يبدو أن “المجلس الرئاسي” أقرب إلى مجلس إدارة لشركة خاصة تركز على إدارة مصالح أعضائه الثمانية، بدلا من خدمة مصالح الشعب اليمني الذي يُفترض أن يُمثلهم.
وعلى الرغم من أن هذا المجلس يضم غالبية القوى العسكرية الفاعلة على الأرض، مما قد يوحي بوجود شراكة وطنية حقيقية، إلا أن تركيبته تكشف عن مصالح مكوناته وداعميهم الخارجيين.
بمعنى آخر، تُظهر الصيغة الحالية للمجلس أنه أشبه بمجلس إدارة لشركة خاصة، هدفه الرئيسي خدمة مصالح أعضائه على حساب الشعب الذي يدّعي تمثيله، وبالتالي، لا يعدو دوره أن يكون آلية للحفاظ على مصالح الأعضاء بدلا من خدمة الشعب.
في الواقع، تعكس التجربة الحالية كيف تحوّلت الأحزاب والجماعات السياسية، بما في ذلك المجلس، إلى كيانات شبه خاصة، تُدار لتحقيق مصالح القيادات التي لم تشهد تغييرات جوهرية منذ سنوات.
هذه المصالح هي التي تجعل الحديث عن “استعادة الدولة” مجرد شعارات جوفاء مخادعة تهدف للهروب من المسؤولية والحفاظ على الوضع القائم طالما ليس هناك استراتيجية واضحة لاستعادة الدولة سلميا أو عسكريا.
إذا أردنا أن نفهم المجلس بشكل صحيح، يجب أن نراه كما هو: مجموعة من الأفراد الذين تمت ترقيتهم إلى المناصب القيادية من قبل داعميهم، بهدف إدارة مصالحهم الشخصية والأجندات الخارجية.
تعكس اجتماعات المجلس، التي يحضر فيها الشعب بالاسم فقط، العزلة التي اختارها أعضاؤه، حيث يلتقون أحيانا عبر تطبيقات الاتصال المرئي، بعيدين عن الواقع.
تُسِهم هذه الديناميكية في تشكيل هذا التصور؛ ما يفعله المجلس يُشبه إدارة أعمال فاشلة لشركة خاصة، يُديرها نفس الأفراد الذين كانوا جزءا من السلطة السابقة وأثبتوا فشلهم، إذ يتصرفون كما يفعل مجلس إدارة يسعى لتحقيق أرباحه الشخصية على حساب الموظفين في المؤسسة.
لقد زاد الفساد في عهد المجلس بشكل ملحوظ، حتى مع ازدياد الحديث عن محاربته. هذه مفارقة غريبة، فكيف يُمكن الحديث عن مكافحة الفساد بينما تفتقر أبسط درجات المصداقية، مثل الشفافية؟ خير دليل على ذلك هو رفض المجلس نشر تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي تحدث عن فساد هائل.
إذا كانت هناك رغبة حقيقية في التغيير، فإن أول خطوة نحو ذلك هي تفكيك هذه “الشركة” السياسية التي تسيطر على مفاصل الحكم، وإنشاء كيان وطني بقيادة واحدة تركز على خدمة مصالح الشعب بدلا من حماية مصالح قلة من الأفراد الذين اختارهم “الداعم الخارجي” لاستمرار هيمنتهم على الساحة السياسية في معزل عن معاناة الناس.
كان البعض يأمل عند تشكيل المجلس، في أن يتم تحقيق إصلاحات حقيقية في مؤسسات الدولة وشفافية في القرارات والتعيينات. لكن ما حدث كان عكس ذلك تماما، حيث يصدر رئيس المجلس عشرات القرارات سرا، ولا يُعرف عددها إلا عندما يتم تعيين شخصية معروفة، ويُذكر رقم القرار في الخبر الرسمي.
بحسب صحيفة “النداء” المستقلة، والتي يرأسها الصحفي المعروف سامي غالب، فإن رئيس المجلس يتقاضى راتبا شهريا يعادل 3 ملايين ريال سعودي، بجانب امتيازات أخرى. ويُمكن تصوّر إجمالي ما تم جمعه من ثروة على مدار السنوات الثلاث الماضية. أما الأعضاء، فيحصل كل واحد منهم على راتب يعادل مليون ريال سعودي شهريا. هذه الرواتب تثير تساؤلات حول ما إذا كان هؤلاء يمثلون قادة دولة في حالة حرب وفقر، أم أنهم مجرد تجار يبيعون كلاما فارغا مقابل شيك شهري ضخم؟
الأمر لا يقتصر على الرواتب فقط، بل يمتد أيضا إلى المخصصات والنثريات وبدلات السفر التي تتحول إلى “مكافآت” وحوافز للأعضاء، بالإضافة إلى نفقات أخرى لشراء الولاءات الشخصية ودعم حملة مباخر النفاق الذين يتقطعون للمواطنين الناقدين للفساد في منصات التواصل الاجتماعي. في المقابل، لا يحصل الموظف اليمني على راتبه بشكل منتظم، في ظل تدهور العملة المحلية، حيث يحصل بعضهم على ما يعادل 30 دولارا فقط.
بالمختصر، يعتبر “مجلس القيادة الرئاسي” مجرد واجهة جديدة للفساد المستمر، ولا يمكننا أن نتوقع منه تحسين أوضاع الناس أو قيادة البلاد للخروج من أزمة الحرب. وهذا يستدعي تفكيرا جماعيا لإيجاد صيغة بديلة تتجاوز المجلس وتتحلى بالمسؤولية الوطنية.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةنعم يؤثر...
ان لله وان اليه راجعون...
اخي عمره ٢٠ عاما كان بنفس اليوم الذي تم فيه المنشور ومختي من...
اشتي اعرف الفرق بين السطور حقكم وأكد المسؤول العراقي في تصري...
أريد دخول الأكاديمية عمري 15 سنة...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: مجلس القیادة فی الیمن المجلس ی
إقرأ أيضاً:
مجلس محافظة بغداد: المباشرة قريباً بأجراءات الإعلان والإحالة لمشاريع 2025
الاقتصاد نيوز _ بغداد
من المقرر أن يباشر مجلس محافظة بغداد قريباً إجراءات الإعلان والإحالة لمشاريع 2025، فيما دعت لجنة الخدمات النيابية إلى اعتماد النوعية وليس الكمية في اختيارها بسبب قلَّة التخصيصات.
وذكر رئيس لجنة التقسيمات الإدارية في المجلس محمد الشعلان في حديث للصحيفة الرسمية تابعته "الاقتصاد نيوز"، أن لجان المجلس كافة، وكذلك محافظة بغداد شرعت بإعداد جداول الكمية اللازمة للمشاريع التي ستنطلق ضمن 2025، مضيفاَ أنه سيتم اختيار المهمة منها شريطة أن تُسهم برفع المستوى الخدمي لمناطق بغداد.
وأوضح أن المحافظة ستعلن عن المشاريع التي لها تخصيص مالي تنفيذاً لتعليمات رئاسة الوزراء، منوهاً بأنه سيجري توزيعها بين الوحدات الإدارية بحسب النسب السكانية والاحتياج والأولوية، عادّاً التخصيصات المحددة لها والبالغة 400 مليار دينار، قليلة ولا تكاد تسد سوى جزء بسيط من الاحتياج.
من جانبه، أفاد النائب عن لجنة الخدمات النيابية علي الحميداوي، بأن العاصمة بحاجة إلى عدد كبير من المشاريع الستراتيجية لتحسين خدماتها الأساسية، لاسيما الماء والصرف الصحي، كون الكثير من المناطق ما زالت تعاني من نقص إمدادات المياه وطفح المجاري. ودعا الجهات المعنية، إلى تعزيز الجهود وتكثيف الأداء للخروج بمشاريع نوعية وليست كمية، انطلاقاً من الحاجة الماسَّة التي يقابلها انخفاض مبالغ الموازنة وعدم إمكانية رفعها، لافتاً إلى أن المرحلة الحالية ستشهد اختيار شركات رصينة تعتمد في التنفيذ على السرعة والدقَّة من أجل تحقيق أفضل النتائج.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام