عاش ذلك القرد، كشقيق من ستَّة أشقَّاء ـ ثلاثة بنين، وثلاث فتيات ـ وأدرك حينها وهو في خضمِّ مَرَضه معنى الأُسرة الكبيرة، وأنَّ الجميع مِنْهم قَدْ لاحظ شخصيَّاتهم المختلفة. على الرغم من أنَّه لَمْ يَرَ عائلته بعد انتقاله بعيدًا عن مسقط رأسه، إلَّا أنَّ الذهاب إلى العلاج كشخص بالغ ساعده على فهم مقدار الملجأ الذي لا يزال من المُمكن أن يظلَّ فيه الأشقَّاء، ربَّما بسبب سياقهم العميق والتاريخ المشترك كإخوة.
وفي هذا السِّياق، نعي جميعًا أنَّه يتمُّ تضمين اتِّصال الأطفال في نظام الأُسرة ويتشكَّل من قِبل والديهم. ثم يبدأون في أن يصبحوا مستقلِّين، وفي النهاية يبدأ هؤلاء الإخوة ببناء حياتهم الخاصَّة. وحقيقة عِندما ننظر بعُمق في هذا الترابط وفي عصرنا هذا، نراه في تلكم السنوات اللاحقة لهذه العلاقة، خصوصًا كيف كان رباط الأخوَّة مزيجًا مثيرًا للفضول من غير الطوعي، فلا أحد يختار أشقَّاءه، بل ـ إن استطعت القول أيضًا ـ والطوعي، حيث إنَّ الابتعاد عن الأشقَّاء يُعدُّ عمومًا أقلَّ أهمِّية من الطلاق أو القطيعة مع أحد الوالدين.
ولعلَّه هنا ـ وبنظرة نفسيَّة ـ يتمُّ إجبار الأشقَّاء معًا، وفجأة لا يفعلون ذلك. فاستقلال مرحلة البلوغ عِندما لا يكُونُ القرب مطلوبًا وتقلُّ الالتزامات المرتبطة ـ كما يعتقد ـ بالأُسرة الكبيرة. ثمَّ يخلق فرصًا للأشقَّاء لبناء علاقات الشَّباب ومراحل الحياة المختلفة، وهناك يظلُّون للبقاء عالقين في الأدوار التي أدَّوها كأطفال أو التحرُّر مِنْها. بلا شك معظم الذكريات الأساسيَّة التي نمتلكها هي عِندما كنَّا صغارًا، حيث نلعب في الخارج، نذهب إلى الشاطئ، ونذهب للتخييم، ولا نتحمَّل مسؤوليَّات الكبار هذه. ومهما يكُنْ أيضًا من ظروف الحياة، لا يزال بإمكان أولئك الأشقَّاء إنشاء ذكريات أساسيَّة على الرغم من أنَّ بعض الأشخاص الذين يحبُّونهم ليسوا هنا. فعلى الأقلِّ لدَيْهم بعضهم البعض، وهي ـ بلا أدنى شك ـ تجلب حياة جديدة إلى عالَمهم.
وهناك حقيقة أرى نَفْسي مع تساؤل، غالبًا ما أراه حاضرًا، عِندما أنظر لتلك العلاقة، ألَا وهي عمليَّة اجتماع الأشقَّاء معًا في وقت لاحق من الحياة لإعادة تقييم الرابطة وإعادة كتابتها ـ إن صحَّ القول ـ. فخلال مرحلة الطفولة، يرى الأطفال والدَيْهم على أنَّهما محور الأُسرة، لذا فإنَّ إعادة التمركز، تشير حتمًا إلى تمركز رابطة الأخوَّة بدلًا من ذلك. وهنا يأتي العامل المُهمُّ لبناء تلك العلاقة ـ ومن وجهة نظر متواضعة ـ لعلَّ الدفء هو أساسها؛ فمهما تشاحن الأطفال أمام والدَيْهم، وكثر الصراع فهو ليس بالضرورة مُشْكِلة إذا كان هنالك أيضًا دفء مرتفع! ناهيك وأنَّ أحداث وتحوُّلات الحياة الكبرى، مِثل الزواج والإنجاب والموت، يُمكِن أن تهزَّ الأُسرة أحيانًا، وربَّما الضغوط المرتبطة بها يُمكِن أن تفرِّقَ النَّاس أيضًا، ولذلك استمرار ذلك الدفء يجعلها قائمة ومستمرَّة.
وحقًّا رسالتي هنا ـ لأولئك الأشقَّاء الذين أرهقهم الشقاق ـ تذكَّروا أنَّ روابط الأشقَّاء هي بالنسبة لكثير من النَّاس أطول العلاقات في حياتنا. نحن نعرف الأشقَّاء قَبل أن نلتقيَ بشركائنا (وقَبل أن ننجبَ أطفالنا)، وسنعرفهم بعد وفاة والدينا. أوَلَيس الأشقَّاء هم جزءًا حيًّا من تاريخ شخص ما وشكلًا من أشكال الذاكرة التي تعيش خارج أنفُسِنا؟
ختامًا، الطبيعة المتغيِّرة للعلاقة تقدِّم للأخوَّة خيارًا: السماح لهذا التاريخ بتعريف الرابطة أو استخدام الماضي كأساس يُمكِن أن تنموَ مِنْه طريقة جديدة للتواصل. لذلك دائمًا ما أُحيي تلك الروابط المستمرَّة والتي تكبر بَيْنَ الأشقَّاء يومًا بعد، مهما عكَّرتها الظروف. فاسْعد عِندما تردِّد تلك الكلمات: أُحبُّكِ أختي.. أُحبُّكَ أخي؛ لأنَّه بالحقيقة هناك شخص واحد فقط كان هناك منذ البداية!
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
مدحت صالح يحيي حفل ليلة رأس السنة على كورنيش النيل.. تفاصيل
يستعد الفنان مدحت صالح لإحياء أحدث حفلاته الغنائية، يوم 31 ديسمبر الجاري، داخل إحدى الفنادق الكبرى على كورنيش النيل بالقاهرة، وذلك بالتزامن مع إحتفالات رأس السنة الميلادية، ومن المقرر أن يقدم باقة متنوعة ومتميزة من أجمل أغانيه القديمة والحديثة، التي يتفاعل معها الجمهور.
مدحت صالح آخر حفلات مدحت صالح
والجدير بالذكر أن الفنان مدحت صالح أحيا، حفلًا غنائيًا ضخمًا مؤخرًا، في دار الأوبرا المصرية، وذلك لدعم العاملين في مختلف قطاعاتها.
وهذا الحفل الذي أقيم تحت رعاية الدكتورة لمياء زايد، رئيسة دار الأوبرا المصرية، جاء كجزء من المبادرات التي تهدف إلى توفير الدعم المادي والمعنوي للعاملين في المؤسسة الثقافية العريقة.
وشهد الحفل حضور عدد كبير من محبي الفنان مدحت صالح، بالإضافة إلى مجموعة من الشخصيات العامة والمثقفين والفنانين، قدم مدحت صالح خلال الحفل باقة من أجمل أغانيه التي لاقت تفاعلًا كبيرًا من الجمهور، وأشعلت الأجواء بروح من البهجة والاحتفال.