منذ أن قدم السيناريست السوري سامر رضوان مسلسله الأول "لعنة الطين" (من بطولة: مكسيم خليل، وكاريس بشار، وفارس الحلو، وسمر سامي، وخالد تاجا، وإخراج أحمد إبراهيم أحمد)، جرّب مبارزة الرقابة الحديدية التي كانت تفرض على الأعمال السورية قبل سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

لكن النتيجة كانت مخيبة بعدما سجلت تدخلات "فاضحة" في كل تفاصيل السيناريو، ومع ذلك حاول النص تعرية بعض أشكال الفساد في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي أيام حكم حافظ الأسد، علما أنه لو توفرت للعمل ظروف إنتاجية ورقابية أفضل لحقق قفزة نوعية للدراما السورية.

بعد ذلك أثارت ثلاثية "الولادة من الخاصرة" (إخراج رشا شربتجي وسيف السبيعي) جدلا واسعا وحصدت جماهيرية عريضة، مع استشراف موفق للحدث السياسي اللاهب الذي رافق الثورة السورية.

ليكتمل عِقد النجاح مع تجربة "دقيقة صمت" (إخراج شوقي الماجري، بطولة: عابد فهد، وخالد القيش، وفادي صبيح) التي تبعتها زوبعة إعلامية عاصفة، بعدما أطلّ كاتب النص أثناء عرض العمل على إحدى المحطات اللبنانية وقال بما معناه إن "النظام السوري خُدع وقرر إجازة المسلسل وسمح بتصويره في سوريا ليُفاجأ بالنتائج؟!"، فأتت التعليمات الصريحة لنجوم العمل بالظهور الإعلامي وتصحيح الموقف، ثم صدر قرار بالحجز الاحتياطي على أموال منتج العمل هلال أرناؤوط بحجة أنه لم يحصل على إجازة تصدير لمسلسله، وعادة ما كانت تمنح مثل هذه الإجازات بعد المرحلة النهائية من الرقابة على النسخة المصورة من أي مسلسل تلفزيوني.

إعلان

أما آخر ما حرر على يد سامر رضوان فكان مغامرة خطيرة غير محسوبة النتائج، عندما قرر بحماسة تناول عائلة الأسد وهي لا تزال على رأس السلطة، بمسلسل تلفزيوني ثلاثيني هو "ابتسم أيها الجنرال" (إخراج عروة محمد وبطولة: مكسيم خليل، وريم علي، وعبد الحكيم قطيفان، وغطفان غنوم، وسوسن أرشيد وآخرون). ورغم العوامل السلبية التي أثرت على جودة العمل، مثل غياب نجوم الدراما السوريين عنه، والاستعانة بممثلين يفتقدون للخبرة، إضافة إلى تصويره خارج سوريا، فإن المسلسل حقق نسب مشاهدة عالية واكتسب جماهيرية حتى في الداخل السوري.

يومها وخوفا من ردود أفعال أمنية، أطلق عليه الجمهور في الشام لقب "هداك المسلسل" على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى إن مجموعة من النجوم السوريين الذين التقوا الرئيس المخلوع بشار الأسد في آخر لقاء له معهم أكدوا أنه أتى على ذكر "ابتسم أيها الجنرال" بالتحديد!

السيناريست السوري سامر رضوان قدم عددا من الأعمال الفنية ذات الصبغة المعارضة لنظام الأسد (مواقع التواصل الإجتماعي)

امتد النجاح الجماهيري إلى أداء مكسيم خليل الذي جسد شخصية الأسد بلغة إسقاطية، بينما مزجت الحكاية بين شخصيتي بشار وشقيقه ماهر، وتاريخ والدهما حافظ وعمّهما رفعت، في صراع على الحكم مستوحى من أحداث الثمانينيات.

مشاهد خليل انتشرت انتشارا واسعا، وتصدرت قائمة "الترندات" على مواقع التواصل الاجتماعي بالتزامن مع سقوط النظام السوري، وتسابقت بعض المحطات لإعادة عرض هذا المسلسل.

وكان رضوان قد صرّح قبل فترة بأن عمله القادم سيكون عن سجن صيدنايا والاستعصاءين الشهيرين اللذين حدثا في المعتقل السيئ الذكر، وأديا إلى أحداث خطيرة أجبرت النظام آنذاك على محاصرة السجن وضربه بقبضة من حديد.

تلك الأحداث التي تسرب جزء منها إلى العلن، إضافة إلى شهادات عديدة، ومذكرات سجناء سابقين، وبعض الوثائق المهمة، ربما تكون قد لعبت دورا جوهريا في صوغ حكاية "الخروج إلى البئر" وهو اسم العمل الذي سيلعب بطولته جمال سليمان وتنتجه شركة "ميتا فورا" ويفترض أن يصوّر في سوريا في الأشهر القليلة القادمة ويعرض خارج موسم رمضان.

يفضّل سامر رضوان، في حديثه مع "الجزيرة نت"، عدم إيضاح تفاصيل كاملة عن العمل وبنيته الدرامية إلى "حين الوصول إلى المرحلة النهائية في التحضير بالتوافق مع الجهة الإنتاجية"، ويؤكد أنه "حتى الآن لم يتم الاعتماد النهائي على المخرج الذي سيتولى إدارة المسلسل".

من جهته، يقول سليمان للجزيرة نت حول ما إذا كان العمل سيعاد كتابته للانسجام مع الحدث التاريخي الكبير وإسقاط النظام السوري وتحرير السجن بأن "ما تتم محاكاته من أحداث كانت قد جرت في السجن في مرحلة زمنية لا تصل إلى عام 2024، أي عندما تم تحرير السجناء والإطاحة بهذا المعتقل الخطير. إنما يوثق بصيغة درامية معاناة بعض السجناء خلف القضبان والظروف الطاحنة التي دفعت هؤلاء السجناء إلى تنفيذ استعصاء سنة 2007 علما بأن الكاتب اشتغل على النص عاما كاملا وانتهى من كتابته قبيل سقوط النظام ببضعة أشهر، أما الأحداث الأخيرة والانتهاكات التي كانت تجري في السجون ولحظة تحرير تلك المعتقلات فهي مواد درامية دسمة لا بد أن صنّاع الدراما سيتصدّون لها في أعمال أخرى".

إعلان

‏على أي حال، تحاول الدراما عكس جزء من الواقع، وتبقى على ارتفاع شبر منه، سواء بالتصعيد الحكائي، والجرعات التشويقية، والشروط الفنية، لكن ما حدث في سوريا منذ اندلاع الثورة سبق الدراما بأشواط، بذريعة الحدث الميداني والسياسي، والثورة التي تحوّلت إلى صراع دموي.

وربما أصبح توقيت تصوير المسلسل يشي ببعض الحرج لصناعه، لأن ما تابعه العالم من صور وفيديوهات توثيقية لواقع السجن يضع الحكاية في مأزق، إذ لا يمكن تضمين كل تلك الحالات الصادمة في النص الذي انتهى صاحبه من كتابته قبيل شهور، لكنها ربما ستساعده في إنجاز أجزاء متلاحقة للعمل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

لوموند: كيف أثر السيسي على الدور الذي كانت تلعبه مصر في القضية الفلسطينية؟

نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا سلطت خلاله الضوء عن مدى استفادة النظام المصري من إطالة أمد الصراع في غزة، العامل الذي يجعله يتراخى في البحث عن سبل حله.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الطبيعة العسكرية العميقة للنظام المصري ظلت قائمة منذ سنة 1952، عند إطاحة جمال عبد الناصر والضباط الأحرار بالملكية البرلمانية.

وأضافت الصحيفة أن هذه الهيمنة العسكرية استمرت في عهد خلفاء ناصر، أنور السادات ثم حسني مبارك، قبل أن تهتز خلال الاضطرابات الثورية بين سنتي 2011 و2013.

وأنهى الانقلاب العسكري الذي نفذه عبد الفتاح السيسي الفترة الانتقالية وأعاد ترسيخ أسس النظام العسكري الذي تقوم خلاله الدائرة الرئاسية بتوزيع الامتيازات بين الجنرالات، سواء كانوا في الخدمة الفعلية أو "متقاعدين" يشغلون مناصب في القطاع الخاص. في المقابل، تتولى أجهزة المخابرات فرض رقابة شديدة على البلاد والشعب، مع هيمنة جهاز المخابرات العامة، الكيان العسكري المكلف بتنفيذ عمليات داخل مصر وخارجها.

"إيجار" غزة
وأوضحت الصحيفة أنه بمجرد عودته إلى البيت الأبيض؛ قرر دونالد ترامب تعليق جميع أشكال المساعدات الخارجية، باستثناء الدعم المقدم لإسرائيل وكذلك لمصر. ويعود الفضل في استثناء نظام السيسي من القرار إلى بند في معاهدة السلام الموقعة سنة 1979 بين إسرائيل ومصر تحت إشراف الولايات المتحدة يقضي بمنح دعم عسكري سنوي لإسرائيل يناهز حجمه ملياري دولار وثلثي هذا المبلغ لمصر.


وطيلة أكثر من أربعة عقود من الزمن، ظل الجنرالات المصريون يعتبرون أن هذا المبلغ حق مكتسب لهم رافضين تخصيص حتى جزء منه إلى تنمية البلاد. وغالبًا ما يُعاد استثمار هذا المبلغ في شراء المعدات الأمريكية، مما يتيح للقاهرة الحصول على دعم الصناعيين المعنيين في واشنطن الذي يشكلون "مجموعة ضغط".

وتشيد مجموعة الضغط هذه بمساهمة نظام السيسي في الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة منذ سيطرة حماس عليه في حزيران/ يونيو بعد فوزها في الانتخابات2007. مع استمرار تراجع نفوذ بلاده في الأزمات الإقليمية، من ليبيا والسودان إلى اليمن تزداد العائدات التي يجنيها السيسي من استمرار الحرب في غزة.

ولهذا السبب يبالغ نظام السيسي بشأن أهمية المفاوضات المفترض تنظيمها في القاهرة، سواء بين إسرائيل وحماس أو بين الفصائل الفلسطينية. إن الحوار الفلسطيني الداخلي بشأن تسليم السلطة التي تتقلدها حماس إلى غزة متوقف منذ ستة عشر شهراً، دون الوصول إلى أي صيغة قابلة للتطبيق. في المقابل، المحادثات الجادة الوحيدة بشأن الهدنة في غزة، والتي ترتب عنها إعلان الهدنة الحالية، كانت تحت إشراف قطر.

أرباح كبيرة
وذكرت الصحيفة أن عدم فاعلية أجهزة الدولة المصرية على الرغم من الكفاءات والخبرات التي تمتلكها هو نتيجة تطبيق قرارات سياسية على أعلى مستوى. في الواقع، تسمح الأزمة الفلسطينية بإحياء المشهد الدبلوماسي والإعلامي في القاهرة، التي تراجع دورها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.


بالإضافة إلى ذلك، يوفر الحصار المفروض على غزة فرصًا متعددة للمخابرات العسكرية وعميلها إبراهيم العرجاني، الزعيم البدوي الذي لم يكتفِ فقط بتجنيد ميليشيا كبيرة لدعم الجيش المصري في سيناء، بل يسيطر فعليًا على عمليات الدخول والخروج من قطاع غزة عبر معبر رفح.

وبينت الصحيفة أنه حتى حدوث الهجوم الإسرائيلي على رفح في آيار/مايو 2024، والذي نتج عنه غلق المعبر المصري؛ تمت مطالبة كل فلسطيني يرغب في الفرار من الحرب بدفع مبالغ تصل إلى آلاف الدولارات.  بالإضافة إلى ذلك، فرض العرجاني ومجموعته على الشاحنات المتجهة نحو غزة، دفع ضرائب تناهز عشرات الملايين من الدولارات شهريًا. إلى جانب ذلك، تم إنشاء شركة أمنية باسم "الأقصى"، مكلفة بحماية الشاحنات داخل قطاع غزة، بتكلفة باهظة.

وأوردت الصحيفة أن الهدنة السارية في غزة منذ 19 كانون الثاني/ يناير أدت إلى إعادة الفتح الجزئي لمعبر رفح، مما أعاد تنشيط شبكات التهريب التابعة لإبراهيم العرجاني، حيث تم فرض رسوم تصل إلى عشرين ألف دولار على كل شاحنة تجارية.

وبفضل العلاقة التي تجمعه مع محمود السيسي، نجل الرئيس ونائب رئيس جهاز المخابرات العسكرية أصبح العرجاني شخصية فوق القانون. بالإضافة إلى ذلك، تتكفل شركته "الأقصى" بتوفير المرتزقة المكلّفين بمراقبة عمليات العبور بين شمال وجنوب قطاع غزة.

وتحرص المخابرات المصرية على عدم التواجد فعليًا داخل قطاع غزة خدمة لمصالحها، بحيث يستفيد نظام السيسي من استمرار تدهور الوضع في غزة، عن طريق مواصلة ابتزاز المدنيين الذين يحاولون المغادرة وفرض الرسوم على الشاحنات التي تدخل القطاع.


وفي ختام التقرير نوهت الصحيفة بأن فهم الدوافع العميقة لسياسة النظام المصري في غزة أمر ضروري لتقييم مدى قدرته على التصدي لـ"رؤية" دونالد ترامب، التي تقوم على تهجير سكان قطاع غزة وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".

مقالات مشابهة

  • سوسن بدر: «الباء تحتها نقطة» يتناول جهود محو الأمية
  • مسلسل “الدم المشروك” يثير الجدل في المغرب.. ما علاقة مصر؟
  • أحمد مدحت يوضح سبب قرار العريان بحذف اسمه من شارة العمل في مسلسل معاوية
  • مسلسل "الدم المشروك" يثير الجدل في المغرب.. ما علاقة مصر؟
  • لماذا طلب طارق العريان حذف اسمه عن مسلسل معاوية؟
  • سيناريو ساخر عن هروب بشار الأسد.. إعلان سوري يحقق تفاعلا
  • مسلسل «معاوية» في الواجهة.. أعمال درامية رمضانية تثير جدلاً واسعاً
  • مجزرة حماة.. باحث سوري يوثق معالم تاريخية أبادها نظام الأسد
  • 7 مسلسلات منتظرة في النصف الثاني من رمضان.. تعرف عليها
  • لوموند: كيف أثر السيسي على الدور الذي كانت تلعبه مصر في القضية الفلسطينية؟