في عصر يشهد تحولات تقنية متسارعة لم يسبق لها مثيل، يظهر الذكاء الإصطناعي كأداة رئيسية تعيد تشكيل إدارة العمليات في المؤسسات بشكل يعزِّز الكفاءة والإنتاجية، ويضيف أبعادًا جديدة للابتكار.

لا يمكن إنكار أن الذكاء الإصطناعي يملك القدرة على تحقيق تحولات جذرية، لكنه في الوقت ذاته يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى جاهزية مؤسساتنا في المملكة لمواكبة هذه الثورة التقنية، وحول مدى استعدادنا لتحمل تبعات هذا التحول، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتقليص الوظائف مقابل تحسين الكفاءة.

كان هذا عنوانا لمقال قرأته مؤخرا في Harvard Business Review للكاتب توماس ريدمان، والذي تناول بأسلوب رائع كيف يمكن لهذا التكامل بين العمليات والذكاء الإصطناعي أن يعيد صياغة مستقبل المؤسسات.

لقد أصبحت تجارب الشركات العالمية في هذا المجال، بمثابة أمثلة رائدة تُلهم المؤسسات حول العالم. فشركة “مارس ريغلي”، على سبيل المثال، لجأت إلى اعتماد تقنيات الذكاء الإصطناعي لبناء نموذج رقمي يحاكي خطوط إنتاجها، ممَّا أتاح لها تقليل الفاقد، وتحقيق تكامل سلس في سلسلة التوريد. النتيجة كانت انخفاضًا في الأخطاء التشغيلية، وارتفاعًا في رضا العملاء. مثل هذه التجارب تسلِّط الضوء على الإمكانات الهائلة لهذه التقنيات، لكنها في الوقت ذاته، تكشف عن التحدّيات التي قد تواجه المؤسسات التي لا تزال في بداية رحلتها الرقمية.

في وطننا الغالي، ومع تزايد التركيز على التحول الرقمي في إطار رؤية 2030، يبدو أن الكثير من الشركات قد بدأت بالفعل بالاستثمار في التقنيات الحديثة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذه الإستثمارات موجهة نحو التحسين الحقيقي لإدارة العمليات؟ أم أن التركيز ينحصر في استخدام هذه التقنيات لتعزيز بعض الجوانب المحددة مثل التسويق الرقمي أو خدمة العملاء؟ لا شك أن إدارة العمليات بشكل متكامل ليست مجرد ترف تقني، بل هي ضرورة لتحقيق التكامل بين المهام المختلفة للمؤسسة.

على الرغم من ذلك، فإن التحدِّيات التي تواجه المؤسسات في المملكة ليست بسيطة. أحد أبرز هذه التحديات، كما أبلغني به بعض المدراء في بعض المؤسسات، هو غياب التنسيق بين الأقسام المختلفة داخل المؤسسة، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعطيل العمليات بدلاً من تحسينها. عندما تعمل كل إدارة بمعزل عن الأخرى، فإن البيانات تصبح مشتتة وغير متناسقة، ممّا يجعل من الصعب استخدام الذكاء الإصطناعي، أو أي تقنية أخرى، لتحقيق التحسين المطلوب.

التحول نحو الذكاء الإصطناعي، ليس مجرد قرار تقني؛ بل هو عملية تغيير شاملة تحتاج إلى إدارة واعية ومتكاملة. إدخال مثل هذه التقنيات، يتطلب تدريب الموظفين، وتغيير العقليات التقليدية، وإقناع أصحاب المصلحة بجدوى هذا الاستثمار. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو الموازنة بين الكفاءة التقنية والبعد الإنساني. فالذكاء الإصطناعي قد يؤدي إلى تقليص عدد الوظائف التقليدية، وهو أمر قد يُنظر إليه باعتباره سلبيًا في سوق العمل بصفة عامة، حيث تسعى الحكومات إلى خلق المزيد من الفرص الوظيفية لمواطنيها.

لكن هل يمكننا أن ننظر إلى هذا الأمر من زاوية مختلفة؟ بدلاً من القلق بشأن فقدان الوظائف، يمكننا أن نعتبره فرصة لإعادة تأهيل الموظفين، وتدريبهم على مهام جديدة تتناسب مع احتياجات السوق الرقمي. فالتقنيات الحديثة ليست عدوًا للعنصر البشري، بل يمكن أن تكون أداة تمكين تعزِّز من قدراته وتفتح له آفاقًا جديدة.

تبنِّي الذكاء الإصطناعي في إدارة العمليات، ليس مجرد خيار إضافي للمؤسسات في المملكة، بل هو ضرورة لتحقيق تنافسية أكبر في سوق عالمي يتجه نحو الرقمنة بوتيرة متسارعة. لكن نجاح هذا التحول، يعتمد على مدى استعدادنا كمؤسسات ومجتمع للتعامل مع تحدِّياته، وتبنِّي فرصه. نحن بحاجة إلى استراتيجية متكاملة لا تقتصر على توفير التقنيات، بل تمتد إلى بناء القدرات، وتعزيز الوعي، وتشجيع الابتكار.
إن مستقبل المؤسسات بشكل عام، مرهون بقدرتها على تحقيق التوازن بين الكفاءة والإنتاجية من جهة، والمحافظة على قيمة العنصر البشري من جهة أخرى. الذكاء الإصطناعي ليس نهاية الطريق للوظائف التقليدية، بل هو بداية لمرحلة جديدة يمكن أن تحقق فيها المؤسسات الريادة في عصر يعتمد على التكنولوجيا كركيزة أساسية للنجاح.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: بدر الشيباني الذکاء الإصطناعی إدارة العملیات

إقرأ أيضاً:

لاعب الإسماعيلي يجري عملية ناجحة في ذراعه ويعود للملاعب بعد شهرين

أجري معاذ عطية صابر لاعب الإسماعيلي، عملية جراحية ناجحة في ذراعه تحت اشراف دكتور أشرف محرم أستاذ جراحة العظام بالقصر العيني، في أحد المستشفيات بمدينة السادس من أكتوبر .
وأكد دكتور أشرف محرم ، ضرورة خضوع اللاعب لجراحة عاجلة، نظرا لحالته المتدهورة، بسبب تدخل طبي خاطئ خلال الفترة الماضية.

وقال دكتور أشرف محرم، أن اللاعب يعود للتدريبات دون التحام بعد أسبوعين ، علي أن يشارك في التدريبات الجماعية بشكل طبيعي بعد شهرين .

ويحرص مجلس إدارة الإسماعيلي، برئاسة المهندس نصر أبو الحسن، على صحة لاعبيه ومستقبلهم الكروي، حيث يتم متابعة موقف اللاعب لحظة بلحظة والاطمئنان على صحته بشكل مستمر وذلك حتي يعود مجددا للملاعب.

مقالات مشابهة

  • الدبيبة: تعزيز الشراكة العسكرية مع بريطانيا لرفع كفاءة المؤسسات الليبية
  • التقنيات الحديثة والأخلاق.. جدل فلسفي في الصالون الثقافي بمعرض الكتاب
  • مناي أن أكون زوجة مثالية
  • Just2Pay وSwypex تتعاونان لتعزيز كفاءة العمليات المالية للشركات في مصر
  • قناة السويس تشهد عبور الحفار ADMARINE260 مقطورا ‏في عملية عبور ناجحة.. صور
  • ”فن الزراعة المائية“.. تطبيق التقنيات الحديثة في سوق المزارعين بالقطيف
  • التعاون والتقدم في مجال الذكاء الإصطناعي
  • لاعب الإسماعيلي يجري عملية ناجحة في ذراعه ويعود للملاعب بعد شهرين
  • لاعب الإسماعيلي يجري عملية ناجحة.. اعرف موعد عودته للملاعب