مولد سيدى عبدالرحيم القنائي.. حلقات ذكر ومدح وتجارة واستثمار
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
تستعد محافظة قنا مع بزوغ ليلة النصف من شعبان، بالليلة الختامية لمولد العارف بالله سيدي عبدالرحيم القنائى، بحضور ومشاركة آلاف المحبين والمريدين للقطب الصوفي الراحل، وسط تواجد مكثف لأجهزة الأمن، لتأمين الجموع الغفيرة التى حضرت من مختلف محافظات قرى مصر المختلفة للمشاركة فى إحياء هذه الليلة من كل عام.
وتبدأ فعاليات الليلة الختامية، كعادة كل عام فى حفل بساحة المسجد، يحضره محافظ قنا والعديد من القيادات الدينية والشعبية والتنفيذية بقنا وغيرها من المحافظات، ويحيه أشهر قراء الإذاعة المصرية التى تقوم بتغطية فعاليات احتفال الليلة الختامية وبحضور آلاف المواطنين، ويسبقها حلقات تحطيب يتم إقامتها فى منطقة مجاورة لمسجد السيد عبدالرحيم القنائى، ويتنافس فيها محبى اللعبة فى جو ودى بلعبة التحطيب والعصا التى يرجع تاريخها إلى الفراعنة، ويقصدها الكثير من عشاق اللعبة من مختلف المحافظات المصرية.
فترة الاحتفال بمولد القنائى تبدأ مع بداية شهر شعبان ولمدة 15 يومًا متصله، لا تقتصر على منطقة الضريح أو مسجد القنائى فقط، فبين أروقة وجدران المسجد تنتشر حلقات الذكر للطرق الصوفية المختلفه، التى تتنافس ما بين حلقات لقراءة القرآن الكريم و أخرى تتبارى فى مديح المصطفى صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه طمعًا فى شفاعته يوم الحساب، و حلقات أخرى تتداول سيرة صاحب المسجد والمقام.
وبالقرب من المسجد، توجد حلقة التحطيب التى يتنافس فيها محبى لعبة التحطيب بعصيهم، وعلى مقربة منهم يتنافس عشرات الفرسان بخيولهم المتنوعة فى مسابقات بالخيول ذهابًا وإيابًا على أنغام المزمار البلدى، الذى يحتل مكان متميز فى مقدمة المنطقة التى ينطلق منها السباق، والذى يبدأ من بعد صلاة العصر وينتهى مع حلول آذان المغرب، وبعد اختفاء ضوء الشمس، تظهر العديد من العادات والطقوس الشعبية التى اعتاد عليها أهالى المنطقة ومرتادى موالد أولياء الله الصالحين، ومن أبرزها " شك الدبوس".
وفى ظل الزحام وتوافد مئات الآلاف من المواطنين، يجد الباعة الجائلين مكان الاحتفال فرصة ذهبية فى ترويج وبيع بضائعهم ومنتجاتهم التى أصابها الركود مع حالة التدهور الاقتصادي التى تشهدها البلاد، وهو ما يجعل المنطقة بأكملها تتحول إلى مول تجارى، لكنه بلا حدود أو قيود، فكل المنتجات موجودة وكل الألعاب الترفيهية متاحة وبأسعار تتناسب مع مختلف الطبقات، ففى كل ركن حول المسجد، تجد من يبيع حلوى شعبية وبجانبه من يبيع منتجات يدوية مصنوعة بأيادي قنائية، وفى ركن آخر تجد من يبيع ألعاب أطفال بمختلف أنواعها وأشكالها.
وفى منطقة الإستاد الرياضى، التى يتم تأجيرها بالمتر خلال فترة الاحتفال التى تستمر لمدة أسبوعين، فتجد الكثير من المراجيح و ألعاب الملاهى وحلقات البنادق منتشرة فى ملاعب وطرقات الإستاد، والتى يقصدها الكبار والصغار، بحثًا عن فرصة للترفيه عن أنفسهم لهم و لأبنائهم.
أما فى شرق المسجد فيقع ضريح العارف بالله القنائى، والذى يقصده الآلاف من المحبين والمريدين من محافظات مصر المختلفه، بل ومن دول عربية واسلاميه، وسط منافسة غير عادية من المحبين لإلقاء نظره على الضريح وقراءة الفاتحة.
عبد الرحيم القناوي هو عالم دين وتفسير يرجع نسبه ومولده إلى دولة المغرب، اسمه السيد عبد الرحيم بن أحمد بن حجون وينتهي نسبه إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، و لد في الأول من شعبان سنة 521 هجريه 1127 ميلادية، و تلقى العلم في جامع ترغاي الكبير على يد والده و كبار العلماء وذاع صيته بعد إلقاءه للدروس الدينية فى العشرين من عمره بعد إصرار من العلماء على استكمال طريق والده، وعقب وفاة والده الذى تأثر بشدة لوفاته ، نصحه الأطباء بالابتعاد عن المكان، فتوجه إلى دمشق حيث أخواله هناك، ومنها إلى الحجاز لحج بيت الله الحرام، والتقى خلال فترة وجوده بمكة بالشيخ مجد الدين القشيري من مدينة قوص ، والذى أصر على أن صحبته إلى قوص وبعد ثلاثة أيام رحل إلى مدينة قنا واستقر بها وذاع صيته من أهالى المدينة وما حولها، خلال تلك الفترة صدر قرار من والي مصر بتعيين القنائى شيخًا لقنا وأصبح من ذلك اليوم يسمى بالقنائى، وكان له مدرسته الصوفية الخاصة التى تسمح للطرق الصوفية الأخرى بالأخذ منها وتوفي الشيخ عبدالرحيم القناوي يوم الثلاثاء 19 صفر سنة 592هـجريه الموافق 23 يناير 1196 ميلادية بعد صلاة الفجر وعمره 71 عاما قضى منها 41 عامًا في الصعيد ليقام له أكبر مسجد وضريح بوسط مدينة قنا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سيدي عبدالرحيم القنائي حلقات ذكر ومدح الاحتفال
إقرأ أيضاً:
أجمل كلمة في القاموس.. تعريفة ترامب وتجارة الكلمات بين لغات الغرب والشرق
تخيل أن الكلمة مثل تاجر جوال، يتنقل بين الأسواق، يحمل بضاعته من لغة إلى أخرى.
وليس خيالك بعيدا عن الواقع، فكلمة "تعريفة" مثلا، التي تسري في المعاملات الجمركية اليوم، تحمل في طياتها سيرة لغوية ممتدة من العربية إلى الفارسية، ومن التركية إلى اللاتينية، ومن هناك إلى اللغات الأوروبية الحديثة، وكأنها وثيقة دليل على مكر التاريخ وتأثير القوة الاقتصادية في تشكيل المفردات.
وحتى في السياسة، تمتلك الكلمات سطوة تتجاوز معناها اللغوي، ففي خطابه يوم التنصيب الذي أقيم في ساحة كابيتال قبل أيام، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب "دائما ما أقول إن "تعريفة" (الرسوم الجمركية) هي أجمل الكلمات بالنسبة لي في القاموس اللغوي"، واستدرك قائلا إن الإله والدين والحب هي في الواقع الكلمات الثلاث الأولى في هذا الترتيب ثم الرسوم الجمركية.
وفي مرة أخرى قال ترامب إن التعريفة "أجمل كلمة في اللغة الإنجليزية، أجمل من الحب، أجمل من أي شيء آخر".
وللمفارقة فإن أجمل كلمات القاموس بالنسبة لترامب، تعود لتاريخ طويل من الاقتراض أو "القرصنة" بين اللغات كما يليق بكلمة تستخدم بكثرة في المعاملات التجارية الدولية التي تتمتع بتاريخ وافر من المغامرات والاكتشافات وممارسات التبادل المشروعة وغير المشروعة.
بينما تقسم "تعريفات" ترامب الجمركية العلاقات التجارية بين الدول تجمع الكلمة بين لغات الشرق والغرب (شترستوك) تاريخ الكلمة "تعريفة"من العربية إلى الفارسية، ومن التركية إلى اللاتينية، ثم إلى الفرنسية فالإنجليزية، شقت كلمة "تعريفة" طريقها عبر الزمن كأنها تذكرة سفر لغوية تحمل بصمات الإمبراطوريات والتجار والبحارة، وإليك -أيها القارئ الكريم- القصة موجزة.
إعلانيعود أصل المصطلح الإنجليزي tariff إلى الكلمة الفرنسية tarif، التي تعني "السعر المحدد"، والتي اشتقت بدورها من الإيطالية tariffa، بمعنى "السعر المفروض" أي جدول الضرائب والجمارك". أما الجذر الأقدم، فهو اللاتينية الوسطى tariffe، والتي دخلت العالم اللاتيني من خلال الاتصال مع شعوب الأتراك، حيث تعود الكلمة إلى "تعرفه" (taʿrife) في اللغة العثمانية التركية، والتي تعني "قائمة الأسعار، جدول معدلات الجمارك".
ويعود أصل هذا المصطلح التركي بدوره إلى الفارسية "تعرفه" (taʿrefe) التي تعني "السعر المحدد، الإيصال"، والتي اشتقت بدورها من العربية "تعريف" (taʿrīf)، والتي تحمل معاني متعددة مثل "الإشعار، الوصف، التعريف، الإعلان، التأكيد، قائمة الرسوم المستحقة". وهذه الكلمة العربية هي المصدر المشتق من الفعل أو الجذر الثلاثي "عرف"، الذي يعني "أن يعرف، أن يكون قادرا على التعرف، أن يدرك، أن يكتشف".
هذا ما تفيد به أغلب المصادر العلمية في مجالات اللسانيات التاريخية، فقه اللغة، الدراسات المقارنة بين اللغات الهندو-أوروبية واللغات السامية (العاربة)، لكن بعض الباحثين لهم رأي آخر، ففي كتابه "مهربون وبحارة.. تاريخ الجمارك في أستراليا" يشير المؤلف ديفيد داي إلى أن كلمة "تعرفة" (Tariff) نشأت من الفديات التي كان يطالب بها القراصنة في منطقة جزيرة طريف (بالإسبانية: Tarifa تاريفا)، وهي إحدى بلديات مقاطعة قادس، التي تقع في منطقة الأندلس جنوب إسبانيا.
وتقول مصادر تاريخية إن جزيرة طريف ومنطقة طريفة كانت أول ميناء يفرض رسوما على التجار لاستخدام أرصفته، مما أدى إلى انتشار استخدام المصطلح، وتعود تسمية الجزيرة إلى الفاتح المسلم طريف بن مالك عام 710م الذي يوصف بأنه أول مسلم دخل شبه الجزيرة الإيبيرية في مهمة عسكرية.
المصطلحات التجارية كانت من أكثر الكلمات التي انتقلت بين اللغات، فهي تعكس الاحتكاك المباشر بين الشعوب في الأسواق (الجزيرة – مصممة بالذكاء الاصطناعي) الكلمات كسلع لغويةوتماما كما تخضع البضائع للرسوم الجمركية عند دخولها سوقا جديدا، تخضع الكلمات لتعديلات صوتية ونحوية عند دخولها لغة أخرى، فتتكيف وتتحور لتلائم سياقها الجديد، كما تلاحظ من تحولات "تعريفة".
إعلانوترك التوسع الإسلامي في العصور الوسطى، والهيمنة على طرق التجارة بصماته على مصطلحات التجارة، كما تركت موانئ البحر الأبيض المتوسط نقوشها على قواعد التجارة الحديثة كلها، وكأن اللغة ليست محض وسيلة للتواصل، بل خريطة خفية ترسم ملامح النفوذ والسلطة، وتحفظ تاريخا ليس مسطرا على صفحات الورق فحسب، بل منقوشا في صلب الكلمات ذاتها.
وكأن الكلمات نوع من السلع اللغوية تحمل معانيها من ثقافة إلى أخرى، وتخضع لعمليات "استيراد وتصدير" مشابهة لما يحدث في الأسواق التجارية. وكما أن لكل سلعة مصدرا، فإن لكل كلمة أصلا لغويا يعكس ظروف نشأتها. فإذا كانت الدول تفرض تعريفات جمركية على المنتجات الواردة، فإن اللغات بدورها تفرض سياقاتها الخاصة على المصطلحات الدخيلة، فتعدلها أو تطوعها بما يناسب نظامها الصوتي والنحوي، فتولد كلمات هجينة تجمع بين اللغات المختلفة.
وليس من قبيل المصادفة أن المصطلحات التجارية كانت من أكثر الكلمات التي انتقلت بين اللغات، فهي تعكس الاحتكاك المباشر بين الشعوب في الأسواق، حيث يلتقي التاجر الفارسي بالمراكب العثمانية، ويتفاوض الرحالة المغربي مع البحارة الإيطالي، ويتعامل التاجر اليمني مع الوسطاء الأوروبيين، وفي كل صفقة تجارية عملية تفاعل لغوي مستمرة تختبر فيه الكلمات قدرتها على التعميم والانتشار.
وبالنسبة لترامب، فإن التعريفات الجمركية هي السلاح الأمثل لوقف ما يصفه بسرقة الثروة الأميركية، غير أن فهمه لآلية عمل هذه التعريفات يبدو خاطئًا، إذ يعتقد أنها تفرض تكلفة مباشرة على الشركات الأجنبية، بينما في الواقع، يدفعها المستوردون الأميركيون، مما يرفع الأسعار ويجعل المستهلكين والشركات المحلية، المتضررين الحقيقيين، كما قال محللون اقتصاديون في ولايته الأولى الذين أشاروا للأسباب الحقيقية بالنسبة لترامب وهي أن التعريفات مصدر للإيرادات الضريبية وأداة ضغط جيوسياسية فعالة.
إعلانوهكذا -كما ترى أيها القارئ- لا يعد البحث في أصول المصطلحات التجارية درسا لغويا مجردا، فكلمة مثل "تعريفة"، التي تبدو اليوم مصطلحا بيروقراطيا باردا، تخفي وراءها قرونا من السياسات التجارية، وأياما من هيمنة الإمبراطوريات، وساعات من المفاوضات في أسواق إسطنبول وبغداد والبندقية، وأسطولا من السفن المحملة بالحرير والتوابل القادمة من الشرق.