صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-06@09:02:57 GMT

لدي حلم

تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT

لدي حلم

 

بلا انحناء

فاطمة غزالي

لدي حلم

‏‎ العنصرية القائمة على أساس العرق لا زالت قيد الحياة لأنها تتغذى على أوهام النقاء العرقي والتفوق لبعض أصحاب البشرة البيضاء الذين ظنوا وهماً أن لون البشرة ودرجة نعومة الشعر مصدرا السمو العرقي، وبالتالي يحق لهم أن ينصبوا أنفسهم سادة على الآخرين وأنهم المفضلين على غيرهم في هذا العالم.

يعد الطبيب الأميركي صامويل مورتون الذين عززوا فكرة النقاء العرقي وساهم في شقاء الشعوب التي تعاني من العنصرية  العرقية حينما قسم البشر إلى 5 أعراق واعتقد وهماً بأن لكل عرق خصائص مميزة ورتبها وفق تسلل هرمي ووضع العرق الأبيض (القوقازيون )هم الأكثر ذكاءً ويلهم الشرق آسويين (المنغوليين) وصفهم بالأذكاء ولديهم قابلية للتعلم والتحضر ويليهم سكان جنوب شرق آسيا في المرتبة الثالثة والأميركيون الأصليون وفي أسفل الهرم وُضع أصحاب البشرة السمراء أو من أطلق عليهم الإثيوبيين.ظل هذا التقسيم العنصري يُستغل سياسياً واقتصاديا واجتماعياً وأحياناً دينياً ضد أصحاب البشرة السمراء أو السوداء. العلم والتجربة والواقع تتناقض مع تصنيف الأعراق الذي أعطى أصحاب البشرة البيضاء المرتبة الأولى في الذكاء والشاهد على التناقض قائمة العلماء والمخترعين من أصول سوداء وهذا ما يكذب نظرية ربط الذكاء بالعرق أو لون البشرة. العلم لم يدعم فكرة الأجناس النقية منذ اكتشاف التسلسل الجيني للإنسان الذي كشف عن أن التطور البشري حدث نتيجة للاختلاظ الجيني الذي حدث نتيجة للتزواج بين المجموعات السكانية المختلفة للبشر وأن الاختلاط الجيني هو من ساعد البشر على البقاء على قيد الحياة عن طريق اكتساب السمات القادرة على التكيف مع الظروف المحتلفة واثبت العلماء أن التنوع الجيني يعد صمام الأمان لاستمرار حياة البشرية لأنه يحقق التكيف البيولوجي للازم للدفاع ضد الأمراض والظروف البيئية القاسية في المستقبل.الأية الكريمة ” يا أيها النُّاسُ إنّا خَلَقّناكُمْ من ذَكَرٍ وأًنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقبَائِلَ لتَعَارَفُوا إنّ أكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أتْقَاكُم إنَّ اللهَ عَليِمُ خَبِيرُ ” ويحق لنا أن نقول إن الحكمة من خلق البشرية شعوباً وقبائل للتعارف والتلاقي يخلق الاختلاط البشري بالتزواج الذي يحقق التنوع الجيني وحماية  حياة البشر.

بالرغم من أن عالم الاجتماع الأمريكي ويليام إدوارد بورغاردت  تناول مفهوم العرق وأشار إلى أنه ما يعرفه عن العرق البيولوجي ما هو إلا مجموعة من الاختلافات الاجتماعية والثقافية بين المجموعات السكانية المختلفة ولكنها ليست ذات صلة بعلم الأحياء وكذلك العلم يقول إن العرق بناء اجتماعي لا معنى له من الناحية البيوليوجية. المؤسف أن العنصرية العرقية تُسقى شجرتها من بعض أصحاب الهوس الديني الساسة الذين يسعون إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية وهؤلاء تجدهم وسط مجتمعات عديدة شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً لا يريدون الاستماع إلى صوت العلم بل هم أسرى لهوى العنصرية  النابع من الادعاءات الزائفة  للنقاء العرقي الذي اتخذوه مرجعية لأوهامهم الرغائبية التي ساهمت في  استغلال بعض الشعوب  العرق لاذلال الآخرين بسيف العنصرية الذي كلما أدخل في غِمده خرج حاداً.

الشاهد أن العنصرية العرقية  والقبيلة غذت منابع الصراعات التي أدت إلى ارتكاب أفظع الجرائم (جرائم ضد الإنسانية ، الإبادة الجماعية والتطهير العرقي و الاستعباد والاضطهاد) في مناطق عديدة من العالم، وشعوب القارة السمراء لها نصيب الأسد من المعاناة بسبب هذه العنصرية  العرقية ‏‎التي خرجت من الفكرة الخاطئة بأن البشرية تتكون من اجناس مختلفة وطبقات متعددة ذات كفاءات عقلية وقدرات بدنية وأخلاقية مختلفة بيد أن الحقيقة هي أن الجنس البشري واحد وتعيش أعراقه في كوكب واحد، وأن التعامل مع الآخر من منطلق مبدأ وحدة العالم الإنساني هي الفطرة السليمة للإنسان وتعزيز الإيمان بوحدة العالم الإنساني سيقضي على فكرة العنصرية في العقول التي تنسج أوهام التفوق على أساس اللون. ‎

لا شك المجتمع السوداني اضرته العنصرية المستترة من قبل بعض النخب السياسية من واقعدت البلاد عن النمو والتطور والتقدم. منذ الاستقلال السودان يعيش في حالة تراجع مستمر بسبب الأموال التي أُنفقت ولا زالت تُنفق في الحروب التي أشعلتها العنصرية الصامتة لا تنطقها الأفواه السياسيين كثيراً بيد سياستهم تُدقن تتطبقها وخير دليل حالة الحرمان والفقر التنموي الذي يعيشه السودانيين خاصة الذين يمثلون المكون الزنجي والنوبي في أطراف السودان وهذا لا يعني أن مناطق الوسطي النيلي لا تعاني من التهميش التنموي إلا أن هناك تنفاوت نسبي كبير بشأن المقدرة على الوصول إلى الخدمات وهناك أرقام توضح التباين التنوي بين المناطق. جميع السودانيين حياتهم مهمة وكل إنسان من حقه العيش بأمن من الخوف والجوع  لضمان حقه في الحياة بكرامة.نعم العنصرية التي استخدمتها بعض النخب السياسية لخدمة أهدافها السياسية  والاقتصادية والاجتماعية أطلقت شرارة النزاعات المسلحة والحروب الأهلية التي اشتعلت منذ أحداث توريت في العام 1955م وهذه الأحداث كانت ردة فعل لممارسات لها أبعاد عنصرية وتمظهرت في تهميش رؤىة القيادات الجنوبية وأعقبتها حالة اللا استقرار منذ الاستقلال في مناطق الهامش والمتمسك بأفرقانيته ولغاته الأم في وطن عبثت النخب السياسية بهويته بفرض الهوية العربية الإسلامية دون مراعاة للأغلبية الزنجية والنوبية في السودان فخلقت مجتمع تتنازع في دواخله الهويتين الأفريقية والعربية وترتبت على تحديد الهوية التي اختارتها تلك النخب ممارسات غير عادلة فتوارى الانصاف، وظهر التباين التنموي والتهميش السياسي المتعمد في أطراف السودان. تجاهل مخاطبة قضايا التهميش وغياب الإرادة لايجاد معالجة شاملة وعميقة لقضايا مواطنيه في مناطق(الجنوب \ دارفور\جبال النوبة \ النيل الأزرق\ الشرق \ الشمال النوبي) عزز الشعور لدى سكان تلك المناطق بأنهم مواطنين درجة ثانية مما أدى إلى نشأة الحركات المطلبية المسلحة في العديد من أطراف السودان وبدلاً عن أن تبحث الدولة السودانية عن الحلول الجذرية لهذه المطالب استخدمت عنف الدولة ليس تجاه حملة السلاح فحسب بل ضد المدنيين الأبرياء الذين دفعوا ولازال يدفعون الفاتورة الأكبر للحروب. مما لا شك فيه أن الحروب كشفت عنصرية الدولة تجاه مواطنيها وبنسب متفاوتة وفقاً للون والجهة، وبالرغم من الأدبيات والمقالات والكتب التي تناولت أزمة الهوية وأبعادها ظلت العنصرية في السودان حاضرة في المشهد السياسي السوداني وتطفو على السطح حينما يبدأ طوفان الحرب بين المركز والهامش الذي ارتفع صوته منادياً بمبدأ المواطنة أساس للحقوق والواجبات، إلا أن الممارسة العملية للحكومات المختلفة في التعامل مع هذه المناطق لم يثبت حسن النوايا في العدالة والمساواة وعلى مر الأزمان والشاهد على ذلك دفاتر المفاوضات والاتفاقيات والتسويات السياسية الصفرية في معالجة أزمات مناطق الهامش فصار السودان بيئة خصبة للحروبات مع استمرار المظالم.‎انفصال جنوب السودان لم يكن عبرة أو رادعاً للسياسات القديمة من أجل الحفاظ على ما تبقى من السودان. وظل سكان مناطق الهامش منذ الاستقلال يحلمون بوطن يحمل شهادة البراءة من العنصرية والتمييز المناطقي لكي يعيشوا حياة خالية من الخوف من أن اللون الأسود واللسان غير العربي مصدرا الشقاء في مجتمع الأقلية فيه هم من يحملون البشرة الحنطية أو السمرة  الفاتحة  بالسوداني (شاي بلن أو قهوة بلبن). أهل الهامش يحلمون كما كان يحلم مارتن لوثر كنج مؤسس حركة الحقوق المدنية في أميركا بأن يعيش في مجتمع لا تكون فيه المعاملة على أساس اللون. مارتن لوثر كنج سلك طريق التغيير السلمي لانتزاع حقوق الأمريكيين من أصل أفريقي، وقال مقولته الملهمة “لدي حلم بأن يوم من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم ولكن بما تنطوي عليه شخصياتهم” هذا الحلم الذي عبر عنه مارتن لوثر كنج يحلم به السودانيين من الذين يفخرون بأفرقانيتهم وزنجيتهم وظلوا يدفعون ثمن أزمة النزاع حول الهوية التي خلقت تشوهات نفسية على أساسها اصبح التعامل مع إنسان مناطق الهامش ذو الهوية الزنجية والنوبية بنوع من الاسترخاص لقيمته الإنسانية والشاهد على ذلك الإبادة الجماعية في الجنوب ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق  بناء السدود ودفن النفيات في الشمال التي دفع أهلنا النوبيين ثمنها، تجاهل أهلنا في شرق السودان حيث  المعلناة من الفقر والمرض والتعليم .

ظل الإنسان الأسود أو الزرقة يواجهون عنف الدولة في ظل كل الحكومات  والعنف المستمر اليوم القائم على أساس العرق بالنسبة لسكان الكنابي وبعض القرى في ولاية الجزيرة وما يحدث في الخرطوم من قتل على أساس عنصري ليس بالأمر الجديدة سبق هذا العنف أحداث عنف عنصرية منها حرق قطار الضعين وحرق عنبر جودة والعنف ضد المواطنين من غرب السودان في أحداث 1976م والعنف العنصري حدث حينما دخلت حركة العدل والمساواة مدينة  أمدرمان في العام 2008م كل العنف الذي تعرض له مواطني الهامش في هذه الأحداث تم بأمر أو رضا وصمت الحكومات السودانية.‎

من أخطر مظاهر العنصرية التي عاشها ولا زال يعيشها المجتمع السوداني تجسدت في فترات الحروب (جنوب السودان\ دارفور\ جبال النوبة\ النيل الأزرق) وفي حرب 15 أبريل 2023م أخرجت العنصرية العرقية أثقالها واستدعت بعض من أخواتها العنصرية الأيديولوجية والسياسية والجهوية والعنصرية على أساس العمر ورمت المدنيين في حفرة من النار. الحركة الإسلامية تتحمل الوزر الكبير لأنها أشعلت الفتنة استجابة لشهوة السلطة التي تسيطرعلى قياداتها فاختارت العودة إلى كرسي الحكم على جماجم الأبرياء فانزلقت البلاد في وحل الفتنة والحملات الانتقامية التي مارستهاأطراف الحرب ومليشيات الحركة الإسلامية السودانية التي وجدت في الحرب ضالتها فعادت إلى ممارسة هوايتها القتل والذبح والتعذيب. العنف في حرب 15 أبريل كشف النقاب عن أن العنصرية تشكل قاسماً مشتركاً في دالة الصراعات والشاهد على ذلك يواجه المدنيين الأبرياء الاتهامات بالإنتماء إلى أحد طرفي الحرب بلا حجة ولا بينة سوى الإنتماء العرقي أو الجهوي وأحياناً السياسي .هذا العنف الذي يمارس بلا حياء ضرب بقوة المجتمع السوداني الذي يتميز بالتنوع الإثني والديني والثقافي وتالمؤسف تحول التنوع من نعمة إلى نقمة باستهداف الأبرياء أساس اللون والجهة أو الانتماء السياسي وهذه كارثة كبيرة وتهديد وجودي لمجموعات اجتماعية وسياسية. والعنف الذي تعرضت له  المعلم الطيب عبدالله مدير التعليم بمحلية أم روابة  الذي ذبح والمتهم الجيش السوداني ، والعنف الجسدي واللفظي والعنصري الذي تعرضت له المواطنة (مريومة)  الذي قال شقيقها تم قتلها ، وقصف المدنيين بالبراميل الحارقة في كردفان ودارفور و وأمدرمان وسوق صابرين والعزبة  وغيرها العنف الموجه ضد المدنيين وقتل انتقائي على أساس الهوية العرقية والسياسية بعد دخول الجيش إلى مدينة ود مدني  وبعض أجزاء ولاية الخرطوم يشير إلى أن حالة الفوضى التي تمارسها مليشيات الحركة الإسلامية السودانية سلوك ممنهج ومدروس ومقصود لتعميق الشروخ الاجتماعية في ظل الحرب العبثية.

 

‏‎العنصرية نتنة أينما حلت تتنافرمع القيم الإنسانية والدينية والأخلاق الحسنة. لذا  على كل المستنرين العمل من أجل إنهاء العنصرية على أساس الإثنية والعرق  والدين وكافة أشكالها حتى يتناسب سلوك الإنسان مع التطور في المفاهيم الإنسانية وتعاليم الأديان والشرعة والأعراف الإنسانية والنظم الدولية والقوانيين التي صاغتها المؤسسات الأممية والدولية من أجل حماية كرامة الإنسان. التطور الحضاري قاد الإنسان إلى المدى البعيد في التحضر ونجح في تحقيق ثورته العلمية والصناعية بالتطور التكنولوجي، ووصلت بعض المجتمعات إلى الوعي بأهمية قيمة الإنسان وارتفعت درجة الشعور بضرورة الحفاظ على كرامته وحمايته من قهر العنصرية إلا أن بعض المجتمعات لا زالت تعاني من الجهل وتعيش بجسدها في عصر التطور الحضاري إلا أن عقولها مع بربرية العصور الظلامية لذا نشهد العديد من النزاعات العنصرية التي تجتاح بعض من المجتمعات حتى في دول العالم الأول المتحضر، والعديد من النزاعات والحروب المشتعلة في العالم ولم ينج بعضها من أبعاد العنصرية العرقية التي تمارسها المكونات العرقية ضد بعضها البعض خاصة في دول القارة السمراء التي تختلف درجات السواد في قبائلها بنسب قليلة نتيجة لهجرات الشعوب أوسلوك المستعمر الذي ساهم في التغيير الديموغرافي لبعض المكونات المحلية.

‏‎العنف والعنصرية ضد قبائل دارفور وجبال النوبة والجنوبيين بعد دخول الجيش إلى مدينة ود مدني وأجزاء من ولاية الخرطوم وتوجيه تهمة التعاون مع الدعم السريع على أساس الهوية الإثنية والجهوية أمر يتطلب مواقف قوية من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان، ومن قبل كل السودانيين الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة لأن الذين يمارسون العنصرية بالقتل والضرب والذين يهتفون ويصفقون ويزغردن لها هم مرضى نفسانيين بإمتياز ولا العلم ولا الدين استطاع أن يشفي أمراضهم النفسية. بسبب هذه العنصرية يتجه السودان إلى مرحلة الانحطاط وحمايته من هذا الانحطاط يتطلب الضغط على أطراف الحرب من أجل الوصول إلى اتفاق سلام عاجل يوقف تدحرج السودان إلى هاوية الحرب الأهلية على أساس اللون أو القبيلة وينبغي على الشرفاء تبنى مشروع قومي من أجل المساواة العرقية التي تركز على محاربة الظلم والعنصرية وليس كراهية بعضنا . “السوداني حياته” مهمة بغض النظر عن القبيلة واللون والدين والجهة.. حينما نتقبل بعضنا ونحترم إنسانية بعضنا تتنزل علينا القوة الداخلية الايجابية التي تحمي مجتمعاتنا من مطرقة القبيلة وسندان الحركة الإسلامية السودانية التي اقسمت على نفسها أما كرسي السلطة أو الطوفان ..جاءوا بالطوفان وسيأخذنا سيل العنصرية جميعاً عندئذ كلمة السيد المسيح ” حب أعداءك واطلب الرحمة لمن يلعنونك، وادع الله لأولئك الذين يسيئون معاملتك لن تكون حاضرة في أذهان الذين استضعفوا في الأرض إذا  تحول الصراع المسلح إلى الحرب وجودية كما خططت لها الحركة الإسلامية وفي هذه الحالة سيضطر الجميع إلى خلق أدوات للحماية للحفاظ على جوده في ظل انتشار السلاح المتاح للجميع و ستتفجر أنهار من الدماء. الأفضل للجميع تطهير النفوس من العنصرية ومواجهة العنصريين الذين يتلاعبون بمصير الوطن بتعبئة الشعور الاجتماعي بالعنصرية.

في الأخير لدي حلم بأن يعيش أهل السودان جمعياً في مجتمع سوداني لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم ولكن بما تنطوي عليه شخصياتهم.

 

 

 

 

الوسومالعرق العنصرية جرائم ضد الإنسانية فاطمة غزالي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: العرق العنصرية جرائم ضد الإنسانية

إقرأ أيضاً:

نداء حمدوك.. هل هو أصلاً الخطة الدولية لإيقاف الحرب؟

نداء حمدوك.. هل هو أصلاً الخطة الدولية لإيقاف الحرب؟

صلاح شعيب

فجأة بدأ الإعلان الكثيف قبل يومين عن خطاب جديد يقدمه رئيس تحالف صمود د. عبد الله حمدوك للأمة السودانية. واليوم استمعنا لخطة متكاملة يضطلع بها الرجل، وقبل الإجابة على سؤال العنوان دعونا نتلمس ماضي حمدوك القريب في علاقته بالمجتمع الدولي لتبين ما إذا كان الذي نطق به اليوم هو بالفعل الخطة القادمة لتعامل المجتمع الدولي بشأن السودان وحربه:

دخل حمدوك عتبة القيادة السياسية، وهو يستحسن الظن في أطراف الوثيقة الدستورية بأن يعينوه عوضاً عن وضع المتاريس أمامه. فالرجل الهادي الطبع واجه أعضاء مكون عسكري معظمهم ملطخون بالدماء. وكأنهم يضحكون بعضهم بعضاً حين يسمعونه يجدد الحديث دائماً عن تقديم شراكة سودانية مميزة في التآخي بين العسكر والمدنيين للعبور نحو كمال الديمقراطية.

فالعسكر في عالمنا الثالث يدركون نقاط ضعف المدنيين في أوطان يتغلب فيها صوت السلاح على صوت العقل في كل الحالات، وبالتالي تبدو فرصهم للانقضاض على السلطة في أي لحظة توازي عدداً من العقود في الكفاح المدني حتى يفرض إرادته.

جاءت وزارة حمدوك للسلطة، وهي خلو من مخالب قوية للأجهزة النظامية الفاعلة التي ورثها المكون العسكري. بل إن كل أعضائه ترقوا في السلم الوظيفي نتيجةً لذبحهم المهنية. فالوثيقة الدستورية، التي هي حكم وقتها بسبب التوازن في القوة الذي دخل به الوسطاء لتجاوز الأزمة، كانت تحمل جرثومة فنائها. ذلك بسبب ضعف الضمانات بأن يلتزم المكون العسكري – وعلى رأسه البرهان – بتعزيز خطى الشراكة الانتقالية بما يجعلها مثمرة حتى تقود إلى الانتخابات. ومن مكمن غياب الضمانات تلك كانت فكرة حمدوك للاستعانة بالبعثة الدولية التي جاءت بفولكر.

ومن ناحية أخرى كان حظ المدنيين المتشاكسين مع حمدوك أن يُسير كل طرف الانتقال بناءً على منظوره السياسي، أو الأيديولوجي. ولما انقسم المدنيون بدافع أنانيتهم السياسية ضعفت حظوظ حمدوك في الحفاظ على قاعدة الثورة. وبدا أن المطلوب إسقاط حكومته بواسطة الحزب الشيوعي مقابل دفاع مستميت من أحزاب ضعيفة القاعدة، وهروب مبكر لحزب الأمة من تحمل المسؤولية. وفي هذا الوضع وجد حمدوك نفسه بين اصطراعات قاعدته التي سهلت تآمر المكون العسكري، ومن خلفه الدولة العميقة التي يتولاها الفلول الإسلاميين. وقريب من هذه المشاهد كانت الحركات المسلحة الموقعة على إعلان الحرية والتغيير قد مثلت خصماً من الرصيد القاعدي لرئيس الوزراء الطموح، وفضلت تهيئة الأوضاع للانقلاب على حكومة الثورة التي منحتها السلطة عبر اتفاق جوبا.

لكل هذه الأسباب المختصرة، وهناك أخرى، ترنحت حكومة حمدوك الأولى التكنوقراطية، وفشلت الثانية الحزبية في إنقاذ خطط حكومته للإصلاح السياسي، والاقتصادي، والدبلوماسي، والتربوي، والخدمي، والإعلامي، والزراعي، إلخ. ومع ذلك حافظ حمدوك على الدعم الإقليمي والدولي كنصير يتيم أمام تآمرات بني شعبه للحيلولة دون إنجاح مهمته الشديدة التعقيد.

الآن يطرح الدكتور حمدوك حلاً للحرب عبر منصة “صمود” بعد مجهودات مكوكية للسلام بذلها مع تنسيقية القوى الديمقراطية “تقدم”. وللأسف فقدْ فقدَ حمدوك عون معظم القاعدة التي دعمت إعلان الحرية والتغيير. بل إن تداعيات الاتفاق الإطاري ثم انقلاب البرهان فالحرب ضاعفت التصدعات وسط التيارات التي أسست ذلك التحالف المنتصر الذي زف حمدوك للوزارة. ضف إلى هذا أن الرجل واجه حملات مسعورة من الشيطنة، والوصف بالعمالة، والخيانة، في محاولة لقبر شخصيته العامة، بجانب تثبيت أهداف الحرب المعنية بطي صفحة ثورة ديسمبر، ومن ثم تدشين مرحلة استبدادية جديدة بعد التعديلات الدستورية التي أجراها البرهان لحيازة الحكم المطلق في أراضيه المحررة.

وعلى كل حال فإن الأسباب الموضوعية التي منعت حمدوك من إنجاز مهامه كرئيس للوزراء، وقائد لتقدم، تكثفت أكثر فأكثر، وتناسلت للدرجة التي يصعب معها القول إن الرجل قد أخطأ التقدير في تنمية حلمه الوطني لخلق اختراق مع جماعته الضعيفة القاعدة الآن لإيقاف الحرب.

مهما يكن من أمر قبول أو عدم قبول رجاءات ومناشدات حمدوك الأطراف الداخلية المعنية بإيقاف الحرب، فإن حديث حمدوك الجديد رسم خطة للمجتمع الدولي للتعامل بشأن الحرب، وما بعدها. ولا أتخيل أن الرجل تحرك في الفراغ ليطرح مبادرته دون التشاور مع اصدقائه في الاتحاد الأفريقي، والمحيط الإقليمي، والدولي.

نداء حمدوك الأخير مهم للغاية فهو يحوز على علاقات إقليمية، ودولية، لا نجد قيادياً سياسياً في مشهدنا السوداني يماثله في هذه الحظوة التفضيلية. فضلاً عن ذلك فإنه مؤهل علمياً، وعملياً، ومدرك لفداحة أوضاعنا السياسية الداخلية، والإقليمية، والدولية، وتعاريجها من خلفية اكتسابه التجربة خلال تقلده منصبه الانتقالي السابق. لا أتخيل أن الأطراف الفاعلة في المشهد الآن مستعدة للاعتبار بنداء حمدوك في ظل الانقسام المجتمعي الحاد. وحسب الرجل فقط ألا يقنط من رحمة تأتي لمساعيه الدولية النبيلة، وهو محاط بالتحديات الموضوعية التي تمسك بتفاصيل راهن الشأن السياسي. وفوق كل ذلك فإن الملعب السياسي جامد أمام قبول أي مبادرات خيرية لإيقاف الحرب خصوصا في ظل إصرار قادة الموتمر الوطني المنحل على مواصلة الحرب.

بعيداً عن ضعف قاعدة تحالف صمود فإن تحركات رئيسها في المشهد الدولي ستظل موثرة في محصلة التوجه الإقليمي والدولي نحو السودان أكثر من تأثيره على محصلة توجه السودانيين مجتمعين للتقرير بشأن بلادهم. ولكل هذا أرى أن نداء حمدوك الجديد مدفوع بدعم من الاتحاد الأفريقي، ومباركة إقليمية ودولية لدفع الأطراف المعنية بحالة السودان لإنقاذه من استمرار الحرب.

الوسومالأمم المتحدة الاتحاد الأفريقي التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) الحرب السودان المجتمع الدولي تنسيقية تقدم د. عبد الله حمدوك صلاح شعيب نداء السودان

مقالات مشابهة

  • تحركات في 3 مسارات لوقف الحرب المتصاعدة
  • إشتعال حرب في جنوب السودان سينعكس سلبا على السودان
  • (إسرائيل) العزف على أوتار الأقليات العرقية
  • يوغندا تنضم للدول الرافضة ل”الحكومة الموازية* في السودان
  • نداء حمدوك.. هل هو أصلاً الخطة الدولية لإيقاف الحرب؟
  • العنصرية.. ظاهرة تاريـخية مـركَّـبَـة
  • الخطة القادمة اسوأ من الحرب!!
  • حمدوك يطلق "نداء سلام السودان".. ماذا جاء فيه؟
  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟