العلاقات الهندية الإسرائيلية: حكاية «ثورة صامتة»!
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
العلاقات الهندية الإسرائيلية: حكاية «ثورة صامتة»
الهند قبل مودي و«حزب الشعب الهندي» ظلت صديقة لقضية فلسطين على نحو يعزّ العثور عليه عند العديد من الأنظمة العربية الحاكمة.
كما تواصل دولة الاحتلال جهودها المحمومة لتهويد فلسطين، فإن حكومة مودي تسابقها في قسر الهند داخل هوية هندوسية قومية متشددة.
توجّه بنيامين نتنياهو بالشكر إلى مضيفه مودي، ليس على تطوير العلاقات الهندية الإسرائيلية، فقط؛ بل لأنّ الأخير ساعده، ويساعده، على اختراق أسوار… أفريقيا!
كيف بلغت الحال أنّ الهند تستلهم في احتلال كشمير ومصادرة حقوق سكانها سياسة استيطانية وقمعية تماثل التي يعتمدها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة؟
«أوطان معادية: التحالف الجديد بين الهند وإسرائيل» كتاب شجاع ولامع بمثابة معالجة حاسمة للتحالف المسكوت عنه بين جناح أقصى اليمين في الحكومة الهندية، وإسرائيل.
الشطر الهندي من فضيحة استخدام برنامج تجسس «بيغاسوس» الإسرائيلي (50 ألف هاتف تمّ التجسس عليها من زعيم المعارضة راهول غاندي إلى الروائية أرونداتي روي) فصل إضافي في التعاون الوثيق.
* * *
في حينه، تشرين الأول (أكتوبر) 2021، شاءت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن تذهب بعيداً في المجاز، وربما في التفكير الرغبوي؛ فأطلقت صفة «الثورة الصامتة» على لقاء جمع وزراء خارجية الهند (سوبرامانيام جايشنكار) ودولة الاحتلال (يائير لابيد) والإمارات (عبد الله بن زايد) وأمريكا (أنتوني بلينكن).
والمحرر مبتكر هذا التوصيف لم يكن يبالغ، إلا في حشر مفهوم الثورة، لأنّ النقلات المتعاقبة التي شهدتها العلاقات الهندية الإسرائيلية (منذ استئنافها في سنة 1992 بقرار من رئيس الوزراء الهندي الأسبق ناراسيما راو، لكن في سنوات حكم رئيس الوزراء الحالي نارندرا مودي على وجه الخصوص) قفزت من محطة دراماتيكية إلى أخرى.
ولاح أنّ التعاون في ميادين الصناعات العسكرية والاستخبارات ومشاريع الريّ والطاقة محض واجهة لمطابقات أعمق وأكثر تجذراً في مسائل إيديولوجية أقرب إلى الثوابت في الفلسفة القومية «الهندوتية» من جهة، والصهيونية على اختلاف تياراتها من جهة أخرى.
ولا عجب خلف تفاخر إعلام دولة الاحتلال بما تحقق، ويواصل التحقق، في ميادين تعزيز العلاقات، فهذه هي الهند في نهاية المطاف: أوّل بلد غير عربي يعترف بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية، ويدمغ الصهيونية بالصفة العنصرية، ويتكاتف مع الزعيم المصري جمال عبد الناصر في استبعاد دولة الاحتلال من حركة عدم الانحياز، ويميّز بصلابة (بصوت المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو) بين معاناة اليهود وزرع وطن لهم على أرض شعب آخر..
فكيف بلغت الحال أنّ الهند تستلهم في احتلال منطقة كشمير ومصادرة حقوق سكانها، سياسات استيطانية وقمعية مماثلة لتلك التي يعتمدها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة؟
الباحث عن إجابات شافية لأسئلة مثل هذه، وسواها أخرى كثيرة، يجد ضالته في كتاب آزاد عيسى الباحث من جنوب أفريقيا، الذي صدر مؤخراً بالإنكليزية ضمن منشورات بلوتو في لندن، تحت عنوان «أوطان معادية: التحالف الجديد بين الهند وإسرائيل»؛ لأنه، كما يطريه المفكر الأمريكي كورنيل ويست، «كتاب شجاع ولامع بمثابة معالجة حاسمة للتحالف المسكوت عنه بين جناح أقصى اليمين في الحكومة الهندية، وإسرائيل.
هذا النصّ قراءة ضرورية حول القوى النيو ـ فاشية المتصاعدة في أزمنتنا العاصفة». فيض زاخر من التفاصيل والمعلومات والوقائع التي قد يكون الكثير منها طيّ الإغفال المتعمد، خاصة جهود «الوكالة اليهودية» عبر أمثال مارتن بوبر وألبرت أينشتاين لاستمالة غاندي بعد وعد بلفور؛ وغزارة أخرى ثمينة في المقارنات بين فلسطين وكشمير، والمجمّع الصناعي ـ العسكري بين تل أبيب ونيو دلهي، وقصة القرابة بين فلسفة «الهندوتفا» والصهيونية، ومجموعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة مقابل الشتات الهندي.
لا يصحّ أن تُنسى هنا حقيقة أنّ العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية تعود، كما يبيّن الباحث المصري مدحت أيوب، إلى عقود بعيدة، وقد شملت ميادين السياسة والاقتصاد والأمن والتسليح، فضلاً عن السياحة والثقافة والتعاون التكنولوجي.
ففي عام 1962، غداة اشتعال الحرب الهندية ـ الصينية، طلب نهرو مساعدة دافيد بن غوريون، رئيس وزراء دولة الاحتلال آنذاك، للحصول على أسلحة متطورة؛ وبعد ثلاث سنوات، عند اندلاع الحرب الهندية ـ الباكستانية، وصلت شحنات ضخمة من الأسلحة الإسرائيلية إلى الهند.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يكفي التذكير بأنّ الميزان التجاري بين الهند والدولة العبرية بلغ 202 مليون دولار في العام 1992، ثمّ قفز إلى 1085 مليون دولار في العام 2000، وهو اليوم يعدّ 7,86 مليار دولار.
غير أنّ على المرء، والمراقب العربي بصفة خاصة، أن يتذكّر ثلاث حقائق أساسية في سياق مناقشة العلاقات الهندية الإسرائيلية، ضمن معطيات أخرى أقلّ شأناً. الحقيقة الأولى تقول إنّ الهند، ما قبل مودي و«حزب الشعب الهندي» ظلت صديقة لقضية فلسطين على نحو يعزّ العثور عليه عند العديد من الأنظمة العربية الحاكمة.
وثمة سجّل حافل يقول إنّ الهند صوّتت إلى جانب الفلسطينيين (وبالتالي ضدّ دولة الاحتلال) في عشرات القرارات التي تخصّ حقوق الفلسطينيين بصفة شاملة، ومسائل انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان، وحقّ العودة، والسيادة الفلسطينية.
الحقيقة الثانية هي أنّ نقلات كبرى في تطوير العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية تمّت خلال فترات حكم «حزب المؤتمر» وحين كان كبار رجالاته في سدّة الحكم (نهرو وأنديرا وراجيف غاندي)؛ وليس فقط في فترات حكم الأحزاب ذات التوجّه القومي الهندوسي.
في عبارة أخرى، وعلى النقيض ممّا يزعم بعض المعلّقين العرب، ليس ثمة الكثير من المغزى في التركيز على العداء الهندوسي للإسلام بغية تفسير تطوّر العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية؛ ومن الخير، في هذا المثال كما في سواه بالطبع، التركيز على طبيعة المصالح المشتركة التي تكيّف سياسات الدول وتتحكم بخياراتها في المشهد العريض والتاريخي ـ
التقليدي للعلاقات الدولية. وأمّا الحقيقة الثالثة فهي تلك التي تخصّ تشكّل محور أمريكي ـ إسرائيلي ـ هندي، شُرّعت أمامه أبواب أوسع بعد اتفاقيات أبراهام وتوطيد العلاقات الهندية -الإماراتية على وجه الخصوص.
ولا يجوز أن تُنسى، كذلك، تلك الحقيقة المركزية الكبرى التي تقول إنّ الهند ديمقراطية هائلة، بمعنى ضخامة المعطيات الديمغرافية بادئ ذي بدء: قرابة 900 مليون ناخب، ونحو مليون مركز اقتراع، وزمن التصويت سبع مراحل، على امتداد 39 يوماً؛ والإنفاق المالي على الحملات الانتخابية يصل إلى سبعة مليارات دولار، وكانت الهيئة الانتخابية قد صادرت مليار دولار من المصروفات غير الشرعية.
في انتخابات سنة 2014، تحدثت الأرقام عن 551 مليون ناخب، صوّتوا في 930 ألف مركز اقتراع، واستهلكوا من حبر التصويت قرابة 15 ألف لتر!
انتصار مودي وحزبه في انتخابات 2019 شكّل انتكاسة نوعية جديرة بالتأمّل وأخذ الدروس، لدى كلّ حريص على ديمقراطية الهند ونظامها وأمثولاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإثنولوجية… فالمنهزم هنا لم يكن «حزب المؤتمر» وتراث السلالة الغاندية العلماني والليبرالي؛ والفائز لم يكن «حزب الشعب الهندي» بتوجهاته القومية والهندوسية.
رغم صحّة هذه الخلاصة في صناديق الاقتراع؛ وإنما الخاسر المشترك الأعظم هو تلك الأمثولات الكبرى التي صنعتها الهند في التاريخ الحديث للمجتمعات والدول النامية، أو شعوب ما بعد الاستعمار في التوصيف السياسي والاجتماعي والاقتصادي الأدقّ، أو حتى البلدان النامية والعالمثالثية حسب تعريفات الماضي وأواسط القرن المنصرم.
والخلاصة المشروعة قد تكون تلك التي تضع «الثورة الصامتة» في العلاقات الهندية الإسرائيلية الراهنة، على موازين أرباح لحكومة مودي ودولة الاحتلال، مقابل خسائر للديمقراطية الهندية وعلاقتها بالقضية الفلسطينية.
وفي تصدير الفصل الأخير من كتابه، المخصص للمقارنة بين احتلالين في فلسطين وكشمير، يحرص آزاد عيسى على اقتباس نوام شومسكي: «إنهما [حكومة مودي ودولة الاحتلال] أشبه بيَدٍ في قفاز»؛ ولم تكن فضيحة الشطر الهندي من استخدام أجهزة تجسس «بيغاسوس» الإسرائيلية (أكثر من 50 ألف هاتف تمّ التجسس عليها، واللائحة تبدأ من زعيم المعارضة راهول غاندي ولا تنتهي عند الروائية أرونداتي روي) سوى فصل واحد إضافي في مسرح التعاون الوثيق.
وكما تواصل دولة الاحتلال جهودها المحمومة لتهويد فلسطين، فإن حكومة مودي تسابقها في قسر الهند داخل هوية هندوسية قومية متشددة.
وفي سنة 2017، خلال زيارة «تاريخية» إلى نيودلهي، توجّه بنيامين نتنياهو بالشكر إلى مضيفه مودي، ليس على تطوير العلاقات الهندية الإسرائيلية، فقط؛ بل كذلك لأنّ الأخير ساعده، ويساعده، على اختراق أسوار… أفريقيا!
*صبحي حديدي كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الهند مودي إسرائيل نتنياهو بيغاسوس كشمير قضية فلسطين دولة الاحتلال الهندیة ـ
إقرأ أيضاً:
مؤسسة النفط الهندية تبقي على اتفاقها لاستيراد النفط العراقي
قال أنوج جين رئيس الشؤون المالية في مؤسسة النفط الهندية، أكبر شركة تكرير في الهند، للصحفيين، الثلاثاء، إن المؤسسة أبقت على اتفاقها السنوي لاستيراد الخام من العراق عند 21 مليون طن لعام 2025.
وأضاف أن من بين 21 مليون طن، هناك 12 مليون طن تقريبا ثابتة، وتسعة ملايين طن مشتريات اختيارية.
وتلبي الشركة ما بين 55 و57 بالمئة من احتياجاتها من النفط عبر صفقات سنوية مع كبار المنتجين.
وأضاف جين أن مؤسسة النفط الهندية، مثل غيرها من شركات التكرير الهندية، تتطلع أيضا إلى تعزيز وارداتها من النفط الروسي.