فاطمة الزهراء.. سيدة نساء أهل الجنة
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
الحديث عن أهل البيت النبوي ممتع وشائق، فنساؤه هن صفوة الصفوة وفي سيرة كل واحدة منهن ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من عظيم الصفات وحميد المكرمات، فالحديث يحمل بين طياته نفحات هؤلاء الكريمات اللائى عطرن التاريخ بطيب سيرتهن البضعة النبوية والجهة المصطفوية أم أبيها بنت سيد الخلق صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، إنها "فاطمة الزهراء" جوهرة فريدة اختصت بمكارم حسان لم ترق إليها إمراة قط، ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي، انقطع نسل رسول الله إلا منها؛ فأولاده الذكور ماتوا وهم صغارًا، وحينما ولدت رقية "عبد الله بن عثمان" توفي صغيرًا، وزينب ولدت "علي" الذي مات صبيًّا، وولدت "أمامة بنت أبي العاص"، أما أم كلثوم فلم تلد.
فاطمة أم أبيها أصغر بنات رسول الله من زوجته خديجة بنت خُويلد إذ كانت زينب الأولى، ثم الثانية رقية، ثم الثالثة أم كلثوم، ثم الرابعة فاطمة الزهراء وكانت أحبُهن إليه، وأكثرهن اهتمامًا به، ورعاية له، وأشبه الناس به سمتًا وهديًا ودَلّاً برسول الله، كما أخبرتنا بذلك عائشة رضي الله عنها في حديثها "ما رأَيْتُ أحدًا كان أشبهَ سمتًا وهَدْيًا ودَلًّا، والهدى والدال، برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من فاطمةَ كرَّمَ اللهُ وجَهْهَا؛ كانت إذا دخَلَتْ عليه قام إليها، فأخَذَ بيدِها وقبَّلَها وأَجْلَسَها في مجلسِه، وكان إذا دخَلَ عليها قامت إليه، فأَخَذَتْ بيدِه فقَبَّلَتْه وأَجَلَسَتْه في مجلسِها" فمن شدة عطفها وحنانها لقبها المصطفي وناداها بـ "أمِّ أبيها" فقد كان يحبها حبًا جمًا فيكره ما تكرهُه ويحب ما تحبه ابنته وكان "صلى الله عليه وسلم" إذا رجع من سفر أو غزو، فيدخل المدينة ويصلي ركعتين بالمسجد، ثم يذهب إلى بيت ابنته فاطمة مباشرة، مما دل على شدة حبه ومودته لها، وإكرامه إياها، وقد روى الإمام البخاري في صحيحه أن النبي قال "فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فمَن أغْضَبَها أغْضَبَنِي".
زواجها من علي بن أبي طالب تزوجت في السنة الثانية من الهجرة من الصحابي الجليل علي بن أبي طالب بعد غزوة بدر ، وكان عمرها حين ذاك خمسة عشر سنة ونصف، وزوجها إحدى وعشرين سنة ونصف تقريبًا، كان صداقها درعه الحطمية التي قُدرت حينها بأربعة دراهم كما ورد في الأحاديث، ولم يتزوج عليٌّ عليها حتى ماتت، وأنجبت منه أربعة أولاد وهم: الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
الزهراء أم الحسنين لقبت بالعديد من الألقاب منها القرشية الهاشمية نسبة إلي نسبها وأم الحسنين لأنها أم الحسن والحسين، والزهراء لأن هناك أقوال بأنها كانت بيضاء اللون مشربة بحمرة زهرية، وهناك من يقول أن النبي محمد هو من سماها بالزهراء لأنها كانت تزهر لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الأرض، وذلك لزهدها وورعها واجتهادها في العبادة، والبتول لانقطاعها عن نساء زمانها دينا وفضلاً ورغبة في الآخرة، المرضية لأن الله سيرضيها بمنحها حق الشفاعة، المحدثة لأن الملائكة كانت تحدثها، الحانية لأنها كانت تحن حنان الأم على أبيها النبي وزوجها وأولادها، والأيتام والمساكين، الصديقة لأنها لم تكذب قط فقد عُرف عنها صدق اللهجة وشدَّة الحياء، كما إنها كانت خير نساء العالَمين كما ورد في حديث أنس بن مالك أن النبي قال "حُسْبُكَ من نساءِ العالمينَ مَرْيَمُ ابنةُ عِمْرانَ وخديجةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ وفاطمةُ بنتُ مُحَمَّدٍ وآسِيَةُ امرأةُ فِرْعَوْنَ"، وسيدة نساء أهل الجنة ففي حديث حذيفة بن اليمان أنّ النبيّ "صلّى الله عليه وسلّم" قال "إنَّ هذا مَلَكٌ لم ينزِلْ الأرضَ قطُّ قبلَ اللَّيلةِ، استأذَنَ ربَّه أن يُسلِّمَ عليَّ ويُبشِّرَني بأنَّ فاطمةَ سيِّدَةُ نساءِ أهلِ الجنَّةِ، وأنَّ الحسنَ والحُسَينَ سَيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّةِ".
بُشرت بوفاتها عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم دخلت "فاطمة الزهراء" عليه فأكرمها، ورحب بها، وأجلسها إلى جانبه في أخر لحظاته، أسرَّ لها حديثاً فبكت، ثمّ أسرَّ لها مرةً أخرى فضحكت؛ حيث أنّه أخبرها في الأولى أنه ميت، وفي الثانية أنّها أول أهله لحاقاً به، وذلك كما روى الإمام البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إنّها قالت: (أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَرْحَبًا بابْنَتي ثُمَّ أجْلَسَهَا عن يَمِينِهِ، أوْ عن شِمَالِهِ، ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ، فَقُلتُ: ما رَأَيْتُ كَاليَومِ فَرَحًا أقْرَبَ مِن حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قالَ: فَقالَتْ: ما كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى قُبِضَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلْتُهَا. فَقالَتْ: أسَرَّ إلَيَّ: إنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، ولَا أُرَاهُ إلَّا حَضَرَ أجَلِي، وإنَّكِ أوَّلُ أهْلِ بَيْتي لَحَاقًا بي. فَبَكَيْتُ، فَقالَ: أما تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أهْلِ الجَنَّةِ، أوْ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ لذلكَ"، وقد روت السيدة فاطمة الزهراء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر حديثًا، ظلت السيدة "فاطمة" حزينة تعاني من ألم فقدان أبيها سيد الخلق وتوفت لثلاث ليالٍ خلون من شهر رمضان، وهي ابنة تسع وعشرين سنة أو نحوها، أوصت زوجها أن يدفنها ليلاً، وصلى عليها أبناءها الحسن والحسين زوجها علي بن أبي طالب بعد أن غسّلها هو وأسماء بنت عميس رضي الله عنها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة صلى الله علیه وسلم ى الله علیه وسل فاطمة الزهراء ا کانت
إقرأ أيضاً:
مولد الإمام الحسين.. حفيد الرسول وسيد شباب أهل الجنة
الحسين بن علي بن أبي طالب، حفيد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وابن السيدة فاطمة الزهراء، وُلد عام 4 هـ ونشأ في كنف النبوة، حيث أحاطه جده بمودة عظيمة، حتى قال عنه: "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا"، واستشهد الحسين -رضي الله عنه- في كربلاء على يد عبيد الله بن زياد وجيشه، مع 18 فردًا من أهل بيته وعشرات من أنصاره، خلال فترة خلافة يزيد بن معاوية.
مولده ونسبهوُلد الحسين في الثالث من شعبان، عام 4 هـ، وهو الابن الثاني للإمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء، بعد أخيه الحسن الذي وُلد في 15 رمضان عام 3 هـ، وكان بين الأخوين فارق زمني يقارب 11 شهرًا و11 يومًا.
شهدت ولادته فرحة غامرة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعندما أُخبر بالمولود توجه إلى بيت علي وسأل عن اسمه، فأجاب علي: "حرب". لكن النبي أصر على تسميته "حسين"، كما سمّى شقيقه الأكبر "حسن"، رغم أن هذين الاسمين لم يكونا مألوفين في المجتمع العربي آنذاك.
نشأته في كنف النبيعاش الحسين طفولته في بيت النبوة حتى بلغ نحو 6 أو 7 سنوات، وكان يحظى بعطف النبي وحبه الكبير. كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يناديه بحنان، يداعبه ويحمله على كتفه، وكان يردد له أهازيج محببة، منها: "حزقة حزقة ارق بأبيك عين بقة".
وكان النبي يلاعب الحسن والحسين، وحينما كان يرى أحدهما يبكي، كان يأخذه ويضمه إليه لتهدئته. كما ورد أنه كان يطيل السجود عندما يرتقي الحسن أو الحسين على ظهره أثناء الصلاة، حرصًا على عدم إزعاجهما.
محبة النبي للحسنين انعكست في أحاديثه، حيث قال: "من أحب الحسن والحسين فقد أحبني". وخصّ الحسين بقوله: "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا"، مما عزز مكانته في قلوب المسلمين.
الحسين وآل البيت
في طفولته، شهد الحسين العديد من الأحداث في بيت النبوة، مثل وفاة شقيقات والدته، ومولد إبراهيم بن النبي ووفاته، حتى لم يبقَ للرسول -صلى الله عليه وسلم- من ذريته إلا السيدة فاطمة وأبناؤها.
ولهذا، يُطلق مصطلح "آل البيت" تحديدًا على هؤلاء، وهم الذين شملهم النبي في حديث الكساء، عندما جمع الحسن والحسين والسيدة فاطمة والإمام علي تحت عباءته وتلا قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (الأحزاب: 33).
مكانته في عهد الخلفاء الراشدينحظي الحسين -رضي الله عنه- بمكانة رفيعة في عهد الخلفاء الراشدين، فقد كان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- يجلّانه ويقدّران منزلته. كان أبو بكر يحمل الحسن أحيانًا ويقول: "بأبي.. شبيه بالنبي.. لا شبيه بعلي".
وفي عهد عمر بن الخطاب، كان يُدخل الحسن والحسين قبل كبار الصحابة، ويقول لهما: "أنتم أحق من ابن عمر، فإنما أنبت ما في رؤوسنا الله ثم أنتم". كما منحهما عطايا مساوية لما يُعطى لأهل بدر، وعندما وزع عمر الحلل على أبناء الصحابة، أرسل إلى اليمن ليحصل لهما على أفضل الثياب.
مع تولي عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الخلافة، أصبح للحسين دور بارز في الحياة العامة، حيث شارك في الفتوحات الإسلامية، منها فتح إفريقية (تونس حاليًا) وفتح طبرستان (شمال إيران حاليًا).
دوره في عهد الإمام علي وخلافة الحسنانتقل الحسين إلى الكوفة مع والده الإمام علي عام 36 هـ، بعد موقعة الجمل. وعند استشهاد والده في رمضان 40 هـ، بايع المسلمون الحسن خليفةً للمسلمين. لكن بعد اضطراب الأوضاع السياسية، عقد الحسن صلحًا مع معاوية عام 41 هـ، فيما عُرف بـ"عام الجماعة"، وبهذا انتقلت الخلافة إلى معاوية.
رفض الحسين هذا الصلح في البداية، لكنه امتثل لقرار أخيه، حيث قال له الحسن: "لقد هممت أن أحبسك فلا أطلقك حتى ينتهي هذا الأمر". ورغم دعوات البعض له لمواصلة القتال، أكد الحسين التزامه بالبيعة، قائلاً: "إنا قد بايعنا وعاهدنا ولا سبيل لنقض بيعتنا".
استشهاد الحسين في كربلاء
بعد وفاة معاوية عام 60 هـ، رفض الحسين مبايعة يزيد بن معاوية، حيث اعتبر أن الخلافة لا ينبغي أن تكون وراثية. تلقى دعوات من أهل الكوفة لمبايعته، فتوجه إليهم رغم تحذيرات الصحابة. لكن والي الكوفة، عبيد الله بن زياد، حاصر الحسين وجيشه في كربلاء، ومنع عنهم الماء.
في العاشر من محرم عام 61 هـ (الموافق 10 أكتوبر 680م)، وقعت معركة كربلاء، حيث قُتل الحسين مع 18 من أهل بيته وعشرات من أنصاره، بعد معركة غير متكافئة. ورغم قلة عددهم، صمدوا حتى آخر لحظة، وسقط الحسين شهيدًا، ليبقى رمزًا للتضحية والكرامة في التاريخ الإسلامي.