تونس ـ «القدس العربي»: أثار الفيلم السوداني القصير «بعد ذلك لن يحدث شيء» للمخرج إبراهيم عمر الكثير من الاهتمام الإعلامي وحديث النقاد، قبل وبعد فوزه بجائزة التانيت الذهبي للفيلم الروائي القصير لمهرجان أيام قرطاج السينمائية. وكان هذا الفيلم، الذي خطف الأنظار، قد عرض للمرة الأولى في العالم العربي في مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الخامسة والأربعين.



وحصل الفيلم على تنويه خاص من لجنة التحكيم بمهرجان أوبرهاوزن الدولي للفيلم القصير في دورته السبعين حيث تم خلاله عرض الفيلم ونال استحسان النقاد والجمهور. كما نال جوائز أخرى برهن من خلالها أن الإبداع بإمكانه تحدي الظروف القاهرة والأزمات والتحليق عاليا في سماء التألق إذا وجد روح التحدي مع الصبر والجلد لدى المبدع، وهو حال المخرج وصانع الأفلام السوداني إبراهيم عمر.

تحدي الصعاب



عرف السودان، موطن عمر، تصوير عديد الأفلام الأجنبية منذ سنة 1910، حيث كانت البداية بفيلم موضوعه افتتاح خط سكة الحديد وتم عرضه بمدينة الأُبيِّض عاصمة إقليم شمال كردفان وكذلك بالعاصمة الخرطوم. وبعد استقلال البلد عن بريطانيا سنة 1956 ظهرت قاعات السينما وانتشرت لتصل في سنوات السبعين إلى ستين قاعة وهو ما اقتضى العمل على إنتاج الأفلام لعرضها في هذه القاعات.
فتم في تلك الفترة إنشاء مؤسسة الدولة للسينما التي أنتجت أفلاما سودانية، لم تكن بأعداد كبيرة، لكنها كانت هامة من حيث المحتوى، وصورت الواقع في بلاد النيلين كما هو. ومن الأفلام اللافتة المنتجة في تلك الفترة فيلم «أحلام وآمال»، وهو أول فيلم سوداني روائي طويل من إخراج الرشيد مهدي وتم تصويره تحديدا سنة 1970.
ولكن بعد ما سمي بـ «ثورة الإنقاذ الوطني» سنة 1989 لم يجد القطاع السينمائي تشجيعا من الدولة، فبدأت قاعات السينما بإغلاق أبوابها حتى تم حل مؤسسة الدولة للسينما ولم يعد هناك إنتاج يذكر. ووسط هذا الوضع المتدهور للقطاع السينمائي في السودان استطاع إبراهيم عمر النهوض من جديد بالفن السابع في بلاده وذلك رغم التقسيم والحروب والوضع السياسي المرير الذي عصف ببلد له من الثروات ما يجعله في طليعة أمم الأرض في كافة المجالات.

سيرة ذاتية لافتة

إن فيلم «بعد ذلك لن يحدث شيء» هو من إنتاج معهد السودان للأفلام، ومن تأليف وإخراج وإنتاج إبراهيم عمر، ويشاركه في إنتاج هذا الفيلم الذي صنع الحدث على الساحة السينمائية العربية أحمد بشاري. أما بطولة الفيلم فقد عادت أيضا لمخرجه إبراهيم عمر ويشاركه كل من عامر أحمد وخالد معيط وأحمد بشارى، والتصوير لطارق عبد الله، والمونتاج لعامر أحمد وخالد معيط.
وللإشارة فإن إبراهيم عمر عمل أيضا مخرجًا ومنتجًا لعدد من القنوات التلفزيونية على مدى السنوات العشر الماضية، وأخرج أفلاماً وثائقية للتلفزيون، كما أسس مهرجان «أيام بورتسودان السينمائية» وهو حدث سينمائي سنوي يقام في مدينة بورتسودان شرقي دولة السودان ويهتم بالأفلام السينمائية القصيرة.
كما عمل عمر في الصحافة المكتوبة من خلال الإشراف على صفحة السينما في صحيفة «التيار» السودانية وهي أول صحيفة سينمائية متخصصة في السودان، وأيضا من خلال تأسيس مجلة «شورت فيلم بروشيورز».
تشير سيرة إبراهيم الذاتية إلى أنه كان من نجوم كرة القدم ببورتسودان وتعرض لإصابة في إحدى مباريات الناشئين وهو ما اضطره للسفر إلى القاهرة للعلاج من هذه الإصابة. وهناك، أي في قاهرة المعز، اتجه إبراهيم عمر لدراسة السينما وتخصص تحديدا في الأفلام التسجيلية ولفت إليه الانتباه في بلد السينما. وللإشارة فإن المخرج السوداني حاصل على بكالوريوس من المعهد العالي للسينما بالقاهرة، وعلى ديبلوم سينمائي من الجامعة الفرنسية بمصر، وهو ما يدل على أهمية تكوينه الأكاديمي.

توجه فلسفي

فيلم «بعد هذا لن يحدث شيء» هو عمل سينمائي مميز ذو توجه فلسفي وأسلوب بصري تجريبي، ويعالج موضوع الانتظار وعدم القدرة على الحركة، ويعكس القلق والتوتر المرتبطين بعدم اليقين بشأن المستقبل. والعنوان في حد ذاته مثير للعواطف، وهو يوحي بحالة من الفراغ والركود بعد حدث حاسم، وهو ما يترك المشاهد منغمسًا في تفكير عميق حول مصير الشخصيات وأخطار القصة.
يتحدث هذا الفيلم القصير عن شخصيات تعيش انتظارا لشيء ما لا نهاية له، مليء بالتوتر والقلق، ولم يتم تقديم سياق محدد لشرح ما يتوقعونه، ما يترك للمشاهد حرية تفسير الأحداث حسب مزاجه الخاص. فغياب السرد الصريح في هذا الفيلم الحدث يعزز الفكرة الوجودية للحياة المعلقة، التي تتسم بالخوف من المجهول ومما هو آت في المستقبل.
ومن خلال مواضيع مثل الوقت والانتظار والصمت، يكشف الفيلم تأثير الظروف الخارجية على الأفراد. ويجد هذا الموضوع صدى خاصا في السياق السوداني، حيث تتسم الحياة اليومية في كثير من الأحيان بعدم اليقين السياسي والاقتصادي والخوف مما سيحصل غدا.
ويتميز إبراهيم عمر بنهجه التجريبي والبصري، بعيدًا عن الهياكل السردية الكلاسيكية، وفي هذا الفيلم يركز على الرمزية والعواطف بدلاً من الحوار، ويستخدم بمهارة الضوء والظلال وزوايا الكاميرا والوتيرة البطيئة ليغمر المشاهد في جو تأملي، ويؤكد أسلوبه البسيط على أصالة الشخصيات، التي تبدو حقيقية وإنسانية للغاية. وتميز هذه الصراحة في الطرح والإخراج إلى حد كبير السينما السودانية المعاصرة، حيث يفضل المخرجون السودانيون الإنسانية والعمق على التصنع المذهل الذي يميز تجارب سينمائية أخرى.

جيل جديد

يعد إبراهيم عمر جزءًا من الجيل الجديد من المخرجين السودانيين الناشئين في أعقاب النهضة السينمائية في البلاد وذلك بعد عقود من تهميش إنتاج الأفلام بسبب التحديات السياسية والاقتصادية. ويعمل المخرجون السودانيون الجدد مثل عمر على إعادة تعريف القصص السينمائية من خلال تسليط الضوء على القصص الإنسانية والثقافية في بلادهم.
ويضفي إبراهيم عمر على أعماله لمسة تجريبية فريدة وهو الذي يسعى جاهدا إلى سرد قصص سودانية بسيطة ولكنها كونية تثير اهتمام الإنسان في أي مكان من العالم، حيث تكشف التفاصيل الصغيرة للحياة اليومية حقائق عميقة عن المجتمع والحالة الإنسانية. وبالتالي فإن «بعد هذا لن يحدث شيء» هو أكثر من مجرد فيلم سينمائي روائي قصير تم إنتاجه في السودان، إنه جزء من موجة التجديد في السينما السودانية التي كادت تندثر بسبب الأوضاع السياسية المضطربة التي عاشها هذا البلد الغني.
وتنتج السينما السودانية مع هذا التيار الجديد أعمالاً تسلط الضوء على القصص المحلية، وتتناول مواضيع تاريخية وسياسية واجتماعية بنهج فني مبتكر يعكس تطلعات الشباب السوداني لرواية قصصهم ومشاركتها مع بقية العالم. ومن خلال فيلم «بعد هذا لن يحدث شيء» يثبت إبراهيم عمر أنه أكثر من مجرد مخرج، فهو فنان تشكيلي يستخدم الكاميرا كأداة لنقل الأفكار الوجودية والإنسانية.
إن أفلام إبراهيم عمر لا تقتصر على تسجيل الأحداث التاريخية الكبرى فحسب، بل هي مرآة تعكس تفاصيل الحياة اليومية، من عادات وتقاليد ولغة ومشاعر وغيرها. فهي تسجل بتفصيل دقيق التغيرات التي تشهدها المجتمعات على المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية، ما يساعد على فهم الجذور وعلى تكوين الهوية بشكل أفضل على حد تعبير إبراهيم عمر نفسه في أحد اللقاءات.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إبراهیم عمر لن یحدث شیء هذا الفیلم من خلال وهو ما

إقرأ أيضاً:

بعد لقائه السوداني.. ما فرص حضور الشرع للقمة العربية ببغداد؟

أثار لقاء رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، مع الرئيس السوري أحمد الشرع، انقساما حادا داخل الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم في العراق، الأمر الذي طرح تساؤلا ملحا عن مدى موافقة الأخير على خطوة السوداني، أم أنها كانت بقرار فردي؟

وسبق هذا اللقاء الذي جرى في الدوحة بوساطة من أمير قطر، إعلان رئيس الوزراء العراقي، توجيه دعوة رسمية إلى الرئيس السوري من أجل حضور مؤتمر القمة العربية التي تستضيفها العاصمة بغداد في أيار/ مايو المقبل، مؤكدا أنه "مرحب به" في العراق.



يأتي ذلك، بعد اتصال هاتفي أجراه السوداني لتهنئة الشرع بعيد الفطر، أكد فيه الطرفان أهمية فتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية تقوم على التعاون المشترك لمواجهة التحديات، كما شددا على عمق الروابط الشعبية والاقتصادية التي تجمع سوريا والعراق.

"منطق الدولة"
وبخصوص ما إذا كان لقاء السوداني مع الشرع يعبر عن تحول للإطار الشيعي حيال الإدارة السورية الجديدة، قال المحلل السياسي، فلاح المشعل، إن "السوداني قد تصرف بملء قناعاته، لكن بالتأكيد هناك رسائل إيجابية استلمها حول توطيد العلاقة مع سوريا وإنهائها من القطيعة".

وأضاف المشعل لـ"عربي21" أن "أطرافا محددة داخل الإطار التنسيقي لم توافق على هذه الخطوة، وعلى إثر ذلك لاحظنا غياب شخصيات فاعلة من اجتماع الإطار، الاثنين، وتحديدا قيس الخزعلي وأحمد الأسدي، وهذا يعبر عن رفضهم للزيارة".

وأوضح الخبير العراقي أن "جدول أعمال اجتماع الإطار التنسيقي كان مخصصا ليناقش قضية الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وتفاصيل زيارة رئيس الوزراء إلى قطر ولقائه بالشرع ودعوته له لحضور قمة بغداد".

وأكد المشعل أن "واقع الحال يفرض نفسه على السوداني لأن تكون العلاقات إيجابية بين دولتين جارتين تجمعهما ملفات مهمة جدا تتعلق بالأمن والاقتصاد والعمق الاجتماعي، وأن أحمد الشرع اليوم هو رئيس الدولة ولا يمثل نفسه، وإنما الجمهورية السورية، التي لها كيانها وشخصيتها وهويتها".

وأردف: "لكن بعض الأطراف السياسية تنظر بذاكرة استرجاعية، فهي تسترجع شخصية أبو محمد الجولاني، وهذا الأمر يتقاطع بين البعد السياسي والأيديولوجي لبعض الأطراف مع منطق الدولة، الذي يقترح حوارات مستمرة مع الآخر وإن كنت مختلفا معه، وبالتالي تقديم المصالح على بقية الاعتراضات".

ولفت المشعل إلى أن "الإجماع العربي اليوم باتجاه دعم سوريا، ربما يفرض على العراق وجود تمثيل للدولة السورية يعيد البلاد إلى الاصطفاف العربي، لأنها معروفة إلى من كانت تنتمي في زمن الأسدين (حافظ، وبشار)".

ورأى الخبير العراقي أن "موضوع إعادة سوريا للصف العربي يخص العراق بشكل مباشر، لأنه يجاورها ويمثل العمق السوري، والعكس صحيح، بالتالي لا استبعد أن يكون هناك شرطا محددا من الزعامات العربية، بأنه إذا حضرت سوريا للقمة سنحضر وإذا غابت يفشل المؤتمر، وهذا الأمر يدعو الإطار وغيره للقبول".

ونوه المشعل إلى أنه "ثمة مؤشرات تناقض ذلك، لأن القيادي في الإطار نوري  المالكي تحدث قبل يومين عن ضرورة التحقق من السجل القضائي للحاضرين إلى القمة العربية"، مستغربا عن "كيف يعطي الأخير الحق لنفسه للتحقيق في سجل رؤساء وأمراء وملوك دول، في طرح أقرب للفنتازيا، وهدفه استغفال الداخل".

وشدد المشعل على أن "الإشكالية التي يعاني منها الوضع السياسي العراقي، وتحديدا الإطار التنسيقي، هو غياب المراجعة النقدية للذات، وتشخيص الأخطاء التي ارتكبوها ومحاولة مغادرتها وعدم الاستمرار في النهج نفسه".

حضور محتمل
وفي السياق ذاته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، سعدون التكريتي، إن "السوداني حاسم أمره منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد ومجيء الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، وهو أن ينفتح على سوريا ويطبع العلاقة معها ويطوي الصفحة السابقة".

ورأى التكريتي في حديث لـ"عربي21" أن "لقاء السوداني مع الشرع لم يكن ليحصل من دون أخذ ضوء أخصر من الإطار التنسيقي، وحتى من الجانب الإيراني، لأنه لا يقوى على مواجهة كل أطراف الإطار لو كانت الخطوة بقرار فردي".

وأضاف: "لكن السوداني على المستوى الشخصي يرغب بتطبيع العلاقة مع سوريا تحت إدارة الشرع، وقبل نحو أسبوع تحدث مع عدد من ممثلي مراكز الأبحاث السورية بشكل بعث على ارتياحهم، وخرجوا متفائلين، وأكد لهم وقتها أنه دعا الشرع لحضور مؤتمر القمة في بغداد".

وتوقع التكريتي أن "غالبية أطراف الإطار تسعى لإنجاح القمة العربية في بغداد، وبعدها ربما تشن حملة تسقيط ضد السوداني لإسقاطه انتخابيا، فسوف يعلو الصوت الطائفي للقوى التي تبني دعايتها الانتخابية على هذا الوتر، ولا تمتلك أي إنجاز على الأرض".

وعن مدى حضور الشرع إلى بغداد في ظل حملة تشنها بعض أطراف الإطار ضده، رأى التكريتي أنه "مع توفر الضمانات ربما يأتي، وهذا ما تضغط به دول عربية، وربما حتى تساوم الحكومة العراقية على ذلك".

من جهته، رأى المشعل أن "حضور الشرع إلى بغداد مرهون بالأيام المقبلة، فإذا انتهت الحملة الإعلامية المضادة لحضوره، أعتقد أنه سيأتي ويشارك في مؤتمر القمة الذي لن يستمر أكثر من 10 ساعات، وفي منطقة لا يصلها أحد وتحت حماية مركزة".

وتابع: "ربما يرسل الشرع من يمثله سواء وزير الخارجية أو غيره لحضور القمة مكانه إذا استمرت حملات التسقيط ضده، لأن بعضها وصل إلى حد التخريف وترويج وثائق قضائية مزيفة، رغم أن القضاء أكد أنه ليس هناك ملفات بحقه، فهل ليس لديهم ثقة بالقضاء العراقي؟".



وكان "حزب الدعوة الإسلامية" بزعامة نوري المالكي، أصدر بيانا شدد فيه على ضرورة أن يخلو سجل أي مشارك في القمة العربية من التهم أو الإدانات الجنائية، سواء على الصعيد العراقي أو الدولي، التزاما بالقانون الدولي، في إطار رفضه لدعوة الشرع إلى بغداد.

من جهته، أشار زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، إلى أن إقامة علاقات بين العراق وسوريا "أمر ضروري وذو مصلحة متبادلة"، لكنه شدد على أن "دعوة رئيس النظام السوري الحالي لزيارة العراق سابقة لأوانها"، مرجحاً أن تؤدي إلى "تداعيات قانونية وأمنية"، لا سيما في ظل وجود مذكرة اعتقال نافذة بحقه، بحسب قوله.

مقالات مشابهة

  • صلاة القلق.. إبداع مصري يتوّج بـ«جائزة البوكر العربية 2025»
  • الناقد الإيطالي آلدو نيقوسيا: أحاول أن أنقل السينما العربية لطلابي في قاعات الجامعة
  • صلاة القلق تظفر بجائزة البوكر العربية 2025
  • الفانتازيا وتاريخ النكسة.. صلاة القلق تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية
  • «صلاة القلق» تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية 2025
  • بعد فوزها بالجائزة العالمية للرواية العربية.. ننشر مقطع من رواية "صلاة القلق" لمحمد سمير ندا
  • مصري يفوز بجائزة البوكر العربية عن رواية صلاة القلق
  • فوز الكاتب المصرى محمد سمير ندا بالجائزة العالمية للرواية العربية
  • بعد لقائه السوداني.. ما فرص حضور الشرع في القمة العربية ببغداد؟
  • بعد لقائه السوداني.. ما فرص حضور الشرع للقمة العربية ببغداد؟