الذكاء الاصطناعي بات يشكل إحدى أهم أدوات التغيير في العالم.. دائرة الحوار العربي في الإسكندرية
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
أكد رئيس البرلمان العربي محمد أحمد اليماحي أن الذكاء الاصطناعي بات يشكل إحدى أهم أدوات التغيير في عالم اليوم، ولم نعد نملك بشأنه رفاهية الاختيار بين مواكبة هذا التطور العالمي أو الابتعاد عنه، وإنما بات مفروضًا علينا التعامل معه، باعتباره التقنية الاستراتيجية التي ستقود العالم في المستقبل، وهو ما انعكس في قيام الكثير من دول العالم بإقرار استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي، واستثمار أموال ضخمة في هذا المجال.
وقال "اليماحي" إن الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة بات خيارًا حتميًا لدول العالم كافة، وبقدر ما يوفر فرصًا عديدة للابتكار والتنمية وتحسين الكفاءة الإنتاجية وتوفير الجهد والوقت، فإنه يثير في الوقت ذاته تحديات أخلاقية، وتساؤلات جوهرية حول كيفية حماية قيمنا وثقافتنا العربية، والحيلولة دون انتهاك خصوصيات الأفراد أو تعريض أمن مجتمعاتنا للخطر، وهو ما يعني أننا مطالبون اليوم، ليس فقط بأخذ زمام المبادرة في استيعاب هذه التكنولوجيا، بل في تطويرها وتوظيفها بما يتماشى مع هويتنا وقيمنا ومبادئ أمتنا العربية.
وأبرز ضرورة توطين صناعة الذكاء الاصطناعي في الدول العربية، ووضع الخطط وتوفير الموارد المالية والبشرية اللازمة لذلك، من أجل مواكبة السباق العالمي المحموم في هذا المجال، وبما يضمن لنا في الوقت ذاته التوظيف الآمن لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، على نحو يتناسب ومنظومة الأخلاق والثقافة في مجتمعاتنا العربية.
وتابع: "لا شك في أن بناء منظومة ذكاء اصطناعي عربية تتسم بالابتكار والاستدامة يتطلب شراكة قوية بين الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص، إلى جانب وجود منظومة قانونية وتشريعية قوية تضمن تحقيق التوازن بين الإبداع التقني والمسؤولية الأخلاقية.
وذكر "اليماحي" أن البرلمان العربي ادرك بشكل مبكر أهمية حوكمة استخدامات الذكاء الاصطناعي ووضع إطار قانوني منظم لها بما يتناسب مع خصوصية دولنا العربية ومنظومة القيم والأخلاق الخاصة بها.
وجاء ذلك خلال افتتاح "دائرة الحوار العربي حول الذكاء الاصطناعي في العالم العربي.. تطبيقات مبتكرة وتحديات أخلاقية والذى تنظمه الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، تحت رعاية ورئاسة السفير الأمين العام أحمد أبو الغيط، وذلك تزامنًا مع احتفالات الذكرى الثمانين لتأسيس الجامعة
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: البابا فرنسيس.. رحيل رجل السلام وصوت الضمير الإنساني
برحيل البابا فرنسيس، يطوي العالم صفحة أحد أهم الرموز الدينية والإنسانية في العصر الحديث، رجل تجاوز حدود الكنيسة الكاثوليكية ليصبح ضميرًا أخلاقيًا عالميًا، وصوتًا صريحًا في الدفاع عن الفقراء، والمهمشين، وضحايا الظلم والإقصاء، ومبادرًا حقيقيًا في تعزيز الحوار بين الأديان، وخاصة مع العالم الإسلامي. كان البابا فرنسيس ـ خورخي ماريو برغوليو ـ القادم من الأرجنتين، هو أول بابا من خارج أوروبا منذ أكثر من ألف عام، وأول من اختار أن يحمل اسم “فرنسيس”، تيمنًا بالقديس فرنسيس الأسيزي، رجل السلام والبساطة والفقر الطوعي، ليجعل من هذا الاسم مشروع حياة، لا مجرد رمز.
لم يكن حضوره الكاريزمي وليد البروتوكول أو المناصب، بل كان نتيجة حقيقية لما اختطه لنفسه من التزام روحي عميق تجاه الإنسان، بغض النظر عن عرقه أو دينه أو طبقته الاجتماعية. اختار أن يغيّر صورة البابوية منذ اللحظة الأولى لانتخابه عام 2013، حين تخلى عن الإقامة في القصر الرسولي واختار بيت القديسة مرتا، وأطل على الناس من شرفة الفاتيكان طالبًا منهم أن يصلّوا له قبل أن يمنحهم هو البركة. هذا التحول لم يكن مجرد إشارة رمزية، بل كان تعبيرًا عن قناعة راسخة أن الزعامة الروحية لا تُقاس بترف السلطة، بل بالقدرة على الإنصات للآخر، لا سيما المنسيين على هوامش العولمة.
البابا فرنسيس أعاد تعريف مفهوم القيادة الدينية في زمن تعاظمت فيه الهويات المغلقة وتصاعدت فيه موجات الكراهية. اختار أن يكون صانع جسور لا باني جدران، وكرّس جزءًا كبيرًا من رسالته لتعزيز ثقافة الحوار مع المسلمين، إدراكًا منه أن المستقبل الإنساني مرهون بالخروج من منطق التصادم إلى أفق التعارف والتعاون. لم يكن ذلك مجرد خطاب ديبلوماسي يقتضيه المنصب، بل رؤية لاهوتية وإنسانية متجذرة في فهمه للمسيحية بوصفها دعوة للسلام العالمي.
من أبرز تجليات هذه الرؤية توقيعه وثيقة “الأخوة الإنسانية” مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في أبوظبي سنة 2019، في لحظة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الإسلامية-المسيحية، حيث وُضعت للمرة الأولى وثيقة مشتركة تُقرّ بحق الجميع في المواطنة الكاملة، وتدين العنف باسم الدين، وتدعو إلى حماية دور العبادة لكل الأديان. كان البابا في هذه الوثيقة يتحدث بلغة الحقوق لا المجاملة، بلغة الإنسان لا المؤسسة، بلغة من أدرك أن الأديان ليست مشكلة العالم بل يمكن أن تكون جزءًا من الحل.
ولم تكن هذه الوثيقة إلا محطة من محطات متعددة في مسيرته نحو ترسيخ ثقافة الحوار والتقارب، ومن أهمها زيارته التاريخية إلى المملكة المغربية سنة 2019، حيث التقى بالملك محمد السادس، أمير المؤمنين، في لحظة لافتة تعانق فيها البعدان الديني والسياسي، على أرض مشبعة برمزية التسامح الديني عبر التاريخ. فقد جسّد هذا اللقاء تأكيدًا على المشترك الإنساني بين الإسلام والمسيحية، وتعزيزًا لمبدأ إمارة المؤمنين كمرجعية دينية ضامنة للحرية الدينية والعيش المشترك. وتميزت هذه الزيارة بالإعلان المشترك للبابا والملك عما عُرف بـ”إعلان الرباط حول القدس”، الذي أكد على الأهمية الدينية والحضارية للقدس بوصفها مدينة للسلام، ومهدًا للديانات السماوية الثلاث، ودعا إلى صيانة خصوصيتها التاريخية والثقافية، ورفض كل الإجراءات الأحادية التي تمس هذا الوضع.
كان هذا الإعلان ثمرة قناعة عميقة بأن حماية القدس لا تهم الفلسطينيين وحدهم ولا المسلمين أو المسيحيين فقط، بل هي مسؤولية أخلاقية لكل الضمائر الحية، ولكل المؤمنين بوحدة المصير الإنساني. لقد جاء البيان بلغة سياسية ناعمة لكنها صارمة في تأكيد الحق والعدل، وهو ما أضفى على زيارة البابا للمغرب طابعًا يتجاوز المجاملات البروتوكولية إلى رسم خط أخلاقي واضح في قضايا العدل والحقوق.
زيارة البابا إلى العراق ولقاؤه بالمرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني في النجف، كانت بدورها علامة فارقة في هذا المسار، حيث لم يذهب إلى العراق من أجل الصورة، بل من أجل الموقف، في بلد جُرِح طويلًا بالحروب والانقسامات الطائفية. حمل رسالته ذاتها: أن لا سلام دون اعتراف متبادل، ولا تعايش دون احترام كرامة كل إنسان. وهكذا رسم البابا بخطواته المتزنة والمتأنية خريطة أخلاقية للعلاقات الإسلامية-المسيحية، تتجاوز السياسة إلى بناء جسور روحية حقيقية.
إن ما يميز شخصية البابا فرنسيس في هذا المجال ليس مجرد انفتاح ديبلوماسي ولا مبادرات مجاملة موسمية، بل قناعة فكرية وروحية أن الحوار مع المسلمين ليس خيارًا بل ضرورة، ليس سياسة بل إيمان. في كل خطاباته عن العلاقة مع الإسلام كان يصر على استخدام تعبير “إخواننا المسلمين” وليس “الآخر”، وهو اختيار لغوي يحمل في طياته قطيعة مع الخطاب الكنسي الكلاسيكي، ويُعيد ضبط اللغة على مبدأ الأخوة الكونية لا الصراع الحضاري.
وقد كان البابا فرنسيس من القلائل الذين امتلكوا شجاعة الإدانة الصريحة لكل مظاهر الإسلاموفوبيا، بما في ذلك حرق المصحف أو التعدي على المقدسات الإسلامية، واعتبر هذه الأفعال خيانة لجوهر الإيمان المسيحي ذاته، لأنها تناقض رسالة المحبة التي دعا إليها الإنجيل. بهذا الموقف الصارم، لم يُهادن التطرف في أي جهة، بل وضع حدودًا واضحة بين الحق في التعبير والاعتداء على كرامة الآخرين.
اللافت أن انشغال البابا بالحوار الإسلامي-المسيحي لم يكن على حساب القضايا الأخرى، بل كان جزءًا من منظومة فكرية أوسع ترى أن الإنسان هو محور كل التزام ديني، سواء أكان ذلك في قضايا اللاجئين، أو البيئة، أو العدالة الاجتماعية. فلطالما ربط بين الاقتصاد غير العادل، والظلم الاجتماعي، وتفكك العلاقات الإنسانية، وكان يرى أن الأزمة الأخلاقية في العالم المعاصر ليست إلا نتيجة لفقدان البوصلة الروحية التي تهتدي بقيم الأخوة والرحمة.
ورغم أن فترة بابويته لم تخلُ من الانتقادات، خاصة من بعض الدوائر المحافظة داخل الكنيسة الكاثوليكية، فإن ذلك لم يدفعه إلى التراجع عن قناعاته، بل ظل وفيًا لرؤيته أن الانفتاح على الآخر لا يهدد الهوية بل يطهرها من الانغلاق، وأن قوة الإيمان لا تقاس بعلو الصوت بل بقدرة صاحبه على أن يكون جسرًا بين المختلفين.
برحيله، يفقد العالم أحد أبرز صانعي السلام الحقيقيين، ويفقد المسلمون صديقًا صادقًا سعى جادًا إلى أن يجعل من الحوار معهم خيارًا دائمًا لا طارئًا. البابا فرنسيس لم يكن زعيمًا دينيًا فحسب، بل كان معلمًا أخلاقيًا عالميًا أدرك أن البناء المشترك للحضارة الإنسانية لا يكون إلا على أسس من الاحترام المتبادل، والتعاون، والاعتراف بالكرامة المشتركة لكل البشر.
لقد ترك إرثًا لن يموت بموته، بل سيظل علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين الأديان، وشاهدًا على أن في هذا العالم قلوبًا لا تزال تؤمن أن الكلمة الطيبة أقوى من الرصاصة، وأن اليد الممدودة أقوى من الجدار المشيد، وأن الإيمان الحقيقي لا يُقاس بعدد الشعائر بل بقدر ما يحمله من حب للإنسان وخدمة للحياة.