أشرف غريب يكتب: أم كلثوم.. تاريخ أمة وضمير شعب
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
لا يقاس تاريخ الأمم بما حققته من مكتسبات سياسية واقتصادية.. كل هذا قابل للتغير والتأويل.. هناك أشياء أهم وأكثر خلودا.
لم يبقَ لليونان القديمة إلا فلاسفتها العظام، ولأوروبا العصور الوسطى إلا رموز عصر نهضتها، أما مصر القرن العشرين وما بعدها، ومهما مرت به من أحداث جسام، فلن يبقى لها إلا تلك الأسماء الشامخة التي صنعت ريادتها وتميزها، وفي صدر هؤلاء كانت كوكب الشرق أم كلثوم بكل تأكيد.
أكثر من سبعين عاما عاشتها هذه الفلاحة البسيطة التي أتت من ريف مصر لتقف على قمة الهرم في أمة شاء لها القدر أن تكون ذات تأثير واضح في كل الدوائر المحيطة بها، وشاء لأم كلثوم نفسها أن تكون أيضا جزءا من هذا التاريخ وصاحبة أثر بالغ الوضوح في كثير من الأحداث التي عاشتها أمتها، ربما لأنها لم تكن فقط مجرد صوت غنائي استثنائي بقدر ما كانت صوت شعب تسبقه حضارة آلاف السنين، وربما لأنها لم تكن فقط نجمة غير عادية عرفت كيف تدير موهبتها مهما اختلفت الأجواء والظروف بقدر ما كانت صنيعة وطن ومشروع أمة من أول أولئك الأفذاذ الذين أحاطوا بها في بدايتها ودعموا وجودها في زمن عشرات الأسماء الكبرى، وحتى رأس الدولة في زمن آخر أدرك أن بيده سلاحا لا يملكه غيره، فحافظ عليه وعظَّم من دوره وبرع في استثماره لتبقى هي للغناء سيدته الأولى، ولمصر رمزها الباقي.
وُلدت أم كلثوم في عهد الخديو عباس حلمي الثاني، وعاشت صباها وسنوات شقائها الفني في عهد السلطان حسين كامل، وبدأت مشوارها مع احتراف الغناء في عهد الملك فؤاد، وحققت الشهرة والنفوذ في عهد الملك فاروق، ودانت لها السيادة والزعامة على مستوى الوطن العربي في عهد الرئيس عبدالناصر، ورحلت عن دنيانا في عهد الرئيس السادات، عايشت كل الأحداث الجسام في تاريخ أمتها، شهدت حربين عالميتين، وخبرت أثرهما على مصر، وحضرت ثورتين كانت في ظل الأولى نبتة فنية صغيرة، وفي كنف الثانية فوق ذرى المجد الفني، عاصرت كل حروبنا مع إسرائيل، فشهدت نكبتنا في 1948 وصمودنا في 1956 وانكسارنا في 1967 وانتصارنا في 1973، وهي في ذلك كله كانت صوت مصر الهادر بالغناء أو نبض المواطن الشريف بالمواقف والعمل الجاد، وفي تلك الحقب والأحوال جميعها كانت أم كلثوم مرادفا حقيقيا للانتماء إلى هذا الوطن الذي عشقته وعبّرت عنه، وإلى محيطها العربي الذي توحد عبر أثير غنائها المنطلق من إذاعة القاهرة عاصمة العرب وقلبها الحي.
ألم تكن هي التي تحدثت باسم مصر في قصيدة الشاعر حافظ إبراهيم الشهيرة: «أنا إن قدَّر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي»؟ ألم تكن هي التي قالت: «مصر التي في خاطري وفي فمي أحبها بكل روحي ودمي يا ليت كل مؤمن بعزها يحبها حبي لها»؟ ثم هي التي قالت في ذروة الأزمة الفلسطينية بعد هزيمة يونيو: «أصبح عندي الآن بندقية إلى فلسطين خذوني»؟ أم كلثوم التي صدحت بالغناء لشعراء عرب من اليمن والسودان وسوريا ولبنان وتونس تأكيدا لتوجهها العروبي، ولشاعر فارسي وآخر باكستاني تكريسا لانتمائها الإسلامي، وهذا بالتأكيد بعض من كل، لكنه إشارة إلى ذلك النهج الوطني والقومي الذى لم تحد عنه كوكب الشرق على مدى سبعين عاما لم تتوقف خلالها عن الغناء لهذا الوطن وتلك الأمة.
هذا عن الغناء، أما عن المواقف فلن تسعفني الكلمات، أم كلثوم التي جابت أرجاء الوطن العربي من أبوظبي على الخليج العربي إلى المغرب على المحيط الأطلنطي دعما للمجهود الحربي بعد يونيو 1967 وجمعت من المال والمشغولات الذهبية ما كان عونا حقيقيا في المعركة الكبرى ورمزا بالغ الدلالة على البذل والعطاء، أم كلثوم التي تحدت اللوبي الصهيوني في أوروبا وراحت تغني على مسرح الأولمبيا في قلب العاصمة الفرنسية باريس مناصرة للقضية العربية، أم كلثوم التي حالت ظروفها الصحية أثناء حرب أكتوبر 1973 دون الغناء فتبرعت مع بدايات المعركة بمبلغ خمسة عشر ألف جنيه من جنيهات السبعينات (عشرة للمجهود الحربي وخمسة للهلال الأحمر المصري)، أم كلثوم التي غالبت مرضها في مايو 1974 لتلبي دعوة الرئيس السادات وتقف بجواره في حفل تكريم جرحى أكتوبر الذي أقيم بمستشفى القوات المسلحة بالمعادي، فكان ظهورها العلني الأخير، أم كلثوم التي وضعت اللبنة الأولى لمشروع دار الخير الذي تحول لاحقا إلى مشروع الوفاء والأمل، أم كلثوم التي احتشدت الملايين بالشوارع في مشهد وداعها المهيب قبل خمسين عاما ونعتها برقيات زعماء العالم.
باختصار.. لقد كانت أم كلثوم تاريخ أمة وصنيعة وطن، والعنوان الأبرز لعصر بأكمله كانت هي قبلته الأولى ورمزه الأعظم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: أم كلثوم كوكب الشرق أم کلثوم التی لم تکن فی عهد
إقرأ أيضاً:
وكالة ناسا تكتشف نسيج غريب على سطح المريخ
تمكنت مركبة "بيرسيفيرانس" التابعة لوكالة ناسا من جمع عينة من المريخ تحتوي على نسيج "لا يشبه أي شيء رأيناه من قبل"، وفقًا لما أعلنته الوكالة.
وجرى جمع العينة، التي أُطلق عليها اسم "جبل سيلفر"، من خلال ثقب صخري تم غلقه داخل أنبوب خاص ليتم تحليل محتوياته في المختبرات على الأرض في المستقبل.
ويُعد جبل سيلفر العينة السادسة والعشرون التي تجمعها المركبة المريخية، في إطار برنامج استكشاف المريخ الذي يهدف إلى فهم التاريخ الجيولوجي للكوكب الأحمر ومناخه، بالإضافة إلى دراسة إمكانيات الحياة الميكروبية التي قد تكون نشأت هناك في العصور القديمة.
خطط لإعادة العينات إلى الأرض بحلول 2035في وقت سابق من هذا الشهر، أكدت وكالة ناسا أنها تدرس إمكانية إعادة هذه العينات إلى الأرض بحلول عام 2035، أو في موعد أقصاه 2039. وتعمل ناسا على تحديد الطريقة المثلى لإتمام هذه المهمة، حيث من المتوقع الإعلان عن الخطة في العام المقبل. وعلق بيل نيلسون، مدير وكالة ناسا السابق، قائلاً: "إن اتباع مسارين محتملين للمضي قدمًا سيضمن قدرة ناسا على إعادة العينات من المريخ بتكلفة ووقت أقل مقارنة بالخطة السابقة."
اكتشافات جديدة في فوهة "جيزيرو"نسيج على المريخمركبة "بيرسيفيرانس" أكملت بنجاح صعودها من فوهة "جيزيرو" المريخية، حيث هبطت في فبراير 2021. تُعتبر فوهة "جيزيرو" واحدة من أكثر المناطق إثارة على سطح المريخ، حيث يُعتقد أنها كانت بيئة مناسبة لوجود الحياة الميكروبية في الماضي البعيد. حاليًا، تتجه المركبة نحو "الحافة الشمالية"، حيث من المتوقع أن تزور أربعة مواقع جيولوجية هامة وتجمع المزيد من العينات.
تسريع الأبحاث والاستكشافات المستقبليةووفقًا للبيانات المحدثة، قطعت مركبة "بيرسيفيرانس" أكثر من 20 ميلاً على سطح المريخ، كما يمكن تتبع موقعها ومسارها عبر الخريطة التفاعلية على موقع وكالة ناسا الإلكتروني. العينات التي تم جمعها توضع في أنابيب من التيتانيوم بعد أن تستخدم المركبة المثقاب المخصص لهذه المهمة.
وأوضحت نيكي فوكس، التي تقود مديرية البعثات العلمية في وكالة ناسا، أن هذه البيانات والملاحظات "ستساعدنا ليس فقط في فهم المريخ بشكل أفضل، بل ستساهم أيضًا في إرسال أول مستكشفين بشريين إلى المريخ بأمان".
تعتبر "بيرسيفيرانس" جزءًا من برنامج استكشاف المريخ التابع لوكالة ناسا، الذي يهدف إلى اكتشاف أسرار الكوكب الأحمر باستخدام الروبوتات، تمهيدًا للمستقبل البشري على المريخ.
توسيع آفاق المستقبلهذه الاكتشافات تفتح أبوابًا جديدة لفهم المريخ ومكوناته، مما يعزز التوقعات بوجود حياة قديمة أو حتى إمكانية استدامة الحياة على هذا الكوكب في المستقبل.