تعيش المنطقة العربية الآن وقتا بالغ الحساسية والخطورة، وهو الوقت الذي جاء، وجاءت معه أسئلة كثيرة وكبيرة، ستصول وتجول في التاريخ بماضيه وحاضره ومستقبله طولا وعرضا، وستنهض منها أسئلة أكثر وأكثر، ستزيدها غموضا، وستزيده انكشافا في الوقت نفسه!
الغموض لن يكون لغزا ولا سرا، لكن سيصاحبه صمت رهيب، الانكشاف لن يكون فضحا ولا تجريحا، لكن سيصاحبه وضوح خطير.
سنمر هنا بالوقع الهادئ للضمير العطوف المحب على "المقولة الذهبية" للعلامة جمال حمدان، صاحبة الألف مغزى ومغزى، عن الإنسان والحياة: "الإنسان يجب أن يذكر عيوبه، لا لينسحق بها، ولكن ليسحقها، ولا ليسيء إلى نفسه، ولكن ليطهرها"..
* * *
واستلهاما لتلك المقولة الذهبية، أتمنى من الأستاذ حمدين صباحي (73 سنة) أن يوسع دائرة مقولاته واعتذاراته الأخيرة، ويعمقها ويدفع بها، لتستقر في مداها الطبيعي، ومصبها الحقيقي والنهائي، فلا يبقيها في ممارساته الشخصية كسياسي صاحب طموح ذاتي ومشروع وطني، فهذا شيء محدود للغاية، ولا يمثل شيئا في حاضر يبحث عن مستقبل، لا يعرفه ولا يرى دلائله.
وتمنيت لو أن تلك المقولات والاعتذارات امتدت لكل الحالة التي انبعث منها حضوره السياسي والفكري، حالة الخمسينيات والستينيات (الجمهورية الأولى).
* * *
الحديث الأخير للرئيس الأمريكي عن تهجير أهل غزة إلى الأردن ومصر، سيجعلنا نتحير كثيرا في مغزاه ومراده، وستكون أكثر وجوه الحيرة فيه هو "التوقيت"، ذلك أن أهل غزة قالوا للدنيا كلها قاصيها ودانيها: إننا هنا، نصنع تاريخنا بأيادينا وعزائمنا، نحن الآن حاضر تاريخي جديد، يحمل في يد "القدرة" وفي الأخرى "الإرادة"، ومن يمتلك الاثنين يمتلك مصيره
حالة المد القومي والناصري التي سيطرت على الواقع التاريخي المعاصر للشعب العربي كله، وليس في مصر فقط، ووجدت من تبنّاها لاحقا، كمشروع فكري متكامل يصلح لصناعة "الإنسان والتاريخ" في كل وقت!!
ومتى؟ بعد أن استنفد هذا المشروع كل مخزونه وما يملكه من تصورات ومفاهيم، انتهت إلى صفر كبير للغاية، وبعد أن أخذ أفضل فرصة، في أفضل وقت، وفي أفضل بلد (استراتيجيا وتاريخيا). وللموضوع تفاصيل مهمة للغاية، تبدأ بإنهاء مشروعية حكم الأسرة العلوية (1805-1952م)، وقيام "الجمهورية" التي امتد بها التاريخ، لتكون صانعة وشاهدة على كل هذا الحاضر الأليم الشائه، الذي يعيشه عالم العروبة والإسلام.
في فلسطين (غزة والضفة) ستكون "1967م والهزيمة الممتدة".
في السودان ستكون "1954م والانفصال المسموم".
في ليبيا ستكون "انقلاب 1969م والقذافي المرعب المريب".
في سوريا ستكون "الوحدة الغامضة 1961م، ومجيء البعث الدموي"..
* * *
وستكون تلك المواضع والمواقع الهامة الخطيرة، أكثر مواقع الخريطة العربية ضعفا وإنهاكا وحيرة وقلقا، حتى يومنا هذا، وستكون الأيادي التي صنعتها، هي تلك "الأيادي" التي طالما لوحت لحشود الجماهير الغفيرة، مسلوبة الوعي والشعور وبالتأثير المذهل لـ"الأمن والإعلام" وقتها، كما قال لنا الراحل الكبير المستشار طارق البشري رحمه الله (ت: 2021م) في كتابة المهم "الديمقراطية ونظام 23 يوليو 1952-1970م" الصادر عن دار الشروق سنة 1991م.
* * *
الحديث الأخير للرئيس الأمريكي عن تهجير أهل غزة إلى الأردن ومصر، سيجعلنا نتحير كثيرا في مغزاه ومراده، وستكون أكثر وجوه الحيرة فيه هو "التوقيت"، ذلك أن أهل غزة قالوا للدنيا كلها قاصيها ودانيها: إننا هنا، نصنع تاريخنا بأيادينا وعزائمنا، نحن الآن حاضر تاريخي جديد، يحمل في يد "القدرة" وفي الأخرى "الإرادة"، ومن يمتلك الاثنين يمتلك مصيره.
لذلك كان اقتراح الرئيس الأمريكي بالفعل، يحمل الكثير من الإشكالات والتساؤلات، ويفتح باب الظنون على مصراعيه، ليس بشأن غزة والضفة، بل بشأن آخر، يبدو أنه لم يحن وقت إعلانه والتصريح به بعد!
وحديث التهجير المستحيل هذا، وإلى تلك البلاد تحديدا، ومع التأكد من "الرفض العام" الذي سيناله الاقتراح، يجعلنا نسأل عما إذا كان يريد هذا الرفض فعلا؟!.. وهل يريد توظيف هذا الرفض، لشيء ما في رأسه ورأس إدارته، ولم يأت وقت التصريح به بعد كما سبق؟
* * *
وإلى أن يظهر لنا في الأفق القريب علامات تشير إلى: لماذا؟ وكيف؟ سيكون علينا الرجوع إلى العام 1956م، حيث سنرى ثلاثة آلاف عالم مصري في جميع المجالات، جمعهم القلق والخوف الشديد على سيناء بعد حرب 1956م، وسيلتفون حول عالم كبير وشخصية وطنية وقومية من الطراز الرفيع، أ.د. عبد الفتاح إسماعيل، أستاذ الكيمياء وسكرتير عام المجلس الأعلى للعلوم الذي أنشئ في نفس السنة لتقديم المشورة للدولة في كل شأن من الشئون العلمية.
الحاصل أن الرجل الكبير وبعد أن أنهى مشروعه القومي الكبير (موسوعة سيناء) الذي استمر العمل فيه 4 سنوات، وقام فيه بعملية مسح شاملة لجميع جوانب الحياة في سيناء: الجغرافيا والتاريخ والسكان الجيولوجيا والمناخ ومصادر المياه والزراعة والبترول والتعدين والمواصلات.. الخ ، كتب تقريرا استراتيجيا هاما، تحدث فيه عن "الضرورة الحتمية" لتعمير سيناء، وملئها بالمدن والعمران والتعمير والبشر لتكون حاجزا يحول بين مصر وإسرائيل، ويمنع إسرائيل من العربدة، في هذه المنطقة الخالية من السكان (وهو ما سيحدث بعدها بسنوات قليلة)!!
* * *
هل سيكون "تعمير سيناء" وملؤها بالبشر والشجر والحجر، هو أحد البركات المؤجلة لـ"طوفان الأقصى"
الموسوعة كانت لدى حاكم مصر سنة 1960م قبل حرب 1967م واحتلال سيناء بسبع سنوات، وهي السنوات التي كانت كفيلة بنقل سيناء من مفهوم "الفراغ القلق" إلى مفهوم "العمران الاستراتيجي".
وهو مفهوم واسع ومتعدد المنافع، سواء ما يتعلق منه بسيناء نفسها، أوما يتعلق بوادي النيل وتكدس البشر حوله والذي سيزداد يوما بعد يوم، ليُصنع منه تهديدا وهميا اسمه (الزيادة السكانية) التي هي بحقيقة العمران والحضارة تٌعرف بـ"الثروة بشرية".
د. عبد الفتاح إسماعيل رحمه الله (ت: 1972م) شعر وقتها أن هناك في الأمور أمور، وأن تجاهل خطر استراتيجي بهذا الحجم وراءه أسرار تُلجِم من يتحدث عن هكذا أخطار، وككل رجالات مصر الكبار، وفي هذه الحقبة الأليمة التزم الصمت وتنحّى جانبا، لأن قسوة الحاكم وقتها كانت بما لا يُوصف ولا يُحتمل..
سيحدثنا أيضا عن أقوى الأصوات بل وأحقها بالتحدث، جمال حمدان (ت: 1993م)، صاحب الشهرة العريضة في علم جغرافيا الوجود الاستراتيجي الشامل، ليقول لنا بتعبيراته الجامعة المانعة كثيفة المعنى: من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول، ومن يسيطر على سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير.
ويضيف: تذكروا أنه كان هناك دائما عدو، يطمع فيها بصورة ما؛ بالضم، بالعزل.. قال ذلك رحمه الله في كتابه الخطير "سيناء في الاستراتيجيا والسياسة والجغرافيا" الذي صدر عن دار الهلال سنة 1993م.
فهل سيكون "تعمير سيناء" وملؤها بالبشر والشجر والحجر، هو أحد البركات المؤجلة لـ"طوفان الأقصى".. وبعد أن أصبح بينها وبين الخطر محطة واحدة؟
x.com/helhamamy
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر فلسطين غزة تهجير مصر فلسطين غزة تهجير مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أهل غزة بعد أن
إقرأ أيضاً:
من الذي اشعل حريق اليوم في مطار بيروت ..!
الجديد برس|
أكدت وسائل إعلام لبنانية، اليوم الاحد، ان حريقاً اندلع اليوم الأحد، في مطار بيروت الدولي، وقد سارعت فرق الإطفاء إلى إخماده.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو للدخان داخل مبنى المطار.
وكشف اعلام محلي أن الحريق اندلع إثر قيام أحد الركاب بحرق أريكة في مكتب الترحيل التابع للأمن العام، احتجاجاً على اتخاذ قرار بترحيله.
من جهتها، أعلنت إدارة المطار أن الحريق اندلع في قسم الترحيل في المطار. وأوضحت أنه تمت السيطرة عليه، مضيفة أن المطار يعمل بشكل طبيعي.
وأحيل هذا الراكب إلى مكتب الترحيل مباشرة بعد وصوله إلى المطار، بسبب مخالفته للقوانين والتدخين على متن الطائرة التي كان قادماً على متنها.