جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-22@19:38:38 GMT

الجاذبية الأرضية ليست حقيقة علمية

تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT

الجاذبية الأرضية ليست حقيقة علمية

 

 

علوم الطبيعة.. حقائق ثابتة أم فرضيات متغيرة؟ (3)**

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

 

ذكرنا في حديثنا السابق أن التجارب العلمية التي ينطلق منها العلماء في تفسير الظاهرة الطبيعية لا بُد وأن تكون حقائق علمية لا يختلف عليها أحد من العلماء، وأن نتائجها صحيحة وغير مشكوك فيها، لكن من المهم التفريق بين نوعين من التجارب؛ فهناك تجارب يتم فيها رصد الظاهرة مباشرة، وتجارب أخرى يتم فيها رصد أثر من آثار الظاهرة.

التجارب التي تُثبت وجود الإلكترون لا تقوم برصد الإلكترون مباشرة؛ بل غاية ما تقوم به هو رصد بعض آثاره المتوقعة، وعلى الرغم من كثرة تلك التجارب وقوة الأدلة الداعمة لوجود جسيم بمواصفات الإلكترون، إلّا أن جميع تلك التجارب غير مباشرة، فنحن لا يُمكننا رصد جسيم الإلكترون مباشرة، كما نرصد القمر مثلًا أو الثقب الأسود؛ بل غاية ما نستطيع أن نقوم به أن نرصد آثاره، ومن هنا فلا يُعد الإلكترون حقيقة علمية بناءً على التعريف الذي طرحناه، وهكذا الحال مع الجسيمات التي تتعامل معها فيزياء الجسيمات.

وقد يتساءل البعض حول بعض النصوص الدينية الواردة والتي قد تحتوي على مواضيع لها صلة قوية بعلوم الطبيعة، كأن تطرح آراء علمية حول كيفية نشأة الكون، لا من حيث أبعاده الغيبية؛ بل المادية، فتتحدث عن مراحل تشكُّل الكون وحدوثه وكيف نشأت الشمس والقمر والنجوم وغيرها من الأجرام السماوية. وقد تتناول أيضًا مواضيع مرتبطة بكيفية نشأة الحياة على كوكب الأرض وهكذا الحال مع الإنسان، فتذكر تفاصيل خلق الإنسان الأول. فهل هذه النصوص الدينية تعد مصدرًا مُعترفًا به في علوم الطبيعة، أم أنَّ هذه النصوص لا يؤخذ بها في علوم الطبيعة؟

المتخصصون في علوم الطبيعة لا يقرُّون بما تطرحه هذه النصوص ما لم تثبت صحة ما يتم طرحه بالتجربة العملية، فإذا أراد أحد من أصحاب الديانات إثبات صحة ما ورد في نص من النصوص فعليه إثبات ذلك بالمنهج التجريبي.

الخلاصة التي توصلنا إليها أن التجربة العلمية التي تكشف لنا عن الحقيقة العلمية هي التي تسمح لنا بالكشف عن الظاهرة الطبيعية بصورة مباشرة أي يمكننا رؤيتها مثلًا، وأن هذه التجربة يمكن تكرارها والحصول على ذات النتائج، وبذلك فإنَّ التجارب العلمية ونتائجها تمثل حقائق علمية لا يشك في صحتها، الّا أن حقيقة التجربة العلمية لا يعني أن هناك اتفاقًا على تفسير النتائج والاستنتاجات من هذه التجارب، فلا ضرورة ولا تلازم بين وحدة البيانات ونتائج التجربة وبين وحدة تفسير البيانات الناتجة من التجربة؛ بل يمكن أن يختلف العلماء فيما بينهم في تفسير هذه البيانات، وهذا ما يحدث في كثير من الأحيان، عندما يَعرِض المريض فحوصاته الطبية على طبيبين مختصين في نفس المجال، لكن يلاحظ أنه وبرغم أنهما قاما بمعاينة نفس الفحوصات، لكنهما توصلا إلى نتائج مختلفة. فلماذا يحدث ذلك؟ وما السر فيه؟

الواقع أن التفسير الذي يطرحه الطبيب أو العالم لا يعتمد إطلاقًا على البيانات التي أمامه فقط؛ بل تلعب الخبرات المتراكمة والتجارب المختلفة والمتابعات العلمية، والبيئة والتربية والمحيط الذي نشأ فيها العالم وترعرع دورًا مُهمًا في توجيه تفسيره، ومن هنا لا يعد تفسيره لنتائج التجربة العلمية حقيقة علمية بل لا يمكن للرأي الشخصي والفهم البشري للبيانات ونتائج التجارب أن يتحول الى حقائق علمية، فعادة الرأي العلمي لا يعتمد على نتائج التجارب وحدها؛ بل تؤدي شخصية العالم ومحيطه دورًا في تفسيرها.

وهذا التفريق بين الحقيقة العلمية وبين التفسير أو النظرية العلمية له أهمية كبيرة في إزالة الخلط الحاصل عند الكثيرين، فتراهم يقولون إن الحقائق العلمية كلها ظنون ولا يقر لها قرار فتارة يقول إن تناول الطعام الفلاني مفيد وبعد فترة تنقلب الآية ويقال إنه مضر وهكذا. فما الذي تغير في الموضوع؟

إن الذي تغيُّر في الموضوع ليست نتائج التجارب والتي نُطلق عليها الحقيقة العلمية، إنّما تغيُّر تفسيرها فقط، فمثلًا في هذه الأيام اعتبرت بعض الجهات العلمية أن السكريات المصنعة كمادة الأسبرتام مادة مسرطنة بينما ترى جهات علمية أخرى أنها آمنة، على الرغم من أنهما يعتمدان ويرجعان الى نفس البيانات والتجارب، فهم متفقون على صحة التجارب والبيانات الناتجة ولكنهم مختلفون في تفسير هذه البيانات والاستنتاجات المنبثقة من التفسير.

وهناك مفاهيم تنتزع وتستخدم لتفسير الظاهرة العلمية، ونظرا لكثرة أدلتها الداعمة، فإن البعض يعتبرها حقائق العلمية مع إنها ليست كذلك فمهوم الحقول المغناطيسية ومفهوم الجاذبية الأرضية، هي مفاهيم استخدمت لتفسير الظواهر العلمية، وهذه التفسيرات العلمية لا يمكن عدها حقائق علمية، فهي ليست ظواهر علمية يمكننا الكشف عنها مباشرة أو رصدها عبر الحواس، وانما نقوم باستخدامها لتفسير التجارب العلمية، ولهذا فإن هذه المفاهيم قد تتغير بظهور ظواهر طبيعية جديدة نعجز عن تفسيرها باستخدام التفسير القديم كما حدث مع مفهوم الجاذبية في قوانين نيوتن والذي استبدل بمفهوم مغاير في النظرية النسبية

إنَّ التفريق بين الحقيقة العلمية وتفسير العلماء له أهمية كبيرة فربما يتغير التفسير مع الأيام عندما يقوم عالم آخر بتحليل تلك البيانات والتجارب، بينما تبقى نتائج التجربة والحقيقة العلمية ثابتة لا تتغير.

***********

 

** سلسلة من المقالات العلمية تتناول علوم الطبيعة، وتجيب على أسئلة ما إذا كانت هذه العلوم مجموعة من الحقائق التي لا يعتريها شك ولا شبهة، أم أنها محض ظنون لا يقر لها قرار وتتغير بتغير الزمان؟

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تكريم 119 طالبا بجائزة «أوميفكو» للإجادة العلمية

احتفلت المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة جنوب الشرقية اليوم بتوزيع جوائز "أوميفكو" للإجادة العلمية، وذلك تكريماً للطلبة المتفوقين دراسيًا للعام الدراسي 2023/2024، وذلك للعام التاسع على التوالي، وبمشاركة ودعم من شركة "أوميفكو". أقيم الحفل في قاعة جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصور، تحت رعاية صاحبة السمو السيدة الدكتورة منى بنت فهد آل سعيد، مساعد رئيس جامعة السلطان قابوس للتعاون الدولي ورئيسة مجلس إدارة جمعية الأطفال.

شمل التكريم 119 طالبًا وطالبة من مختلف ولايات المحافظة، تم تكريمهم عن نتائجهم المتميزة في دبلوم التعليم العام، بالإضافة إلى الطلبة المجيدين في الصفوف من الخامس إلى الحادي عشر، سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة، بالإضافة إلى الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة (سمعي)، والطلاب الحاصلين على معدل 90% فأكثر.

تهدف جائزة "أوميفكو" للإجادة العلمية إلى تعزيز روح التنافس بين المدارس في مجال التحصيل العلمي، وتشجيع المؤسسات التعليمية على العناية بالطلبة وتحفيزهم على تحسين أدائهم الدراسي. كما تساهم الجائزة في تحفيز المعلمين على استخدام وسائل وأدوات تربوية مبتكرة، وتحث الطلاب على التفاعل مع المناهج الدراسية بشكل يعزز التفكير النقدي والتعلم الفاعل.

أوضح عبدالله بن علي الفوري، مدير عام المديرية العامة للتربية والتعليم، أن المديرية تعمل على تنفيذ خططها التربوية بدقة، وبالتعاون مع القطاع الخاص. وأشار إلى دعم شركة "أوميفكو" المستمر لمشاريع المدارس في توفير تقنيات تعليمية حديثة، من مظلات، وساحات انتظار، فضلاً عن تحسين البيئة المدرسية بشكل عام.

من جهته، أشار قاسم بن محمد البلوشي، المدير الاستراتيجي للاستثمار الاجتماعي بشركة "أوميفكو"، إلى أن الشركة تسهم في رفع مستوى الجودة التعليمية والابتكار من خلال دعم المبادرات التي تعزز التحصيل الدراسي والابتكار. كما تقدم "أوميفكو" سنويًا منحًا دراسية، إضافة إلى دعمها لمشاريع إدخال التقنيات المتقدمة في المدارس.

وفي ختام الحفل، تم تكريم المدارس الفائزة على مستوى الفئات المختلفة. وفي فئة مدارس الذكور، حصلت مدرسة الإمام عبد الملك بن حميد للبنين (الصفوف 11-12) على المركز الأول، تلتها مدرسة السلطان قابوس للبنين (الصفوف 12-9) في المركز الثاني، بينما حصلت مدرسة أحمد بن ماجد للبنين (الصفوف 12-10) على المركز الثالث.

أما في فئة مدارس الإناث، فقد حصلت مدرسة لبابة بنت الحارث للبنات (الصفوف 12-9) على المركز الأول، فيما جاءت مدرسة بلاد بني بو حسن للبنات (الصفوف 12-10) في المركز الثاني، وحصلت مدرسة بلاد بني بو علي للبنات (الصفوف 12-11) على المركز الثالث.

جدير بالذكر، أن جائزة "أوميفكو" للإجادة العلمية تعد خطوة هامة في تعزيز التعليم وتحفيز الطلبة على التفوق، حيث تسهم في بناء جيل قادر على مواكبة تطورات المستقبل والمساهمة الفاعلة في تنمية المجتمع العماني.

مقالات مشابهة

  • تكريم 119 طالبا بجائزة «أوميفكو» للإجادة العلمية
  • «التومي» يوجّه بإخلاء المنازل المتضررة بسبب التشققات الأرضية في اسبيعة
  • رسالة تهديد إسرائيليّة مباشرة لـحزب الله.. هذا ما تضمنته
  • عمالقة التكنولوجيا يوسعون الاعتماد على الطاقة الحرارية الأرضية
  • “ديوا سات – 1” يرسل 2,690 ميجابايت من البيانات المتعلقة بعمل الهيئة إلى المحطة الأرضية
  • من سوريا للسودان وبالعكس
  • في الحاجة لاستلهام دروس المصالحة وبناء الاجتماع السياسي في التجارب الإنسانية
  • هل حان وقت التخلص من السكر؟ حقائق قد تغير حياتك
  • ما هي عقوبة تزوير الشهادات العلمية في الإمارات؟
  • تجارب الحياة.. ليست عبئًا