الرضا من أعظم القيم الإيمانية التي تبعث الطمأنينة في النفس، وتجعل الإنسان يعيش حياة مليئة بالسكينة والرضا عن قضاء الله وقدره، فالراضي هو من يقبل بما قسمه الله له دون تذمر أو شكوى، بل يرى في كل أمر خيرًا، سواء كان ظاهره نعمة أو ابتلاء.

 وقد حثّ الإسلام على التحلي بهذه الصفة، وجعلها من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، كما قال النبي ﷺ: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا" (رواه مسلم).

أولًا: مفهوم الرضا في الإسلام

الرضا هو القناعة والقبول بحكم الله، سواء في النعم أو في الابتلاءات، وهو مرتبة عالية من الإيمان تدل على حسن الظن بالله. وقد ورد في الحديث القدسي أن الله تعالى يقول: "من رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" (رواه الترمذي). وهذا يبين أن الرضا يجلب الطمأنينة والراحة النفسية، بينما السخط والاعتراض يجلبان الهم والضيق.

ثانيًا: صفات الشخص الراضي

الشخص الراضي يتمتع بصفات مميزة تعكس قناعته وإيمانه العميق بالله، ومنها:

1. القناعة واليقين
الشخص الراضي قنوع بما لديه، لا ينظر إلى ما في أيدي الناس، بل يدرك أن الأرزاق بيد الله، كما قال النبي ﷺ: "ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس" (رواه الترمذي).


2. الطمأنينة النفسية
لا يشكو ولا يجزع عند الابتلاء، بل يؤمن أن كل ما يحدث له هو خير، حتى لو لم يدرك الحكمة في الحال، لقوله تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} (البقرة: 216).


3. التسليم لقضاء الله
الشخص الراضي لا يعترض على أقدار الله، بل يسلم أمره كله لله، كما قال النبي ﷺ في دعائه: "اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء" (رواه أحمد).


4. الرضا في الرزق والمعيشة
لا يحسد الآخرين ولا يقارن نفسه بغيره، بل يعلم أن الله قسم الأرزاق بعدله، ويعيش حياته ببساطة وسعادة، كما قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (الزخرف: 32).


5. حسن الظن بالله
يوقن بأن الله لا يقدر لعباده إلا الخير، فيعيش متفائلًا مهما واجه من مصاعب، كما قال النبي ﷺ: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" (رواه مسلم).

 

ثالثًا: كيف تكون شخصًا راضيًا؟

يمكن للإنسان أن يصل إلى الرضا من خلال اتباع بعض الخطوات الإيمانية، ومنها:

1. تقوية الإيمان بالله
كلما زاد إيمانك بقدرة الله وحكمته، زاد رضاك بقضائه، فالإيمان يولد الطمأنينة، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ} (الرعد: 28).


2. التفكر في نعم الله
عندما تدرك أن نعم الله عليك لا تُحصى، ستشعر بالرضا والشكر، فقد قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (إبراهيم: 34).


3. الابتعاد عن المقارنات
قارن نفسك بمن هو أقل منك في الدنيا، وليس بمن هو أعلى، كما قال النبي ﷺ: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم" (رواه مسلم).


4. الاستغفار والدعاء
الدعاء من أسباب تحقيق الرضا، فقد كان النبي ﷺ يدعو: "اللهم اجعلني لك شاكرًا، لك ذاكراً، لك مطواعًا، إليك مخبتًا أواهًا منيبًا" (رواه أبو داود).


5. الصبر عند الابتلاء
الإنسان الراضي يصبر على البلاء، ويوقن بأن الفرج قريب، فقد قال تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح: 6).

 

الرضا من أعظم الصفات التي تجلب السعادة والراحة النفسية، وهو علامة على قوة الإيمان وحسن الظن بالله. فالشخص الراضي يعيش مطمئنًا، متقبلًا لكل ما يحدث له، ويدرك أن الله لا يقدر له إلا الخير. لذا، فلنسعَ جميعًا لنكون من الراضين، فبذلك تتحقق لنا السعادة في الدنيا، والنجاة في الآخرة، كما قال تعالى: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (المائدة: 119).

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الرضا الراضي الإنسان الراضي الرضا في الإسلام کما قال النبی ﷺ قال تعالى أن الله

إقرأ أيضاً:

حقيقة عديدة يس.. وكيف تحصن نفسك بالسورة الكريمة

تُعتبر سورة يس من السور العظيمة التي وُردت بشأنها فضائل كثيرة، ومن أبرز فوائدها أنها سبب لمغفرة الذنوب عند قراءتها في الليل، كما ورد في عدة أحاديث صحيحة وحسنة.

مغفرة الذنوب بقراءتها في الليل

ذكر ابن حبان في صحيحه، بسندٍ رجاله ثقات، عن جندب رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال:
«من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر الله له» (صحيح ابن حبان رقم 2574).
وقد أكد السيوطي في "اللآلئ"، والشوكاني في "الفوائد"، أن إسناد هذا الحديث على شرط الصحيح. كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه بزيادة في اللفظ: «غفر له تلك الليلة»، مما يعزز المعنى ويؤكد الفضل العظيم لقراءتها قبل النوم.

العناية بسورة يس وأهميتها

ما سبق يوضح سبب اهتمام الناس، من العامة والخاصة، بقراءة سورة يس، لما فيها من قضاء الحوائج، وتيسير الأمور، ومغفرة الذنوب. وقد أدرج ابن حبان هذا الحديث في كتاب "الصلاة" تحت باب قيام الليل، مشيرًا إلى استحباب قراءتها للمجتهد كل ليلة طلبًا لمغفرة الله.

تصحيح مفهوم "عدية يس"

من الشائع بين الناس الاعتقاد بأن قراءة "عدية يس" قد تضر الظالم، لكن لا صحة لهذا الأمر في السنة النبوية. فالضرر الذي قد يلحق بالظالم يكون نتيجة دعاء المظلوم واستجابة الله له، وليس بسبب تلاوة السورة. قال تعالى:
﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: 62].

ختامًا، من الفضل العظيم أن يحرص المسلم على قراءة سورة يس كل ليلة بنية التقرب إلى الله وطلب مغفرته، فالله سبحانه وتعالى يغفر لمن شاء من عباده، ويكرم من يتوجه إليه بصدق وإخلاص.

مقالات مشابهة

  • خطة عملية.. تستعيد من خلالها علاقتك بالقرآن في شعبان؟
  • كيف تستعد روحيًا لشهر رمضان؟.. خطوات عملية
  • كيفية الإجابة على أسئلة الأطفال الوجودية.. أين الجنة وكيف يرانا الله؟
  • علي جمعة: الإيمان بالقدر خيره وشره من أهم مظاهر الرضا بالله ربا وحاكما
  • معنى الإلحاد في أسماء الله .. عالم أزهري يجيب
  • رئيس جامعة الأزهر يشرح المعنى البلاغي في قوله تعالى: «يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً»
  • كيف تحضر قلبك لاستقبال رمضان.. خطوات بسيطة
  • حقيقة عديدة يس.. وكيف تحصن نفسك بالسورة الكريمة
  • صلة الأرحام والصدقات.. خطوات عملية لاستقبال شهر رمضان