الهيدروجين الأخضر.. الواقع والمبالغات
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
يسيطر الحديث عن الهيدروجين الأخضر، على الخِطاب العالَمي عِند التطرُّق لخفض الانبعاثات المُلوِّثة للبيئة والتحوُّل من الوقود الأحفوري إلى الطَّاقة النظيفة. وهناك ضجَّة إعلاميَّة مصاحبة للموضوع، تشعرك أنَّنا على بُعد شهور أو سنوات قليلة من الاستغناء عن النفط والغاز، والاعتماد على الهيدروجين في تلبية احتياجاتنا اليوميَّة من الطَّاقة، يغذِّي هذه الضجَّة قانون خفض التضخُّم الأميركي واستراتيجيَّة الطَّاقة في الاتِّحاد الأوروبي، الأمْرُ الذي يشعرك أنَّ التحوُّلَ تمَ بالفعل، ولكنَّ الواقع مختلف تمامًا عن هذا الطرح.
وذكرت وكالة بلومبرج أنَّه رغم الإقبال المتزايد على مشاريع الهيدروجين الأخضر، ما زال المستثمرون والبنوك عازفين عن تمويلها، ولَمْ تحصل سوى 7% فقط من مشاريع الهيدروجين التي تمَّ طرحها على تمويل مضمون لبدء البناء بالفعل. ورغم الحماس العالَمي والضجيج الإعلامي، لَمْ تزِد الكميَّات قَيْدَ الإنتاج عن مليونَي طن فقط من الهيدروجين في انتظار الموافقات الاستثماريَّة النهائيَّة، وأغلبها موجود في الاتِّحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا، حيث لا تزال المؤسَّسات الماليَّة متشككة في جدوى إنتاج كميَّات كبيرة من الهيدروجين الأخضر اقتصاديًّا في ظلِّ التكلفة العالية وغموض المشترين.
لا يتمُّ الحديث عن البنية التحتيَّة اللازمة لاستخدام الهيدروجين في محطَّات الطَّاقة، وآليَّة نقله إلى المستخدمين النهائيِّين، وهي عوامل تثير مخاوف البنوك ومؤسَّسات التمويل، لعدم وضوح الرؤية، وتفاصيل التعامل معها على نطاق واسع حتى الآن.
حتى لو تمَّ تنفيذ جميع المشاريع المقترحة، فهذه المشاريع مُجتمعة لا تُمثِّل سوى 3.5 في المائة فقط من احتياجات الطَّاقة المتوقَّعة للاتِّحاد الأوروبي بحلول 2030، كما هناك حاجة لإصدار لوائح وتشريعات واضحة من الاتِّحاد الأوروبي بشأن تنظيم استخدام الهيدروجين الأخضر، والتي لَنْ ترى النور قَبل عام 2028؛ وفقًا لِمَا أعلنته اللجنة القانونيَّة بالاتِّحاد.
هناك تحدِّيات تقنيَّة وعقبات فنيَّة، تحتاج معالجتها لسنوات عديدة، الأمْرُ الذي يعيق إجراء تقييم اقتصادي شامل لجدوى استخدام الهيدروجين الأخضر على نطاق تجاري، مِنْها صغر حجم جزيئات الهيدروجين لدرجة تُشكِّل مخاطر تتعلَّق بالسَّلامة، ونسبة الغازات الدفيئة المصاحبة لإنتاجه، وطُرق تخفيضها.
ومؤخرًا أجرت شركة ألمانيَّة تهدف لاستخدام 75% من الهيدروجين الأخضر في مصانع الغاز التابعة لها، تجربة عمليَّة أثبتت أنَّ الشبكة الحاليَّة لألمانيا يُمكِنها نقل 20% فقط من كميَّة الهيدروجين التي تحتاج إليها، كما أنَّ تحويل منشآت إعادة «تغييز» الغاز المسال القائمة حاليًّا لاستيعاب نقل الهيدروجين الأخضر، كما يقترح البعض سيكُونُ مكلفًا للغاية.
إذا لَمْ يكُنْ بالإمكان تخفيض التكلفة ونقل الهيدروجين الأخضر بكفاءة لمناطق الاستهلاك، فسيكون هناك إهدار محتمل للموارد الماليَّة، فالاعتماد على الدعاية والضجيج الإعلامي وحده لا يكفي لاعتماد الهيدروجين الأخضر كمصدر جديد محتمل للطَّاقة النظيفة، لا بُدَّ من التأنِّي والانتظار، وفسح المجال لمزيدٍ من الأبحاث والتطوير حتى نجدَ إجابات مُقْنعة على التساؤلات المنطقيَّة عن الجدوى الاقتصاديَّة والبيئيَّة من استخدامه.
محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الهیدروجین الأخضر حاد الأوروبی فقط من
إقرأ أيضاً:
"الدراما والمجتمع: الواقع والمأمول" أولى أمسيات الأعلى للثقافة في رمضان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أقام المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور أشرف العزازي، أمسية رمضانية بعنوان "الدراما والمجتمع: الواقع والمأمول" التي نظمتها لجنة مواجهة التطرف والإرهاب، ومقررها الدكتور أحمد زايد، بالتعاون مع لجنة السينما، ومقررها المخرج هشام عبد الخالق.
أدارالندوة: الإعلامي عاطف كامل، مقدم برامج بالتليفزيون المصري وعضو اللجنة، وشارك فيها كلا من الناقد السينمائي عصام زكريا، والدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة الزقازيق وعضو اللجنة.
بدأ الإعلامي عاطف كامل اللقاء ملقياً الضوء على دور الدراما الاجتماعية في منطقتنا العربية، لا سيما مصر، في تربية الوعي الاجتماعي والسياسي للجمهور.
متسائلاً: هل الدراما التلفزيونية تتناول المجتمع المصري وتبث فيها القيم؟ وهل تعكس الدراما المصرية الواقع الاجتماعي، وهل من ضمن أدوار الدراما طرح الحلول؟ وهل هناك اشتباك بين الدراما المعروضة حاليّاً والواقع المعيش؟.
وألقى الناقد عصام زكريا الضوء على فترة انفراد الإذاعة المصرية بمخاطبة الجمهور المصري، وكيف شعر الناس بصدمة صنعت خللاً في التلقي عندما ظهرت موضة شرائط الكاسيت.
والشيء نفسه حدث عندما بدأت القنوات الفضائية في الظهور، وكذلك ما نراه اليوم على المنصات الاجتماعية، والتي أدت إلى نوع من الانعزال المجتمعي حتى داخل البيت الواحد.
وأكد زكريا أن فكرة أن تكون الأعمال الدرامية موجِّهة وتربي وتعلم لم يعد لها وجود، فالمحرك الأساسي هو ماذا يريد الجمهور، وشئنا أم أبينا لو لم تقدم الدراما المصرية ما يبحث عنه الجمهور سينسحب إلى الدراما التركية وما شابه، مثلما حدث من قبل.
وشدد زكريا أن مشكلتنا الحقيقية ليست في الدراما، وإنما في تهيئة المناخ الاجتماعي وصناعة جمهور واعٍ ومتعلم، مع ضرورة علاج قضايا المجتمع الكبرى؛ كالبطالة والإدمان وانعدام الدخل.
وعرجت الدكتورة هدى زكريا نحو الدراما الأمريكية ودورها الفاعل في تحريك المجتمع، حتى إنها كانت سبباً في وصول أمريكي أسود إلى الرئاسة، مؤكدة أن اختيار أوباما رئيساً لأمريكا كان مقصوداً به فقط أن يكون بطلاً للحواديت الشعبية الأمريكية، فهو نموذج مثالي للأمريكي المختلط، ابن المسلمين والمسيحيين، وابن إفريقيا وأمريكا، وابن السود والبيض، ولكن الواقع أن أمريكا في عهده قد مارست أقسى أنواع التعذيب والقتل للسود في أمريكا، إذ كان أوباما أبيض السلوك.
وأما في مصر فقد كشفت الدراما أن هناك أزمة تربوية وفكرية، ملمحة إلى دور الإرهاب والتطرف في إرساء ثقافة القطيع وسيطرة الصمت على المشهد الاجتماعي الحالي، إضافة إلى سيطرة اللغة المتدنية على الحوار في أغلب المسلسلات المعروضة.