◄ يجب تعزيز التثقيف الرقمي وتدريب المواطنين على استخدام التكنولوجيا الحديثة فضلاً عن التركيز على الأمن السيبراني

 

 

خالد بن حمد الرواحي

 

تخيَّل نفسك قادرًا على إنجاز مُعاملاتك الحكومية في دقائق معدودة دون أن تُغادر منزلك، بينما كانت الطوابير الطويلة والانتظار المرهق جزءًا من الماضي. هذا الحلم، الذي بدا يومًا بعيد المنال، أصبح اليوم في متناول اليد مع تسارع جهود الحكومات لتحقيق هدف "صفر مراجعين".

وتحقيق هذا الهدف يُمثِّل تحولًا جذريًّا في كيفية تقديم الخدمات الحكومية؛ حيث تصبح التكنولوجيا العامل الأساسي الذي يحقق الكفاءة والراحة. ولكنه أيضًا يتطلب وضع رؤية استراتيجية لتحقيق هذا الطموح.

"صفر مراجعين" ليس مجرد شعار؛ بل رؤية تهدف إلى تحويل جميع الخدمات الحكومية إلى منصات رقمية متكاملة. ببساطة، هو نظام يتيح للمواطنين إنجاز معاملاتهم دون الحاجة إلى زيارة المكاتب الحكومية، مما يُقلل من الجهد والوقت، ويُزيل الأعباء الإدارية التقليدية.

وتضع رؤية "عُمان 2040" التحول الرقمي في صدارة أولوياتها لتحقيق التنمية المستدامة. هذه الرؤية تسعى إلى بناء نظام حكومي ذكي يضمن الشفافية، ويُسهل الوصول إلى الخدمات، ويُركز على احتياجات المُواطنين. التحول الرقمي ليس فقط هدفًا تقنيًا؛ بل أداة أساسية لتطوير الأداء الحكومي.

من بين الخطوات الملموسة التي اتخذتها سلطنة عُمان نحو المستقبل الرقمي تأتي بوابة "استثمر بسهولة" التي تعد إحدى أبرز المبادرات؛ إذ تتيح للمستثمرين تأسيس الشركات وإتمام معاملاتهم عبر الإنترنت دون الحاجة إلى زيارة المكاتب. إلى جانب ذلك، طوَّرت شرطة عُمان السلطانية خدمات إلكترونية متقدمة مثل تجديد جوازات السفر وإصدار التأشيرات وتجديد رخص القيادة، مما يختصر الوقت والجهد بشكل كبير. علاوة على ذلك، أطلقت السلطنة مشروع التحول الرقمي الحكومي الذي يهدف إلى ربط المؤسسات الحكومية ببعضها البعض لضمان تقديم خدمات مُتكاملة وسلسة تلبي احتياجات المواطنين.

التحول نحو "صفر مراجعين" له فوائد متعددة، منها توفير الوقت، حيث لم يعد المواطن مضطرًا لقضاء ساعات طويلة في التنقل أو الانتظار. كما يُعزز الكفاءة عبر أنظمة رقمية تتيح معالجة الطلبات بسرعة ودقة. بالإضافة إلى ذلك، يُسهم في زيادة الشفافية من خلال تقليل فرص الفساد الإداري وضمان تقديم الخدمات بعدالة وفعالية.

دول مثل إستونيا أصبحت نموذجًا عالميًا في الرقمنة؛ حيث تقدم معظم الخدمات الحكومية عبر الإنترنت، مما جعلها دولة رائدة في هذا المجال. الإمارات العربية المتحدة حققت أيضًا تقدمًا ملحوظًا من خلال منصاتها الذكية التي تُسهل حياة المواطنين وتوفر لهم الوقت والجهد.

رغم الفوائد الكبيرة، هناك تحديات يجب معالجتها. من بين هذه التحديات تطوير البنية الأساسية الرقمية، لا سيما في المناطق التي تحتاج إلى تحسين شبكات الإنترنت. وإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التثقيف الرقمي وتدريب المواطنين على استخدام التكنولوجيا الحديثة، فضلاً عن التركيز على الأمن السيبراني لحماية البيانات وضمان الخصوصية.

ومن شأن الانتقال إلى نظام "صفر مراجعين" أن يُحدث تغييرًا جذريًا في حياة المواطنين والمؤسسات. فهو يُحسن تجربة المواطن من خلال خدمات سهلة وسريعة تُعزز الثقة في المؤسسات، كما يرفع كفاءة المؤسسات عبر تقليل الإجراءات الروتينية والتركيز على الابتكار.

وتحقيق هدف "صفر مراجعين" ليس مجرد ضرورة؛ بل هو استثمار في مستقبل عُمان، ومع رؤية "عُمان 2040" والخطوات الطموحة التي اتخذتها الحكومة، يبدو أنَّ هذا الحلم يتحول إلى واقع. لكن يبقى السؤال: هل نحن كمجتمع جاهزون للتخلي عن الطرق التقليدية واحتضان هذا التحول الرقمي؟ الإجابة تكمن في وعينا واستعدادنا لقبول هذا التغيير الكبير، فهل نحن مستعدون لترك الطرق التقليدية وراءنا؟

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هذه أبرز وظائف المستقبل التي تنبأ بها الذكاء الاصطناعي

في عصر الذكاء الاصطناعي، لم يَعُد مستقبل الوظائف مجرد سيناريوهات مستقبلية أو تكهنات بعيدة، بل بات واقعًا يتشكّل بسرعة تفوق التوقعات. ما كان يُعتبر ضربًا من الخيال قبل سنوات، أصبح اليوم حقيقة مدعومة بأرقام وتقارير صادرة عن كبرى المؤسسات البحثية والتقنية.

الذكاء الاصطناعي لم يَعد يكتفي بأتمتة المهام الروتينية، بل بات يُعيد تشكيل سوق العمل من جذوره، ويبتكر وظائف لم تكن موجودة من قبل، دافعًا بالمهن إلى تحوّل غير مسبوق في النوع والسرعة والمهارات المطلوبة.

ووسط هذه التحولات المتسارعة، لم تعد الوظائف الجديدة خيارًا تقنيًا نخبويًا، بل أصبحت ضرورة حتمية تفرضها موجات التغيير، وتُبرز الحاجة إلى مواكبة هذا الواقع الجديد بمرونة واستعداد دائم.

فالتغيير الذي كان يستغرق عقودًا بات يحدث خلال أشهر، ومهن الأمس باتت تُستبدل بوظائف لم نسمع بها من قبل، إذ تُجمِع التقارير الحديثة الصادرة عن  PwC و Gartner وMcKinsey  على أن الوظائف الجديدة ليست ترفًا تقنيًا، بل ضرورة إستراتيجية للتكيف مع عالم سريع التغيّر.

من أبرز هذه الوظائف، فني الصيانة التنبُّئِية بالذكاء الاصطناعي (AI Predictive Maintenance Technician) الذي يستخدم خوارزميات لرصد الأعطال قبل وقوعها، ما قد يُوفر على الشركات ما يصل إلى 630 مليار دولار سنويًا، بحسب Cisco Systems، وكذلك مهندس سلاسل الإمداد الذكية (Smart Supply Chain Engineer )، الذي يوظف أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين سرعة ودقة تسليم المنتجات؛ إذ أظهرت دراسة لمؤسسة Deloitte أن هذه الوظيفة يمكن أن تقلّص وقت التسليم بنسبة 40%، وتخفض الانبعاثات بنسبة 25%.

إعلان

إنها ليست مجرد لحظة تحوّل في سوق العمل، بل ثورة مهنية تقودها الخوارزميات، وتبتكر وظائف لم تُكتب فصولها بعد، وفي قلب هذه الثورة، تتزايد الحاجة إلى مواهب قادرة على فهم هذه التحولات والتفاعل معها بمرونة وكفاءة.

فالسؤال لم يَعُد: "ما الوظيفة التي سأشغلها؟"، بل أصبح: "هل وظيفتي المقبلة موجودة أصلًا؟"، في وقت تشير فيه دراسة حديثة لمعهد McKinsey Global (2024) إلى أن 85% من وظائف عام 2030 لم تُخترع بعد.

هذا الواقع الجديد يُحتّم على الأفراد والمؤسسات إعادة التفكير في مهاراتهم، وأنماط التعلم، ونماذج العمل، استعدادًا لسوق لا يعترف بالثبات، بل يكافئ القادرين على التكيف المستمر، والتعلّم مدى الحياة.

في القطاع القانوني مثلًا، يُعاد تعريف العمل المكتبي مع ظهور محلل العقود الذكية (Smart Contract Analyst)، الذي يدمج بين القانون والبرمجة لفهم وتحليل الوثائق القانونية الرقمية.

أما في المجال الأخلاقي، فتبرز حاجة الشركات إلى مهندس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI Ethics Engineer) لضمان ألا تتخذ الخوارزميات قرارات متحيزة أو تمييزية، كما تنبأت Gartner بأن 30% من الشركات الكبرى ستوظف هذا الدور بحلول 2026.

ضمن الرؤى الاستشرافية التي تقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي نفسها، تم التنبؤ بظهور خمس مهن جديدة بحلول عام 2030، تشمل: مدقق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI Ethics Auditor)، ومهندس الميتافيرس (Metaverse Engineer)، ومطور برامج الحوسبة الكمومية (Quantum Software Developer)، ومعالجًا نفسيًا مختصًا في الإدمان الرقمي (Digital Detox Therapist)، ومهندس التعلم (Learning Engineer).

هذه الوظائف – التي لم يكن لها وجود فعلي قبل سنوات قليلة – تعكس ليس فقط التحولات التقنية، بل أيضًا التغير العميق في طبيعة المهارات المطلوبة.

إعلان

وهو ما يفرض على الجامعات ومراكز التدريب إعادة صياغة مناهجها لتتناسب مع هذه الاتجاهات المستقبلية، وتوفير بيئات تعليمية مرنة تُعد الطلبة لشغل أدوار لم يُخترَع جزء كبير منها بعد.

قصة حقيقية من كوريا الجنوبية تُجسّد هذا التحول: "لي جاي هون"، مهندس ميكانيكي سابق، أعاد تأهيل نفسه ليصبح منسق التفاعل بين البشر والروبوتات (Human-Robot Interaction Facilitator)، ليقود فريقًا في تطوير تجربة العملاء داخل متاجر ذكية تستخدم مساعدين روبوتيين. بعد ستة أشهر من التدريب المتخصص، تضاعف دخله وانتقل إلى إدارة مشاريع تقنية كانت خارج نطاق تصوره المهني السابق.

لكن هذا التقدم لا يتوزع بشكل عادل حول العالم. ففي حين تسارع الدول الصناعية إلى إعادة هيكلة أنظمتها التعليمية واستثماراتها في المهارات المستقبلية، تقف الدول النامية، وخاصة العربية، أمام تحديات مضاعفة. ضعف البنية التحتية الرقمية، ونقص التمويل الموجه للبحث والتطوير، يحدان من قدرة هذه الدول على مواكبة التحول.

بحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (2023)، فإن فجوة المهارات الرقمية في بعض دول الشرق الأوسط تتجاوز 60%، وهو ما يهدد بتهميشها في الاقتصاد العالمي الجديد.

هنا يبرز دور الحكومات كمحرك رئيسي للجاهزية المستقبلية. فبدلًا من التركيز فقط على خلق وظائف تقليدية، عليها تبني سياسات دعم للوظائف الرقمية الجديدة، مثل تقديم حوافز للشركات التي توظف في مجالات الذكاء الاصطناعي، وإنشاء شراكات بين الجامعات ومراكز الأبحاث التكنولوجية، كما فعلت سنغافورة ورواندا بنجاح لافت.

في العالم العربي، بدأت مؤسسات وشركات في دول مثل قطر، والسعودية، والإمارات تولي اهتمامًا متزايدًا بهذه التحولات. على سبيل المثال، أطلقت بعض الجامعات العربية برامج دراسات عليا متخصصة في الذكاء الاصطناعي، تشمل مساقات تتناول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مختلف القطاعات.

إعلان

كما بدأت بعض الشركات الناشئة في المنطقة توظيف مختصين في تصميم واجهات تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعكس بداية دخول العالم العربي في موجة جديدة من الابتكار الوظيفي.

هذا الواقع الجديد يتطلب إعادة نظر شاملة في مفهوم المهارة. فالمهارات التقنية وحدها لم تعد كافية، بل أصبحت المهارات التحليلية والإنسانية مثل التفكير النقدي، والإبداع، والتواصل الفعّال، عوامل حاسمة للنجاح في هذه المهن الناشئة.

كما يُعد الاستثمار في منصات التعلم مدى الحياة خطوة ضرورية لتقليل "التآكل المهني السريع"، إذ تشير تقديرات البنك الدولي (2024) إلى أن 40% من المهارات الحالية ستصبح غير صالحة خلال خمس سنوات.

المسؤولية اليوم لا تقع على الحكومات فحسب، إذ على الأفراد كذلك أن يعيدوا تعريف علاقتهم بالوظيفة. فالمستقبل سيكون لمن يتقنون فن التعلم المستمر والتكيف السريع، لا لمن يعتمدون على تخصص جامعي واحد مدى الحياة. إن مهارات مثل تحليل البيانات، التفكير النقدي، والقدرة على التعاون مع الخوارزميات، ستكون العملات الجديدة في سوق العمل.

المؤكد أن سوق العمل لم يعد كما عرفناه. فبينما استغرقت الثورة الصناعية الأولى قرنًا لتغيير طبيعة المهن، يكفي اليوم تحديث خوارزمية واحدة لإعادة تشكيل صناعة بأكملها.

ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى جميع القطاعات – من القانون إلى الطب، ومن الإعلام إلى الخدمات اللوجيستية – فإننا أمام تحول يشبه الانتقال من عصر الفلاحة إلى الثورة الصناعية، لكن بوتيرة أسرع بمئة مرة.

هذا التسارع غير المسبوق يفرض علينا جميعًا، حكومات وأفرادًا، أن نعيد تعريف جوهر المهارات المطلوبة، ونفكر بمرونة، ونستعد لما هو أبعد من مجرد التغيير: إلى ما يشبه إعادة خلق الإنسان المهني من جديد.

عودٌ على بدء، فإن المهن الجديدة التي أوجدها الذكاء الاصطناعي تمثّل اليوم فرصة مهمة للعالم العربي ليس فقط لمواكبة التحول الرقمي، بل لقيادته أيضًا في بعض المجالات. ويتطلب ذلك استثمارًا جادًا في التعليم، والبحث، وتوفير بيئة تنظيمية وأخلاقية تُشجّع على الابتكار دون الإضرار بالقيم المجتمعية.

إعلان

وأخيرًا، نقف اليوم على أعتاب مرحلة يُعاد فيها رسم خريطة العمل عالميًا، ومن يتهيأ لها منذ الآن، سيكون الأقدر على حصد ثمارها لاحقًا.

فالمستقبل لا ينتظر المترددين، بل ينحاز لمن يملكون الشجاعة لتعلم الجديد، والمرونة لإعادة تشكيل ذواتهم المهنية، والوعي بأن الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا، بل أداة تفتح أبوابًا لم تُطرق من قبل. إنها لحظة تحوّل، والفرص الكبرى قد لا تأتي مرتين.. فهل نحن فاعلون؟

 

| الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

مقالات مشابهة

  • التحول الرقمي ودوره في محو الأمية الإلكترونية.. انطلاق أعمال مؤتمر الخدمة المدنية ببورتسودان
  • التحول الرقمي.. إما أن تواكب أو تتلاشى!
  • رئيس النيابة الإدارية يشهد افتتاح مقري مجمع النيابات الإدارية بقنا وتدشين منظومة التحول الرقمي
  • هذه أبرز وظائف المستقبل التي تنبأ بها الذكاء الاصطناعي
  • جامعة الأمير سلطان تطلق أول برنامج بكالوريوس في “اللغة والإعلام” لتهيئة قادة المستقبل في الإعلام الرقمي
  • وزير الإسكان يلتقي مسئولي منصة مصر العقارية لاستعراض ملف التحول الرقمي
  • متحدث الإسكان: التحول الرقمي سيحقق نقلة نوعية في مجال العقارات
  • وزيرة التنمية المحلية: تدريب 370 من القيادات والعاملين بالمحليات لتعزيز التحول الرقمي
  • 300 خبير يناقشون التحول الرقمي للخدمات المالية في الإمارات
  • الفيومي: مشروع قانون إنشاء قاعدة بيانات الرقم القومي الموحد للعقارات يستهدف تحقيق التحول الرقمي