع العجبوني علامات استفهام وحيرة حول المعايير القانونية التي يتم بها اتخاذ قرارات الاحتجاز، مستنكرا ما اعتبره تعسفا بإصدار بطاقات إيداع بالسجن في حق شخصيات سياسية ومدنية لا تشكل أي خطر.
إعلانويؤكد أنه حضر بعض المحاكمات لإعلاميين موقوفين على غرار المحامية والمعلقة الإذاعية سنية الدهماني، مؤكدا للجزيرة نت أن "ملفاتها القضائية خالية من أي أدلة تدينها، لكن رغم مرافعات المحامين وحججهم تتم إدانتها".
وحكم على الدهماني 8 أشهر بعدما تمت إدانتها إثر تعليقات ساخرة انتقدت فيها الوضع العام بالبلاد. وقبل أيام خفضت محكمة الاستئناف ضدها حكما من عامين إلى عام ونصف سجنا بتهمة ترويج أخبار زائفة على شبكات التواصل.
وأفاد العجبوني بأنه سيوجه رسالة مفتوحة لدعوة فريق الدفاع عن المساجين من أجل مقاطعة محاكمتهم التي يعتبرها جائرة ولا تتوافر فيها شروط المحاكمة العادلة، قائلا "لا يجب إعطاء أي شرعية للأحكام التي ستصدر".
أوضاع متدهورةبدورها، تقول المحامية دليلة بن مبارك مصدق، عضوة هيئة الدفاع عن المساجين السياسيين للجزيرة نت، إن العديد منهم يعانون من أوضاع صحية متدهورة بالسجون نتيجة تردي الأوضاع بالسجن أو نتيجة أمراض مزمنة.
وتطرقت إلى وضعية القيادي السابق بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، الذي يقبع بالسجن بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، مفيدة أنه يعاني من سرطان في الحنجرة، فضلا عن اكتشاف ورم جديد لم يحدد نوعه بعد نقله للمستشفى قبل فترة.
وتضيف بن مبارك وهي شقيقة القيادي بجبهة الخلاص المعارضة جوهر بن مبارك، الموقوف بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، أن هناك استجابة من إدارة السجون لنقل المساجين المرضى للمستشفى لكنها تبقى متأخرة بسبب الإجراءات.
وتطرقت كذلك إلى تدهور الوضع الصحي للناشط السياسي خيام التركي، الموقوف على ذمة قضية التآمر على أمن الدولة بسبب معاناته من التهاب في أوتار الكتف والرقبة بسب ارتفاع نسبة الرطوبة في السجن، وفقا لتصريحاتها.
وتؤكد للجزيرة نت أن العديد من المساجين السياسيين المحتجزين في قضايا "التآمر على أمن الدولة" يعانون من أمراض مزمنة كالسكري وضغط الدم وأمراض المعدة في حين يستغرق نقلهم للمستشفيات وقتا طويلا بسبب طول الإجراءات الأمنية.
إعلان ظروف الاعتقالوبشأن زيارة الموقوفين داخل السجون، تقول بن مبارك إن عائلات المساجين عادوا لزياتهم بشكل طبيعي على إثر تعطيلات سابقة، لكنها أشارت إلى الإرهاق الذي تكابده هذا العائلات بسبب طول الانتظار والاكتظاظ داخل السجون.
ووفق تصريحاتها تم تصنيف الموقوفين في قضايا التآمر على أمن الدولة "إرهابيين"، مما حرمهم من دخول مكتبة السجن ومنعهم من الزيارات المباشرة لذويهم ما عدا الزيارات التي تتم عبر بلور عازل، كما تم منعهم من كتابة الرسائل أو تسلمها.
من جهة أخرى، عبرت عضوة لجنة الدفاع عن المساجين عن قلقها من توجه السلطة للتعتيم على محاكمتهم وتنظيمها عن بُعد دون السماح لوسائل الإعلام بتغطيتها ونقل مجرياتها للرأي العام، قائلة إن "تم ذلك، فهو خرق صارخ لشفافية المحاكمة".
وستنطلق أولى جلسات محاكمة العشرات من السياسيين الموقوفين فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة يوم 4 مارس/آذار 2025. وتقول دليلة مصدق إن توجه السلطة لمحاكمتهم بشكل غير علني "دليل على خوفها من اكتشاف أراجيفها.
وصفت مصدق قضية التآمر المرفوعة ضدهم بـ"المفبركة" والقائمة على وشايات كاذبة من مخبرين اثنين، مؤكدة أن الهدف من تحريك هذه القضية هو "إسكات صوت المعارضين وترهيبهم".
ووفقا لها، فإن تحريك القضية كان هدفه إزاحة المعارضين من طريق الرئيس سعيد في الانتخابات الرئاسية الماضية، وقالت إن "أصواتهم كانت مزعجة وعالية للتنديد بانقلابه على الديمقراطية في 25 يوليو/تموز 2021".