في حياتنا اليومية، قد نعتقد أننا نعرف الأشخاص من حولنا بناءً على تصرفاتهم الظاهرة، مظهرهم الخارجي، أو حتى ما يعبرون عنه في مناسبات محدودة. لكن الحقيقة التي تغيب عن أذهاننا أحياناً هي أن جوهر الإنسان يظهر غالباً في لحظات الغضب أو الضغط، حيث تُسقط الأقنعة وتظهر النفوس على حقيقتها.
كثيراً ما نتفاجأ بمواقف غير متوقعة من أشخاص كنا نعتقد أنهم معتدلون أو متوازنون في آرائهم وتصرفاتهم، لكن عند التعمق في تعليقاتهم على الأحداث العالمية أو مواقفهم أثناء الأزمات، تظهر حقائق قد تكون صادمة.
الحقيقة أننا جميعاً نعيش تحت ستر الله. الستر الذي يغطي عيوبنا وأخطاءنا، ويمنحنا فرصة لإعادة النظر في تصرفاتنا وسلوكياتنا. لكن ماذا لو أُزيل هذا الستار فجأة؟ ماذا لو ظهرت حقيقتنا، وحقيقة الآخرين أمام الجميع دون تصنع أو تجميل؟ كيف ستكون ردة فعلنا حين نرى الجانب الذي نخفيه عن الآخرين؟ وهل سنكون مستعدين لتقبل بعضنا كما نحن، أم أن العلاقات ستنهار تحت وطأة الحقائق المكشوفة؟
الستر هو نعمة عظيمة منحها الله لنا، فهي ليست فقط حماية لخصوصيتنا بل فرصة للتوبة والتغيير. عندما نرى أخطاء الآخرين أو نكتشف حقائق مخفية عنهم، علينا أن نتذكر أننا لسنا معصومين من الزلل، وأننا في حاجة إلى الستر مثلهم تماماً. لذا بدلاً من التركيز على عيوب الآخرين، يجب أن نسأل أنفسنا: كيف يمكن أن نحسن من ذواتنا؟ كيف نعيش حياة صادقة ومتزنة بعيداً عن الأقنعة؟
في النهاية، العبرة ليست في كشف الحقائق أو الفضح، بل في إدراك أهمية السعي نحو تحسين أنفسنا والارتقاء بأخلاقنا وسلوكياتنا. كلنا بشر، نحمل في داخلنا نقاط ضعف وأخطاء، لكن الفارق يكمن في من يستغل ستر الله ليتغير نحو الأفضل، ومن يستغل هذا الستر ليتمادى في أخطائه.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
عَميدُ الشُهَداء
إلى الشهيد المجاهد
العميد مهندس/ السيد محمد طه عبداللطيف الجنيد:
تَرَجَّلَ عن صَهْواتِها أم تَدَفَّقا
إلى اللهِ تَحليقاً وللحُجْبِ مَزَّقا
تواثَبَ مثلَ الصبحِ يطوي الدُّنىٰ وفي
تواثُبِهِ قلبانِ بالبِشرِ صَفَّقا
وحققَ ما لم يَحوِهِ الوَصفُ، لم يزلْ
خفايا، وطَيَّ الكَتمِ كم ذا تَحَقَّقا
أهندسَ قدسَ اثنينِ أم صاغ قُبلَةً
ل(يافا) ب(يافا)*؟! لستُ أدري من انتقىٰ!!
أخَطَّ طريقاً في السماءِ خَفيَّةً
تراوغُ حشداً ليسَ يدري من التقىٰ؟!!
فهل يلتقي جُندَ اليمانيِّ طاوياً
جَناحَيْهِ، أم جِنّاً بهِ اليومَ أحدَقا؟!!
لكَ الفخرُ يا (طٰهَ)** وأنجبتَ خالداً
هِزَبراً هَصُوراً من معانيكَ أشرقا
ترقّىٰ إلى عليائها غيرَ عابئٍ
بغيرِ ارتقاءِ النفسِ عَمّا تعلّقا
وعَلّقَ نَصبَ العينِ وهجَ انتمائهِ
إلى يَمَنِ الإيمانِ عَهداً ومَوثِقا
وعَتَّقَ بالسِّرِّيَّةِ الأمرَ وهو في
غِمارِ الوغىٰ يَصلي العِدى النارَ مُغدِقا
يُشيرُ فتطوي الطائراتُ المَدىٰ ضُحَىً
وفجراً وليلاً، والمدىٰ منهُ أشفقا
ويَكبِسُ زِرّاً والصواريخُ ترتميْ
على حاملاتٍ أفرغتْ حِملَها شَقا
تَشققَ وجهُ الغزوِ، لاحتْ حقيقةٌ
لمضمونِ أشقىٰ الخلقِ غرباً ومَشرِقا
رأى العالمُ الكُلّيُّ أظلَمَ صورةٍ
لوجهٍ من الغربِ امتطىٰ القُبحَ مُرتَقىٰ
تَبدَّتْ لهُ الأخرىٰ كما هيَ جيفةً
أبادتْ من الأطفالِ عشرينَ فَيلَقا
ولم تلتقِ الأحرارَ يوماً لأنها
تخافُ لقاءَ الويلِ ما الحُرًُ أشرَقا
ولكنها بادَتْ بأعيُنِ من رأىٰ
جرائمَها في الناسِ ما إن تحقّقا
رأتها شعوبُ الأرضِ غُولاً تلطختْ
يداها دَمَاً.. مَن يا تُرىٰ الحَقَّ أنطَقا؟!!
أرىٰ العَزمَ بالإيمانَ مَن أنطقَ الدُجىٰ
وأخرَسَ أبواقَ العَدُوِّ وأغلَقا
تَجَسَّدَ في جُندِ (المَسيرةِ).. هل رأىٰ
زمانٌ مثالاً للرجالِ تَخَلُّقا
رأيتُ بهم كَرّارَها وحُسامَهُ
رأيتُ حسينَ الطفِّ بالنفسِ أغدَقا
رأيتُ بهم نَصراً عظيماً تدفقت
بَشائرُهُ عَدلاً وصِدقاً ومَنطِقا
رأيتُ المَدىٰ ناراً، رأيتُ السما دماً
لتُمطِرَ سِجّينَاً على لهذمِ الشقا
على أمَريكا أمطري يا جَهنّماً
يَمانيّةَ التأويلِ شَرقيّةَ النَقا
على دُمَّلٍ في وجهِ أشرفِ أمةٍ
سيُجتَثُّ ما إن وجهُها قد تَعَرَّقا
على قادةٍ أدجَوا صباحاتِ أُمتي
وكلٌ على شَعبٍ تَعدّىٰ وفَرَّقا
على عُلَماءِ الجهلِ يا نارُ أطبقي
ذراعَيكِ، ضُمّي مَن بديني تَزَندَقا
على عُمَلاءٍ جوّعونا ليَشبَعوا
أباحوا دمانا كي يَعيشوا تَمَلُّقا
على كل أزلامِ الوقيعةِ منذُ أن
تَعَدَّوا إلى يومِ اللقا فيمن التقىٰ
ستمحو صَداهُمْ يا دَمَاً طاهراً جرىٰ
على وَجهِ هَذِيْ الأرضِ بَرقاً وبَيرَقاً
ستجتثُهُم كي تَفتحَ الأرضَ بانياً
شُموخاً ومَجداً صَرحُهُ خالدُ البَقا
(محمدُ) في الدربِ المُحَمّدِ كم طوىٰ
دروباً، إليها كَمْ صَبَونا تَشَوُّقَا
تَمَنّىٰ فأفضىٰ ما تَمَنّىٰ ليلتقي
بأحبابِهِ في جَنةِ الوَصلِ واللقا
وقد حققَ الفوزَ العظيمَ فمن إلى
مَداراتِهِ يَسمو وما قد تَذَوّقا
نَما في روابي الذكرِ والبِرِّ والتُّقىٰ
فأصبحَ نبراساً لمن فيهِ حَقّقا
تَولّىٰ معَ اللهِ النبيَّ وآلَهُ
وأعلامَ هَديِ اللهِ حُبّاً تَعَلّقا
فكانَ مِثالاً للذينَ غَذَتْهُمُ
يَدُ اللهِ أخلاقاً تَفي مَن تَخَلّقا
شهيدَ طريقِ القُدسِ يا مَن تَجَوْهَرَتْ
بكَ الكلماتُ العِطرُ عُلوِيّةُ الرُقَىٰ
بَذَلتَ الدمَ الغاليْ وشَرَّفتَ أنفُساً
غدت في مسارِ الفَقدِ شِلواً مُمَزَّقا
ولكنها تَحسو بِذِكراكَ عِزَّةً
وذِكراً وتثبيتاً وحَمداً ورَونَقا
هنيئاً أبا طهٰ المَعِيَّةَ مُنْعَمَاً
هنيئاً لكَ الفوزَ العظيمَ المُوَفَّقا
هنيئاً لكَ القربَ المُخَلَّدَ يا ضُحَىً
وفَجراً لنصرٍ بالبشارةِ أشرَقا
على العهدِ مازلنا، على دربِ قائدٍ
عظيمٍ توليناهُ غُصناً وبُنْدُقا
وصلى الذي صلى بكل صلاتِهِ
على خيرِ خلقِ الله ما النورَ أطلَقا
وآلٍ كرامٍ منهُمُ قادةُ الوَرىٰ
أئمَّتُنا الأبرارُ أرقىٰ من ارتقىٰ
* يافا الأولى: مدينة فلسطينية، اتخذها المحتل عاصمة له، وغير اسمها.
ويافا الثانية: إسم طائرة بدون طيار، يمنية الصنع، هي أول سلاح يمني يضرب هدفاً في عاصمة المحتل.
** والد الشهيد.
صنعاء. الخميس. 22 شعبان 1446هـ
20 فبراير 2025م