حرب الإنتقام وتجريف الإنسانيات السودانية
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
حرب الإنتقام وتجريف الإنسانيات السودانية
✍????. مصباح أحمد محمد
musbahahmed99@gmail.com
الشعب السوداني من أكثر شعوب العالم المترعة بقيم الإنسانية ومكارم الأخلاق السمحاء التي تدعو للتسامح والتعايش والحكمة وتجاوز المرارات.
حرب ١٥ أبريل لم تستهدف تدمير الوطن وتفتيت وحدته ولا تشريد هذا الشعب الأبي وقتل أبناءه وتمزيق وحدته الوجدانية فقط ولكنها استهدفت أعز ما يملكه السودانيون من قيم الإنسانيات السودانية ، فصار الموت البشع والتنكيل والتمثيل بالموتي موضع فرح عند المتقاتلين ، يفرحون أيما فرح بقتل بعضهم بعضا، ويتسابقون في التشفي والإنتقام وابراز الكراهية لدرجة الشذوذ وبصورة تتنافي وقيم الدين والأخلاق.
لقد صدق قادة الحركة الإسلامية عندما اعلنوا انهم جاءوا لإعادة صياغة الإنسان السوداني وبالفعل نجحوا في ذلك الي حد كبير لأنهم استطاعوا نشر ثقافة العنف التي تمثل مرتكزا اساسياً في مشروعهم ، وغرسوا في المجتمع السوداني أسوأ الممارسات محدثين تجريفا كاملا للموروث الإنساني بصورة حولت حالة التعايش السلمي الي حالة من الكراهية والعنصرية البغيضة.
ولعل أهم الشواهد علي تلك الإنسانيات السودانية العابرة للتباينات الفكرية والسياسية والإجتماعية، مثلا عندما سقطت طائرة الناصر التي توفي فيها الفريق الزبير محمد صالح ونفر من أبناء الوطن كانت الإنقاذ في أشد عداءها للقوي السياسية لاسيما حزب الأمة حيث كان معظم قياداته في الداخل معتقلين لدرجة أنها وظفت آلتها الإعلامية لتشويه صورة القيادات السياسية المعارضة، ووصمهم بكل ما هو قبيح كما هو حالهم اليوم في حربهم اللعينة ، ومع ذلك كون حزب الأمة القومي وفداً عالي المستوي للذهاب للعتزية في شهداء الطائرة وقدم واجب العزاء لكل أسرهم وقيادات الإسلاميين الذين توفوا وكذلك فعل عندما توفي آخرون منهم إبراهيم شمس مع أنهم كانوا أشد عداءاً للحزب وعندما سئل الإمام الحقاني عليه الرضوان في أحد البرامج التلفزيونية عن عرضة الرئيس البشير في خطاباته الجماهير لم يستغل الفرصة لينال منه بل وصف تلك العرضة بأنها جزء من الموروث الثقافي السوداني مع أن البشير لم يفوت فرصة في خطاباته الجماهيرية الاً ووظفها للسخرية من القيادات السياسية ووصلت سخريته حتي من الرياضة التي كان يمارسها الإمام الحقاني ” والرياضة ليست لعبا كما أصل لها الامام في كتابه”، وكذلك يفعل كثيرون من قيادات القوي الوطنية الذين مروا علي تاريخ السودان رغم اختلافاتهم الايدلوجية والسياسية وكذلك القيادات الأهلية والمجتمع السوداني كانت تسود فيه قيم الإخاء والإحترام والتعايش، علي عكس ما كان يفعل قيادات الإسلاميين في السابق واليوم بل زادوا علي ذلك ، بأن زرعوا في المجتمع الفتنة والتفرغة والعنصرية البغيضة وكانهم ليسوا جزءا من هذا المجتمع ولعل أكثر ما أزعجهم في شعارات الثورة شعار “ياالعنصري المغرور كل البلد دارفور- وحرية سلام وعدالة”.
إن الخسارة بتجريف هذه الإنسانيات السودانية وتحويلها لنوازع من الكراهية والعنصرية والتوحش في هذه الحرب تفوق أي خسارة مادية ، وسيحتاج الشعب السوداني وقياداته الواعية لمجهود كبير لترميمها وإستعادة التعافي الإجتماعي والتعايش السلمي، ويقيني أن غالبية الشباب الذين تم الزج بهم وماتو في هذه الحرب الإجرامية هم من أنبل أبناء الوطن الذين كان من الممكن أن يُستثمروا في إعادة الإعمار والتنمية الإقتصادية وبناء السودان علي أسس جديدة تتحقق فيها قيم العدالة والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية.
إن وطننا الحبيب لن يتعافي الا بالعودة لإنسانياتنا السودانية ، لترميم الجراحات وإحداث التعافي المجتمعي والسياسي عبر مصالحة وطنية شاملة تقطع الطريق أمام أصحاب مشاريع الشر والغلو والتطرف وهذا لن يتأتي الاَّ بتوحيد جهود كافة أبناء الوطن المخلصين والإصطفاف في مواجهة سرطان الكراهية والعنصرية والتحريض،،،
رحم الله شهداء الوطن جميعا وشفي الجرحي ورد غربة المشردين ووفق أهل السودان لإيجاد المخرج الآمن لوطننا المكلوم وجعل فرجه قريبا لشعبنا المحزون إنه سميع مجيب،،، الوسومالأخلاق الإنسانية حرب الإنتقام حزب الأمة القومي مصباح أحمد
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأخلاق الإنسانية حرب الإنتقام حزب الأمة القومي مصباح أحمد
إقرأ أيضاً:
رئيس جامعة الأزهر يبين سبب حذف حرف النفي في قول الله: وعلى الذين يطيقونه
أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، خلال درس التراويح اليوم الأحد بالجامع الأزهر، أن الشريعة الإسلامية بُنيت على التيسير، حتى قال علماؤنا: «الشريعة لا يفارقها التيسير»، مشيرًا إلى أن آيات الصيام تحمل في طياتها معالم بارزة لهذا التيسير الإلهي، حيث قال الله تعالى في وسط آيات الصيام: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.
وأوضح أن من مظاهر التيسير في تشريع الصيام أن الله تعالى بدأ بفرضه على الأمة كلها، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، ثم استثنى أصحاب الأعذار الطارئة، كالمريض والمسافر، فأباح لهما الفطر مع وجوب القضاء بعد انتهاء الشهر، فقال: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾. كما رخص الله تعالى لأصحاب الأعذار الدائمة، ككبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، فجعل لهم رخصة الإفطار مع دفع الفدية، فقال: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾.
وأشار إلى دقة التعبير القرآني في قوله: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ»، حيث لم يقل «لا يطيقونه»، وذلك تأدبًا مع الله، ولئلا يُشعر الإنسان بعجزه المطلق، فهو يريد الصيام لكنه لا يطيقه، فخفف الله عنه بهذه الصيغة الراقية، وهذا أدب قرآني راقٍ، يعلمنا كيف نخاطب الآخرين، ونتعامل بلطف مع كبار السن ومن لا يستطيع الصيام، فلا نقول لهم مباشرة: «أنت لا تطيق الصيام»، بل نخفف العبارة ونراعي مشاعرهم.
وبيَّن أن من معالم التيسير أيضًا، أن الله سبحانه وتعالى وصف أيام الصيام بأنها «أيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ»، واستخدام جمع القلة في كلمة «معدودات» يدل على قلة العدد، رحمةً من الله بهذه الأمة، كما أن الصيام فُرض في النهار دون الليل، حيث قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ﴾، ثم قال: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾. فبهذا أباح الأكل والشرب في الليل، مما يخفف عن الإنسان مشقة الامتناع التام لو كان الصيام ليلًا ونهارًا.
وبيَّن أن القرآن الكريم شبَّه النهار بالخيط الأبيض، والليل بالخيط الأسود، ليعلمنا أن أمور حياتنا ينبغي أن تُبنى على اليقين لا على الشك والتخمين، فالحياة التي تقوم على الشك حياة متزعزعة لا ثبات لها.
وضرب مثالًا آخر على التيسير في التشريع الإسلامي، وهو تخفيف الصلاة، حيث فرضها الله خمسين صلاة، ثم خففها إلى خمس في العدد، لكنها تبقى خمسين في الأجر والثواب. وكذلك الحج، فقد قال الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، ثم خفف على المحصر ومن لا يستطيع، فقال: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾.
وختم حديثه خلال درس التراويح بالجامع الأزهر في الليلة الثالثة من شهر رمضان المبارك بقول النبي ﷺ: «إنَّ هذا الدِّينَ متينٌ فأوغلوا فيه برِفق، فإنَّ المُنْبَتَّ لا أرضًا قطعَ ولا ظَهرًا أبقَى»، وقوله ﷺ: «إنَّ الدِّينَ يُسرٌ»، مؤكدًا أن التيسير سمة٥ أصيلة في التشريع الإسلامي، وأن الله سبحانه وتعالى أراد بهذه الأمة اليسر في كل أمورها، لا العسر والمشقة.