أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم قول (بلى) بعد قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾؟حيث إنَّ هناك بعض الناس بعد الانتهاء من قراءة قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8] أو سماعه يقولون: (بلى)، سواء ذلك في الصلاة أو خارجها، فما حكم هذا القول؟".

 

لترد دار الإفتاء موضحة: أنه يستحب أن يقول الإنسان: (بلى) عند قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8]، سواء كان خارج الصلاة أم داخلها، إمامًا كان المصلي أو مأمومًا، والمعنى حينئذٍ أن هذا النفي باطل، وأن الله تعالى هو أحكم الحاكمين.

ما يفعل القارئ إذا مر بآية فيها عذاب أو رحمة أو تنزيه

التدبر والخشوع عند تلاوة القرآن الكريم من الأمور المستحبة شرعًا، ومن دلائل هذا التدبر أن القارئ إذا مرَّ بآيةٍ فيها عذاب استعاذ بالله وسأل العافية، وإذا مر بآية رحمة سأل الله من فضله، وإذا مر بآية تنزيه نزه، قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ [محمد: 24]، وقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: 29]، وهذا ما فهمه العلماء من دلالة هاتين الآيتين.

قال الإمام القرطبي في " تفسيره" (15/ 192، ط. دار الكتب المصرية): [وفي هذا دليلٌ على وجوبِ معرفةِ معاني القرآن... ومن دلائل التدبر في الآيات أنه إذا مر بآية فيها عذاب استعاذ بالله وسأل العافية، وإذا مر بآية رحمة سأل الله من فضله، وإذا مر بآية تنزيه نزه] اهـ.

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ.." أخرجه الإمام مسلم.

قال الإمام النووي في" التبيان في آداب حملة القرآن" (ص: 91، ط. ابن حزم): [ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب أو يقول: اللهم إني أسألك العافية أو أسألك المعافاة من كل مكروه، أو نحو ذلك، وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه فقال: سبحانه وتعالى، أو تبارك وتعالى، أو جلت عظمة ربنا] اهـ.

بيان حكم قول القاريء أو المستمع "بلى" عند تلاوة قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾
ما جاء في السؤال من حكم قول: (بلى) عند قراءة قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8] أو سماعه، فإن (بلَى) حرفُ جوابٍ يختصُّ بالنَّفْي لإِفادة إِبْطَالِه، ففيه ردٌّ للنفي، أو جواب لاستفهام مقترن بنفي، بخلاف (نعم) فتقال في الاستفهام المجرّد.

قال الراغب الأصفهاني في "المفردات في غريب القرآن" (ص: 146، ط. دار القلم): [بَلَى: ردٌّ للنفي؛ نحو قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۝ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ [البقرة: 80-81] ، أو جواب لاستفهام مقترن بنفي نحو: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: 172]. و(نعم) يقال في الاستفهام المجرّد نحو: ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ﴾ [الأعراف: 44] ، ولا يقال هاهنا: بلى، فإذا قيل: ما عندي شيء، فقلت: بلى، فهو ردّ لكلامه، وإذا قلت: نعم، فإقرار منك] اهـ.

وعلى ذلك، فقول (بلى) بعد قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ يُفيد إبطال النفي فيه وإثبات أنه تعالى هو أحكم الحاكمين جلَّ جلاله.

أما حكم قول: (بلى) عند قراءة قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8] أو سماعه، فيختلف باختلاف حال القائل؛ وذلك أنه إما أن يكون خارج الصلاة أو داخلها، ومن هو في الصلاة إما أن يكون إمامًا أو مُقتديًا أو منفردًا.

فإذا كان خارج الصلاة فمن السُّنَّة أن يقول ذلك؛ فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8]، فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَمَنْ قَرَأَ: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَانْتَهَى إِلَى ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة: 40]، فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَمَنْ قَرَأَ: وَالْمُرْسَلَاتِ، فَبَلَغَ: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [المرسلات: 50]، فَلْيَقُلْ: آمَنَّا بِاللَّهِ" رواه أبو داود في "سننه".

فأفاد هذا الحديث أن قول (بلى) عند المرور بهذه الآية من المندوبات.

قال الإمام ابن رسلان الرملي في "شرح سنن أبي داود" (5/ 23، ط. دار الفلاح): [فيه أنه يستحب لكل من قرأ في الصلاة أو في غيرها أن يقول ذلك] اهـ.

وقال الإمام المناوي في "فيض القدير" (5/ 156، ط. المكتبة التجارية): [(وإذا قرأ: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ قال: بلى)؛ لأنه قول بمنزلة السؤال فيحتاج إلى الجواب، ومن حق الخطاب أن لا يترك المخاطب جوابه، فيكون السامع كهيئة الغافل أو كمن لا يسمع إلا دعاء ونداء من الناعق به... فهذه هبة سنية، ومن ثم ندبوا لمن مر بآية رحمة أن يسأل الله الرحمة، أو عذاب أن يتعوذ من النار أو بذكر الجنة بأن يرغب إلى الله فيها، أو النار أن يستعيذ به منها] اهـ.

وأمَّا إذا كان في الصلاة، فقد اختلف الفقهاء في حكم ذلك، فقد ذهب الحنفية إلى أنه إذا كانت الصلاة جماعة فالإمام لا يقول شيئًا من ذلك سواء كانت صلاته فرضًا أم نفلًا، وكذا المقتدي فإنه يستمع وينصت ولا ينشغل بالدعاء، وإذا كان المصلي منفردًا فيباح له ذلك إذا كانت صلاته تطوعًا، وتكره في الفرض.

قال الإمام بدر الدين العيني في "البناية شرح الهداية" (2/ 321، ط. دار الكتب العلمية): وهو يتكلم عن حكم قول (بلى) بعد قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ وأمثالها: [أما حكم المقتدي فهو الذي ذكره، وهو أنه يستمع وينصت ولا ينشغل بالدعاء. م: (لأن الإنصات والاستماع فرض بالنص).. وأما حكم الإمام فإنه لا يفعل ذلك في التطوع ولا في الفرض؛ لأنه يؤدي إلى تطويل الصلاة على القوم وإنه مكروه] اهـ.

وقال العلامة ابن مازه في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (1/ 378، ط. دار الكتب العلمية): [مسألة في المتفرد، والجواب فيها أنه إن كان في التطوع فهو حسن؛ لحديث حذيفة قال: «صليت مع رسول الله عليه السلام صلاة الليل فما مر بآية فيها ذكر الجنة إلا وقف وسأل الله تعالى الجنة، وما مرّ بآية فيها ذكر النار إلا وقف وتعوّذ بالله من النار، وما مر بآية فيها مَثَل إلا وقف عليها وتأمل وتفكر»، فإن كان في الفرض يكره؛ وذلك لأنه لم ينقل عن رسول الله عليه السلام أنه فعل ذلك، ولا عن الأئمة بعده، فكان محدثًا، وشر الأمور محدثاتها] اهـ.

وأما المالكية فنصوا على أنَّ قول: بلى عند سماع قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8] وما أشبه ذلك مما لا حرج فيه، ولا يؤثر على صحة الصلاة، إمامًا كان أو مأمومًا.

قال الإمام الحطَّاب في "مواهب الجليل" (1/ 544، ط. دار الفكر) [قال في المسائل الملقوطة: إذا مر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة الإمام فلا بأس للمأموم أن يصلي عليه، وكذلك إذا مر ذكر الجنة والنار فلا بأس أن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، ويكون ذلك المرة بعد المرة، وكذلك قول المأموم عند قول الإمام: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة: 40] بلى إنه على كل شيء قدير وما أشبه ذلك، وسئل مالك فيمن سمع الإمام يقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1] إلى آخرها فقال المأموم: كذلك الله، هل هذا كلام ينافي الصلاة؟ فقال: هذا ليس كلاما ينافي الصلاة أو ما هذا معناه من "مختصر الواضحة". انتهى] اﻫـ.

وقال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 267، ط.دار الفكر): [لا يكره قول الإمام عند قراءته ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة: 40]: بلى إنه على كل شيء قدير، وما أشبه ذلك. وقول المأموم عند قراءة الإمام ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾: الله كذلك، انتهى عبق. هذا يفيد أنه يستثنى من قوله وأثناء سورة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، وسؤال الجنة والاستعاذة من النار عند ذكرهما، ونحو ذلك، وأن قول المأموم: بلى إنه أحكم أو قادر عند قراءة الإمام: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8]، أو الآية المتقدمة لا يبطل، انتهى] اهـ.

وأما الشافعية فقالوا: يستحب لكل من الإمام والمأموم قول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين عند سماع قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8] وما أشبه ذلك.

قال الإمام الرملي في" نهاية المحتاج" (1/ 547-548، ط. دار الفكر): [ويسن للقارئ مصليا أم غيره أن يسأل الله الرحمة إذا مر بآية رحمة، ويستعيذ من العذاب إذا مر بآية عذاب، فإن مر بآية تسبيح سبح، أو بآية مثل تفكر، وإذا قرأ: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8] سن له أن يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وإذا قرأ: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [المرسلات: 50] يقول: آمنت بالله، وإذا قرأ: ﴿فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: 30] يقول: الله رب العالمين] اهـ.

وأما الحنابلة فإنهم يرون أنَّ المصلي لا يقول: بلى عند سماع هذه الآية بخصوصها؛ لأنَّ الخبر الوارد فيها عندهم فيه نظر.

قال العلامة المرداوي في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (2/ 110، ط. دار إحياء التراث): [وقال أحمد: إذا قرأ ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة: 40] في صلاة وغيرها قال: "سبحانك فبلى" في فرض ونفل، وقال ابن عقيل: لا يقوله فيها، وقال أيضا: لا يجيب المؤذن في نفل قال: وكذا إن قرأ في نفل ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8] فقال: (بلى) لا يفعل] اهـ.

وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 211، ط. عالم الكتب): [(و) لمصل (قول: سبحانك، فبلى إذا قرأ ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة: 40] نصا، فرضا كانت أو نفلا؛ للخبر. وأما ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8] ففي الخبر فيها نظر، ذكره في "الفروع"] اهـ.

فالحاصل أن قول: بلى عند قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8] خارج الصلاة سنة، والمختار للفتوى استحبابه داخل الصلاة أيضًا؛ لما فيه من دلائل التدبر والخشوع عند تلاوة القرآن الكريم، ولأنه من جملة الثناء على الله تعالى، وهو مشروع داخل الصلاة وخارجها.

الخلاصة
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإنَّ (بلَى) حرفُ جوابٍ يختصُّ بالنَّفْي لإِفادة إِبْطَالِه، ففيه ردٌّ للنفي، أو جواب لاستفهام مقترن بنفي، بخلاف (نعم) فتقال في الاستفهام المجرّد، ويستحب أن يقول الإنسان: (بلى) عند قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8]، سواء كان خارج الصلاة أم داخلها، إمامًا كان المصلي أو مأمومًا، والمعنى حينئذٍ أن هذا النفي باطل، وأن الله تعالى هو أحكم الحاكمين.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: قراءة القرآن المزيد خارج الصلاة قال الإمام الله تعالى قوله تعالى عند قراءة الله علیه الصلاة أو فی الصلاة ال م و ت ى من النار إذا قرأ حکم قول الله من إذا کان ذ بالله عند قول أن یقول ب ق اد ر ى الله الله ع ما حکم إمام ا قال فی

إقرأ أيضاً:

السيرة النبوية ودور الإملاءات السياسية والمذهبية.. قراءة في كتاب

الكتاب: الوحي و النص قراءة في المشروع المحمدي
الكاتب: فراس السواح
الناشر: دار التكوين للنشر و التوزيع ـ الشارقة ـ الطبعة الأولى 2024
(397 صفحة من القطع الكبير) 


لقد بالغت المصادر الإسلامية القديمة في مسألة تجارة مكة مثلما بالغت في وصف الكعبة وطقوسها وآلهتها، وتبعها في ذلك الباحثون المحدثون، والكل يعتمد على سورة قريش في القرن الكريم: (لإيلافِ قُرَيْشٍ إِلَيْفِهِمْ رِحْلَةَ الشَّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ). وقد اختلف المفسرون على مدى تاريخ التفسير في معنى كلمة إيلاف، بينما تبنى معظم المحدثين رأي ابن حبيب مؤلف كتاب المحبر المتوفى عام 245هـ القائل إن الإيلاف هو ميثاق بين قريش وقبائل طريق التجارة، تتعهد فيه القبائل بحماية قوافل قريش التي تعبر أراضيهم مقابل إشراك سادتها في أرباح التجارة. أما عن رحلتي الشتاء والصيف فقد اتفق الجميع على أنهما رحلتان تجاريتان في كل عام واحدة إلى اليمن وأخرى إلى الشام على الرغم من أن السورة قالت رحلة ولم تقل "تجارة"، وهي الكلمة التي وردت عشرات المرات في النص القرآني. وهكذا نشأت أسطورة تجارة قريش والثروة التي حققتها من سيطرتها على تجارة اليمن والشام.

يقول المؤرخ التونسي هشام جعيط في كتابه السيرة النبوية الجزء الثاني: إن التجارة القوافلية كانت من قبل بأيدي اليمنيين ثم الأحباش ثم اللخميين، وبعدها آلت إلى قريش في اتجاه اليمن أولاً ثم في اتجاه سورية، عندما سيطرت على الطريق الرئيسي لتجارة البخور واللبان والمر والبهارات الهندية، الصاعد من العربية الجنوبية إلى الشام. وهذه التجارة كانت في الأساس تجارة ترانزيت، أي عابرة لبلاد العرب، ولكن القرشيين كانوا يقومون على الطريق ببعض المبادلات التجارية مع القبائل العربية. وقد قادت ثروة مكة التي جنتها من التجارة إلى تعقيد المشهد الاجتماعي؛ فهنالك الأشراف وعشائرهم من أقحاح قريش، وسلالات داخل العشائر، وموال وحلفاء وعبيد من الروم والأحباش والسريان يعملون في المهن، أي إن مكة كانت بشكل ما تلعب دور الميتروبول (= Metropolis). وبما أن التجارة لا تأخذ أكثر من شهرين في اتجاه الجنوب أو اتجاه الشمال، فإنه يتوفر لدى الأشراف وأبنائهم وقت طويل ملؤوه بالترفه والتزين، من شرب خمر وغناء واستجلاب قيان.

في هذا الكلام نموذج عن التهويل فيما يتعلق بتجارة مكة وثرائها، لا سيما عندما يقول المؤلف إن مكة كانت تؤدي دور الميتروبول، لأن كلمة الميتروبوليس اليونانية بالاستخدام الحديث تعني المدينة العظيمة التي يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة، والضواحي حولها مرتبطة بها، وفيها مقرات حكومية ومقرات سلطة دينية، فهل كانت مكة كذلك؟

السيرة النبوية ودور الإملاءات السياسية والمذهبية

عندما يعمل المخيال الجمعي على صياغة سيرة تأسيسية لأصول ثقافية انتقلت من البساطة إلى التركيب لابد من خضوع هذه السيرة للإملاءات السياسية والمذهبية. وهذا ما نجده بكل وضوح في السيرة النبوية، التي قام مدونوها بجمع شتات من هذه الإملاءات دون بذل جهد للتوفيق بينها، ولذلك نجد لكل مذهب أو حزب سياسي حصة فيها. فبعد وفاة الرسول بدأت الأحزاب السياسية بالتشكل عندما لم يدع الهاشميون إلى اجتماع سقيفة بني ساعدة، حيث تم اختيار خلف للرسول في إدارة الدولة الإسلامية، وما تبع ذلك من تأخر علي بن أبي طالب عن إعطاء البيعة لأبي بكر مدة أسبوع، لأنه اعتبر نفسه الأحق بالخلافة لأنه ابن عم الرسول وزوج ابنته فاطمة، والأقرب إليه خلال حياته. ومنذ ذلك الوقت بدأ بالتشكل مصطلح أهل البيت الذي عُني به أسرة علي وفاطمة وولديهما الحسن والحسين. ثم تبعهم في ذلك أسرة العباس عم الرسول، الذين اعتبروا أنفسهم أهل البيت أيضاً. علماً بأن تعبير "أهل البيت"، بمعنى آل بيت محمد قد ورد مرة واحدة في القرآن بمعنى نساء النبي، وذلك في سورة الأحزاب حيث نجد خطاباً موجهاً إلى نساء النبي يبتدئ بقوله ينساء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ، وينتهي بقوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويطهركم تطهيراً) الأحزاب: 32-33

عندما يعمل المخيال الجمعي على صياغة سيرة تأسيسية لأصول ثقافية انتقلت من البساطة إلى التركيب لابد من خضوع هذه السيرة للإملاءات السياسية والمذهبية. وهذا ما نجده بكل وضوح في السيرة النبوية، التي قام مدونوها بجمع شتات من هذه الإملاءات دون بذل جهد للتوفيق بينها،يقول المؤرخ فراس السواح: "عندما آلت الخلافة أخيراً إلى علي، وما تبع ذلك من أحداث الفتنة الكبرى ومعركة الجمل بينه وبين خصومه من الصحابة، ثم معركة صفين بين علي ومعاوية والي الشام، أخذت معالم عدة أحزاب سياسية بالتوضح وهي:

1 ـ شيعة علي أي الذين وقفوا إلى جانبه وناصروه وحاربوا معه.

2 ـ  الحزب الأموي، وهم بنو أمية ومن ناصرهم في تحويل الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان.

3 ـ الخوارج، وهم أتباع علي الذين انشقوا عنه بعد معركة صفين لقبوله التحكيم مع معاوية وقالوا: "لا حاكم إلا الله، وأن الخلافة يجب أن تكون للأكفأ وأنه لا فضل لأحد لمجرد انتمائه بالنسب إلى النبي، لأن أكرم الناس عند الله أتقاهم (سورة الحجرات: 13)، ولأن النبي أعلن عن موقفه من الخلافة عندما قال: "لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى". وما عدا ذلك من أحاديث في فضل آل البيت باطل في رأيهم، وقد تجمع أربعة آلاف من هؤلاء في النهروان غير بعيد عن موقع بغداد فيما بعد، فحمل عليهم علي وأفناهم تقريباً، ولكنهم بقوا بعد ذلك مشكلة لحكام بني أمية وبني العباس، وقوة عسكرية معارضة أزعجت مقام الخلافة.

4 ـ  الحزب الزبيري، وهم اتباع عبد الله بن الزبير بن العوام، وأمه أسماء بنت أبي بكر. وقد نشأ هذا الحزب بعد أن رفض عبد الله بن الزبير مبايعة يزيد بن معاوية على الخلافة، ثم أعلن نفسه خليفة بعد وفاة يزيد الذي لم يستطع إخضاعه ودانت له بلاد العرب والعراق بعد ذلك.

5 ـ وفي غمرة الصراع بين شيعة علي وبني أمية، والثورات العديدة الفاشلة للحزب الشيعي ضد بني أمية، نشأ الحزب العباسي الذي راح يدعو إلى خلافة بني العباس عم الرسول، باعتبارهم من آل البيت أيضاً.

6 ـ خلال الصراع السياسي بين هذه الأحزاب، تحول بعضها من حزب سياسي إلى طائفة مذهبية، وأخص بالذكر هنا الشيعة والخوارج فبعد استشهاد الحسين في كربلاء على يد الجيش الأموي الذي أرسله يزيد بن معاوية لقتاله، بدأ شيعة علي بالتحول إلى مذهب ديني يقوم على فكرة الإمامة، دعي فيما بعد بمذهب الشيعة الاثني عشرية. وبعد ذلك حصل انشقاق داخل المذهب الشيعي أدى إلى ظهور المذهب الإسماعيلي. كما تحول الخوارج بدورهم من جماعة سياسية إلى مذهب إسلامي مستقل اعتبر نفسه الممثل الوحيد لدين محمد وكفر غيره من المذاهب.

7 ـ في سياق العصر العباسي الأول (132-232هـ)، أخذت ملامح المذهب الأورثوذكسي الإسلامي الذي زرع بذوره بنو أمية بالتوضح، وهو المعروف تاريخياً بأهل السنة والجماعة، وتشكلت مذاهبه الفقهية الأربعة التي رفعت من شأن الحديث النبوي إلى مرتبة القرآن سواء فيما يتعلق بالعقائد أو الأحكام. وقد قال هؤلاء بأولوية النقل عن السلف في فهم النصوص. وإلى جانب أهل السنة نشأ المذهب الاعتزالي الذي يعطي الأولوية للعقل لا للنقل. ومع الاعتزال نشأ علم الكلام الذي يستخدم المنطق في معالجة المسائل الاعتقادية التي أدى الخلاف بشأنها إلى ظهور مذهب الأشاعرة واستقلاله عن أهل السنة والجماعة، على الرغم من بقاء هذين المذهبين في خندق واحد في مقابل الشيعة والمذاهب الأخرى.

وقد راح كل فريق من هذه الأحزاب والمذاهب يبحث عن مؤيدات له في الحديث والسيرة اللذين وضعا في خدمة السياسة والمذهبية، حتى صار من الصعب التمييز بين الحقيقي والمتخيل فيما يورد كل فريق(صص 100-101).

من القرآن إلى المصحف

إن بقاء الخطاب القرآني متداولاً شفوياً خلال حياة الرسول، وإلى فترة طويلة امتدت قرناً بعد وفاته، ليس حالة منعزلة في تاريخ الثقافة والدين، بل إنه حالة عامة نجدها في الثقافات الكبرى عبر التاريخ، فأسفار الفيدا وهي السجل الفكري والتاريخي والحضاري للآريين الذي هاجروا إلى الهند في أواسط الألف الثاني قبل الميلاد لم تدون بلغتهم السنسكريتية إلا في القرن الثامن قبل الميلاد، عندما جاء تجار هنود من آسيا الغربية بأبجدية سامية اشتقت منها حروف الهجاء السنسكريتية. وأسفار الديانة الزرادشتية مثل أناشيد الغاتا والأفيستا، لم تدون إلا بعد عدة قرون من عصر زرادشت. والملاحم اليونانية مثل الأوديسة والإلياذة، وكتاب هزيود في أصل الآلهة، أو الثيوغونيا، التي تحتوي على مقدسات الشعب اليوناني، بقيت على حالتها الشفوية مدة تزيد على الثلاثة قرون قبل أن تدون في القرن السادس قبل الميلاد، وكانت محفوظة في ذاكرة الشعراء الجوالين، مثلما كان القرآن محفوظاً في ذاكرة القراء، الذين تقول الأخبار إن 150 قارئاً منهم قــد قتلوا في حروب الردة التي شنها الخليفة أبو بكر بعد وفاة النبي، الأمر الذي جعل أبا بكر يوافق عمر بن الخطاب على جمع القرآن في مدونة، وحسم الصراع بين القائلين بضرورة بقاء الوحي في الذاكرة والقائلين بتدوينه.

بعد استشهاد الحسين في كربلاء على يد الجيش الأموي الذي أرسله يزيد بن معاوية لقتاله، بدأ شيعة علي بالتحول إلى مذهب ديني يقوم على فكرة الإمامة، دعي فيما بعد بمذهب الشيعة الاثني عشرية. وبعد ذلك حصل انشقاق داخل المذهب الشيعي أدى إلى ظهور المذهب الإسماعيلي.يسود الاضطراب أخبار عملية جمع القرآن التي أنتجت المصحف، والتي نجدها في المصادر الرئيسية التالية؛ وهي متوفرة بطبعات حديثة:

ـ أبو بكر بن أبي داود السجستاني (ت عام 316هـ)، كتاب المصاحف.
ـ ابن النديم، محمد بن إسحاق (ت) عام 483هـ)، الفهرست.
ـ بدر الدين الزركشي (ت عام 794هـ)، البرهان في علوم القرآن.
ـ جلال الدين السيوطي (ت عام 911هـ)، الاتقان في علوم القرآن.
ـ وهناك مادة متوفرة أيضاً في مصنفات الحديث.

فقد قيل إن الجمع تم في حياة الرسول بأمر منه بعد أن كان موزعاً في رق وحرير وصحف وما شابهها من مواد، وقام بذلك خمسة من الأنصار في المدينة.

وقيل إن أول من جمع القرآن علي بن أبي طالب، الذي اعتكف في بيته ثلاثة أيام بعد وفاة الرسول حتى أتم المهمة، وكان مرتباً حسب النزول. وقيل إن الجمع تم في ولاية عمر بعد أن سأل عن آية في كتاب الله، فقيل له كانت فلان الذي قتل يوم اليمامة أثناء حروب الردة، فقال: إنا الله، ثم أمر بجمع القرآن وكان أول من جمعه في مصحف. وقيل إن الجمع تم في ولاية أبي بكر بتحريض من عمر، جمعه زيد بن ثابت الأنصاري. فقد ورد في صحيح البخاري عن زيد قوله:

أرسل إلى أبو بكر الصديق يوم مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر جالس عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال إن القتل استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى إن استحر القتل بالمواطن الأخرى، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟ قال عمر: هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت فيه ذلك الذي رأى عمر.

قال زيد: "قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وكنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ... التوبة: 128 حتى آخر السورة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر طيلة حياته، ثم عند حفصة بنت عمر راجع البخاري الحديث رقم 4986، والترمذي 3103.

يقول المؤرخ فراس السواح: "هاتان الروايتان المتناقضتان عن الجمع في ولاية أبي بكر أو ولاية عمر تنفيان رواية الجمع في حياة الرسول، كما تقدمان لنا معلومة عن جمع المادة من مصدرين هما ما دون على العسب واللخاف وغيرها من المواد، وما هو محفوظ في صدور القراء، دون أن نعرف نسبة هذه إلى تلك، فربما كان قليلها مدوناً وكثيرها محفوظاً في ذاكرة القراء، لأن عمر كان متخوفاً من حصول مقتلة كاليمامة في أماكن أخرى فيذهب كثير من القرآن. وهنا لا بد للمرء من أن يتعجب كيف تتسع العُسب واللخاف لسورة طويلة واحدة كالبقرة تتألف من 286 آية. وإني لأرجح اعتماداً على المنطق نفسه أن شيئاً لم يكن مدوناً في حياة الرسول الذي كان يعرف فضل الخطاب على النص، ولعل كل ما قيل في موضوع اتخاذ الرسول الكتاب وحي، هو من قبيل الدفاع عن مشروعية المصحف الذي أنتجه عثمان في عملية الجمع الوحيدة الموثقة لنا وفق المنطق التاريخي، وهذا ما تؤيده بعض الأخبار. فقد قال الشعبي صاحب كتاب معرفة القراء الكبار إنه لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء الأربعة إلا عثمان.

يبدو أن ما فعله عثمان بمصاحف الصحابة كان من أهم الأسباب التي أدت إلى مقتله على يد المتمردين الذين جاؤوا من مصر والعراق، وإلى عدم دفنه في مقبرة المسلمين. وعندما آل الملك إلى بني أمية جرى توسيع المقبرة حتى اشتملت على قبر عثمان.فقد قام عثمان فقال: من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به. ثم شكل لجنة تحت إشراف زيد بن ثابت ضمت سعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن حارث بن هشام، وعبد الله بن الزبير، وأمرهم بإعداد المصحف وقال لهم: ما اختلفتم فيه فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. وبناءً على تعليماته لم تكن اللجنة تقبل من القرآن شيئاً حتى يشهد عليه شاهدان، أي من جاء به ومعه شاهد آخر على صدقه. كما أرسل عثمان إلى حفصة بنت عمر يطلب منها أن ترسل إليه المصحف الذي آل إليها من أبيها لمقارنته مع ما يرد إلى اللجنة، ففعلت ثم استعادته بعد الانتهاء"(ص 159).

بعد فراغ اللجنة من عملها أمر عثمان بإنتاج عدة نسخ من المصحف الإمام أرسلها إلى الأمصار، تختلف المصادر في عددها وفي الأمصار التي أرسلت إليها، وترك نسختين في المدينة وأمر بإحراق بقية المصاحف التي يحتفظ بها الصحابة. وأكثر ما نعرفه منها مصاحف عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وأبي بن كعب. وقد نجا مصحف حفصة من المحرقة ولكن إلى حين. فعندما آلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان وعين مروان بن الحكم والياً على المدينة. راح مروان يرسل إلى حفصة طالباً تسليمه المصحف فتأبى إلى أن توفيت، فأرسل من جاءه بتلك الصحف فشققت. ويبدو أن ذلك المصحف الإمام ونسخه قد ضاعت إلى الأبد، لأن أقدم المصاحف التي وصلت إلينا هي من الجيل الثاني والثالث من المصحف الإمام.

ويبدو أن ما فعله عثمان بمصاحف الصحابة كان من أهم الأسباب التي أدت إلى مقتله على يد المتمردين الذين جاؤوا من مصر والعراق، وإلى عدم دفنه في مقبرة المسلمين. وعندما آل الملك إلى بني أمية جرى توسيع المقبرة حتى اشتملت على قبر عثمان.

من المفترض بعد ذلك أن مصحف عثمان قد حقق الاستقراء للنص القرآني في أواخر العقد الثالث للهجرة، ولكنه في حقيقة الأمر لم يفعل ذلك، لأن ما وصلنا من الجيل الثاني من المصاحف، مثل طرس صنعاء تبدي اختلافات مع المصحف الذي بين أيدينا والمفترض أنه ينتمي إلى المصحف الإمام.

إقرأ أيضا: الإسلام والعصر الحديث مراجعة نقدية شاملة للموروث الديني.. كتاب جديد

مقالات مشابهة

  • هل يجوز تأخير صلاة العشاء بعد منتصف الليل؟.. الإفتاء تحسم الجدل
  • تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-2-2025 في محافظة البحيرة
  • السيرة النبوية ودور الإملاءات السياسية والمذهبية.. قراءة في كتاب
  • 10 أعمال قبل الفجر في شعبان تدخل الجنة .. اكتشف ما ينفعك
  • كيف يكون النداء على الناس يوم القيامة بأبائهم أم أمهاتهم؟.. الإفتاء تكشف
  • حكم تخصيص برنامج لتفسير الرؤى والأحلام
  • ثواب قراءة القرآن لغير الماهر ولمن لا يفهم معانيه
  • دار الإفتاء توضح أماكن لا يجوز فيها الصلاة وأسباب المنع الشرعي
  • حكم قول "بلى" بعد قوله تعالى: ﴿أليس الله بأحكم الحاكمين﴾