الديمقراطية الليبرالية”: وحتعمل بيها إئه يا ليبرالي يساري”؟
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
“إننا لنخشى أنه بدعوتكم للعقيد قرنق للحديث إلى برلمانكم (الألماني) إنما ترسلون إشارة محبطة للديمقراطيين السودانيين الذين جاهدوا من أجل التعددية الحزبية لعقود أربعة طوال”
في صباح يوم من أوائل عام 1989 أخذت طريقي من مكتبي بجامعة الخرطوم إلى السفارة الألمانية الغربية القريبة من الجامعة وإن استغرقني الاهتداء إليها بعض الوقت.
فلدي عودتي من البعثة الدراسية في 1987 وجدت أن الجماعة السودانية، التي تتمثل في “تقدم” و”الجذري” اليوم، قد قنعت من خيراً في الديمقراطية الليبرالية التي فدتها بالمهج طوال عقدين من دولة نميري. وكان نجم الميدان السياسي يومها مقاطع لانتخابات 1986 هو العقيد جون قرنق، قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان، لا من خاضها بمستحقها مثل السيد الصادق المهدي وفاز بها “قنقر” حبوه أم كرهوه. بل بدأت طلائع تلك الجماعة تتسلل خلسة إلى معسكرات قرنق لتتدرب على حرب النظام الديمقراطي في الخرطوم. وحمل عمودي الراتب بجريدة “الخرطوم” على تلك الرداءة الليبرويسارية بحق الديمقراطية، بل وخيانتها لها. ولم تكن تلك نباهة مني، بل ولاء لتعاليم حزبي الشيوعي الذي قرر في “سبيل السودان للسلم والديمقراطية”، وثيقة مؤتمره الثالث في 1956، أن البرلمانية هي طريقنا للاشتراكية. فمن فوق الحقوق الديمقراطية في التعبير والتنظيم، التي تبدأ مع العمال والكادحين في النقابة والاتحاد، وحدها سيرى جمعهم بشرى الاشتراكية لهم.
ما جاءتنا الديمقراطية في 1985 حتى اتضح أنها ضيف ثقيل لا أحد يرغب فيه. وحين أقرأ لليبرلويساريين في يومنا غناءهم العذب في الديمقراطية اتعجب كأنها أحسنوا لها يوماً ناهيك من طلبها في صحبة جيش خلاء للمرة الثانية. واستعيد في خاطري كلمة كتبتها في صحيفة (الخرطوم) في نحو 1988 حين رأيت انفضاض اليساريين الجزافيين الكبير عن الليبرالية. فشبهت كساد هذه الجماعة في النظام الديمقراطي الذي فدوه بالمهج بموقف مشهور للاعب الهلال الفذ السد العالي. فقد قيل إنه استخلص الكرة من خصومه بجهد بارع وما كاد يتجه نحو المرمي حتى صاح فيه زميل ما يطلب منه أن “يباصي” له الكرة. وكان السد العالي سيئ الظن فيما يبدو بقدرة زميله فقال له بمصريته الرشيقة: “وحتعمل بيها أيه يا فلان؟”
وكان انفضاض تلك الجماعة عن الديمقراطية هو ما دفعني لأحمل مذكرتي ضد دعوة البرلمان الألماني وحدي في وحشة كدت اسمع بها حفيف حذائي على الأرض.
إلى نص الرسالة في نصها المعرب:
السيد رئيس البرلمان الألماني
تحية طيبة وبعد
ليأذن لي سيادتكم بالاحتجاج على الدعوة التي وجهتموها للعقيد جون قرنق ليخاطب البرلمان الألماني. لم اقصد بهذا الاحتجاج أن أصادر حق البرلمان الألماني في إنشاء ما شاء من لجان التحقيق ليتقصى المسائل الخلافية في عالمنا بما يمليه عليه الإنصاف الذي يقتضي الاستماع إلى وجهات النظر المتنافسة. غير أن الديمقراطية الحقة، وهي تقوم بمثل هذا الإجراء المثالي، ينبغي أن تحرص جداً ألا تخيب توقع الديمقراطيين الآخرين فيها.
لست من رأيكم في أهلية العقيد قرنق، وهو الذي يعتنق تكتيك حرب العصابات، للحديث إلى مؤسسة تدار على نهج الديمقراطية. فقد رفض العقيد مراراً وتكراراً الدعوات المؤكدة التي وجهت له بترك الحرب والولوج ساحة الديمقراطية السودانية الناشئة وليساهم في تشكيلها بما يرضي أهل السودان. وأهم من ذلك كله أن خطاب العقيد حول “السودان الجديد” الذي يدعو له إما ساكت عن أشكال وملمس التعددية الحزبية، أو أنه يدعو إلى “ديمقراطية جديدة” مبهمة فيها مخائل ومخاطر التحول إلى دولة كلانية مسدودة.
إننا لنخشى أنه بدعوتكم للعقيد قرنق للحديث إلى برلمانكم إنما ترسلون إشارة محبطة للديمقراطيين السودانيين الذين جاهدوا من أجل التعددية الحزبية لعقود أربعة طوال. فاحتفاء الديمقراطية الألمانية بمقاطع مؤكد للمؤسسة الديمقراطية في بلده مثل العقيد قرنق مما يشتم منه أن الديمقراطية الألمانية تفضل أن تبقى على الحياد في الجدل الدائر في بلدنا بين البطاقة الانتخابية وطلقات الرصاص. وهذا الحياد غير المحتشم مما يقرض القماشة الأخلاقية للديمقراطية.
بوسع البرلمان الألماني أن تكون له طرقه السالكة دائماً مع حركة تحرير شعب السودان. وأخال أن الديمقراطيين السودانيين سيرحبون بذلك لأنهم يقدرون الخير الذي سيترتب على حواركم ونصحكم لحركة من حركات حرب العصابات. غير أن دعوة العقيد قرنق، رمز الحركة، بعد نجاحه في “تحرير” عدد من الدوائر الانتخابية العادية في جنوب السودان، مما قد يوحي بأن طوائف اللوبي المختلفة التي تعمل لصالح العقيد قد اجتهدت أن يكون ظهوره أمامكم ضرباً مميزاً من ضروب أعمال العلاقات العامة.
في انتظار كلمة منكم أظل،
المخلص،
د. عبد الله علي إبراهيم
مدير معهد أبحاث الديمقراطية والتغيير الاجتماعي (تحت التأسيس)، الخرطوم.
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: البرلمان الألمانی للحدیث إلى
إقرأ أيضاً:
تناول ناقد للتقارير التي تدعي وجود مجاعة في السودان
في الوقت الذي تحرز فيه القوات المسلحة تقدما في مختلف محاور القتال في حرب الكرامة ضد المليشيا المتمردة ،تبرز تحديات أخرى للحرب النفسية والإعلامية تتخذ شكل تقارير من جهات دوليه تدعي بأن السودان يواجه مجاعة تهدد امنه الغذائي.لمعرفة حجم الهجمة وابعادها والآثار المترتبة عليها ، سوداناو التقت المهندس عمار حسن بشير عبدالله – إدارة الأمن الغذائي – وزارة الزراعة ، مؤسس شبكة الأمن الغذائي (سودان) للحديث عن موقف السودان من تقرير منظمة Ipc الذي زعمت فيه ان السودان يعاني مستويات حرجه من الجوع وانعدام الأمن الغذائيالمهندس عمار قال إن التصنيف المرحلي المتكامل للامن الغذائي الإنساني هو من آليات منظمة الأمم المتحدة للزراعة والاغذية لقياس وتقييم أوضاع الامن الغذائي التي تنبني على عدد من المؤشرات وترسيم خارطة ذات مراحل، وهذه الخارطة تستخدم الألوان وتتدرج في الترتيب الخاص بتقديم الأوضاع حسب المعلومات لكل مرحلة ، وفي النهاية يتم رسم خارطة بها الوان لتعطي تصنيفا متكاملا لمراحل الأمن الغذائي،، هذه الالية تحتاج الى قاعدة معلومات قوية حتى تستطيع توفير معلومات لكل مرحلة من المراحل. ، إلا ان هذه المنظمة لم تتبع تلك المراحل وبنت تقريرها على معلومات ذاتية ، حيث ينبغي لتلك المنظمة وحتى تستطيع الادعاء ان هناك مجاعة في اي جهه لابد من الحصول على المعلومات من فرق المنظمة الموجودة اصلا في تلك المناطق، وفي حالة عدم توفر المعلومات الكافيه تقوم تلك الفرق باجتماع ووضع تقديرات ذاتية للوضع ومن ثم تختار الوضع المناسب في حالة غياب المعلومات اوعدم توفرها ، لذا وجد هذا التقرير نقدا واضحا من الخبراء حتى من الذين كانوا ضمن الفريق العامل في إعداده وشككوا في صحته ووصفوه بعدم الدقة لعدم استناده على معلومات حقيقية.يقول المهندس عمار ان موقف السودان من هذه الالية كان واضحا بما اعلنه وزير الزراعة في مؤتمره الصحفي بوكالة السودان للانباء بمدينة بورتسودان بأن التقرير خرج بأرقام مضللة منها أن ٢٥ مليون نسمة من الشعب السوداني معرضين لشبح المجاعة.وذكر المهندس ان هذا التقرير الذي تم رفضه لعدم توفر المعلومات الحقيقية الناتجة عن مسح حقيقي، كما ان هذا التقرير لم يراع مايعرف (بالسنادة المجتمعية ) والتي يقصد بها ان هناك جوانب اجتماعية لم يراعها التقرير في ان يستوعب الاثار السالبة للحرب والعادات الاجتماعية التي يمكنها ان تستوعب تلك الاثار السالبة مثل نزوح كثير من الاسر السودانية الى الولايات الامنة لذويهم واهاليهم وديارهم حيث وجدوا الماؤى والمسكن والمطعم ،وهذه القيمة افتقدها التقرير في تقييمه الاخير، الذي بنت عليه كثير من المنظمات ان السودان يتعرض للمجاعة، لأكثر من ٢٥ مليون نسمة يمثلون نصف سكان السودان ، يضيف عمار وانه وبالرغم من ذلك يظل السودان حليفا للمجتمع الدولي ومتعاونا معه لدرجة كبيرة ومتواجدا في محيطه الدولي ممثلاً في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة والمنظمات ذات العلاقة بالغذاء،يقول ، المهندس ، لكن من حق السودان أن يرفض أويعتمد ما يشاء من التقارير التي قد تمس سيادته، فهو دولة ككل دول العالم يمارس سيادته ويبسطها على رقعته الجغرافية، وأن سيادته تمثل خطاً احمراً لاتفريط فيه ولا يسمح لاحد بالمساس بها، وان المجتمع الدولي المتآمر على السودان سيظل يبحث عن آليات يراها فرصه للتدخل بامداد العدو بالسلاح والدعم ، وأن الموجودين في مناطق التمرد هم فقط من يحتاجون الى الإغاثة، وأن مناطق سيطرت التمرد هي التي تتعرض لفجوات غذائية ، وأن المطالبة بفتح معابر لوصول المساعدات الإنسانية للمتضررين ماهي إلا زريعه يتخذها التمرد ومناصروه من دول الجوار والدول الاخرى ،لإيصال المساعدات العسكرية واللوجستية للعدو الذي يحارب الدولة السودانية ، والمواطن السوداني ،لذا اجمع الخبراء على رفض مثل هذه التقارير لان السودان يمارس سيادته على اراضيه وهذا امر لاتفريط فيه ، وأن السودان قد فتح كل المعابر البرية والجوية لوصول المساعدات الإنسانية وأن المواطن الان يتحرك من مناطق التمرد للأماكن التي يسيطر عليها الجيش بكامل الحرية.يشير عمار الى انه ولمواجهة الظروف التي نمر بها الان لابد من العمل على إيجاد مخزون استراتيجي منيع وقوي وحديث باعتباره احد المرتكزات الأساسية في توفير الغذاء في ظل الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية من فيضانات وسيول وذلك بدعم الإنتاج في المناطق الامنه والبنية التحتية على المدى الطويل اضافة الى توظيف وتقنين الهبات والمعونات بوضع تلك المنظمات والجهات المانحة تحت اشرافها عبر مفوضية العون الإنساني باعتبارها الجهة الرسمية الوحيدة المسؤولة عن عمل المنظمات .و اختتم المهندس عمار حديثه بدعوة المواطن السوداني بالانتباه والحذر من المحتوى الذي تتداوله وسائل الإعلام الخارجية من الترويج لاشاعات بوجود مجاعة بالبلاد و تفادي نشرها و تناقلها ،وان عليه التدقيق في كل مايقال وتمحيصه.بورتسودان (سوداناو/ سونا) – تقرير رقية الشفيعسونا إنضم لقناة النيلين على واتساب