حمد الناصري

يُحكى أنّ أسرة يونانية ثرية في القرن الرابع قبل الميلاد رُزقت بطفلة أسموها أغنوديس، وترعرعت تلك الطفلة في أثينا؛ حيث ظهر عندها الشغف بالعمل في مُعالجة النَّاس والتخفيف عنهم لتكبر وتصبح طبيبة وقابلة لتوليد النساء، وسَعتْ لتخليص النساء من مُعاناتهن وآلام المخاض والولادة والتعقيدات المُصاحبة لظروف الولادات الخطيرة وموت النساء بسبب الولادة.

ولانّ قصة أغنوديس مُثيرة وفيها عِدّة جوانب مُتناقضة إلى حد ما.. منها ما يتعلق خصوصاً بدراسة الطب في الإسكندرية "أثينا القديمة".

وهنا تتبادر أسئلة إلى أذهان مُتابعي تلك القصة وهي هل كانت هناك جامعات تُدرّس الطب في القرن الثالث والرابع قبل الميلاد؟ وإنْ كانت النساء مُنِعن من دراسة الطب "قابلة النساء تحديدًا" فمن الذي كان يُولّد النساء. وقتئذ؟

وكما يبدو من القصة، أنّ أغنوديس سَعت لدراسة طب النساء، المُختلف عن مهارات القابلة البسيطة أو الوَلاّدة في بعض المُجتمعات، وكانت دراسة الطب تختص بالرجال في المُعتقدات القديمة. لكنها سَعت بقوة وبشغف لتأخذ نصيباً من العِلْم.

وفي حكايتها أنها سمعت تأوّهات وِلادةٍ لامرأة، فحاولت مُساعدتها وتخليصها من الآلام والتخفيف من وجع الولادة، لكن المرأة رفضتها لظنّها أنها رجل، مِمّا دفع أغنوديس إلى خلع ملابسها لتري المرأة أنها امرأة مِثْلها في ثوب رجل. وخلع ملابسها أمام المرأة المريضة بالولادة هي رسالة طَمْأنة، بأنَّ المرأة لا يَعيق شغفها شيء ولا يحول بينها وبين غاياتها عائق؛ وأنها قادرة على كسر الحواجز المُصطنعة ضدها كأنثى، وأثبتت من خلال عملها لبقية النساء، أنّ العمل في مجال التوليد مُغامرة شيقة.

ورغم كل تلك المشاعر التي حملتها أغنوديس، إلا أنه حُكم عليها بالإعدام، ورغم ما أظهرته من شجاعة لإنقاذ امرأة من خطر مُحْدق بها كاد أنْ يُلقي بها في ظِلال الموت، واتّهمت بإغْواء المريضات بأنها أنثى بينما هي رجل، وقد واجهت مُحاكمتها بشجاعة، فأثْبتت للمحكمة أنها امرأة وليست رجلاً! لكنّ القُضاة تحدوا إثباتها بإصدار حُكم إعْدامها، بسبب مُمارسة الطب وخرقها للقانون الذي ينصّ على تحريم دراسة الطب ومُمارسته للإناث.

لكن نساء أثينا في ذلك الزمن البعيد، تعاطفن مع أغنوديس وضغطْن على المحكمة، خاصة زوجات القُضاة، وهددن بالانتحار في حالة تنفيذ حُكم الإعدام. وبذلك رُفعت عقوبة الإعدام عنها؛ مِمّا عزز ثقة نساء أثينا بقدرتهن على تولّي أصْعب المهام وكسر حاجز الخوف والرهبة لديهن آنذاك، وسُمح لهن لاحقاً بالعمل بالطب والتخصص في أمراض النساء.

لا نختلف في أنّ النساء أثْبتن نجاحهن وتمَيّزن عبر تاريخ نشأتهن إلى جانب الرجل، وقد ذُكِرن في الكتب السماوية وشرائع الأديان، وقد كرّم الإسلام المرأة بذكرها في القرآن الكريم وأشار إليها بقصص وأدوار عظيمة، سواء ما يتعلّق بالشغف والحُب أو بهدف إثْبات مكانتهن في المجتمع.

المرأة نبع الحنان وبنفس الوقت هي مُحَفّز العمل الدؤوب، خُلقت مع آدم، فكانت معه في الجنة وفي الأرض، وتساوتْ معه في الحقوق، وظلّت تبحث عنه، حين تفرّقا ولم تَفتر هِمّتها حتى الْتقيا في الأرض.

ومن عظيمات ديننا الحنيف في هذا المجال كانت رُفيدة الأسلمية الصحابية الجليلة؛ ففي غزوتي خيبر والخندق، اشتركت رُفيدة الأسلمية كأول طبيبة ومُمرضة في الإسلام، وأذن لها النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بمُمارسة التمريض وأمر بنصب خيمة لها، داخل المسجد النبوي في المدينة المنورة لرعاية المرضى من الرجال وتدريب المُسْلِمات على علاج المرضى.

الخلاصة.. تلك القصص الغريبة والمُثيرة دلّت وتدل على قُدرة المرأة وتحمّلها المسؤوليات إلى جانب الرجل، دون أنْ يَطلب منها أحد وعلى مرّ العصور. ولم يَقتصر عمل الطب في عالمنا اليوم على الرجل وحده بل شاركته المرأة في أغلب تقسيماته وتخصصاته بكفاءة ومهارة عاليتين كما شاركته الوظائف والأعمال الأخرى وتبوأت مَناصب ومسؤوليات كبيرة ومُهمة، فصارت المهندسة والطبيبة والمُحامية والمُعلمة التربوية والعالمة الفقيهة والباحثة في العلوم الإنسانية. والمرأة الفاضلة مُربية الأجيال وربّة البيت الماجدة المُلتزمة بقيمها ومكانتها، ومُربية لأولادها وراعية لهم، ومَصدر السعادة والبهجة، وهي مَدرسة حقيقية لحياة مُتكاملة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تقرير عالمي صادم يكشف عدد النساء اللواتي تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي

كشفت منظمة الصحة العالمية، أن سيدة من بين كل 3 نساء تعرضت للعنف الجسدي أو العنف الجنسي خلال حياتهن على مستوى العالم، مفصحا عن أرقام هائلة في هذا الموصوع.

وقالت المنظمة، إن نحو 840 مليون امرأة عالميا، تعرضت للعنف الجسدي أو الجنسي وهو رقم لم يتغير تقريبا منذ عام 2000، وهو ما عدته واحدة من أكثر أزمات حقوق الإنسان إلحاحا وتهميشا على مستوى العالم، مع تسجيل تقدم ضئيل للغاية على مدى العقدين الماضيين.

وأفادت بيانات التقرير الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية وشركائها في الأمم المتحدة في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، أن الأشهر الـ12 الماضية سجلت تعرض 316 مليون امرأة للعنف الجسدي أو الجنسي من قبل شريك حميم، وهو ما يمثل 11بالمئة من النساء اللائي تبلغ أعمارهن 15 عاما أو أكثر.


كما ويكشف التقرير للمرة الأولى عن تقديرات حول العنف الجنسي الممارس من قبل غير الشركاء، حيث تعرضت 263 مليون امرأة للعنف الجنسي من غير الشريك منذ سن الخامسة عشرة، فيما يشدد الخبراء على أن العدد الفعلي يفوق هذا الرقم بكثير بسبب نقص الإبلاغ الناتج عن الخوف والوصمة الاجتماعية.

وصرح الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، بأن "العنف ضد المرأة يمثل أحد أقدم المظالم وأكثرها انتشارا في تاريخ البشرية، إلا أنه ما يزال من أقل القضايا تحركا"، وأضاف: "لا يمكن لمجتمع أن يوصف بالعدالة أو الأمان أو الصحة طالما أن نصف سكانه يعيشون في خوف"، مؤكدًا أن إنهاء هذا العنف ليس مجرد مسألة سياسات، بل هو قضية كرامة ومساواة وحقوق إنسان.

New @WHO estimates reveal that 840 million women have faced violence at least once in their lifetime, including 263 million who are survivors of sexual violence.

These alarming numbers have remained unchanged for 20 years.

This is unacceptable.

As a father of a young woman… pic.twitter.com/bk9HLybxxd — Tedros Adhanom Ghebreyesus (@DrTedros) November 19, 2025
ويحذر التقرير من العواقب الوخيمة للعنف ضد المرأة، والتي تتراوح بين حالات الحمل غير المقصود وزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والأمراض المنقولة جنسيا، كما يؤكد أن دائرة العنف تبدأ مبكرا في حياة المرأة، حيث تعرضت 12.5 مليون فتاة مراهقة تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاما للعنف الجسدي أو الجنسي من شركائهن خلال العام الماضي وحده، وتتفاوت معدلات العنف بين المناطق المختلفة، حيث سجلت منطقة أوقيانوسيا (باستثناء أستراليا ونيوزيلندا) أعلى النسب بمعدل 38 بالمئة، أي ما يزيد عن ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي.

ويدعو التقرير إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لتسريع التقدم العالمي، تشمل تعزيز برامج الوقاية المبنية على الأدلة، وتحسين الخدمات المركزة حول الناجيات، والاستثمار في أنظمة البيانات لتحديد الفئات الأكثر عرضة للخطر، وإنفاذ القوانين والسياسات التي تدعم تمكين النساء والفتيات، كما صاحب التقرير إطلاق الإصدار الثاني من تقرير "احترم المرأة: منع العنف ضد المرأة"، الذي يقدم إرشادات محدثة لمنع العنف، بما في ذلك في السياقات الإنسانية، وجاء فيه: "لا مجال لمزيد من الصمت أو التقاعس. إننا بحاجة إلى التزام قوي وإجراءات فورية من القادة لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات".


وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة، يسجل التقرير بعض النماذج الإيجابية في دول أظهرت التزاما سياسيا حقيقيا. ففي كمبوديا، يجري تنفيذ مشروع وطني شامل لتحديث تشريعات العنف المنزلي وتحسين جودة الخدمات المقدمة للناجيات، كما طورت عدة دول بما فيها الإكوادور وليبيريا وترينيداد وتوباغو وأوغندا خطط عمل وطنية محددة التمويل لمعالجة هذه القضية.

وفي ظل تزايد الاحتياجات، تواجه جهود مكافحة العنف ضد المرأة تحديات كبيرة على صعيد التمويل. ففي عام 2022، لم يحصل سوى 0.2 بالمئة من إجمالي المساعدة الإنمائية العالمية على البرامج الموجهة لمنع العنف ضد المرأة، مع استمرار انخفاض التمويل خلال العام 2023.

مقالات مشابهة

  • نشرة تكشف دور التأمين في تمكين المرأة وسط صدام مخاطر المناخ
  • حملة (الـ 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة) لا تكفي النساء في السودان
  • القوامة في مهب الريح| استشارية أسرية تفضح الضغوط الاقتصادية على الزوجات
  • خبيرة اجتماعية: بعض النساء يهربن للعمل بحثًا عن ذاتهن لا بحثًا عن المال
  • استشارية: التغيرات الاجتماعية والاقتصادية فرضت على بعض النساء الخروج للعمل
  • خبيرة أسرية: دور المرأة وفق الطبيعة والأصل الاجتماعي رعاية الأطفال وإدارة شؤون البيت
  • كل 7 ساعات هناك امرأة تتعرض للقتل أو لمحاولة قتل في فرنسا
  • بين الخوف ورغبة النجاة.. أسباب استمرار النساء في زيجات مسيئة
  • تقرير عالمي صادم يكشف عدد النساء اللواتي تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي
  • الأمم المتحدة: الذكاء الاصطناعي وإخفاء الهوية يغذيان تصاعد العنف الرقمي ضد المرأة