الخليج الجديد:
2025-04-17@13:49:50 GMT

هل هي لحظة انتحار روسية؟

تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT

هل هي لحظة انتحار روسية؟

هل هي لحظة انتحار روسية؟

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حاولت النخبة الروسية سنوات أن تكون جزءاً من "الجنة الأوروبية".

ما مصدر قناعة ميدفيديف "المتفائل" بأنّ الغرب سيتعب من عبء المواجهة و"يتسوّل" التفاوض؟

ما الذي يجعل أي صانع قرار في العالم ينزعج (أو يكترث) لفكرة اختفاء روسيا من خريطة العالم؟ وهذا الاختفاء مجرد افتراض.

لم تعد أوكرانيا المشكلة، بل "رمز المشكلة"، والقضاء على أوكرانيا (ونظامها السياسي) معركة "وجود" و"إرادة" بالنسبة لأميركا وحلف الناتو معاً.

مشكلة روسيا الانبهار المرضي بالغرب إذ ينقلب إلى رغبة بالانتقام الوحشي كـ"عشيق مهجور".. مرض قديم جداً في الثقافة الروسية منذ عهد بطرس الأكبر في القرن 18.

انتقل الخطاب الروسي من التلويح بالخيار النووي إلى تأكيد أن تحقيق هدف الحرب لا بديل له ولو استمرت عقوداً، والعبارة الأكثر دلالة: "الصراع وجودي إما نحن أو هم"!

* * *

قد تعدّ تصريحات نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي (19 أغسطس الجاري) ديمتري ميدفيديف الأخطر على الإطلاق في مسار الصراع الغربي الروسي على أوكرانيا، وهي من دون مواربة "لحظة انتحار روسية"، فقد انتقل بها الخطاب الروسي من التلويح بأن الخيار النووي على الطاولة دائماً، إلى تأكيد أن تحقيق هدف الحرب لا بديل له، ولو استمر الصراع عقوداً، والعبارة الأكثر دلالة في ما قاله ميدفيديف أنّ "الصراع وجودي... إما نحن أو هم".

وفي استشراف ميدفيديف المستقبل فخ آخر قاتل، يقول: "سوف يمرّ بعض الوقت، ستتغير السلطات الغربية، وستتعب نخبها وتتوسل للمفاوضات وتجميد الصراع".

و"يجب ألّا نتوقف حتى يتم تفكيك الدولة الأوكرانية الحالية الإرهابية بطبيعتها بالكامل، يجب تدميرها على الأرض، أو بالأحرى حتى الرماد منها يجب ألّا يبقى، حتى لا تولد من جديد هذه الآفة تحت أي ظرف...

إذا استغرق الأمر سنوات أو حتى عقوداً، فليس لدينا خيار آخر، إما أن ندمّر نظامهم السياسي المعادي، أو أنّ الغرب الجماعي سيمزّق روسيا في النهاية إلى أشلاء، وفي هذه الحالة سيموت معنا".

الخطاب ذو وجهين: مرعب/ مذعور، فهو خطابُ يأس بقدر ما هو مغرقٌ في العدمية. وفي أقصى درجات حدّة المواجهة الأميركية السوفياتية كان هناك دائماً مكوّن عقلاني في مجلس السوفيات الأعلى، أثمر في بداية سبعينيات القرن الماضي "سياسة الوفاق" بين العملاقين.

وتعكس تصريحات ميدفيديف هذه تحوّلات في التصوّر والواقع معاً، والتغير الرئيس من ناحية التصور تحوُّل أفكار ألكسندر دوغين "الأوراسية" إلى أيديولوجيا رسمية للدولة، وعودة النخبة الروسية إلى الإحساس العميق بالعداء الجذري تجاه الغرب كله، الأوروبي والأميركي معاً.

وبالعودة إلى ما تغيّر على مستوى الواقع، تحوّل محيط روسيا الاستراتيجي في السنوات القليلة الماضية إلى بحر عداوات متلاطم، من اليابان إلى السويد.

وبالتالي، لم تعد أوكرانيا المشكلة، بل "رمز المشكلة"، والقضاء على أوكرانيا (أو نظامها السياسي) معركة "وجود" و"إرادة" بالنسبة لأميركا وحلف الناتو معاً!

فما مصدر قناعة ميدفيديف "المتفائل" بأنّ الغرب سيتعب من عبء المواجهة و"يتسوّل" التفاوض؟ وما الذي يجعل أي صانع قرار في العالم ينزعج (أو يكترث بأية صورة) لفكرة اختفاء روسيا من خريطة العالم؟ وهذا الاختفاء مجرد افتراض.

وقبلاً، على سبيل المثال، اختفى الاتحاد السوفياتي واختفى الاتحاد اليوغوسلافي، من دون أن يصل العالم إلى لحظة "نهاية التاريخ" النووية. وما حدث أنّ أوروبا تجاوزت كابوس انهيار اقتصادي بسبب الغاز الروسي، وتحرّكت أميركا لسنوات باتجاه خنق الاقتصاد الروسي بحزم عقوباتٍ متتالية..

وأنّ ترتيبات تشمل ترميم تماسك حلف الناتو وزيادة تاريخية في إنفاقه العسكري، وتوسيعه شمالاً، وشبكة تحالفات أخرى تشمل العديد من دول آسيا، بينما روسيا في ما يعتبره ميدفيديف "صراع وجود" لا حلفاء لها إلّا بيلاروسيا!

وكلّ شطحات التفكير بالتمنّي التي راجت منذ بدء الحرب عن خراب أوروبا وتصدّعها، وتمرّدها على "الهيمنة الأميركية"، وتحييد العملاق الهندي، والتحالف الروسي الصيني الشامل الذي سينهي "العصر الأميركي"... إلى آخر القائمة، جميعها تبخّرت مع وصول المسيّرات الأوكرانية إلى العمق الروسي، فضلاً عن تضاؤل كبير في درجة اهتمام العالم بهذه الحرب.

وباستثناء أزمة الحبوب العالمية التي تسبّبت فيها، على الأرجح ستتحوّل المعركة إلى كابوس اقتصادي على اقتصاد روسيا المنهك، ولا يُستبعد أن تتحوّل إلى كابوس عسكري حقيقي:

- أولاً من حيث هي استنزاف بشري لا مبرّر لدى المواطن الروسي العادي لتحمّل عبئه،

- ثانياً من حيث ما يمكن أن يُحدثه استهداف الداخل الروسي عسكرياً من نتائج على الدولة والمواطن معاً.

مشكلة روسيا ميدفيديف/ بوتين هي الانبهار المرضي بالغرب، عندما ينقلب إلى رغبة في الانتقام الوحشي كـ"عشيق مهجور". والمرض قديم جداً في الثقافة الروسية الحديثة، وبالتحديد منذ عهد القيصر بطرس الأكبر في القرن الثامن عشر.

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حاولت النخبة الروسية سنوات أن تكون جزءاً من "الجنة الأوروبية"، وترتيباتها السياسية والعسكرية، وهذه النخبة لم تنتقل من "الهيام" إلى "الانتقام" إلّا بعد أن يئست من طرْق باب الغرب من دون جدوى.

*ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: روسيا ميدفيديف بطرس الأكبر صراع وجودي الهيمنة الأميركية

إقرأ أيضاً:

الأمين العام يدعو العالم إلى عدم نسيان شعب السودان وينادي بوقف “الصراع العبثي”

"بعد مرور عامين من الحرب المدمرة، لا يزال السودان عالقا في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى"، هكذا وصف أمين عام الأمم المتحدة الوضع في السودان داعيا إلى "إنهاء هذا الصراع العبثي"، وفي بيان صحفي قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إن أعمال القصف والغارات الجوية العشوائية تواصل قتل وتشويه الناس، فيما تُهاجَم الأسواق والمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة ومواقع النزوح.

وأضاف أن العنف الجنسي متفش، لتتعرض النساء والفتيات لأعمال مروعة. كما يعاني المدنيون من انتهاكات جسيمة من جميع الأطراف المتقاتلة. وأشار إلى أن السودان أصبح أكبر أزمة نزوح في العالم، إذ نزح ما يقرب من 12 مليون شخص، عبر أكثر من 3.8 مليون منهم الحدود إلى الدول المجاورة.

ويحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى الدعم الإنساني، ويعاني أكثر من نصف عدد السكان- أي نحو 25 مليون شخص من الجوع الحاد. وفيما يقترب موسم العجاف، يُتوقع أن تنتشر المجاعة - التي حدثت في خمسة مواقع على الأقل- إلى أكثر من ذلك.

الأمين العام أشار في بيانه إلى استهداف العاملين في المجال الإنساني، إذ فقد 90 شخصا منهم حياتهم منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل 2023.

وتطرق غوتيريش إلى تدمير الخدمات الأساسية وحرمان ملايين الأطفال في التعليم، وعدم قدرة سوى أقل من ربع المنشآت الصحية على مواصلة العمل في أكثر المناطق تضررا.

وقد وصلت الأمم المتحدة وشركاؤها، خلال العام الماضي، إلى أكثر من 15.6 مليون شخص بنوع واحد على الأقل من المساعدة، إلا أن الاحتياجات لا تزال هائلة كما قال الأمين العام.

وذكر أن العاملين في المجال الإنساني غير قادرين على تعزيز وجودهم في الكثير من المناطق التي تشتد فيها الحاجة، بسبب الصراع وانعدام الأمن المقرونين بالعوائق البيروقراطية والخفض الحاد للتمويل.

"ويواصل المدنيون تحمل عبء تجاهل الأطراف للحياة البشرية" كما قال الأمين العام الذي أشار إلى الالتزامات التي أعلنتها الأطراف بشأن حماية المدنيين بما في ذلك في إعلان جدة في أيار/مايو 2023، بالإضافة إلى الالتزامات التي تقع عليها بموجب القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان.

وأكد غوتيريش ضرورة ترجمة مثل هذه الالتزامات إلى عمل حاسم، وأهمية إجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة وشفافة في جميع التقارير التي أفادت بوقوع انتهاكات.

تدفق الأسلحة والمقاتلين
وأعرب الأمين العام عن القلق البالغ بشأن مواصلة تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان بما يسمح باستمرار الصراع وانتشاره عبر أنحاء البلد. وشدد على ضرورة توقف الدعم الخارجي وتدفق الأسلحة.

وقال إن على المتمتعين بأكبر نفوذ لدى الأطراف، استخدام هذا النفوذ لتحسين حياة شعب السودان بدلا من إطالة أمد هذه الكارثة.

الأمين العام للأمم المتحدة شدد على الحاجة الماسة لبذل جهود سياسية شاملة ومنسقة جيدا لمنع المزيد من التجزئة في السودان. وقال إن على المجتمع الدولي إيجاد سبل لمساعدة الشعب السوداني على إنهاء هذه الكارثة وإقامة تدابير انتقالية مقبولة.

وأكد أن السودان يظل أولوية كبرى لدى الأمم المتحدة، وقال: "سأواصل الانخراط مع القادة الإقليميين حول سبل تعزيز جهودنا الدولية من أجل السلام. يُكمّل هذا، العمل المستمر الذي يقوم به مبعوثي الشخصي رمطان لعمامرة الذي سيسعى إلى ضمان أن تعزز الجهود الوساطة الدولية بعضها".

وأفاد الأمين العام بأن لعمامرة سيواصل أيضا - مع الأطراف - استكشاف سبل تقريبها من حل سلمي ودعم وتمكين المدنيين فيما يعملون من أجل رؤية مشتركة لمستقبل السودان.

وشدد الأمين العام على ضرورة تجديد التركيز على إيجاد نهاية لهذه الحرب الوحشية، وعلى ألا ينسى العالم شعبَ السودان.  

مقالات مشابهة

  • روسيا تهدد ألمانيا: أي استخدام لصواريخ توروس يعد مشاركة مباشرة في الصراع
  • مباحثات مرتقبة بين أمير قطر والرئيس الروسي في موسكو
  • الدفاع الروسية: كييف شنت 6 ضربات على منشآت طاقة روسية خلال الساعات الـ24 الأخيرة
  • مدير جهاز الاستخبارات الروسي يحدد أهداف بلاده بعد انتهاء الصراع في أوكرنيا
  • في الذكرى الثانية لبدء حرب السودان: إدانات حقوقية لجرائم الصراع ولغياب التحرك الدولي
  • الأمين العام يدعو العالم إلى عدم نسيان شعب السودان وينادي بوقف “الصراع العبثي”
  • الاتحاد الأوروبي يخطط لإعلان "خارطة طريق" للتخلي عن الطاقة الروسية في مايو المقبل
  • لافروف: على الغرب مراجعة نزاهة كييف في مناقشات تسوية الصراع
  • كاتب تركي: هل تستطيع أنقرة قيادة نظام عالمي جديد مبني على قيم الإسلام؟
  • غزة.. ولحظة احتضار العقل الأخلاقي للغرب