جريدة الوطن:
2025-02-05@04:46:52 GMT

الهيدروجين الأخضر.. الواقع والمبالغات

تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT

الهيدروجين الأخضر.. الواقع والمبالغات

يسيطر الحديث عن الهيدروجين الأخضر، على الخِطاب العالَمي عِند التطرُّق لخفض الانبعاثات المُلوِّثة للبيئة والتحوُّل من الوقود الأحفوري إلى الطَّاقة النظيفة. وهناك ضجَّة إعلاميَّة مصاحبة للموضوع، تشعرك أنَّنا على بُعد شهور أو سنوات قليلة من الاستغناء عن النفط والغاز، والاعتماد على الهيدروجين في تلبية احتياجاتنا اليوميَّة من الطَّاقة، يغذِّي هذه الضجَّة قانون خفض التضخُّم الأميركي واستراتيجيَّة الطَّاقة في الاتِّحاد الأوروبي، الأمْرُ الذي يشعرك أنَّ التحوُّلَ تمَ بالفعل، ولكنَّ الواقع مختلف تمامًا عن هذا الطرح.

مؤخرًا قال وزير الطَّاقة السعودي في أحد المؤتمرات: النَّاس تتحدَّث عن الهيدروجين كوقود للمستقبل، لكن نريد أن نعرفَ مَن سيشتريه وكم سيكُونُ سعره؟! وأضاف: توقف الاهتمام بالنفط والغاز وتراجعت الاستثمارات فيهما، وهناك حديث كثير عن الهيدروجين الأخضر، ولكن لا توجد استثمارات ولا سياسة واضحة. كما تساءل رئيس شركة أرامكو عن اتفاقيَّات الشراء من أوروبا ودوَل العالَم المهتمَّة بالهيدروجين الأخضر ـ الذي تصل تكلفة البرميل مِنْه إذا ما تمَّ إنتاجه بالتكنولوجيا المستخدمة حاليًّا نَحْوَ 250 دولارًا ـ مؤكِّدًا أنَّ شركته لَنْ تضخَّ مزيدًا من الاستثمارات في هذا المشروع دُونَ الحصول على اتفاقيَّات للشراء بسعرٍ مُجزٍ.
وذكرت وكالة بلومبرج أنَّه رغم الإقبال المتزايد على مشاريع الهيدروجين الأخضر، ما زال المستثمرون والبنوك عازفين عن تمويلها، ولَمْ تحصل سوى 7% فقط من مشاريع الهيدروجين التي تمَّ طرحها على تمويل مضمون لبدء البناء بالفعل. ورغم الحماس العالَمي والضجيج الإعلامي، لَمْ تزِد الكميَّات قَيْدَ الإنتاج عن مليونَي طن فقط من الهيدروجين في انتظار الموافقات الاستثماريَّة النهائيَّة، وأغلبها موجود في الاتِّحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا، حيث لا تزال المؤسَّسات الماليَّة متشككة في جدوى إنتاج كميَّات كبيرة من الهيدروجين الأخضر اقتصاديًّا في ظلِّ التكلفة العالية وغموض المشترين.
لا يتمُّ الحديث عن البنية التحتيَّة اللازمة لاستخدام الهيدروجين في محطَّات الطَّاقة، وآليَّة نقله إلى المستخدمين النهائيِّين، وهي عوامل تثير مخاوف البنوك ومؤسَّسات التمويل، لعدم وضوح الرؤية، وتفاصيل التعامل معها على نطاق واسع حتى الآن.
حتى لو تمَّ تنفيذ جميع المشاريع المقترحة، فهذه المشاريع مُجتمعة لا تُمثِّل سوى 3.5 في المائة فقط من احتياجات الطَّاقة المتوقَّعة للاتِّحاد الأوروبي بحلول 2030، كما هناك حاجة لإصدار لوائح وتشريعات واضحة من الاتِّحاد الأوروبي بشأن تنظيم استخدام الهيدروجين الأخضر، والتي لَنْ ترى النور قَبل عام 2028؛ وفقًا لِمَا أعلنته اللجنة القانونيَّة بالاتِّحاد.
هناك تحدِّيات تقنيَّة وعقبات فنيَّة، تحتاج معالجتها لسنوات عديدة، الأمْرُ الذي يعيق إجراء تقييم اقتصادي شامل لجدوى استخدام الهيدروجين الأخضر على نطاق تجاري، مِنْها صغر حجم جزيئات الهيدروجين لدرجة تُشكِّل مخاطر تتعلَّق بالسَّلامة، ونسبة الغازات الدفيئة المصاحبة لإنتاجه، وطُرق تخفيضها.
ومؤخرًا أجرت شركة ألمانيَّة تهدف لاستخدام 75% من الهيدروجين الأخضر في مصانع الغاز التابعة لها، تجربة عمليَّة أثبتت أنَّ الشبكة الحاليَّة لألمانيا يُمكِنها نقل 20% فقط من كميَّة الهيدروجين التي تحتاج إليها، كما أنَّ تحويل منشآت إعادة «تغييز» الغاز المسال القائمة حاليًّا لاستيعاب نقل الهيدروجين الأخضر، كما يقترح البعض سيكُونُ مكلفًا للغاية.
إذا لَمْ يكُنْ بالإمكان تخفيض التكلفة ونقل الهيدروجين الأخضر بكفاءة لمناطق الاستهلاك، فسيكون هناك إهدار محتمل للموارد الماليَّة، فالاعتماد على الدعاية والضجيج الإعلامي وحده لا يكفي لاعتماد الهيدروجين الأخضر كمصدر جديد محتمل للطَّاقة النظيفة، لا بُدَّ من التأنِّي والانتظار، وفسح المجال لمزيدٍ من الأبحاث والتطوير حتى نجدَ إجابات مُقْنعة على التساؤلات المنطقيَّة عن الجدوى الاقتصاديَّة والبيئيَّة من استخدامه.
محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الهیدروجین الأخضر حاد الأوروبی فقط من

إقرأ أيضاً:

الشاعر السوري فواز قادري: دير الزور حكاية حب لا تنتهي.. والكتابة لا تهادن الواقع

الشاعر السوري فواز قادري، الذي حمل معاناته وهويته بين دير الزور وميونيخ، يكتب قصيدته بلغة لا تعرف القيود، ومن خلال تجربته في المهجر، يسعى إلى كشف الحقيقة التي تخفيها الحروب والمآسي، مُحولا الألم إلى كلمات مقاومة حية، في هذا الحوار، نغوص في رؤيته للشعر كأداة للتحرر، وكيف تصبح القصيدة لديه فعلا يكشف عن التحديات والآمال في آنٍ، وتلمس قلوبنا بعنفوانها الصادق.

- بين دير الزور وميونخ، كيف تنظر إلى تأثير المنفى على هويتك الشعرية؟.. أترى في الاغتراب حافزا للإبداع أم جرحا يتسع مع الزمن؟

للأمكنة تأثير كبير على الشعر والإبداع بشكل عام، وكذلك على المبدع نفسه، وعلى صعيدي الشخصي، تعمق مفهومي وتجربتي في كتابة «قصيدة العيش»، حيث أرى أن العيش هو أن تملأ حيزك الزماني والمكاني بمعناك.

مع «قصيدة العيش»، تكتسب الأشياء ماهية مختلفة، وتتحول الحياة إلى نبع رقراق يصير نهرا صغيرا يرافقك في أغلب الأوقات، يأكل ويشرب معك، ويستثير حساسيتك، حتى تصبح أنت نفسك أقرب إلى قصيدة تسكنك وتدعوك إلى كتابتها.

أما المنفى، أي المكان الآخر «وأنا هنا أعني ميونيخ»، فيدفعك إلى إعادة النظر في جميع مكونات حياتك، ويضيف إليها بعض العناصر الجديدة، تماما كما يجعلك أكثر يقينا بما تعتقد، إنه يبرز كل ما هو إنساني ومشترك مع الآخرين، مما يعمّق فهمك لذاتك وللعالم من حولك.

- في ديوانك «قيامة الدم السوري» رصدتَ مأساة الإنسان السوري بأسلوب شعري مكثف.. كيف تمكنت من الموازنة بين الشعر كفن والواقع القاسي دون الوقوع في فخ التوثيق المباشر؟

الواقع مثلما هو مرجعيتي الأساسية، أنظر إليه كفخ للمبدع والقصيدة، وأحذره، تجلى هذا بشكل خاص في الكتابة عن ثورة الشعب السوري على الطاغية وإرثه، هناك الكثير من الألم في ما حدث، ألمٌ يشبه القيامة، يجعلك لا تتوقف عن الصراخ.

كنتُ أعي تماما أن في كل نص تكتبه، قد تخرج عن أسلوبك المعتاد إلى نوع من المباشرة التي تدعوك إلى كتابة مختلفة عن مفهومك الجمالي، خاصة وأنت تؤثث بالشعر قيامة هذا الشعب الذي وصل إلى حافة الموات، في مثل هذه اللحظات، تصبح القصيدة ملحمية، قادرة على تناول التجربة، بل وأكثر مما تمنحها الصرخات.

- ديوان «أناشيد ميونخ المؤجلة» يحمل بين طياته حنينا ممزوجا بالغربة.. أفقدت القدرة على الانتماء؟ أم أن الشعر ذاته يصبح وطنا بديلا؟

ديوان أناشيد ميونيخ، صحوة شعرية حاولت أن أرد فيه دَين الحب إلى مدينة احتضنتني وشكلت وأعادت التوازن إلى روح الغريب، أثثت بالأصدقاء من أهل البلد، والغرباء الذين شاركوني دفء المدينة.

إلى درجة التماهي بين مدينتين «دير الزور» الذاكرة، مسقط الرأس والقلب، الطفولة التي لم تبارحني، المراهقة وأحلامها الكثيرة، الكدح المبكر الذي جعلني أنحاز إلى عرق الناس ومعاناتهم التي لا تنتهي، القصيدة المبكرة الخارجة من رحم الحارات، بعيدا عن المدرسة.

معاناة التقاط الأحرف من لافتات الشارع، ومن مهنة إصلاح الأجهزة الإلكترونية في محل صاحبه فنان ورسام، المسرح، الألوان، خيالات الصغير وشغفه بالأحلام، كل ذلك قاده لاحقا إلى العمل بالسياسة، واكتشاف الشعر الذي أصبح كل حياته.

«ميونيخ» الكدح اليومي من جديد، قصائد التجربة في مكان جديد، ثورة الأهل في سوريا، الحلم العتيق بالتغيير الذي لم يفارقني رغم البعد الجسدي، أوجاع الناس وأنا بعيد عنهم بجسدي، طوفان شعري لم يتوقف، الكتابة اليومية المشغولة بهدوء الفن، الصرخات المكتومة أعادت النظر في «قصيدة العيش»، بأدواتها، بلغتها المرافقة للوجع اليومي ومعاناة الناس هناك.

«ميونيخ.. النأي بلا عزلة»، طوفان لهاث وكتابة، دموع تتحول إلى كلمات، ورموز، وأساطير حية، قصائد تعيش معي، تتجدد، وتصبح أكثر رهافة وإنسانية، رغم الألم اللحظي الجارح.

- تلعب الذاكرة دورا محوريا في نصوصك.. أترى أن العودة إلى المكان في القصيدة محاولة للشفاء أم استعادة غير مكتملة؟

دير الزور.. المدينة، الذاكرة، النهر الذي لا يبرح يرافقني، دون أن يتدخل في تشكيل حياتي، فيها من العذوبة ما يجعلني أتيقن أنني أعيش زمني الحاضر، ولا أسترجع الماضي كي أعيش فيه، فأنا لست مريضا لأحتاج إلى الشفاء منه. ومن هذا النهر أنا فقط أحاول أن أطيل إقامتي في الأشياء التي أحبها، أطيل النظر فيها، أتدارك نقصانها بالمزيد من الحب.

- في ديوانك «صهيل في غرفة ضيقة» استخدمت رمزية الصهيل والغرفة الضيقة.. ما الدلالات التي أردت إيصالها من خلال هذه الرموز؟

ديوان الصهيل في غرفة ضيقة، باختصار، هو فعل الحرية وممارستها في أصعب الأوقات، «الصهيل» ذلك المدى الممتد في أعتى وأضيق الأمكنة، في الزنازين وكل أشكال الأسر، وكيفية تحول حالات الاختناق إلى غناء طليق.

- في ديوانك «نهر بضفة واحدة» كيف استخدمت النهر كرمز؟ وما الرسائل التي أردت إيصالها من خلال هذا العنوان؟

«نهر بضفة واحدة» لا إجابة محددة أو شارحة عندي، على القارئ أن يتخيل الحالة مع الشاعر والقصيدة، فالشرح التعليمي يخرج القصيدة من ماهيتها وطبيعتها.

- كيف ترى العلاقة بين الشعر والسياسة في أعمالك؟ وهل تعتقد أن الشاعر يجب أن يكون له دور في القضايا السياسية والاجتماعية؟

هناك دائما علاقة ما بين الشعر والسياسة، لكنها علاقة غير بوقية، فالشعر الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا صدى نفسه، دور الشعر والشاعر هو الكشف، وليس ترديد ما يُطلب منه، فالمعاني، كما قال المعلم، ملقاة على قارعة الطريق، لكن الشعر والفن يكمنان في كيفية القول، وليس في المعنى الذي يُقال.

- ما دور الموسيقى والإيقاع في قصائدك خاصة بعد انتقالك إلى قصيدة النثر؟.. وكيف تحافظ على الجمالية الصوتية في نصوصك؟

هجرت موسيقى القصيدة الخارجية، تركت الوزن وتخليت عنه، لأنه يعيق الشاعر في الكتابة، ولأن الأوزان هي تعبير عن زمنها، وهي -بمعنى ما- قيد على حرية الشاعر.لقد قيل الكثير عن هذا الموضوع، ولستُ أول من تخلى عن الوزن، ولن أكون الأخير الذي يفعل ذلك، ببساطة، لكل وقت إيقاعه وموسيقاه. ولكل قصيدة رمزيتها ووضوحها، فالشعر برق، أحيانا يضيء في النفس ثم ينسحب، لكنه يترك أثرا لا يمحى بسهولة.

- كيف ترى موقعك في مشهد الشعر العربي المعاصر، خاصة في ظل التحولات السياسية والاجتماعية الكبرى التي تمر بها المنطقة؟

لم أفكر في هذا الأمر ولا أبحث عنه، أنا فقط أكتب قصائد العيش، ولا أهتم بموقعي أو موقع غيري، بالمحصلة سيأتي هذا الوقت، للتذكير صدر لي من أيام كتاب «هذا الوقت ليس وقتي» فيه إجابة على هذا السؤال.

مقالات مشابهة

  • الشاعر السوري فواز قادري: دير الزور حكاية حب لا تنتهي.. والكتابة لا تهادن الواقع
  • وزير الأوقاف: الإسلام يتفاعل مع الواقع والمستجدات عبر 3 آليات
  • استعداداً للمنخفض الجوي القادم.. تعميم من محافظ البقاع
  • البيوضي: الرئاسي وحكومة الدبيبة سلطة الأمر الواقع في طرابلس
  • أوروبا تفتح أبوابها أمام صادرات الهيدروجين والأمونيا السعودية
  • التعليم العالي في العراق.. شهادات من الواقع
  • آبل تلغي مشروع نظارات الواقع المعزز
  • في ورشة عمل.. القومي للمعايرة يناقش تحديات تخزين الهيدروجين الأخضر
  • المعهد القومي للمعايرة يناقش تحديات تخزين الهيدروجين الأخضر في ورشة عمل علمية
  • Luz.. فيلم يستكشف دور الواقع الافتراضي في علاج الجراح العاطفية