تمثل الفنون مدخلًا مؤثرًا في عالم ذوي الإعاقة وخاصة «الدون والذهني»، الأمر الذي يُساهم في الكشف عن مواهبهم، ومن ثم يتم توجيههم وتأهيلهم حتى يصبحوا كالأسوياء، فضلًا عن التغير الذي يحدث في طريقة تواصلهم مع الآخرين بشكل أفضل.

«على مسارح وزارة الثقافة في محافظة الشرقية، وقفوا بثقة، يرقصون ويغنون بحماس، يكسرون حواجز الإعاقة، ويرسمون الأمل بأقدامهم وأيديهم»؛ إنهم أعضاء فرقة القلب الصافي لذوي الهمم، الذين أثبتوا أن الإبداع لا يعرف المستحيل، فلهذه الفئة من أبناء الشرقية دورًا ملموسًا في تجاوز آلام الإعاقة التي صاحبتهم منذ مولودهم، ونجحوا في إسعاد أنفسهم وأسرهم والمجتمع، من خلال عروض استعراضية تتم بتناسق وتفاهم دقيق فيما بينهم.

«إبداع بلا حدود.. فرقة القلب الصافي تمنح ذوي الهمم أجنحة للتحليق»

فرقة القلب الصافي الفنون الشعبية لذوي الهمم بمحافظة الشرقية، هي خير برهان على أن الفن قادر على إحداث تعديل سلوكي ومعرفي لهولاء، واستطاع الفن أن يكتشف مواهب وجوانب إبداعية لديهم.

نشأة الفرقة.. فكرة تحولت إلى واقع؛ يقول محمد بركات مخرج المسرحي والمسؤول الأول عن الفرقة، إنه يعمل مخرج مسرحي مُعتمد لدى هيئة قصور الثقافة، وإنه قبل أربع سنوات من الآن؛ لاحظ مواهب وقدرات إبداعية لدى الأشخاص والأطفال المصابين بما يعرف بـإعاقات «الدون والذهني» من أصحاب الهمم، وبعدها أعلن عبر اصدقاؤه ومعارفه وجمهور المبدعين نيته في تكوين فرقة خاصة بهولاء.

«كيف يمكن لحلم صغير أن يصبح نافذة أمل لذوي الهمم؟ هذا ما أثبتته فرقة القلب الصافي بمحافظة الشرقية، حيث استطاع مدربها محمد بركات أن يمنح أبناءه فرصة ليكونوا نجومًا على المسرح، ويغيروا نظرة المجتمع إليهم، وهو ما أكده بركات بأنه نجح في تجميع عدد 18 من أبناءنا من «الدون والذهني» من أعمار مختلفة تتراوح ما بين الـ 14 : 30 عامًا، مكونا بهم فرقة استعراضية تقدم تابلوها فنية رائعة.

ومتلازمة الداون هي اضطراب جيني ناتج عن وجود كروموسوم إضافي في الزوج 21، مما يؤدي إلى تأخر في النمو العقلي والجسدي، ويتميز المصابون بـ «الدون» بملامح وجه مميزة، وتأخر في النمو الحركي واللغوي، لكنها لا تمنع المصابين من التعلم وتحقيق إنجازات كبيرة عند توفير الدعم المناسب، أما الإعاقة الذهنية؛ تشير إلى حالات متنوعة من التأخر العقلي تؤثر على القدرات الفكرية والتكيفية للشخص، وقد تكون خفيفة أو متوسطة أو شديدة، وتعتمد على مستوى الذكاء والقدرة على التكيف مع الحياة اليومية.

رحلة الاعتماد الرسمي لفرقة القلب الصافي 

 ولفت المخرج المسرحي محمد بركات، إلى أنه وخلال عامين من بداية 2021 قام بتدريب هولاء حتى تمكن وبفضل الشاعر أحمد خاطر مدير عام قصور الثقافة بمحافظة الشرقية، وأمل عبد الله مدير عام إقليم شرق الدلتا -آنذاك- من التقدم لهيئة قصور الثقافة بأوراق اعتماد الفرقة، وبعد العرض على عدد من اللجان فنية من قبل الهيئة؛ تم اعتماد الفرقة في 18/9/2023، وأصبحت للفرقة وجود رسمي بين الفرق الاستعراضية العاملة في ربوع محافظات الجمهورية.

عروض لامعة على مسارح الجمهورية 

تعد فرقة القلب الصافي الفنون الشعبية لذوي الهمم بمحافظة الشرقية، الوحيدة على مستوى محافظات شرق الدلتا الأربع، وهم «دمياط، الشرقية، الدقهلية، كفر الشيخ»، بفنانيها من أصحاب الهمم من مرضى «الدون والذهني»، ومقرها الرسمي قصر ثقافة ديرب نجم، كون أن معظم أعضاءها من مركز ديرب نجم.

 

شركاء النجاح في تدريب وتأهيل الفرقة

وذكر أن مدير الفرقة طارق عبد المقصود، ويساعده كل من: مروة عبد النبي وعبير صلاح، وذلك تحت متابعة مُديرة قصر الثقافة نجوى مكاوي، مشيرا إلى أن الفرقة تضم طلابًا بمدارس التربية الفكرية وعدد ممن أنهوا مراحل دراستهم التعليمية، ويقوم بتدريبهم مرتين أسبوعيًا الساعة 3 عصرًا يومي الثلاثاء والخميس من كل أسبوع في مقر الرئيس قصر ثقافة ديرب نجم، ويقدم أعضاءها من فنانيها؛ استعراضات شعبية، بعدد 8 تابلوهات فنية غنائية راقصة.

طموحات الفرقة وأحلامها المستقبلية، وأهم المطالب والدعوات لدعم نجاح الفرقة

وكشف مُخرج فرقة القلب الصافي الفنون الشعبية لذوي الهمم بمحافظة الشرقية، عن حلمه بأن تشارك الفرقة في تمثيل مصر في المهرجانات الدولية والبروتوكولات الثقافية بين دول العالم، خاصة وأنه خلال عام 2024 قدمت الفرقة 30 عرضًا، من بينها عروض في مهرجانات ثقافية كبرى وحفلات في قصر ثقافة الزقازيق وديرب نجم، ما ساهم في انتشارها، ولذلك تعدت سمعة الفرقة محافظة الشرقية وأصبحت تقدم تابلوهات وعروض فنية على مستوى محافظات الجمهورية، بفضل حالة الانضباط والمهارة الإبداعية الفنية التي يتمتع بها أعضاءها وهم يقدمون عروضهم على المسرح، ونال ذلك إعجاب الجمهور، مما ساهم في ارتفاع معنوياتها النفسية ورفع سقف طموحاتها الفنية للوصول للعالمية.

«فرقة القلب الصافي ليست مجرد فرقة استعراضية، بل رسالة أمل وإثبات أن الإبداع لا يعرف حدودًا. فهل نرى دعمًا حقيقيًا لهذه المواهب الفريدة؟»

وطالب محمد بركات مخرج الفرقة الاستعراضية، بضرورة تعين أعضاء الفرقة في وظائف الـ 5 ٪ بالمصالح الحكومية، حتى يتمكنوا من إستكمال مراحل حياتهم، من خلال توفير راتب ثابت من عملهم بتلك الوظائف وتعينهم على مواصلة تألقهم الفني، داعيًا أولياء الأمور ممكن لديهم أبناء من مرضى «الدون والذهني» أن يبادروا بتقديم أبنائهم للفرقة حتى يتم اكتشاف ما لديهم من مواهب وقدرات إبداعية؛ بحيث يتم استثمارها بشكل مؤسسي يعود بالنفع عليهم بشكل خاص وعلى الفن المصري بشكل عام.

 

الفن له قدرة هائلة على إدماج ذوي الإعاقة في المجتمع

ومن جهته، أكد المحاسب توفيق حماد، رئيس الإتحاد النوعي للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة بمحافظة الشرقية، أن فرقة القلب الصافي للفنون الشعبية لذوي الهمم، أثبتت أن الفن يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتطوير المهارات، وتعزيز الثقة بالنفس، وإدماج ذوي الإعاقة في المجتمع، مشيرًا إلى أنه حضر للفرقة أكثر من عرض فني خلال الفترة الماضية، وأن هذه العروض ابهرته وكل من حضر هذه العروض، خاصة لحظة تقديم مُخرج الفرقة أعضاءها الواحد تلو الآخر بعد انتهاء العروض، وشاهد بنفسه حالة الرضا والسعادة على هولاء الأبناء الفنانين؛ ووقتها تيقن وبشكل عملي أهمية الفنون في إحداث تعديل سلوكي و معرفي لهولاء الأبناء، فضلًا عن اكتشاف مواهب وجوانب إبداعية لديهم، وهو ما يتحتم على كل مسؤول تنمية هذه المواهب والعمل على رعايتها بشكل احترافي حتى يعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع والبشرية جمعاء.

ابني مع الفرقة أصبح يعيش حياه جديدة

تقول ولاء محمد أحد أولياء الأمور: لم أتخيل يومًا أن أرى ابني يرقص ويغني أمام جمهور كبير، لقد منحته الفرقة حياة جديدة."

الفن جعلني أعيش حلمي على المسرح

وعبر كل من: «مي السعيد، محمد عبد النبي، محمود حسني، وشهد» أعضاء في فرقة القلب الصافي، عن سعادتهم بانضمامهم للفرقة، والتي نجحت في تغير توجهاتهم الفكرية والمعيشية، بقولهم: كنا نشعر بأننا غير مرئين في المجتمع، ولكن بعد انضمامنا للفرقة، أصبحنا نعيش حلمنا على المسرح".

فرقة القلب الصافي ليست مجرد فرقة عادية، بل رسالة حياة، فهل سنرى دعمًا حقيقيًا من المؤسسات الثقافية ورجال الأعمال لتحقيق حلمهم في الوصول للعالمية؟.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: المؤسسات الثقافية قصور الثقافة ديرب نجم الشرقية مخرج مسرحي حواجز الإعاقة بمحافظة الشرقیة محمد برکات ذوی الهمم

إقرأ أيضاً:

دار الإفتاء تعقد ندوة حول دعم حقوق ذوي الهمم في جناحها بمعرض الكتاب

عقدت دار الإفتاء المصرية، ضمن فعاليات جناحها بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ندوة علمية تحت عنوان «الفتوى ودعم حقوق ذوي الهمم: رؤية شرعية شاملة»، بمشاركة نخبة من العلماء والمتخصصين.

تحدَّث في الندوة الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتورة نهلة الصعيدي، مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين، والمهندسة أمل مبدى، رئيس الاتحاد الرياضي المصري للإعاقات الذهنية، وقدم الندوة الدكتور محمود عبدالرحمن، عضو المركز الإعلامي بالأزهر الشريف.

تعزيز الوعي بحقوق ذوي الهمم

افتتح «الجندي» كلمته بتقديم الشكر لدار الإفتاء المصرية على تنظيم هذه الندوة المهمة، مشيدًا بحرصها على تعزيز الوعي بحقوق ذوي الهمم من منظور شرعي وإنساني. وأكَّد أن الإسلام كرَّم الإنسان دون تمييز، مستشهدًا بقول الله تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم»، موضحًا أن هذا التكريم يشمل جميع البشر دون استثناء.

وأشار إلى أن الأحكام الشرعية راعت خصوصية ذوي الهمم ووضعت التيسيرات التي تضمن لهم حياة كريمة، حيث قال: "عندما قال الله سبحانه وتعالى: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج)، كان ذلك تأكيدًا على رفع المشقة عن هؤلاء، وإثباتًا لمكانتهم المتكافئة مع بقية أفراد المجتمع".

شخصيات إسلامية بارزة

كما استعرض نماذج من الشخصيات الإسلامية البارزة التي كانت من ذوي الهمم، لكنها بلغت أعلى مراتب العلم والقيادة، مثل الصحابي عمرو بن الجموح الذي أصر على الجهاد رغم عرجته، والصحابي عبد الله بن أم مكتوم الذي تولى ولاية المدينة في غياب النبي، والإمام البخاري الذي فقد بصره في نهاية حياته، لكنه قدم للأمة أعظم كتب الحديث.

وأضاف: «على قدر أهل الهمم تبلغ القمم، وما يظنه البعض إعاقة هو في الحقيقة باب لتميز وعطاء لا محدود"، مشددًا على ضرورة نشر الفتاوى والتوجيهات الدينية التي تدعم حقوق ذوي الهمم، ومنها تخصيص ممرات خاصة بهم داخل المساجد، وهو ما أجازه العلماء لضمان راحتهم وتمكينهم من أداء العبادات دون مشقة»، مشيدًا بالكتاب الذي أصدرته دار الإفتاء المصرية عن فتاوى ذوي الهمم، وأوصى بأن تصنف دار الإفتاء موسوعة كبيرة تضم فتاوى لكل ما يتعلق بذوي الهمم.

واجب شرعي وأخلاقي

من جانبها، أكدت الدكتورة نهلة الصعيدي أن دعم ذوي الهمم ليس مجرد مسؤولية قانونية، بل هو واجب شرعي وأخلاقي، يتطلب تعزيز الوعي المجتمعي بقدراتهم وحقوقهم.وأشارت إلى أن الإسلام كان سبَّاقًا إلى دمج أصحاب الإعاقات داخل المجتمع، مستشهدة بموقف النبي مع الصحابي عبد الله بن أم مكتوم، حيث كان يستقبله بوجه بشوش ويقول له: "أهلًا بمن عاتبني فيه ربي"، في إشارة إلى نزول سورة "عبس وتولى".

وأكدت «الصعيدي» أن الأزهر الشريف يولي اهتمامًا كبيرًا بهذه الفئة، من خلال برامج تعليمية وتوعوية تستهدف دمج ذوي الهمم في المجتمع، مع التركيز على دَور المؤسسات الدينية في ترسيخ ثقافة الاحترام والمساواة.

أما المهندسة أمل مبدى، فقد أعربت عن فخرها بالمشاركة في ندوة علمية داخل جناح دار الإفتاء، مؤكدة أن قضية ذوي الإعاقة شهدت تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، لكنها لا تزال تحتاج إلى مزيد من التوعية والتطبيق الفعلي للحقوق المنصوص عليها في القوانين.

تحديات أمام ذوي الهمم

وأوضحت أن هناك تحدياتٍ تواجه ذوي الهمم في سوق العمل، حيث قالت: "رغم وجود نسبة 5% المخصصة لتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة وَفْقًا للقانون، إلَّا أن بعض الجهات لا تزال غير مقتنعة بقدرتهم على العمل، رغم أنَّ الدراسات أثبتت أن إنتاجيتهم قد تفوق غيرهم في بعض المجالات.

وأضافت أنَّ التجربة العملية أثبتت نجاح الأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف المهن، مستشهدة بتجربة أحد المصانع التي أثبتت أن العاملين من ذوي الإعاقة الذهنية كانوا أكثر إنتاجية بنسبة 35% مقارنة بغيرهم، نظرًا لالتزامهم وانضباطهم في أداء المهام الموكلة إليهم.وفي ختام حديثها، دعت المهندسة أمل مبدى إلى ضرورة تغيير النظرة المجتمعية تجاه ذوي الهمم، والعمل على دمجهم بشكل حقيقي، مؤكدة أن «الأشخاص ذوي الإعاقة قادرون على تحقيق الإنجازات إذا ما أتيحت لهم الفرص المناسبة».

واختُتمت الندوة بعدد من التوصيات، كان أبرزها ضرورة تعزيز الوعي الديني بحقوق ذوي الهمم، من خلال الفتاوى والمبادرات الشرعية التي تضمن لهم حياة كريمة.كما أوصى الحضور بضرورة تفعيل التشريعات التي تكفل لهم حقوقهم، خاصة في مجالات العمل والتعليم والرعاية الصحية، وإشراك المؤسسات الدينية لتقديم مزيد من الدعم لقضايا ذوي الهمم، وتعزيز جهود التوعية المجتمعية لمكافحة التمييز والتنمُّر ضدهم، وأيضًا تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والدينية والمجتمع المدني، لضمان تطبيق القوانين والإجراءات التي تكفل اندماجهم في المجتمع.

مقالات مشابهة

  • الأدب والفن بين الدمار والإبداع
  • معرض الكتاب يناقش "تأثير ثقافة المهرجانات على الفن والإبداع"
  • تنسيقية الأحزاب تعقد ندوة «الفن والإبداع.. معركة بناء الوعي ودعم القضية الفلسطينية»
  • دار الإفتاء تعقد ندوة حول دعم حقوق ذوي الهمم في بمعرض الكتاب
  • محمد الجندي: الأحكام الشرعية وضعت التيسيرات لذوي الهمم ليعيشوا حياة كريمة
  • دار الإفتاء تعقد ندوة حول دعم حقوق ذوي الهمم في جناحها بمعرض الكتاب
  • فرقة أسوان للفنون الشعبية تشارك في معرض القاهرة الدولى للكتاب
  • أبرز ندوات معرض الكتاب اليوم.. بينها «الفن والإبداع ومعركة بناء الوعي»
  • بلدية دبي تُفعّل نظام إخلاء الطوارئ لأصحاب الهمم في شواطئ الممزر