سالم البادي (أبومعن)

شاهد العالم السيل البشري المُتدفق من جنوب قطاع غزة إلى وسطه وشماله، بعد فترة نزوح تجاوز عمرها 15 شهرًا، لتبدأ رحلة جديدة من المعاناة خلفتها آلة التدمير الصهيونية الشعواء التي قضت على كل مقومات الحياة بالقطاع.

وما زالت غزة الأبية الشامخة الصامدة تكشف للعالم حقيقة العدو الصهيوني المحتل؛ إذ أثبتت أن عودة النازحين إلى بيوتهم المدمرة مجددًا هو فشل الاحتلال الصهيوني في تحقيق أهدافه العدوانية بتهجير شعب بأكمله وكسر إرادة الصمود لديه.

لقد رسمت غزة العزة لوحتها الأسطورية، فما زالت أشجار الزينون تُثمر وسط حقول الألغامِ الذي زرعها العدو الصهيوني.

أثبتت غزة أن كل محاولات القهر والذل والهوان، وكافة أنواع القمع ما هي إلا تحدٍ ضئيل لصمود وترابط شعبها، فما زال شبابها يؤمن ويطمح لغدٍ أفضل ومشرق، وما زالت نساؤها ولادة وتنجب الكثيرَ من الأبطال البواسل.

لم ولن ينسى هذا الشعبُ حقه في العودة يومًا ما.. وسيقهر هذا الشعب الأعداء وسيحرر وطنه وقدسه الشريف بعزيمة وإرادة وإصرار أبنائه المخلصين.

غزة وبعد نحو 35 عامًا من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 ولا تزال حتى يومنا هذا تعطي لشعوب العالم دروسًا في الصمود والثبات والرباط والكفاح، والمقاومة المُكلَّلة بالعزة والكرامة، المُدجَّجة بالإيمان الصادق وحده سلاحًا فتيًا ثائرًا في وجه الصهاينة وجرائمهم اللاأخلاقية ومشروعهم الوجودي في أرض فلسطين الحبيبة، في "غزة هاشم" وأرض الأنبياء، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، الأرض المباركة، كما جاء وصفها في القرآن الكريم في سورة الإسراء في قوله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ".

إبَّان الانتفاضة الأولى التي سُمِّيَت بـ"انتفاضة الحجارة" علَّم أطفال غزة العالم معنى أن يرضع الوليد من ثدي المقاومة، وأن يسري في عروقه معنى الشهادة، وأن ينشأ في حضن القضية الفلسطينية، ليشبّ شهيدا يسير على درب التحرير.

ورغم تخاذل وتقاعس إخوة الدين والعروبة لنصرة إخوتهم في قطاع غزة وتكالب قوى الشر والطغيان عليها، ورغم الصمت المخزي الذليل للمجتمع الدولي على مدى خمسة عشر شهرا ونيف، فإنَّ أبناء غزة لقنوا أعداءهم دروسًا في التصدي والثبات والرباط والكفاح، فبات أبناء غزة مضربًا للصلابة والصمود وعنفوان ارواحهم. استطاع أبناء غزة وأطفالها أن يقاوموا جيشًا مجهزًا بأفضل ترسانة حربية وأكثرها تطورا بقلوب من حجارة، تصدح على أغصان الحرية، مناشدة ما تبقّى من نخوة عربية طال سُباتها وغيابها وصمتها وخذلانها وتقاعسها.

الامة العربية في سبات عميق، وذوو العزم والقوة والشدة منهم مقيدون مكبلون، وأبناء العروبة غارقون في وحول تركها لهم الاستعمار الذي استولى على عقولهم وأوطانهم، وشتت أذهانهم وفرّق أهدافهم، وشوّه فكرة الانتماء لديهم، وحَدَّ جذورها، وغيب هويته الدينية والوطنية والقومية.

لم يقتصر الأمر على خذلان بعض الإخوة العرب عن دعم أهل غزة ومساندتهم لإيقاف المجازر اليومية والإبادة الجماعية؛ بل تعداه إلى التطبيع مع العدو والوقوف في صفه، وتوقيع الاتفاقيات التجارية وتبادل المصالح معه، وكأن دعم القوى العالمية له لم يكن كافيًا!

اليوم نرى فجور العالم صارخًا في وجه الإنسانية التي يصوغها، كما يحلو له وبما يخدم مصالحه وأهدافه!

لقد أدارَ العالم بأجمعه ظهره لغزة وأهلها، لقد اتفقوا جميعا وتربصوا بها، وتعاونوا على تدميرها وسفك دماء شعبها الزكية وزهق ارواحهم الطاهرة، وسعوا الى تجويع شعبها وتهجيره وابادته بالترسانة الحربية الصهيوأمريكية الغربية.

إنّ غزة أنجبت ابطالًا مجاهدين مناصرين لقضيتهم الفلسطينية صامدين مدافعين حتى تحرير وطنهم من هؤلاء الصهاينة، الذين وصلت بهم الوقاحة الى التخطيط لتهجير وطرد اصحاب الأرض، حتى جاءهم "طوفان الأقصى" الذي صنعه من كانوا تلاميذ غزة بالأمس، فصاروا أبطال الدنيا اليوم، فأفشلوا مخططهم ومكرهم، وشكلوا علامة فارقة في النضال العسكري الفلسطيني على مدى سبعة قرون، الذي قد يراه البعض عملًا جنونيًا في عصر العقل السياسي الجبان والعقلانية الخانعة المخاتلة، فاغترفت المقاومة الفلسطينية من نهر الجنون الذي يصنع الكرامة والإباء والكبرياء، والذي سيعيد حق الوجود على الأرض بعد أن ضيّعها العملاء الفاسدون المتخاذلون المتآمرون على مدى عقود.

فيا غزة علميهم معنى الإنسانية والسعي نحو الحرية، ويا شعب غزة علموا العالم بعض ما عندكم من رجولة وبسالة وشجاعة وصمود، علموا العالم معنى الفداء، علموا شعوب العالم بطولات الأطفال والنساء، علموا العالم حتى يصبح فيه ذرة من كبرياء ومرؤة ونخوة وكرامه ورحمة إنسانية.

علميهم يا غزة معنى التوكل على الله، علميهم معنى الصبر والصمود والثبات والرباط والكفاح والجهاد، علميهم معنى العقيدة التي لا غبش فيها ولا تنظير، علميهم كيف نسلم امرنا لله ونحسن الظن به، علميهم يا غزة.. فإنهم جاهلون! علميهم أن قضيتكِ ليست قضية العرب فحسب، بل إنها قضية كل مسلم وكل إنسان حُر!

ومن علامات النصر أن أصبحت غزة في هذه الأيام حديث العالم؛ بل صارت تلقّن الدروس للقريب والبعيد، للقاصي والداني واعادت قضيتها الى الواجهة وكشفت صورة الكيان الصهيوني وحقيقته الظالمة وجرائمه الوحشية ونيته السيئة للعالم.

فيا غزة العزة ويا غزة الصمود ويا غزة الإباء، أريهم وأسمعيهم! علميهم أن السبيل الوحيد الأقوم مع هذا العدو الصهيوني ليس اتفاقيات هدنة ولا مفاوضات ومبادرات ولا هي سياسة تطبيع ولا سلام!!  إنما السبيل هو المقاومة والجهاد حتى التحرير.

لقد أسمعت لو ناديت حيا // ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نارًا نفخت بها أضاءت // ولكن أنت تنفخ في رمادِ

علميهم يا غزة أن من لا ينتصر على نفسه وشيطانه لا ينتصر في المعارك، فإن بداية النصر هي في التغيير الداخلي للإنسان، يقول تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد: 11).

اللهم أنزل على إخوتنا في قطاع غزة من الصبر والنصر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، اللهم أشدد وطأتك على اليهود المعتدين وأذقْهم بأسك الشديد يا قوي يا متين.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عائلات الأسرى الصهاينة: نتنياهو هو العقبة أمام إعادة كل الأسرى

الثورة نت|

أكدت عائلات الأسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم السبت، أن ما يسمى رئيس العدو بنيامين نتنياهو يسعى لتبرير العملية العسكرية التي يشنها ضد غزة، وينسى أنها تسببت في قتل (41) رهينة “إسرائيلية”.

وقالت عائلات الأسرى ، في بيان: إن “نتنياهو هو العقبة أمام إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، ومصلحة “إسرائيل” هي إنهاء الحرب وإعادة كل الاسرى”.

وأضافت: أن “نتنياهو يسعى لإنقاذ نفسه لا المختطفين”، مطالبةَ “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالضغط عليه لوقف الحرب”.

ولليوم ال20 على التوالي، يشن جيش العدو عدوانًا على قطاع غزة، بعد انتهاكه اتفاق وقف إطلاق النار، حيث استشهد خلال هذه الفترة أكثر من 1300 شهيد وآلاف الاصابات.

الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، قال، أمس، في تغريدة له: إن “نصف أسرى العدو الأحياء يتواجدون في مناطق طلب جيش العدو إخلاءها في الأيام الأخيرة، وإذا كان العدو معنياً بحياة هؤلاء الأسرى فعليه التفاوض فوراً من أجل إجلائهم أو الإفراج عنهم، وقد أعذر من أنذر”.

مقالات مشابهة

  • مسيرات حاشدة من أبناء البحر الأحمر تتوجه إلى العريش دعمًا لفلسطين
  • مسيرات حاشدة في تونس تنديدا بجرائم العدو الصهيوني في غزة
  • التجمع يؤيد الإضراب العالمي للتضامن مع غزة.. ويدعو لمواصلة الضغط على الكيان الصهيوني
  • عبد الرزاق مقري: إنهاء المقاومة سيؤدي لتغوّل اليمين الصهيوني على العرب
  • عشرات المستوطنين الصهاينة يقتحمون المسجد الأقصى
  • مسيرات تستهدف مدينة الدبة شمالي السودان و سقوط قتلى و جرحى وسط المدنيين
  • رئيس الوزراء: امريكا ستخسر امام شعبنا الذي اذهل العالم
  • عائلات الأسرى الصهاينة: نتنياهو هو العقبة أمام إعادة كل الأسرى
  • عائلات الأسرى الصهاينة: نتنياهو يسعى لإنقاذ نفسه وهو العقبة أمام إعادة كل الرهائن
  • بكري حسن صالح .. الرجل الذي أخذ معنى الإنسانية بحقها