مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «14»
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
.. ثمَّة أيضًا، فـي عطف على ما ورد فـي الحلقة السابقة، إصدار غير أكاديمي آخر فـي الموضوع يعود لِعَزَّة علي عِزَّت، وينبغي القول بصورة واضحة أن هذا الكتاب يلامس بصورة تكاد تكون «أكروباتيَّة» عددًا هائلًا يبعث على الدُّوار من الثِّيمات المتعلِّقة بتمثيلات (representations) العربي فـي عدد من موضوعات الدراسة فـي مصادر غربيَّة وغير غربيَّة: صورة العربي فـي الرِّوايات، وفـي البحوث الاقتصاديَّة والسياسيَّة، وفـي أدب الأطفال، وفـي «الميديا»، وفـي السِّينما وبقيَّة الفنون، فـي فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتَّحدة، والولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، والهند، وإيران.
وكما هو الحال فـي الأدبيَّات العربيَّة الخاصَّة بالموضوع، فإن هناك كتابات غير أكاديميَّة منشورة على نطاق محدود بالإنجليزيَّة تأتي من قبيل النِّداء فـي البريَّة دعوةً للآخرين من أجل التأمل والتَّفكر فـي أن هناك مشكلة تتعلق بعدد كبير من الأناس المنتمين إلى قوميَّة وديانة معينتين من المواطنين والمقيمين فـي الولايات المتحدة الأمريكيَّة نفسها، وبدرجة قد تكون أكثر إلحاحًا يتعلق الأمر بثقافات وشعوب كاملة فـي الغالبية العظمى من بلدان ما يسمى بـ«الشَّرق الأوسط» (وأحيانًا «الشَّرق الأدنى»). ومن تلك الأدبيَّات كرَّاسة مكوَّنة من تسع وثلاثين صفحة بتأليف لورَنس مِتِشلاك Laurence Michalak (3). وكذلك كرَّاسة مماثلة أصدرتها سُهى صبَّاغ Suha Sabbagh (4). يضاف إلى هذا أيضًا إصدار من تحرير إدمُند غريب Edmund Ghareeb (5). وهناك أيضًا جسمٌ ذو تراكم محدود من البحوث الأكاديميَّة وغير الأكاديميَّة حول تمثيلات (representations) العربي فـي «الميديا» الأمريكيَّة على وجه العموم، ومن الأمثلة اللافتة والجديرة بالذِّكر فـي هذا السِّياق عمل عصام سليمان موسىIssam Suleiman Mousa الذي كان أطروحة لنيل درجة الدكتوراة فـي الأصل (6)، كما تجدر الإشارة المستحقَّة أيضًا إلى إصدار مايكل دبليو سليمان Michael W. Suleiman (7).
أما على صعيد تمثيلات (representations) العرب فـي مقابل تمثيلات (representations) «الإسرائيليين» فـي الصحافة الأمريكية، وهذا أيضًا من الموضوعات التي تعاني من شُحِّ الاهتمام إن فـي بلدان الوطن العربي أو فـي الولايات المتحدة الأمريكيَّة على حد سواء، فإن الدِّراسة التي أجرتها ناديا سالم ينبغي أن تُذكر (8)، كما أنه يحدث أن يصادف المرء، بين حين وآخر، دراسات متعلقة بالموضوع فـي بعض الدَّوريات الأكاديميَّة غير السينمائيَّة الصادرة بالإنجليزيَّة، والصِّفة الغالبة لهذا النوع من الدِّراسات حسن نواياها وجهودها المخلصة وافتقارها إلى الأدوات المنهجيَّة الخاصَّة، ضمن وجودها المُشَتَّت فـي عدد كبير من السِّياقات النقديَّة التي تتعامل مع الغيريَّة (otherness) بصورة عامة، وذلك مثل بحث إل كارل براون L. Carl Brown (9). وعلى وجه الإجمال، فـي تلك الكتابات، والتي لا يفتقر بعضها إلى المنهجيَّة «البروكرستيزيَّة»، تستخدم تمثيلات (representations) العربي بطريقة منفعيَّة من حيث كونها أمثلة داعمة وإيضاحات متعدِّدة الاستعمالات تخدم بوصفها وسائل صغيرة لغايات كبيرة. وسأضيف إلى هذا أنه، فـي مناسبة واحدة على الأقل، أدلى كُتَّاب، ورجال أعمال، وصحفـيُّون، وساسة متقاعدون، وسفراء سابقين، بدلائهم فـي الأمور بصورة عامةَّ فـي نقاشات مؤتمر عقد فـي مدينة أُكسفُرد البريطانيَّة خلال الفترة من السابع إلى التاسع من يونيو 1988 برعاية المعهد الملكي للدراسات بين الدينيَّة، وقد حررتها سوزانة طربوش Susannah Tarbush (10).
لكن، وفـي هذا المشهد المجدب، توجد هناك أطروحة دكتوراة تتعامل مع صورة العربي فـي السِّينما الأمريكيَّة خلال فترة السينما الصَّامتة، وهي أطروحة عبدالمجيد حاجي Abdelmajid Hajji (11).
-------------------------------------
(1): عَزَّة علي عِزَّت، «صورة العربي فـي الغرب» (القاهرة: مصر العربيَّة للنَّشر والتوَّزيع، 1997).
(2): محمد رُضا، «هوليود والعرب» (المنامة: مطبوعات مهرجان البحرين السينمائي الأول، 2000).
(3): Laurence Michalak, Cruel and Unusual: Negative Images of Arabs in American Popular Culture (Washington, D. C.: The American-Arab Anti-Discrimination Committee, n. d.).
(4): Suha Sabbagh, Sex, Lies and Stereotypes: The Image of Arabs in American Popular Fiction (Washington, D. C.: The American-Arab Anti-Discrimination Committee Research Institute, 1990).
(5): Edmund Ghareeb, ed., The Portrayal of Arabs in the American Media (Washington, D. C.: The American-Arab Affairs Council, 1983).
(6): Issam Suleiman Mousa, The Arab Image in the US Press (New York: Peter Lang, 1984).
(7): Michael W. Suleiman, The Arabs in the Minds of America (Brattleboro: Amana Books, 1988).
(8): ناديا سالم، «صورة العرب والإسرائيليين فـي الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة» (القاهرة: دار المأمون للطِّباعة، 1978). تستمد هذه الدراسة أهميتها من حيث إنها تشكل بحثًا كميًّا يغطي تمثيلات (representations) العرب والـ«الإسرائيليين» فـي بعض من أشهر الصحف والمجلات الأمريكيَّة مثل New York Times، وNational Review، وNewsweek، وNew Republic، وذلك خلال الفترة من العام 1967 إلى العام1974، وهي مرحلة تستمد أهمية بحثها من كونها تغطي معظم المواجهات الحربيَّة الكبرى فـي الصِّراع العربي--«الإسرائيلي».
(9): L. Carl Brown “Movies and the Middle East,” Comparative Civilizations Review, double issue (no. 13, Fall 1985 & no. 14, Spring, 1986).
(10): Susannah Tarbush, The Arab Image in the West (Amman: Royal Institute for Inter-Faith Studies, 1998).
(11): Abdelmajid Hajji, “The Arab in American Silent Cinema: A Study of a Film Genre.” Diss. University of Kansas, 1993.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العربی فـی The American the American
إقرأ أيضاً:
الناقد الإيطالي آلدو نيقوسيا: أحاول أن أنقل السينما العربية لطلابي في قاعات الجامعة
* الرقيب نجيب محفوظ حذف مشاهد من "القاهرة 30"!
* صلاح أبوسيف أضاف مشاهد إثارة حتى يصرف نظر الرقيب عن رسائله السياسية
* السينما المصرية كانت من أهم مفاتيحي لفهم اللغة العربية والولع بها
يُعرَف الأكاديمي والمترجم الإيطالي الدكتور آلدو نيقوسيا بدفاعه القوي عن القضية الفلسطينية في الأوساط الأوروبية، وولعه بالأدب العربي، حيث ترجم عدة أعمال روائية عربية إلى الإيطالية، ومؤخراً أصدر كتابه الجديد "المثقفون والرقابة في السينما المصرية" (1952-1999)، حيث يتتبع فيه تاريخ المعارك بين السينمائيين والرقابة في مصر خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
آلدو المُحاضِر في اللغة العربية والأدب العربي الحديث بجامعة باري بإيطاليا حصل عام 2004 على درجة الدكتوراه، حيث ناقشت أطروحته دور الرقابة في السينما العربية من عام 1967 إلى عام 1999، وهو ما يعني أن الكتاب جزء من رسالته. يقول: "نعم.. هذا الكتاب هو إعادة صياغة لجزء من رسالتي للدكتوراه التي نوقشت في جامعة نابولي أورينتالي. في تلك الرسالة اخترت نماذج محددة من أفلام تساهم في تفكيك الخطابات السائدة وإزالة الأساطير عن التاريخ الوطني لمعظم الدول العربية. وفي هذا الكتاب اقتصرت على التجربة السينمائية المصرية على مدى نصف قرن تقريباً، من بداية العصر الجمهوري إلى مطلع القرن العشرين، وذلك بحكم تقاليدها الطويلة ووجود مثقفين وصناع سينما جعلوا من أفلامهم أسلحة لمعارضة أو مقاومة خطابات الحكومات والمعايير الموروثة للتقاليد الأخلاقية والدينية، وقد أضفت بطبيعة الحال مراجع جديدة، ومواد أخرى، وحذفت الفصول التي لم تحلل السينما المصرية، وأعطيت أفضلية لأي فيلم حاول أن يعبر بجرأة عن رسالة مضادة لإملاءات القوى القائمة، السياسية والدينية، خاصة بعد التجربة المريرة التي عاشتها الشعوب العربية في نكسة عام 1967، وهي أكبر صدمة في ضمير العالم العربي".
ويضيف: "يمكن أن نعتبر الرقابة على الأفلام السينمائية (أو الرقابة الذاتية) مؤشرًا لوعي وذكاء المثقفين في أي بلد وحالة الحريات التي تُمنَع أو تُمنح في فترة ما. وبالمقارنة مع الأدب فإن الصورة تعد أخطر من الكلمة المكتوبة لأنها مباشرة وموجهة إلى كل فئات المجتمع".
أسأله: كيف حللت شخصية نجيب محفوظ الذي كان مديراً للرقابة في فترة من حياته؟ فيجيب: "حللت بعض الأفلام المقتبسة عن رواياته، خاصة "القاهرة 30" للمخرج صلاح أبو سيف وقد حذف محفوظ نفسه بعض مشاهد هذا الفيلم، وكذلك" ثرثرة فوق النيل" و"الكرنك" و"ميرامار" و"المذنبون" وغيرها من الأفلام. مشكلة الرقابة خلال النصف الثاني من القرن العشرين هي أنها كانت تعتبر "وليَّ أمر" لجمهور يتم التعامل معه كطفلٍ لم يبلغ سن الرشد".
في هذا الكتاب يأتي آلدو على ذكر أقوال مهمة لنجيب محفوظ ويوسف إدريس وصلاح أبو سيف وتوفيق صالح ويوسف شاهين وشادي عبد السلام ولينين الرملي وغيرهم من المثقفين الناشطين على الساحة المصرية، إضافة إلى مخرجين عرب وأجانب آخرين. ويؤكد أن السينما فن اجتماعي بامتياز ولذا شعر المثقفون بأهمية دورها في توجيه الجماهير وأذواقهم.
توقفت رحلة البحث في الكتاب عند عام 1999. يتمنى آلدو أن يتناول السينما في القرن الجديد من خلال كتاب آخر، ويلفت الانتباه إلى أنه تناول قضايا حساسة طرحتها أفلام مُنتَجة بعد عام 2000 مثل "عمارة يعقوبيان"، و"لي لي"، و"بحب السيما"، و"عين الشمس"، و" شرف" في مقالات نشرها خلال السنوات الأخيرة.
ويؤكد آلدو أنه في ما يخص أفلام الفترة الناصرية تابع باهتمام الدور الرائد للمخرج توفيق صالح الذي استقبله بحفاوة خلال إقامته في مصر. ويقول: "طبعاً بعض أفلام يوسف شاهين أثارت جدلاً كبيراً في مصر من ناحية الرقابة الدينية، لكن أخطر قضية كانت بمناسبة إنتاج فيلم "البريء" لعاطف الطيب في الثمانينيات، وهي أكبر من قضية فيلم "الكرنك" أو "زائر الفجر" مثلاً".
أسأله كيف تحايل المثقفون لتمرير إنتاجهم؟ فيقول: "أظن يأتي على رأس أذكى المخرجين في الفترة الناصرية صلاح أبوسيف الذي صار خبيراً بتكتيكات لتمرير رسائل أفلامه، مثلاً بإضافة مشاهد فيها إثارة جنسية للفت انتباه الرقابة عن المحتوى السياسي".
ويقول آلدو إنه اعتمد على مراجع مهمة لنقاد ومخرجين منهم سمير فريد وهاشم النحاس وسعيد مراد وكمال رمزي وأمير العمري ودرية شرف الدين وفيولا شفيق وخميس الخياطي ورفعت محمد وأحمد يوسف ودينا جلال، على سبيل المثال لا الحصر، وكذلك شهادات مهمة وملهمة لعلي أبو شادي ورقباء آخرين.
الكتاب صدر بالإيطالية فلماذا لم يفكر آلدو في إصداره بالعربية؟ يجيب: "بكل صراحة، كتابة بحث عن الرقابة وحرية التعبير الفني في مصر باللغة الإيطالية تبدو عملًا غير مفيد. فأنا واعٍ بمحدودية السوق الإيطالية، لذلك أتمنى أن يترجمه أحد إلى العربية في القريب، وللعلم فإن أكثر من نصف مصادر بحثي ترجمتها أنا من العربية إلى الإيطالية".
وحول سر ولعه بالثقافة العربية، خاصة المصرية، يقول: "السينما المصرية كانت من أهم مفاتيحي لفهم اللغة العربية والتمتع بتحف الأدب العربي المعاصر. لذا فأشكرها وأشكر المخرجين والمخرجات العرب ممن جعلوني متحمسًا لاكتشاف الروح المصرية والعربية على اختلاف تعابيرها وأنواعها. والآن أحاول أن أنقل السينما العربية لطلابي في قاعات الجامعات التي أدرِّس فيها الثقافة العربية. يقال إن السينما تخلق الذاكرة في حين أن التلفزيون يخلق النسيان، وأنا أضيف أن السينما تخلق عوالم ومشاعر مشتركة، ولو أن أوروبا شاهدت بشكل جيد أفلاماً عربية تنقل حكايات ومعاني جديدة لشهدنا في الشرق الأوسط مذابح وحروباً أقل، لكن على العكس، فقد صار مواطنو العالم العربي من أكبر مستهلكي المشاهد الغربية وذلك يشرح الانفتاح الكبير والمبالغ فيه على أنماط الحياة الغربية. أنا ضد هذا الاجتياح الأمريكي وأتمنى أن ينهل المشاهدون العرب من مصادر أخرى. الكرة في ملعب موزعي المصنفات الفنية وصناع القرار ووعي المشاهدين".