تفشي وباء «جنون القتل» في السودان
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
تُعتبر جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من أشد الجرائم التي يمكن أن ترتكب ضد البشرية، وهي تمثل انتهاكات جسيمة وخطيرة للقيم الإنسانية الأساسية وللقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وحسب اطلاعاتي البسيطة، هنالك فوارق بين جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. فجرائم الحرب هي انتهاكات للقوانين والأعراف التي تحكم الحروب والنزاعات المسلحة بين الدول أو محليا داخل الدولة، وتطال الجنود أو المدنيين، مثل: قتل أو تعذيب الأسرى أو المدنيين، استخدام الأسلحة المحظورة (مثل الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية) الاعتداءات العشوائية التي تسبب خسائر في صفوف المدنيين، تجنيد الأطفال واستخدامهم في المعارك، تدمير الممتلكات والبنى التحتية والأعيان المدنية كالمستشفيات والمدارس ودور العبادة.
أما الجرائم ضد الإنسانية فهي أفعال مُنظمة وممنهجة وواسعة، تُرتكب ضد مجموعة من السكان المدنيين، سواء في وقت الحرب أو السلم، وغالباً ما ترتكب بدافع سياسي أو عرقي أو ديني، مثل: القتل العمد والإبادة الجماعية، التعذيب والاختفاء القسري، الاغتصاب والاستعباد الجنسي أو الاتجار بالبشر، الترحيل القسري أو النقل الجماعي للسكان، إلى غير ذلك من الأعمال والانتهاكات العنيفة التي تسبب معاناة شديدة. وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، تُعرِّفها وتنظمها عدة معاهدات وقوانين دولية، أبرزها اتفاقيات جنيف الأربع (1949) والبروتوكولات الإضافية، ونظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية في عام 1998. ولضمان العدالة ومنع تكرار هذه الجرائم في المستقبل، يشدد القانونيون الشرفاء وحماة العدالة ودعاة حقوق الإنسان وصناع المستقبل على وجوب محاسبة مرتكبي هذه الجرائم وعدم السماح بإفلاتهم من العقاب، وذلك بتقديمهم للعدالة إما أمام المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الدولية الخاصة، كما حدث في محكمة نورمبرغ لجرائم الحرب العالمية الثانية والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا ويوغوسلافيا السابقة، أو أن تتم محاكمتهم أمام المحاكم الوطنية بموجب مبدأ «الولاية العالمية» متى ما توفر النظام العدلي والقضائي المستقل والنزيه.
ووفق تعريفنا هذا، المبسط وغير المتخصص، لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فإن الحرب المشتعلة اليوم في السودان، والتي تقترب من إكمال عامها الثاني، تتوفر فيها معظم، إن لم يكن، كل عناصر هذه الجرائم، حيث تؤكد الأدلة الموثقة استهداف المدنيين في الأحياء السكنية والأسواق والمستشفيات بالقصف المدفعي أو الطيران أو المسيرات، مما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، وخاصة النساء والأطفال، وكذلك إعلاء راية الانتقام وارتكاب المجازر وذبح الإنسان ذبح الشاة في الشوارع والمنازل والتمثيل بجثته وذلك بغرض الانتقام أو على أسس سياسية أو إثنية أو جهوية أو بغرض النهب والسلب، وحالات العنف الجنسي الجماعي كأداة حرب، والتهجير القسري نزوحا داخليا أو لجوءا مما خلق أزمة نازحين ولاجئين كبيرة داخل السودان وفي الدول المجاورة، وتدمير البنية التحتية كالطرق والكباري والمستشفيات والمدارس ومرافق المياه والكهرباء، مما حرم المدنيين من الخدمات الأساسية والضرورية للحياة. ورغم أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية كانت متوفرة، وبكثرة، إبان الحرب في جنوب السودان قبل انفصاله وخلال أحداث سنوات حرب دارفور الممتدة منذ عام 2003 والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها «أول إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين» لكن حرب السودان المندلعة منذ الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023، شهدت في الآونة الأخيرة تصعيدا خطيرا تجاوز الحدود المتوقعة ودخل نطاق اللامعقول وغير المسبوق في تاريخنا الحديث من حيث ارتكاب أعمال عنف مروعة ومجازر وحشية ضد المدنيين، والتي غالبًا ما تكون بدوافع عرقية أو سياسية أو بسبب الانتقام، وساد ما يمكن أن نسميه تفشي وباء سفك الدماء أو مرض «جنون القتل». ومن الأعراض والعلامات الواضحة لهذا الوباء أو المرض، والتي نشهدها اليوم في السودان، استمرار دوران «دورة الانتقام» أي استمرار مسلسل العنف وسفك الدماء، وتصعيد التوترات وتفاقم الخوف والغضب، وتفشي حالة تطبيع العنف، أي جعل المجتمع يتقبله كوسيلة لحل النزاعات، وكل ذلك يضعف فرص الحلول السلمية عبر الحوار ويعمق الاستقطاب والانقسامات داخل المجتمع. إن «جنون القتل» وتفشي وباء العنف العشوائي في السودان، بالإضافة إلى أنه يُمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، فإنه يعمق من حالة الكراهية وحالة الحقد والعداء بين السودانيين ويجعلها مزمنة مما يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وصعوبة شفائه وتعافيه، ويلقي بظلال قاتمة على مستقبل البلاد ووحدتها، كما قد بجذب أطرافا خارجية مما يفاقم المأساة ويطيل عمر المعاناة.
إن تفشي وباء سفك الدماء ومرض «جنون القتل» في السودان لا يمكن تجاهله والصمت عنه، بل هو يستوجب أن نتحمل جميعا، في المقدمة الزعامات التقليدية والقيادات الأهلية ومشايخ الطرق الصوفية وقيادات المجتمع المدني، أن نتحمل المسؤولية الأخلاقية حيالها والعمل على كبحها. لكن العبء الأكبر في تحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية حيال مقاومة هذا الوباء، فيقع على عاتق قيادات الأطراف المتحاربة، بدءا بإلزام قواتها ومرؤوسيها بالانضباط والامتناع عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتشكيل لجان مستقلة للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت والتي لاتزال تُرتكب حتى اللحظة، ونشر نتائج هذه اللجان بشكل شفاف ومعلن، وتقديم الجناة وكل المتورطين إلى المحاسبة العاجلة والعادلة. وبالطبع، فإن تقاعس القيادات عن تنفيذ ذلك يضعها في خانة المتهمين والمتورطين. ومن جانب آخر، نكرر ما ذكرناه في مقال سابق حول ضرورة الإسراع في نشر أفراد الشرطة والأجهزة المدنية لإنفاذ القانون في كافة المناطق التي يستعيد الجيش سيطرته عليها، وضمان الفصل بين العناصر العسكرية النظامية ومجموعات المستنفرين وبين التعامل المباشر مع المواطنين، وأن يكون هذا التعامل وفق ما يضمن سيادة القانون وإنفاذه بفعالية وعدالة. وبخلاف ذلك، فلا مفر من تفعيل آليات المجتمع الدولي، وفق القانون الدولي، لوقف هذه المأساة وحماية المدنيين، على النحو الذي تناولناه في مقال سابق، فشعب السودان لا يستحق هذا الجنون.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانیة الجرائم ضد الإنسانیة فی السودان
إقرأ أيضاً:
غوتيريش يدعو الحوثيين إلى الإفراج عن المختطفين العاملين في المنظمات الإنسانية
يمن مونيتور/ قسم الأخبار
دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الحوثي إلى احترام العاملين في المنظمات الدولية العاملة باليمن، مجدداً التأكيد على ضرورة الإفراج عن الموظفين المختطفين.
وقال غوتيريش، في مقابلة تلفزيونية، الجمعة “على الحوثيين أن يعلموا أن هناك ثمة حدود فيما يتعلق بالأعمال التعسفية غير المقبولة التي قاموا بها لاسيما فيما يتعلق بموظفي الأمم المتحدة الذين يساعدوا الشعب اليمني”.
وحذر من أن استمرار هذه الممارسات قد يعرقل وصول المساعدات الحيوية إلى ملايين اليمنيين الذين يعتمدون عليها.
وعن إمكانية تأثر الأعمال الإنسانية في اليمن بإعادة تصنيف الإدارة الأمريكية جماعة الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، قال غوتيريش، إن الأمم المتحدة تدرس إمكانية استمرار تقديم المساعدات لليمنيين بمعزل عن القرار.
وأشار غوتيريش إلى أن استهداف الحوثيين للسفن في البحر الأحمر لم يُساعد الفلسطينيين، بل تسبب في تعطيل الملاحة البحرية، مما أثر سلباً على دول المنطقة، بما في ذلك مصر.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة داعمي الحوثي أو الذين على اتصال بهم، للمشاركة في الجهود الجادة الرامية لإعادة السلم في اليمن.
وأكد أن الأمم المتحدة كانت قريبة من البدء في هذه العملية بعد التفاهمات التي توصلت إليها السعودية مع الحوثيين، غير أن استهداف الحوثيين للسفن أعاق تلك الجهود.
يمن مونيتور1 فبراير، 2025 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام ندوة في ببروكسل: تشرذم القوى السياسية اليمنية يطيل الحرب ويعزز هيمنة الحوثيين مقالات ذات صلة ندوة في ببروكسل: تشرذم القوى السياسية اليمنية يطيل الحرب ويعزز هيمنة الحوثيين 1 فبراير، 2025 اين عشال ياربيعي؟ 1 فبراير، 2025 ترامب: أمرت بشن غارات على “الإرهابيين” في الصومال 1 فبراير، 2025 الجيش اليمني يحبط محاولات هجومية للحوثيين في جبهات مأرب 1 فبراير، 2025 اترك تعليقاً إلغاء الرد
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محلية الجيش اليمني يحبط محاولات هجومية للحوثيين في جبهات مأرب 1 فبراير، 2025 الأخبار الرئيسية غوتيريش يدعو الحوثيين إلى الإفراج عن المختطفين العاملين في المنظمات الإنسانية 1 فبراير، 2025 ندوة في ببروكسل: تشرذم القوى السياسية اليمنية يطيل الحرب ويعزز هيمنة الحوثيين 1 فبراير، 2025 اين عشال ياربيعي؟ 1 فبراير، 2025 ترامب: أمرت بشن غارات على “الإرهابيين” في الصومال 1 فبراير، 2025 الجيش اليمني يحبط محاولات هجومية للحوثيين في جبهات مأرب 1 فبراير، 2025 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك ندوة في ببروكسل: تشرذم القوى السياسية اليمنية يطيل الحرب ويعزز هيمنة الحوثيين 1 فبراير، 2025 الجيش اليمني يحبط محاولات هجومية للحوثيين في جبهات مأرب 1 فبراير، 2025 نقابة المعلمين اليمنيين في تعز تدعو إلى مسيرة حاشدة غداً الأحد 1 فبراير، 2025 وسط مخاوف التصعيد.. شبكة الإنذار المبكر تحذر من نقص الغذاء في اليمن 1 فبراير، 2025 اليمن يمدد لمتحف أمريكي حق استضافة 80 قطعة أثرية 1 فبراير، 2025 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 13 ℃ 13º - 13º 53% 1.55 كيلومتر/ساعة 13℃ السبت 22℃ الأحد 21℃ الأثنين 23℃ الثلاثاء 24℃ الأربعاء تصفح إيضاً غوتيريش يدعو الحوثيين إلى الإفراج عن المختطفين العاملين في المنظمات الإنسانية 1 فبراير، 2025 ندوة في ببروكسل: تشرذم القوى السياسية اليمنية يطيل الحرب ويعزز هيمنة الحوثيين 1 فبراير، 2025 الأقسام أخبار محلية 29٬190 غير مصنف 24٬203 الأخبار الرئيسية 15٬634 عربي ودولي 7٬360 غزة 10 اخترنا لكم 7٬199 رياضة 2٬465 كأس العالم 2022 80 اقتصاد 2٬312 كتابات خاصة 2٬126 منوعات 2٬056 مجتمع 1٬878 تراجم وتحليلات 1٬879 ترجمة خاصة 133 تحليل 18 تقارير 1٬652 آراء ومواقف 1٬573 صحافة 1٬491 ميديا 1٬475 حقوق وحريات 1٬359 فكر وثقافة 928 تفاعل 828 فنون 492 الأرصاد 391 بورتريه 66 صورة وخبر 38 كاريكاتير 33 حصري 27 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2025، جميع الحقوق محفوظة | يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 1 ديسمبر، 2022 “طيران اليمنية” تعلن أسعارها الجديدة بعد تخفيض قيمة التذاكر 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 29 نوفمبر، 2024 الأسطورة البرازيلي رونالدينيو يوافق على افتتاح أكاديميات رياضية في اليمن 6 يناير، 2022 وفاة الممثلة المصرية مها أبو عوف عن 65 عاما أخر التعليقات موقع موضوعينعم يؤثر...
موقع موضوعي أكبر موقع عربي في العالمان لله وان اليه راجعون...
عبدالملك قاسماخي عمره ٢٠ عاما كان بنفس اليوم الذي تم فيه المنشور ومختي من...
جمالاشتي اعرف الفرق بين السطور حقكم وأكد المسؤول العراقي في تصري...
محمد شاكر العكبريأريد دخول الأكاديمية عمري 15 سنة...