عربي21:
2025-02-02@18:52:19 GMT

غزة مدينة قرآنية

تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT

قبل حوالي عشرين عاما، كتب أحد شباب الإسلاميين التقدميين واسمه "لطفي الوسلاتي" نصا لافتا للنظر، رغم كونه لم يتجاوز المرحلة الثانوية، تحت عنوان "فلسطين قرية قرآنية"، وقد نشر مقاله بمجلة "15/21" لصاحبها الدكتور "احميدة النيفر". في هذه الأيام عادت بي الذاكرة إلى ذلك النص، وأنا أتابع تلك المشاهد المؤثرة والعجيبة الواردة علينا من غزة المحررة؛ مشاهد تعيدنا إلى محطة تاريخية من ذاكرتنا الجماعية، حين كان أجدادنا وأمهاتنا يعانقون الملائكة، ويصنعون من ضعفهم قوة، ومن قلّتهم كثرة في عيون أعدائهم، ومن تضحياتهم معجزات.



مئات الآلاف من البشر يسيرون كأنهم واد مندفع نحو موطنه؛ لا يبحثون عن شيء سوى العودة إلى بيوتهم التي أخرجوا منها كرها، ويعلمون بأنهم قد يجدونها ركاما، لكن مع ذلك تبقى أرضهم التي لا بديل لهم عنها. كلهم تقريبا فرحون بتلك العودة، وفي الأثناء كانوا يكبرون بشكل عفوي كأنما عائدون من جبل عرفات يسيرن نحو مكة حيث الصفا والمروة. هكذا اختلطت الصور والأزمنة والمشاعر، وكما يحصل في تلك المناسبات حيث يصر البعض من الجدات والشيوخ على أداء مناسكهم الدينية، فاضت روح بعض الفلسطينيين المتقدمين في السن قبل أن يصلوا إلى بيوتهم. ماتوا في الطريق، ودُفنوا بعيدا عن مقبرة القرية، لكن الأكيد احتضنتهم مدينة غزة، وسيُبعثون يوم القيامة ليستردوا حقوقهم من غاصبيهم.

قيم لا يفقهها شخص مثل الرئيس دونالد ترامب، الذي أعلن بأن النظامين المصري والأردني سيخضعان ويستجيبان لطلبه عندما دعاهما إلى المساعدة على تهجير الفلسطينيين، بل فكّر حتى في نقلهم إلى إندونيسيا دون إحساس بالخزي. هو ابن الرأسمالية المتوحشة وأحد قادتها الكبار، ويعتقد بأنه يمكن شراء كل شيء، بما في ذلك الأوطان والتراث والعقائد والأخلاق والقيم
ما تعرض له صحابة رسول الله خلال المرحلة المكية من عذاب على أيدي قادة قريش وصبيانهم كان أمرا عظيما، لكنه لا يقارن بالمحرقة التي عاشها الغزاويون قرابة السنة ونصف. إنها إبادة جماعية لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا لها، ومع ذلك خرج هؤلاء مثل التنين من تحت الأنقاض، في يوم من أيام الله، وتحدوا "دولة الوحوش"، ترحموا على موتاهم، وحاولوا تضميد جراحهم، وجعلوا من تسريح أسراهم مقابل المخطوفين من رهائن أعدائهم نصرا وانتصارا. هذا الأمر أغاظ عدوهم، وأشعروه بالهزيمة والذل رغم ما فعله في سبيل كسر إرادة الفلسطيني، ودفعه نحو الاستسلام والفرار من الجحيم. لقد انقلبت الآية، وتبين للجميع أن "دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة". هذا ليس شعرا، هذه سنّة من سنن التاريخ. المهم أن يكون عندك شعب لا ينسى، ولا ييأس، ولا يجبن، ولا يبيع وطنه بأبخس الأثمان.

هذه قيم لا يفقهها شخص مثل الرئيس دونالد ترامب، الذي أعلن بأن النظامين المصري والأردني سيخضعان ويستجيبان لطلبه عندما دعاهما إلى المساعدة على تهجير الفلسطينيين، بل فكّر حتى في نقلهم إلى إندونيسيا دون إحساس بالخزي. هو ابن الرأسمالية المتوحشة وأحد قادتها الكبار، ويعتقد بأنه يمكن شراء كل شيء، بما في ذلك الأوطان والتراث والعقائد والأخلاق والقيم؛ مثل هؤلاء لا يحترمون أي شيء له قيمة في الوجود بما في ذلك الإيمان والحب والوفاء. سيعلم بالتأكيد أنه سيفشل في رهانه كما فشل غيره؛ ليس هذا مجرد ادعاء، ولكنه حقائق أثبتها التاريخ.

فالتتار الذين كادوا يدمرون العالم العربي والإسلامي، وجدوا من يتصدى لهم. ولم يقف الأمر عند ذلك، بل تذكر كتب التاريخ أن أحد أبناء زعيم التتار هولاكو واسمه عند ولادته نيكولاس تيكودار خان اعتنق الإسلام وأصبح اسمه أحمد، وأدمج شعبه داخل إطار الأمة الإسلامية. ليس الغرض هذا المثال دعوة الرئيس الأمريكي الى اعتناق الإسلام، أهل غزة الذين هدمت بيوتهم فوق رؤوسهم هم الذين سيكذبونه، وسيصرون على البقاء في مدينتهم، حتى لو أُجبروا على البقاء سنوات تحت الخيام. ولن تستطيع مصر ولا الأردن أن تستدرجهم إلى تكرار ما حصل في نكبتهم السابقة، وذلك في حال أن قبل الحكام؛ رغم رفض شعوبهم التورط في مثل هذه الجريمة الشنيعة التي لن يغفرها لهم التاريخ، وعندها ماذا سيفعل ترامب وغيرهوإن كان العديد من الأمريكيين قد أسلموا بسبب ما شاهدوه من آيات في غزة، إنما استحضرنا هذا المثال للتأكيد على أن الطغيان لا يجعل من الحق باطلا. وأهل غزة الذين هدمت بيوتهم فوق رؤوسهم هم الذين سيكذبونه، وسيصرون على البقاء في مدينتهم، حتى لو أُجبروا على البقاء سنوات تحت الخيام. ولن تستطيع مصر ولا الأردن أن تستدرجهم إلى تكرار ما حصل في نكبتهم السابقة، وذلك في حال أن قبل الحكام؛ رغم رفض شعوبهم التورط في مثل هذه الجريمة الشنيعة التي لن يغفرها لهم التاريخ، وعندها ماذا سيفعل ترامب وغيره؛ هل سيأمر بخطف الغزاوين وإلقائهم عبر الطائرات في البحر؟ إنه الغباء بعينه.

تنطبق نظرية التناسخ على المقاومة وعلى سكان غزة، وتفترض هذه النظرية عند من يؤمنون بها من خارج دائرة الإسلام بأن الشخص الذي يموت لا يندثر، وإنما تنتقل روحه إلى شخص آخر. وليس القصد في هذا السياق التشكيك في عقيدة أهل فلسطين الأتقياء، ولكن المعاينة تثبت صلابة هؤلاء. وهي صلابة تنتقل من جيل إلى جيل، ولكل جيل أبطاله ورموزه، وكلما استشهد هؤلاء تنتقل أرواحهم بشكل رمزي، ليصعد آخرون من أبناء فلسطين، ويتسلمون المشعل. استشهد الآلاف من مقاتليهم بمن فيهم قادة الصف الأول، فماذا كانت النتيجة؟ عوضهم آخرون بسرعة نادرة، فاضطرت الحكومة الإسرائيلية للتفاوض معهم بعد أن تعهدت بالقضاء عليهم. وبدل أن تنهار حماس، تفككت إرادة العدو، وظن الإسرائيليون، وهم يتابعون حفل تسليم أسراهم بأنهم يحاربون أشباحا.

لهذا كله، قلنا إن غزة قرية قرآنية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين غزة ترامب تهجير المقاومة الإسرائيلية إسرائيل فلسطين مقاومة غزة تهجير مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على البقاء

إقرأ أيضاً:

قادة القسام الذين أعلنت حماس استشهادهم مع “الضيف” 

 

الجديد برس|

 

كشفت كتائب القسام الليلة عن استشهاد قائد هيئة أركان القسام محمد الضيف، وعدد من قادة الحركة العسكريين خلال معركة “طوفان الأقصى”.

 

والقادة الذين أعلنت عنهم الى جوار “محمد الضيف” هم :

 

– مروان عيسى (نائب قائد أركان القسام)

 

– غازي أبو طماعة (قائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية)

 

– رائد ثابت (قائد ركن القوى البشرية)

 

– رافع سلامة (قائد لواء خانيونس)

 

– أحمد الغندور (قائد لواء الشمال)

 

– أيمن نوفل (قائد لواء الوسطى)

مقالات مشابهة

  • قصة أسيرين التقيا أولادهما الذين أنجبوا بنطف مهربة
  • ''إقرأ ورتل'' مسابقة قرآنية في عدن ستبث خلال شهر رمضان
  • الأغبياء والخونة وحدهم هم الذين يفترضون الغباء في أهل السودان!
  • ماذا حصل مع الفلسطينيين الذين عادوا إلى بيوتهم أخيرا؟
  • تخفيض نسبة العمال الذين يحق لهم الدعوة إلى الإضراب من 35 في المائة إلى 25 في المائة
  • بالدموع.. تكريم أسرة قرآنية فقدت ابنتها ووالدتها خلال مسابقة بورسعيد الدولية
  • أبو عبيدة يكشف أسماء أسرى الاحتلال الذين سيُفرج عنهم غدا
  • تأملات قرآنية
  • قادة القسام الذين أعلنت حماس استشهادهم مع “الضيف”