آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
شكلت مجالس الخلفاء العباسيين مركزا مهما بالحياة السياسية والثقافية في الدولة الإسلامية، لذا تميزت بمجموعة من الآداب والقواعد الهامة والمنظمة، والتي كان على الحاضرين من الضيوف الالتزام بها. وتعكس تلك الآداب المتبعة مزيجا من التقاليد العربية الإسلامية والتأثيرات الفارسية التي قلدها العباسيون. وكل ذلك يشير إلى مدى التطور الحضاري والثقافي الذي شهده هذا العصر الذهبي.
برز لمجالس الخلفاء العباسيين مجموعة من الآداب التي تجب مراعاتها، خصوصا في حال دخول ضيف على الخليفة. كان من أبرزها أن يرتدي الضيف لباسا مناسبا مراعيا في ذلك فصول السنة، ويشترط أن يكون "نظيفا في بزته وهيئته، وقورا في خطوه ومشيته، متبخرا بالبخور الذي تفوح روائحه منه، وينفح طيبه من أردانه وأعطافه، وأن يتجنب منه ما يعلم أن السلطان يكرهه ويأبى شمه".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أطعمة الخلفاء.. مآدب العصر العباسي الذهبيlist 2 of 2حسام أبو صفية.. الفصل الأخير في سيرة مشافي الشمالend of listويتوجب على الوافد أن يراعي آداب التحية في أثناء الدخول، وقد شهدت تحية الخلفاء تطورا ملحوظا منذ عصر الخلفاء الراشدين، فكانوا في أول الإسلام يحيون تحية عامة، فيقول الداخل على الخليفة أو الأمير أو الوالي: "السلام عليكم" ويكرهون قولهم "عليك السلام"، لأنها تحية الموتى.
ولما خالط العرب الأعاجم، ورأوا تفريقهم بين الرئيس والمرؤوس، هموا بتقليدهم، وكان أول من قلّدهم المغيرة بن شعبة (ت 50هـ/670م) فقال: "ينبغي أن يكون بين الأمير ورعيته فرق"، وألزم أهل عمله أن يحيوه بتحية الأمراء وهي "السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، أو السلام على الأمير ورحمة الله"، فاقتدى به سائر المسلمين مع تمييزهم لتحية الخلافة، فأخذوا يقولون عند الدخول على الخليفة "السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، أو السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله".
الداخلون على الخليفة يجلسون بالمواضع اللائقة بمراتبهم أو بحسب طبقاتهم أو من حيث حرفهم وصنائعهم (الجزيرة-مولدة بالذكاء الاصطناعي) قواعد الجلوس والسلوكومن أهم الآداب التي يجب الانتباه لها في ضيافة الخلفاء، ألا يسأل الخليفة عن أحواله، أو كيف أصبح أو كيف أمسى، وأن يجلس الداخلون على الخليفة بالمواضع اللائقة بمراتبهم أو بحسب طبقاتهم من حيث النسب أو من حيث حرفهم وصنائعهم.
إعلانويتولى الحاجب أو الآذن إجلاس الضيوف، وكان الخلفاء الأمويون يأمرونهم بإجلاس بني أمية بجانبهم على السرير، وبني هاشم على الكراسي، ثم صارت الأفضلية في الدولة العباسية لبني هاشم، وصاروا يسمونهم الملوك والأشراف، فيجلس الخليفة على سريره، وبنو هاشم دونه على الكراسي، وبنو أمية على الوسائد التي قد ثنيت لهم.
وبالإضافة لما سبق من الآداب، كان الحديث له قواعده، فلا يتحدث أحد قبل أن يطلق له الحديث، وإذا لم يطلق له الكلام ظل ساكتا. واستمر هذا الأمر في مجالس الخلفاء، حتى أباح الخليفة المأمون الكلام لأهل مجلسه للمناظرة بين يديه.
ولا أحد يرفع صوته في مجلس الخليفة، فعلى الضيف أن يخفض صوته في أثناء حديثه ومحاورته، وأن يصغي إلى كلام الخليفة فلا يشتغل عنه بشيء، فإذا نهض، نهض سائر الحضور، ولا يذكر أحد بحضرة الخليفة بكنيته إلا من شرفه بالتكنية.
ويجب على الجالس بحضرة الخليفة أن يقل الالتفات على جانبيه وورائه والتحريك ليده أو شيء من أعضائه، أو رفع رجل للاستراحة عند إعيائه، وأن يغض طرفه عن كل مرأى إلا شخص الخليفة وحده، ومخارج لفظه، وألا يُسار أحدٌ في مجلسه، ولا يشير إليه بيديه، ولا بعينه، ولا يقرأ رقعة ولا كتابا يوصلان إليه بين يديه إلا ما احتاج إلى قراءته عليه، وأذن له فيه.
الخلفاء العباسيون تأثروا بملوك الفرس في كثير من آداب مجالسهم (الجزيرة- مولدة بالذكاء الاصطناعي) التأثيرات الفارسية وتطور آداب المجالسوكان الحديث في أول الإسلام داخل مجلس الخليفة باللغة العربية الفصحى، فكانوا يعربون الكلام ويضبطون حركات الألفاظ، وكان الأمويون يرسلون أولادهم إلى البادية من أجل ذلك الغرض، وفي زمن بني العباس قلت عناية الناس بالإعراب، نتيجة مخالطتهم للأعاجم، فكانوا غالبا ما يلحنون.
وللفصل بين الخليفة وبين ضيوفه، اتخذ الخلفاء العباسيون في مجالسهم ستارة، وقد أخذوا هذه العادة عن الفرس، فقد كان الحجاب شائعا في عهد أردشير (وهو أحد ملوك الفرس الساسانيين، ت 240م)، فكانوا ينصبون في مجلس الملك ستارة تفصل بينها وبين الملك 10 أذرع، وبينها وبين الجلساء كذلك، وعمد العباسيون ووزراؤهم البرامكة إلى مضاعفة الحجاب في بعض الأحوال، فاتخذوا عدة أستار، وقد يصل عددها إلى 3 أو 4 ستائر وراء بعضها بعضا.
إعلانكان العباسيون يحتجبون في الغالب عن الندماء والمغنين وسائر طبقات العامة، وليس عن الخاصة إلا في بعض الحالات، وكانوا يقيمون عند الستارة حاجبا متخصصا لنقل ما يريد الخليفة إبلاغه إلى جلسائه أو ندمائه، ويدعونه صاحب الستارة.
وتأثر الخلفاء العباسيون بملوك الفرس في كثير من آداب مجالسهم، ومنها أن الخليفة إذا أراد صرف جلسائه أظهر إشارة يعرفونها فينصرفون، وهي عادةٌ فارسية وضعها كسرى أنو شروان (وهو ملك الفرس ت 579م)، فكان يمد رجليه إذا أحب أن يصرف ندماؤه، وقد تابعه ملوكهم على ذلك، وقام المسلمون بتقليدهم من أيام بني أمية.
وكانت علامة صرف الجلساء عند الخلفاء العباسيين مختلفة من خليفة إلى آخر، فكانت علامة أبي العباس السفاح (ت 136هـ/753م) أن يتثاءب ويلقي المروحة من يده، وعلامة الهادي (ت 170هـ/786م) أن يقول "سلام عليكم" فيقوم من حضره. وكان الرشيد (ت 193هـ/809م) يقول "سبحانك اللهم وبحمدك" فينصرف جميع سمّاره، وكانت علامة المأمون (ت 218هـ/833م) أن يعقد إصبعه الوسطى بإبهامه، ويقول "برق يمان برق يمان"، وعلامة المعتصم (ت 277هـ/842م) أن ينظر إلى صاحب النعل، وعلامة الواثق (ت 232هـ/847م) أن يمسّ عارضيه ويتثاءب. وعند الانصراف من مجلس الخليفة، على الضيف أن يراعي آداب الخروج بأن يمشي القهقرى، ووجهه نحو مجلس الخليفة حتى يخرج ويختفي، فإذا غاب عن طرفه عاد واستقام في مشيته.
لذا يمكننا أن نلحظ مما سبق مدى التشدد والالتزام بالآداب والرسوم التي فرضت على الجلساء والضيوف، وعلى الداخلين على الخليفة، والتي وجب عليهم أن يأخذوا أنفسهم بها، منذ لحظة دخولهم وإلى حين خروجهم من مجلس الخلفاء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تاريخي مجلس الخلیفة على الخلیفة ورحمة الله
إقرأ أيضاً:
جعجع استقبل عبد العاطي: القوات ستشارك في الحكومة
استقبل رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، في معراب، وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، يرافقه سفير جمهورية مصر العربية علاء موسى، الوزير المفوض هاني خضر، ومن السفارة مصطفى محروس وأحمد ابو النجا، في حضور عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب رازي الحاج، رئيس جهاز العلاقات الخارجية الوزير السابق ريشار قيومجيان، وعن الجهاز روجيه راجح.وتحدث جعجع فأكد أن "حزب القوات وتكتل الجمهورية القوية سيشاركان في الحكومة، من خلال اختيارهما شخصيات حزبية أو أكاديمية أو اختصاصيين". وبعدما شكر ل"الوزير المصري الجهود التي يبذلها في جولته"، اثنى على "دور مصر الصديقة للبنان منذ زمن".
وتطرق إلى الملف الحكومي، مؤكدا "ضرورة تشكيل الحكومة في أقرب وقت، ولكن من دون تسرع، لا سيما أن الشعب اللبناني يستحق بعد طول انتظار حكومة على قدر تطلعاته".
وأكد "وجوب أن تعيد هذه الحكومة العتيدة القرار الوطني إلى داخلها، لا سيما الاستراتيجي والعسكري والأمني، وأن تكون فاعلة لا مجرد ملخص عن مجلس النواب كي تتمكن من القيام بدورها التنفيذي، وهذه مطالب طبيعية بديهية".
وتحدث عن "مغالطة صغيرة نشهدها حين تختلط الأمور ونسمع بضع نظريات غريبة"، وقال: "يولي البعض الأهمية في تشكيل الحكومة إلى عدم وجود حزبيين فيها، ويخوض المعركة على أساس حزبيين أو لا حزبيين، فيما يقوم العمل السياسي في الدول والمجتمعات كلها في العالم على الأحزاب، ولكن "اذا ساقبت" أن في لبنان أحزابا سيئة، فهذا لا يعني ضرب مفهوم الأحزاب بالمطلق".
أضاف: "تتحدث فئة عن وحدة المعايير، الأمر الذي نرفضه، اذ من غير المقبول معاملة الأحزاب كحزب القوات اللبنانية، إسوة بحزب أساء إلى اللبنانيين من خلال مصادرة القرارين الاستراتيجي والعسكري والقيام بأعمال أمنية أخرى وتعريض الشعب للخطر".
وسأل: "متى اتخذ حزب القوات قرارا أمنيا، بدلا من الدولة أو أي قرار آخر يضر بمصلحة لبنان أو عاث خرابا وفسادا فيه؟"، وقال: "تعب كثيرون من الأحزاب الفاسدة و"معن حق" لأنها تسلمت السلطة، و"ما تركت مين يخبر بالبلد"، بدءا من الكهرباء، وصولا إلى المالية وما بينهما".
أضاف: "من هنا، نحن نفهم رفض وجود هذا النوع من الأحزاب، وليس تلك التي تصرفت خلاف ذلك، وحافظت دائما على هوية لبنان وسلطة الدولة والقرار الاستراتيجي فيها. كما واجهت بغية ابقاء القرارين الأمني والعسكري داخل الدولة، وأظهرت عبر ممارساتها في السنوات العشرين الأخيرة، إن في البرلمان أو الحكومة، أنها من الأنظف والأكثر شفافية في تاريخ البلد. وبالتالي، هل يجب أن تعامل معاملة كهذه؟".
وفي حواره مع الإعلاميين، أعرب جعجع عن "فرحه بالرئيس المكلف نواف سلام كونه يتمتع بمواصفات جديدة"، آملا "انطلاقا منها، الخروج بحكومة جديدة".
واعتبر أن "هناك شخصيات مستقلة جيدة وأخرى غير جيدة"، وقال: "من هنا، لا يمكن اعتماد المقاربة بين المستقلين والأحزاب. كما يحاول البعض بلورة ملف التشكيل الحكومي". وإذ جدد التأكيد أن "حزب القوات اللبنانية وتكتل الجمهورية القوية سيشاركان في الحكومة"، شدد جعجع على ان "من شغلنا" اختيار الاسماء التي ستشارك"، وقال: "نحن من سنختار إن كانت شخصيات حزبية او اكاديمية او اختصاصيين، إلا أن الأكيد المؤكد أن لا استقامة للحياة السياسية من دون أحزاب فعلية كحزب القوات اللبنانية وأحزاب أخرى في لبنان كحزب الكتائب والكتلة الوطنية وسواهما، التي لا غبار على ممارستها ومبادئها المشرفة".
وعن حقيبة المالية، قال جعجع: "من غير المقبول على الاطلاق تخصيص أي حقيبة لطائفة معينة، فعلى سبيل المثال لا الحصر أيُعقل ان نمنح دائما حقيبة الخارجية للطائفة المسيحية؟ او وزارة الداخلية للطائفة السنية؟ او وزارة المالية للطائفة الشيعية؟ هذا كلام غير منطقي في المبدأ العام، ولكن انطلاقا من الظروف كلها التي تحيط بنا، واستثنائيا هذه المرة، نقبل بمنح المالية الى شخصية من الطائفة الشيعية، ولكن ليس لأي اسم يرتبط بالثنائي الشيعي، وهذا القرار ليس من باب التعصب".
وسأل: "من كان يتبوأ هذه الوزارة في السنوات الاخيرة، لا سيما حين شهدنا هذا التدهور المالي؟ فهل يجب اعادة تسليمها الى وزير يدور في فلك حركة أمل أو حزب الله؟ ياسين جابر شخص آدمي وصديق وشفاف، ولكن من طرحه؟ وهل سيتمتع بالقدرة وحرية التحرك؟ ألم يعد في الطائفة الشيعية أسماء سوى جابر؟ مع العلم أن هذه الطائفة تضم اختصاصيين أكفاء".
ورأى أن "هذه المرحلة الجديدة لا تحتمل وضع أي عقبة أو عرقلة أمام الحكومة"، وقال: "شئنا أم أبينا، سنتعاطى مع دول كثيرة، ويجب ألا نختار أسماء قد تسبب بأي إشكالية".
وردا على سؤال، أجاب: "نعتبر دولة الرئيس سلام رئيس حكومة فريداً من نوعه، ووجوده اعطى أملا أكبر للرأي العام اللبناني، ولكن هذا أمر، وطريقة تأليف الحكومة أمر آخر، اذ لا يمكن اعتماد مبدأ رفض وجود الاحزاب في الحكومة في التشكيل، ما يفقدها نقاط الارتكاز".
ولفت إلى أن "البعض لا يتجرأ على مواجهة الأحزاب الفاسدة باستبعادها من المشاركة وتوزير القوات في آن معا، فيعتمد خيار إقصاء الأحزاب كلها بشكل عام".
عبد العاطي بعد اللقاء، قال عبد العاطي: "التقينا بهذه القيادة اللبنانية التي نعتز بالعلاقة معها. لقد اتسم الحوار المطول بالشفافية، حيث استمعت إلى عرض رئيس القوات في ما يتعلق بالتطورات في لبنان، في ظل هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها. نحن متفائلون بعد استكمال الاستحقاق الرئاسي وانتهاء الشغور، في الوقت الذي نأمل فيه سرعة التأليف كي تتولى الحكومة الجديدة مهماتها وتتفرغ لشؤون ادارة الإعمار وأمور الشعب اللبناني الذي يستحق بحق العيش في أمن واستقرار وسلام".
ونوه بـ"برؤية جعجع لجهة التطورات، وبدوره الوطني في دعم عملية استكمال الاستحقاقات كلها والعمل على التوصل الى حكومة توافقية تضمن تمثيل الجميع".
كذلك، شدد على "أهمية دعم مؤسسات الدولة وتمكينها، وفي مقدمها الجيش اللبناني ووجوب انتشاره على الحدود الجنوبية كلها، تمهيدا لتواجده على الأراضي اللبنانية كلها".
وإذ جدد تأكيد "دعم جمهورية مصر العربية وحدة لبنان وسلامة أراضيه والرفض الكامل لأي انتهاك لسيادته"، أشار إلى أنه "أطلع رئيس القوات على الاتصالات الحاصلة مع مختلف الأطراف، لا سيما فرنسا والولايات المتحدة واسرائيل، بغية الانسحاب الكامل من لبنان"، متمنيا "أن يشهد الشعب اللبناني الذي يستحق الخير كله غدا أفضل".