ملف الهجرة بين تونس والجزائر
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
ملف الهجرة بين تونس والجزائر
هناك خلاف أو سوء تفاهم بين الجارتين طال نسبياً يؤكده غياب التنسيق الواضح بين البلدين منذ أشهر في ملف الهجرة والمهاجرين.
سيتعيّن على تونس والجزائر الجلوس إلى الطاولة والتحدث بصراحة الأشقاء حول هذا الملف المزعج لكليهما، وبحث حلول مشتركة مع الجارة الثالثة، ليبيا.
ملف الهجرة شاق وصعب على سعيّد، وخسر فيه كثيراً، داخلياً ودولياً، ويريد أن يعالجه بأقرب وقت لتقليل أضراره ولم يتمكن من ذلك رغم جهد بذله مع الإيطاليين.
لا الجزائر تملك ترف أن تغضب من الجارتين، تونس والمغرب معًا، ولا حكومة سعيّد تجازف بنصير ثابت، ألقت كل بيضها في سلته وخرجت عن حيادها التاريخي بملف الصحراء.
* * *
أرسل الرئيس التونسي قيس سعيّد، الأسبوع الماضي، وزير خارجيته نبيل عمار إلى الجزائر حاملاً رسالة شخصية إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وعند عودة عمار إلى تونس، التقاه سعيّد، الجمعة، لبحث نتائج الزيارة.
لم تُكشف تفاصيل هذه الزيارة والرسالة، لا من تونس ولا من الجزائر، ولكن بيان الرئاسة التونسية أشار إلى أن سعيّد "أكد، مجدداً، العلاقات التاريخية بين تونس والجزائر، وعلى الحرص المتبادل على مزيد من تطويرها، لأن تاريخنا واحد وحاضرنا واحد ومستقبلنا لا يمكن أن يكون إلا واحداً ومشتركاً".
تكشف هذه الكلمات القليلة أن هناك خلافاً ما بين الجارتين، أو سوء تفاهم، ويبدو أنه طال نسبياً، وكان مراقبون كثيرون قد أشاروا إلى أن غياب التنسيق الواضح بين البلدين منذ أشهر في ملف الهجرة يؤكد وجود خلاف بينهما.
وتواترت اللقاءات التونسية الليبية في هذا الشأن، بينما لم يحصل ذلك مع الجزائريين، على الرغم من أن أغلب المهاجرين الوافدين من تونس يدخلون من الحدود مع الجزائر.
طبعاً لن يدوم هذا الخلاف طويلاً، فلا الجزائر تملك هذا الترف بأن تغضب من الجارتين، غرباً وشرقاً، تونس والمغرب، في الوقت نفسه، ولا تستطيع تونس وحكومة سعيّد بدورها أن تجازف بهذا النصير الثابت، الذي ألقت بكل بيضها في سلته، خصوصاً بعدما خرجت عن حيادها التاريخي في ملف الصحراء.
ولكن ملف الهجرة موضوع شاق وصعب على سعيّد، وقد خسر فيه كثيراً، داخلياً ودولياً، ويريد أن يعالجه بأقرب وقت ممكن للحد من أضراره الكثيرة، وهو لم يتمكن من ذلك، على الرغم من كل الجهد الذي بذله مع الإيطاليين.
وتؤكد الأرقام الإيطالية والتونسية أن عدد المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا بعشرات الآلاف، عائلات بأكملها، شباب ونساء وأطفال، والذين تم منعهم من ذلك في السواحل التونسية كذلك، والغرقى والمفقودين بالمئات، وأن الأمر لم يتغير كثيراً رغم مراقبة السواحل المكثفة وكل الوعود بتطويرها، لوجستياً ومادياً.
داخلياً، لم يتوقف وصول المهاجرين إلى تونس من الحدود الجزائرية، وإلى صفاقس تحديداً، التي أصبحت ميناء الانطلاق نحو سواحل لامبيدوزا بامتياز، بينما المدينة، بل والمحافظة كلها، تنوء بهذا الحمل الثقيل، الاجتماعي والاقتصادي، والإنساني بالخصوص.
سيتعيّن على تونس والجزائر الجلوس إلى الطاولة والتحدث بصراحة الشقيقتين حول هذا الملف المزعج لكليهما، وبحث حلول مشتركة مع الجارة الثالثة، ليبيا.
وكان من الأجدى لو تم هذا قبل اجتماع روما الدولي حول هذا الملف، ولكن الخلافات منعت ذلك للأسف، ولكن الوقت لن يرحم، لا تونس ولا الجزائر ولا ليبيا.
للأسف، هذه صورة عربية حزينة أخرى، وإذا ما أضفنا إليها الجار المغربي المُقصى، فإنها تصبح مأساة لن يسامحنا عليها التاريخ.
*وليد التليلي كاتب صحفي تونسي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تونس الجزائر ليبيا إيطاليا صفاقس المهاجرون قيس سعيد ملف الهجرة تونس والجزائر ملف الهجرة
إقرأ أيضاً:
لمواجهة الرئيس سعيد.. تحركات في تونس لـجمع شتات المعارضة
تسعى ائتلافات أحزاب المعارضة في تونس إلى توحيد مساراتها وخلق أرضية تحرك مشتركة في مواجهة نظام الرئيس قيس سعيد إثر نجاحه في تجديد عهدته الرئاسية لولاية جديدة في انتخابات الرئاسة في أكتوبر المنقضي.
في المقابل، تطرح مساعي التوحيد رهانات كبيرة أمام المعارضة التي تشقها الخلافات والصراعات قبل وبعد مسار 25 يوليو 2021 الذي حل بموجبه الرئيس سعيد البرلمان وتولى بنفسه اختصاصات دستورية واسعة.
وكان منتدى القوى الديمقراطية، الذي يضم أحزابا ومنظمات مدنية تونسي، أعلن أواخر أكتوبر المنقضي "مواصلة عمل التوحيد لبناء جسور تواصل مستمر بين مكونات المعارضة الديمقراطية والجمهورية والسعي إلى تفعيل المبادرات المشتركة لتقديم بدائل اقتصادية- اجتماعية".
كما أشار المنتدى، في بيان له، إلى وقوفه على الشراكة التي وصفها بـ"الممتازة" بين الجمعيات والمنظمات والأحزاب السياسية الديمقراطية والتقدمية في إطار الشبكة التونسية للحقوق والحريات، وقرر "دعم نجاحها في كل التظاهرات الاحتجاجية المنددة بقمع الحريات ومساندة المساجين السياسيين والنقابيين والمدونين والإعلاميين وتفعيل عملها ومبادراتها وتثبيت عضويته كمنتدى مؤسس لها".
وفي وقت سابق، أعلنت مجموعة من المنظمات والجمعيات والأحزاب، المعارضة للسلطة، عن تكوين "الشبكة التونسية للحقوق والحريات" أقرت إثرها جملة من التحركات الاحتجاجية تنديدا بوضع الحقوق والحريات، وبالاعتقالات التي طالت قيادات سياسية وإعلامية وحقوقية في البلاد ورفضا للمسار الانتخابي الذي شهدته تونس في السادس من أكتوبر 2024.
ويواجه مسار 25 يوليو 2021، الذي أعلن عنه الرئيس التونسي قيس سعيد، رفضا واسعا من أحزاب المعارضة في تونس، وتعتبره "انقلابا على الشرعية"، فيما أعادت مساعي توحيد صفوف المعارضة النقاشات في الأوساط التونسية بشأن مدى قدرتها على جمع شتات الفرقاء السياسيين.
الوحدة ممكنةفي تقييمه لمساعي توحيد المعارضة في تونس، يرى عضو المكتب السياسي لحركة النهضة الإسلامية المعارضة،، بلقاسم حسن، أن جهود بعض المنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية في تونس للمّ شمل أحزاب المعارضة وخلق أرضية عمل مشترك بينها "تعد خطوة هامة وممكنة وإن كانت عسيرة".
ويوضح بلقاسم حسن، وهو أيضا قيادي بجبهة الخلاص الوطني، الائتلاف السياسي المعارض، قائلا "نحن في حركة النهضة كما في جبهة الخلاص دافعنا دائما عن هذا المبدأ وطالبنا بإلحاح بأهمية التنسيق بين مختلف القوى السياسية الديمقراطية في تونس، وسعينا فعلا إلى أن تتم خطوات في هذا الاتجاه حيث تلتقي المعارضة حول مهام محددة تكون قاعدة لتأسيس تحالف ديمقراطي لاستعادة المسار الديمقراطي في البلاد".
ويضيف لـ"الحرة" أنه منذ الإعلان عن "التدابير الاستثنائية" في تونس من قبل الرئيس قيس سعيد "كانت تنظم مسيرات احتجاجية مختلفة تتفق في المطالب وتختلف في أطر التنظيم المشترك حيث تكون كل مسيرة على حدة وذلك بسبب خلافات سياسية ذات بعد أيديولوجي تاريخي".
ويشدد المتحدث على أن توحيد المعارضة "لم يكن يوما يسيرا لكنه محبوب ومطلوب في هذه المرحلة السياسية المتأزمة التي تعيشها البلاد".
وتعود جذور الخلاف بين أحزاب المعارضة الحالية إلى فترة الحكم ما بعد الثورة التونسية في 2011، إذ تحمل أحزاب أبرزها "العمال" و"التيار الديمقراطي" و"الجمهوري" و"الدستوري الحر" حركة النهضة وشركاءها في الحكم مسؤولية ما تصفه بـ"تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية"، فضلا عن الاغتيالات السياسية التي طالت قيادات يسارية.
تفكك وتشرذممن جانبه، يؤكد القيادي في حزب العمال اليساري المعارض، عمار عمروسية، أن أحزاب المعارضة في تونس تعاني من "التفكك والتشرذم" و"تسودها الانقسامات"، وهو "ما يحول دون التقائها على أرضية عمل موحدة ومشتركة تجمع شتاتهم".
ويضيف في حديثه لـ"الحرة" أن أحزاب اليسار منقسمة بين مؤيد للسلطة ومعارض لها، فضلا عن تواصل الخلاف بينها وبين الأحزاب اليمينية التي قادتها حركة النهضة التي تتحمل "رواسب الفشل" طيلة سنوات ما بعد الثورة التونسية.
Sorry, but your browser cannot support embedded video of this type, you can download this video to view it offline.
ويتابع عمروسية بخصوص الأسباب التي تقف حاجزا، وفقه، أمام توحد المعارضة في تونس، بأن الأحزاب اليسارية والقوى السياسية الاجتماعية التي توصف بالتقدمية بالبلد "لا ترى في من قاد الثورة المضادة (يقصد الحزب الدستوري الحر)، وكذلك الإسلاميين وما يرافقهم من تهم بالفساد والإرهاب جزءا من الحل في هذه المرحلة".
ويعتبر القيادي في حزب العمال أن السبيل الأنسب للتخلص مما يصفه بـ"نظام الاستبداد الحالي" و"تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد"، يقتضي "تبلور مشروع ديمقراطي تقدمي يقطع مع الماضي ومع الاستبداد"، وهو أمر يتطلب "جهودا مضنية ونفسا طويلا" وفق قوله.
قطيعة بين المعارضة والشعب
"من العسير أن نرى معارضة تونسية موحدة، لا فقط بسبب الخلافات الأيديولوجية التاريخية، ولا فقط بسبب انعدام مناخ الثقة بين أطرافها، بل خاصة لاختلافها حول تمثل المهام الراهنة في ضوء تباين تقييمها للأولويات وتبعا كذلك لاختلافها في تقدير المواقف الإقليمية والدولية التي تتأثر بها الحياة السياسية في تونس". هذا ما يراه المحلل السياسي خالد كرونة.
ويقول كرونة لـ"الحرة" إن فكرة توحيد المعارضة قد تقود إلى "النظر في وجودها نفسه"، وخاصة بعد 25 يوليو 2021، إذ "تضاءل" دور الأحزاب وأضحت "القطيعة بينها وبين عموم الشعب واضحة"، وهو شأن المجتمع المدني أيضا بحسب قوله.
ويوضح قائلا "لعل علة المأزق أن المعارضة بقطع النظر عن لونها الفكري لا تملك عرضا سياسيا جديدا يلقى صدى بين الناس وظلت تكرر شعارات عامة حسب خلفيتها الفكرية دون أن تتحول قوة سياسية فعلية تنافس وتعارض وتفرض توازنات جديدة".
تهديد التقسيموشهدت تونس شهدت، على امتداد الأربعة عشر عاما الماضية، أزمات سياسية عديدة أهمها الأزمة السياسية في الفترة ما بين 2012 و2013 عقب اغتيال قياديين يساريين إثنين، مرورا بأزمة تكوين حكومة للبلاد إثر الانتخابات التشريعية في 2019 ووصولا إلى إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن حل الحكومة والبرلمان وعدد من الهيئات الدستورية في 2021.
بعد "فوز" قيس سعيد.. ماذا تعني نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية؟ أظهرت النتائج التقديرية لسبر آراء قدمته مؤسسة "سيغما كونساي"، مساء الأحد، فوز الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية التونسية، بنسبة تخطت 89 بالمئة متقدما على منافسيه، العياشي زمال (6.9 بالمئة) وزهير المغزاوي (3.9 بالمئة).في المقابل، يتهم الرئيس قيس سعيد مرارا خصومه السياسيين بالفساد والسعي إلى "تقسيم البلاد عبر الاستعانة بالخارج" في ظرف شنت فيه السلطات الأمنية حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات سياسية بارزة ورجال أعمال في قضايا عديدة من بينها التآمر على أمن الدولة.
وحتى في خطاب أدائه اليمين الدستورية بعد انتخابه مجددا، كشف تحدث سعيد عن "مؤامرات" و"محاولات خفية وظاهرة" سعت إلى "إجهاض الثورة التونسية"، قائلا إنه "لا مكان (في تونس) للخونة والعملاء ولمن يرتمي في أحضان دوائر الاستعمار".
وسار مجمل خطاب سعيد في اتجاه اتهام جهات لم يحددها بمحاولة "تعطيل السير الطبيعي للدولة" و"محاولة إفشال" خطط حكومية، قائلا "لا مكان في الوطن لمن لا يعمل على تحقيق آمال الشعب وتحقيق مطالبه المشروعة"، كما أضاف "ليعلم الجميع أنّ كلّ من يعطّل السّير الطّبيعي للمرافق العمومية ولدواليب الدّولة لن يبقى دون محاسبة".