صحيفة التغيير السودانية:
2025-02-03@02:12:31 GMT

لدي حلم

تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT

لدي حلم

 

بلا انحناء

فاطمة غزالي

لدي حلم

‏‎ العنصرية القائمة على أساس العرق لا زالت قيد الحياة لأنها تتغذى على أوهام النقاء العرقي والتفوق لبعض أصحاب البشرة البيضاء الذين ظنوا وهماً أن لون البشرة ودرجة نعومة الشعر مصدرا السمو العرقي، وبالتالي يحق لهم أن ينصبوا أنفسهم سادة على الآخرين وأنهم المفضلين على غيرهم في هذا العالم.

يعد الطبيب الأميركي صامويل مورتون الذين عززوا فكرة النقاء العرقي وساهم في شقاء الشعوب التي تعاني من العنصرية  العرقية حينما قسم البشر إلى 5 أعراق واعتقد وهماً بأن لكل عرق خصائص مميزة ورتبها وفق تسلل هرمي ووضع العرق الأبيض (القوقازيون )هم الأكثر ذكاءً ويلهم الشرق آسويين (المنغوليين) وصفهم بالأذكاء ولديهم قابلية للتعلم والتحضر ويليهم سكان جنوب شرق آسيا في المرتبة الثالثة والأميركيون الأصليون وفي أسفل الهرم وُضع أصحاب البشرة السمراء أو من أطلق عليهم الإثيوبيين.ظل هذا التقسيم العنصري يُستغل سياسياً واقتصاديا واجتماعياً وأحياناً دينياً ضد أصحاب البشرة السمراء أو السوداء. العلم والتجربة والواقع تتناقض مع تصنيف الأعراق الذي أعطى أصحاب البشرة البيضاء المرتبة الأولى في الذكاء والشاهد على التناقض قائمة العلماء والمخترعين من أصول سوداء وهذا ما يكذب نظرية ربط الذكاء بالعرق أو لون البشرة. العلم لم يدعم فكرة الأجناس النقية منذ اكتشاف التسلسل الجيني للإنسان الذي كشف عن أن التطور البشري حدث نتيجة للاختلاظ الجيني الذي حدث نتيجة للتزواج بين المجموعات السكانية المختلفة للبشر وأن الاختلاط الجيني هو من ساعد البشر على البقاء على قيد الحياة عن طريق اكتساب السمات القادرة على التكيف مع الظروف المحتلفة واثبت العلماء أن التنوع الجيني يعد صمام الأمان لاستمرار حياة البشرية لأنه يحقق التكيف البيولوجي للازم للدفاع ضد الأمراض والظروف البيئية القاسية في المستقبل.الأية الكريمة ” يا أيها النُّاسُ إنّا خَلَقّناكُمْ من ذَكَرٍ وأًنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقبَائِلَ لتَعَارَفُوا إنّ أكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أتْقَاكُم إنَّ اللهَ عَليِمُ خَبِيرُ ” ويحق لنا أن نقول إن الحكمة من خلق البشرية شعوباً وقبائل للتعارف والتلاقي يخلق الاختلاط البشري بالتزواج الذي يحقق التنوع الجيني وحماية  حياة البشر.

بالرغم من أن عالم الاجتماع الأمريكي ويليام إدوارد بورغاردت  تناول مفهوم العرق وأشار إلى أنه ما يعرفه عن العرق البيولوجي ما هو إلا مجموعة من الاختلافات الاجتماعية والثقافية بين المجموعات السكانية المختلفة ولكنها ليست ذات صلة بعلم الأحياء وكذلك العلم يقول إن العرق بناء اجتماعي لا معنى له من الناحية البيوليوجية. المؤسف أن العنصرية العرقية تُسقى شجرتها من بعض أصحاب الهوس الديني الساسة الذين يسعون إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية وهؤلاء تجدهم وسط مجتمعات عديدة شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً لا يريدون الاستماع إلى صوت العلم بل هم أسرى لهوى العنصرية  النابع من الادعاءات الزائفة  للنقاء العرقي الذي اتخذوه مرجعية لأوهامهم الرغائبية التي ساهمت في  استغلال بعض الشعوب  العرق لاذلال الآخرين بسيف العنصرية الذي كلما أدخل في غِمده خرج حاداً.

الشاهد أن العنصرية العرقية  والقبيلة غذت منابع الصراعات التي أدت إلى ارتكاب أفظع الجرائم (جرائم ضد الإنسانية ، الإبادة الجماعية والتطهير العرقي و الاستعباد والاضطهاد) في مناطق عديدة من العالم، وشعوب القارة السمراء لها نصيب الأسد من المعاناة بسبب هذه العنصرية  العرقية ‏‎التي خرجت من الفكرة الخاطئة بأن البشرية تتكون من اجناس مختلفة وطبقات متعددة ذات كفاءات عقلية وقدرات بدنية وأخلاقية مختلفة بيد أن الحقيقة هي أن الجنس البشري واحد وتعيش أعراقه في كوكب واحد، وأن التعامل مع الآخر من منطلق مبدأ وحدة العالم الإنساني هي الفطرة السليمة للإنسان وتعزيز الإيمان بوحدة العالم الإنساني سيقضي على فكرة العنصرية في العقول التي تنسج أوهام التفوق على أساس اللون. ‎

لا شك المجتمع السوداني اضرته العنصرية المستترة من قبل بعض النخب السياسية من واقعدت البلاد عن النمو والتطور والتقدم. منذ الاستقلال السودان يعيش في حالة تراجع مستمر بسبب الأموال التي أُنفقت ولا زالت تُنفق في الحروب التي أشعلتها العنصرية الصامتة لا تنطقها الأفواه السياسيين كثيراً بيد سياستهم تُدقن تتطبقها وخير دليل حالة الحرمان والفقر التنموي الذي يعيشه السودانيين خاصة الذين يمثلون المكون الزنجي والنوبي في أطراف السودان وهذا لا يعني أن مناطق الوسطي النيلي لا تعاني من التهميش التنموي إلا أن هناك تنفاوت نسبي كبير بشأن المقدرة على الوصول إلى الخدمات وهناك أرقام توضح التباين التنوي بين المناطق. جميع السودانيين حياتهم مهمة وكل إنسان من حقه العيش بأمن من الخوف والجوع  لضمان حقه في الحياة بكرامة.نعم العنصرية التي استخدمتها بعض النخب السياسية لخدمة أهدافها السياسية  والاقتصادية والاجتماعية أطلقت شرارة النزاعات المسلحة والحروب الأهلية التي اشتعلت منذ أحداث توريت في العام 1955م وهذه الأحداث كانت ردة فعل لممارسات لها أبعاد عنصرية وتمظهرت في تهميش رؤىة القيادات الجنوبية وأعقبتها حالة اللا استقرار منذ الاستقلال في مناطق الهامش والمتمسك بأفرقانيته ولغاته الأم في وطن عبثت النخب السياسية بهويته بفرض الهوية العربية الإسلامية دون مراعاة للأغلبية الزنجية والنوبية في السودان فخلقت مجتمع تتنازع في دواخله الهويتين الأفريقية والعربية وترتبت على تحديد الهوية التي اختارتها تلك النخب ممارسات غير عادلة فتوارى الانصاف، وظهر التباين التنموي والتهميش السياسي المتعمد في أطراف السودان. تجاهل مخاطبة قضايا التهميش وغياب الإرادة لايجاد معالجة شاملة وعميقة لقضايا مواطنيه في مناطق(الجنوب \ دارفور\جبال النوبة \ النيل الأزرق\ الشرق \ الشمال النوبي) عزز الشعور لدى سكان تلك المناطق بأنهم مواطنين درجة ثانية مما أدى إلى نشأة الحركات المطلبية المسلحة في العديد من أطراف السودان وبدلاً عن أن تبحث الدولة السودانية عن الحلول الجذرية لهذه المطالب استخدمت عنف الدولة ليس تجاه حملة السلاح فحسب بل ضد المدنيين الأبرياء الذين دفعوا ولازال يدفعون الفاتورة الأكبر للحروب. مما لا شك فيه أن الحروب كشفت عنصرية الدولة تجاه مواطنيها وبنسب متفاوتة وفقاً للون والجهة، وبالرغم من الأدبيات والمقالات والكتب التي تناولت أزمة الهوية وأبعادها ظلت العنصرية في السودان حاضرة في المشهد السياسي السوداني وتطفو على السطح حينما يبدأ طوفان الحرب بين المركز والهامش الذي ارتفع صوته منادياً بمبدأ المواطنة أساس للحقوق والواجبات، إلا أن الممارسة العملية للحكومات المختلفة في التعامل مع هذه المناطق لم يثبت حسن النوايا في العدالة والمساواة وعلى مر الأزمان والشاهد على ذلك دفاتر المفاوضات والاتفاقيات والتسويات السياسية الصفرية في معالجة أزمات مناطق الهامش فصار السودان بيئة خصبة للحروبات مع استمرار المظالم.‎انفصال جنوب السودان لم يكن عبرة أو رادعاً للسياسات القديمة من أجل الحفاظ على ما تبقى من السودان. وظل سكان مناطق الهامش منذ الاستقلال يحلمون بوطن يحمل شهادة البراءة من العنصرية والتمييز المناطقي لكي يعيشوا حياة خالية من الخوف من أن اللون الأسود واللسان غير العربي مصدرا الشقاء في مجتمع الأقلية فيه هم من يحملون البشرة الحنطية أو السمرة  الفاتحة  بالسوداني (شاي بلن أو قهوة بلبن). أهل الهامش يحلمون كما كان يحلم مارتن لوثر كنج مؤسس حركة الحقوق المدنية في أميركا بأن يعيش في مجتمع لا تكون فيه المعاملة على أساس اللون. مارتن لوثر كنج سلك طريق التغيير السلمي لانتزاع حقوق الأمريكيين من أصل أفريقي، وقال مقولته الملهمة “لدي حلم بأن يوم من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم ولكن بما تنطوي عليه شخصياتهم” هذا الحلم الذي عبر عنه مارتن لوثر كنج يحلم به السودانيين من الذين يفخرون بأفرقانيتهم وزنجيتهم وظلوا يدفعون ثمن أزمة النزاع حول الهوية التي خلقت تشوهات نفسية على أساسها اصبح التعامل مع إنسان مناطق الهامش ذو الهوية الزنجية والنوبية بنوع من الاسترخاص لقيمته الإنسانية والشاهد على ذلك الإبادة الجماعية في الجنوب ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق  بناء السدود ودفن النفيات في الشمال التي دفع أهلنا النوبيين ثمنها، تجاهل أهلنا في شرق السودان حيث  المعلناة من الفقر والمرض والتعليم .

ظل الإنسان الأسود أو الزرقة يواجهون عنف الدولة في ظل كل الحكومات  والعنف المستمر اليوم القائم على أساس العرق بالنسبة لسكان الكنابي وبعض القرى في ولاية الجزيرة وما يحدث في الخرطوم من قتل على أساس عنصري ليس بالأمر الجديدة سبق هذا العنف أحداث عنف عنصرية منها حرق قطار الضعين وحرق عنبر جودة والعنف ضد المواطنين من غرب السودان في أحداث 1976م والعنف العنصري حدث حينما دخلت حركة العدل والمساواة مدينة  أمدرمان في العام 2008م كل العنف الذي تعرض له مواطني الهامش في هذه الأحداث تم بأمر أو رضا وصمت الحكومات السودانية.‎

من أخطر مظاهر العنصرية التي عاشها ولا زال يعيشها المجتمع السوداني تجسدت في فترات الحروب (جنوب السودان\ دارفور\ جبال النوبة\ النيل الأزرق) وفي حرب 15 أبريل 2023م أخرجت العنصرية العرقية أثقالها واستدعت بعض من أخواتها العنصرية الأيديولوجية والسياسية والجهوية والعنصرية على أساس العمر ورمت المدنيين في حفرة من النار. الحركة الإسلامية تتحمل الوزر الكبير لأنها أشعلت الفتنة استجابة لشهوة السلطة التي تسيطرعلى قياداتها فاختارت العودة إلى كرسي الحكم على جماجم الأبرياء فانزلقت البلاد في وحل الفتنة والحملات الانتقامية التي مارستهاأطراف الحرب ومليشيات الحركة الإسلامية السودانية التي وجدت في الحرب ضالتها فعادت إلى ممارسة هوايتها القتل والذبح والتعذيب. العنف في حرب 15 أبريل كشف النقاب عن أن العنصرية تشكل قاسماً مشتركاً في دالة الصراعات والشاهد على ذلك يواجه المدنيين الأبرياء الاتهامات بالإنتماء إلى أحد طرفي الحرب بلا حجة ولا بينة سوى الإنتماء العرقي أو الجهوي وأحياناً السياسي .هذا العنف الذي يمارس بلا حياء ضرب بقوة المجتمع السوداني الذي يتميز بالتنوع الإثني والديني والثقافي وتالمؤسف تحول التنوع من نعمة إلى نقمة باستهداف الأبرياء أساس اللون والجهة أو الانتماء السياسي وهذه كارثة كبيرة وتهديد وجودي لمجموعات اجتماعية وسياسية. والعنف الذي تعرضت له  المعلم الطيب عبدالله مدير التعليم بمحلية أم روابة  الذي ذبح والمتهم الجيش السوداني ، والعنف الجسدي واللفظي والعنصري الذي تعرضت له المواطنة (مريومة)  الذي قال شقيقها تم قتلها ، وقصف المدنيين بالبراميل الحارقة في كردفان ودارفور و وأمدرمان وسوق صابرين والعزبة  وغيرها العنف الموجه ضد المدنيين وقتل انتقائي على أساس الهوية العرقية والسياسية بعد دخول الجيش إلى مدينة ود مدني  وبعض أجزاء ولاية الخرطوم يشير إلى أن حالة الفوضى التي تمارسها مليشيات الحركة الإسلامية السودانية سلوك ممنهج ومدروس ومقصود لتعميق الشروخ الاجتماعية في ظل الحرب العبثية.

 

‏‎العنصرية نتنة أينما حلت تتنافرمع القيم الإنسانية والدينية والأخلاق الحسنة. لذا  على كل المستنرين العمل من أجل إنهاء العنصرية على أساس الإثنية والعرق  والدين وكافة أشكالها حتى يتناسب سلوك الإنسان مع التطور في المفاهيم الإنسانية وتعاليم الأديان والشرعة والأعراف الإنسانية والنظم الدولية والقوانيين التي صاغتها المؤسسات الأممية والدولية من أجل حماية كرامة الإنسان. التطور الحضاري قاد الإنسان إلى المدى البعيد في التحضر ونجح في تحقيق ثورته العلمية والصناعية بالتطور التكنولوجي، ووصلت بعض المجتمعات إلى الوعي بأهمية قيمة الإنسان وارتفعت درجة الشعور بضرورة الحفاظ على كرامته وحمايته من قهر العنصرية إلا أن بعض المجتمعات لا زالت تعاني من الجهل وتعيش بجسدها في عصر التطور الحضاري إلا أن عقولها مع بربرية العصور الظلامية لذا نشهد العديد من النزاعات العنصرية التي تجتاح بعض من المجتمعات حتى في دول العالم الأول المتحضر، والعديد من النزاعات والحروب المشتعلة في العالم ولم ينج بعضها من أبعاد العنصرية العرقية التي تمارسها المكونات العرقية ضد بعضها البعض خاصة في دول القارة السمراء التي تختلف درجات السواد في قبائلها بنسب قليلة نتيجة لهجرات الشعوب أوسلوك المستعمر الذي ساهم في التغيير الديموغرافي لبعض المكونات المحلية.

‏‎العنف والعنصرية ضد قبائل دارفور وجبال النوبة والجنوبيين بعد دخول الجيش إلى مدينة ود مدني وأجزاء من ولاية الخرطوم وتوجيه تهمة التعاون مع الدعم السريع على أساس الهوية الإثنية والجهوية أمر يتطلب مواقف قوية من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان، ومن قبل كل السودانيين الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة لأن الذين يمارسون العنصرية بالقتل والضرب والذين يهتفون ويصفقون ويزغردن لها هم مرضى نفسانيين بإمتياز ولا العلم ولا الدين استطاع أن يشفي أمراضهم النفسية. بسبب هذه العنصرية يتجه السودان إلى مرحلة الانحطاط وحمايته من هذا الانحطاط يتطلب الضغط على أطراف الحرب من أجل الوصول إلى اتفاق سلام عاجل يوقف تدحرج السودان إلى هاوية الحرب الأهلية على أساس اللون أو القبيلة وينبغي على الشرفاء تبنى مشروع قومي من أجل المساواة العرقية التي تركز على محاربة الظلم والعنصرية وليس كراهية بعضنا . “السوداني حياته” مهمة بغض النظر عن القبيلة واللون والدين والجهة.. حينما نتقبل بعضنا ونحترم إنسانية بعضنا تتنزل علينا القوة الداخلية الايجابية التي تحمي مجتمعاتنا من مطرقة القبيلة وسندان الحركة الإسلامية السودانية التي اقسمت على نفسها أما كرسي السلطة أو الطوفان ..جاءوا بالطوفان وسيأخذنا سيل العنصرية جميعاً عندئذ كلمة السيد المسيح ” حب أعداءك واطلب الرحمة لمن يلعنونك، وادع الله لأولئك الذين يسيئون معاملتك لن تكون حاضرة في أذهان الذين استضعفوا في الأرض إذا  تحول الصراع المسلح إلى الحرب وجودية كما خططت لها الحركة الإسلامية وفي هذه الحالة سيضطر الجميع إلى خلق أدوات للحماية للحفاظ على جوده في ظل انتشار السلاح المتاح للجميع و ستتفجر أنهار من الدماء. الأفضل للجميع تطهير النفوس من العنصرية ومواجهة العنصريين الذين يتلاعبون بمصير الوطن بتعبئة الشعور الاجتماعي بالعنصرية.

في الأخير لدي حلم بأن يعيش أهل السودان جمعياً في مجتمع سوداني لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم ولكن بما تنطوي عليه شخصياتهم.

 

 

 

 

الوسومالعرق العنصرية جرائم ضد الإنسانية فاطمة غزالي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: العرق العنصرية جرائم ضد الإنسانية

إقرأ أيضاً:

جامعة الخرطوم تستأنف مسيرة العطاء

الدكتور الخضر هارون

يثلج الصدر أن كثيرا من مؤسسات التعليم العالي في بلادنا قد حرصت علي ألا يفضي العدوان الغاشم علي بلادنا المتمثل في هذه الحرب الضروس التي اندلعت في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ إلى تكليف البلاد ضياع أجيال من بنات السودان وأبنائه وذلك بأن تكيف أوضاعها وفقاً للضرورات بالحفاظ علي الحد الأدني مما يمكنها من الاستمرار عند توقف الحرب. وقد تسارعت الخطى هذه الأيام بعد أن لاحت بشائر النصر، نحو عودة الاستقرار بإنفاذ الخطط الموضوعة لفترة ما بعد الحرب. وفي هذا السياق نقول إنه قد بذلت إدارة جامعة الخرطوم الحالية جهدا كبيرا كبيراً في سبيل بث الحياة في الجامعة إثر الصدمة التي صُدٍمتها البلاد بنشوب الحرب فقد كانت الجامعة من أوائل المؤسسات التي حرصت على دفع المرتبات لمنسوبيها (في غضون شهرين من وقوع الحرب) وخفف ذلك من معاناة الناس شيئاً ما. كما سارعت إلى اعتماد الوسائل الاكترونية لاستئناف التدريس عن بعد وكانت ثمرة ذلك أن تخرجت دفعات من الطلاب متلمسةً طريقها نحو المستقبل وعلى هدى الجامعة سارت بقية الجامعات، حيث افتتحت لها مكتباً في سواكن بشرقيّ السودان واعتمدت نظاماً إلكترونياً مخدوماً مكّن خريجيها ومنسوبيها من الحصول على شهاداتهم التي فقدوها إثر الظروف المعلومة وهكذا صار بمقدور خريجي الجامعة استعادة شهاداتهم و مؤهلاتهم استئنافاً لحياتهم ومضياً في بناء مستقبلهم. كما إنها اعتمدت عدداً من المراكز لامتحان طلبتها داخل السودان وخارجه سابقة نظيراتها التي سلكت هذا الطريق بعد حين. ونسقت مع مؤسسات نظيرة لنقل مكتب خدمات الترجمة إلى بورتسودان فلاقى من النجاح النصيب الوافر خدمةً للبلاد وأهلها وانتظاماً في خدمة المجتمع المستمدة من رسالة الجامعة ومنهاجها .
واستناداً إلى هذا الجهد وانطلاقاً منه فإن وحدة الترجمة تسعى إلى ارتياد آفاقٍ أرحب وساحات أعلى بما يليق بماضيها التليد ويتسق ومستقبلها الزاهر والبلاد تتزيّا بزيّ العافية وتتزيّن بثياب السلام والاستقرار والأمان ماشيةً في درب النهضة وساعيةً في طريق العزً وماضيةً في سبيل النماء والازدهار والمنعة.
ولما كنت ذا صلة بوحدة الترجمة في كلية الآداب إذ استضافتني الوحدة في مشاركات ثقافية ومعرفية كان أهمها مشاركتي في تدشين ترجمة طروحة العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبدالله الطيب لنيل درجة الدكتوراة من جامعة لندن في قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم قبل سنوات خلت. وقد ترجم الطروحة التي تحمل العنوان (أبو العلاء المعري شاعرا) الترجمان الفذ ابن القسم، الأستاذ عبد المنعم الشاذلي ترجمة لو أن شيئا يبلغ حد الكمال لحازت ذاك المرتقي الرفيع. نقول ذلك بمطالعة فاحصة مقارنين فيها بين أصل الرسالة في متنها باللغة الانقليزية وترجمتها إلي العربية. وكنت قد أفردت لذلك مقالة عقيب ذلك التدشين الذي نظمه الأديب الصديق الدكتور الصديق عمر الصديق رئيس مركز عبدالله الطيب والذي أمه لفيف من علماء السودان وأساطين البيان من أبنائه وتناول بالتعليق فيه علي ترجمة الطروحة الأساتذة البروفسور الحبر يوسف نور الدايم والبروفسير التجاني الجزولي المتعافي مدير معهد الخرطوم للترجمة رحمهما الله والبروفسور عبد الله محمد أحمد وجمع غفير من محبي الأدب ضاقت بهم القاعة علي سعتها وشرفته بالحضور الفضلى جوهرة الطيب حرم بروفسور عبدالله الطيب. كما أني قد قدمتُ لاحقاً في مقر الوحدة محاضرة لدارسين للترجمة من القضاة في القسم عن طرائف الترجمات والمترجمين. وصلتي بالترجمة سابقة لذلك كله فقد عملت مترجماً لخمس من السنين ووجدت في رحابها متعة لا توصف وهي مبتدأ للنهضة وسبيل إلى تحقيقها كيف لا وقد فتحت دار الحكمة التي أسسها الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد في بغداد التي كانت عاصمة الدنيا وزينة المدائن فانخرطت في الترجمة فنشأ علم الكلام وحوار الأديان وعلم الأديان المقارن في العصور الحديثة. وقد سرني أن الأستاذ عبدالمنعم الشاذلي قد أنجز مؤخرا مع صديقيه الدكتور مكي بشير مصطفى، كبير المراجعين بقسم الترجمة بمنظمة الأمم المتحدة وعضو هيئة التدريس السابق بجامعة الخرطوم، وخريج وحدة الترجمة والتعريب بجامعة الخرطوم، والدكتور البشير الصادق، الأديب والمترجم بدولة قطر، ترجمة لكتاب مهم للغاية هو قيد الطبع الآن عنوانه (Unstoppable) أو (عزائم لا تقهر) للكاتبة الأمريكية سينثيا كيرسي (Cynthia Kersey) • ومثلما كانت جامعة الخرطوم بادرة للمعارف التطبيقية يوم أن أسسها الغازي المستعمر هيربرت كتشنر حاكم عام السودان وسردار الجيش المصري تخليدا لذكري مواطنه شارلس غردون حاكم عام السودان السابق والمعيّن من قبل خديوي مصر الذي قتله ثوار المهدية عندما تحرر السودان بأسيافهم، باسم (كلية غردون التذكارية) كمدرسة لتخريج العمال المهرة وصغار الكتبة لكنها تطورت عبر الزمن فتبرع رجل البر والإحسان أحمد محمد هاشم بغدادي بتأسيس مدرسة الطب ثم سُمح بتدريس الانسانيات عشرينيات القرن العشرين وهكذا حتي غدت كلية الخرطوم الجامعية ثم جامعة الخرطوم بعد الاستقلال وأسهم خريجوها مع غيرهم من قطاعات الشعب في تحرير البلاد من قيود الاستعمار وتزويد السودان المستقل بالكفاءات في شتي المجالات. وحفاظا علي ميراث هذه المؤسسة الوطنية العريقة في ابتدار المبادرات الخيرة، تبادر اليوم وحدة الترجمة والتعريب وهي تستشرف انتصار البلاد وتحررها من قبضة المؤامرة الاقليمية والدولية التي تضطلع مليشيا الدعم السريع المتمردة والأجيرة بتنفيذها منذ أكثر من عام والخلوص إلى حقبة جديدة من التحرير، بمسعى علمي يفتح الطريق لاستئناف رسالته في ترميم ما خربته الحرب علي السودان وكانت جامعة الخرطوم من أول ضحاياه مبانيَ ومعداتٕ ومكتبات وأجهزة، ومعان تمثلت في وقف الدراسة في ربوعها. فكم سرني أن تفكر وحدة الترجمة والتعريب بهذا المستوى من التفكير الراشد بهذا المسعى الأكاديمي الخدمي مساهمة منها في إعادة إعمار هذه الجامعة، إذ سيذهب الريع المادي كله لهذا البرنامج (دورة الترجمة الفورية) للجامعة دون أن ينال منه أساتذة الوحدة شيئاً. وهي لعمري لفتة وطنية بارعة ما أحوج بلادنا إلى مثلها في هذه الظروف القاسية، وما أجدر أن تنحو هذا المنحى كل الإدارات والأقسام والوزارات في كل الدولة، لينهض كل قادر على دور إيجابي بأدائه. وهذه السطور بعض إعجاب بهذه اللفتة، وبهذا النهج في التفكير والشعور.
سدد الله الخطى وبلغ المقاصد.

abuasim.khidir@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • تناول ناقد للتقارير التي تدعي وجود مجاعة في السودان
  • نظرة اليهود العنصرية للعرب اشبه بنظرة بعض السودانيين لبعضهم البعض احتقار واقصاء (1)
  • لازم تقيف ..طالما استخدمت قحتقدم هذا الشعار بالتزامن والتناسق مع الإرهاب الذي يمارسه حلفاؤهم
  • الأغبياء والخونة وحدهم هم الذين يفترضون الغباء في أهل السودان!
  • الاعيسر: ندين بشدة الهجوم الإرهابي الغادر الذي شنته ميليشيا الدعم السريع المتمردة على سوق صابرين
  • جامعة الخرطوم تستأنف مسيرة العطاء
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • الرئيس اللبناني يشدد على ضرورة إعادة الأسرى اللبنانيين الذين اعتقلتهم إسرائيل خلال الحرب
  • مقال الرزيقي