أزمة الكونغو الديمقراطية.. حروب أهلية متجددة وصراعات عابرة للحدود
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
شهدت الكونغو الديمقراطية حروبا أهلية وصراعات عرقية متجددة، معظمها في المنطقة الشرقية المحاذية لحدود رواندا، وتعود جذروها الأولى إلى ما قبل حقبة الاستعمار البلجيكي.
وتطور الصراع بين الحكومة والقبائل والإثنيات إلى حرب أهلية في 1996 بدعم من بعض دول الجوار، في مقدمتها رواندا، وبعد الإطاحة بنظام موبوتو سيسي سيكو سرعان ما تجددت الحرب الأهلية عام 1998 وتزايد عدد المليشيا المسلحة ذات الطابع الإثني.
وعلى الرغم من توقيع اتفاقات للسلام بين الحكومة والمتمردين في 2003 و2009 وغيرها فإنها ظلت تنهار بشكل سريع، في حين ظل الطابع العرقي والامتداد الخارجي قاسما مشتركا في كل محطات الصراع المتجدد.
الأسبابتعود أزمة شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى عدة أسباب يتقدمها تجذر الصراع العرقي العابر للحدود في المنطقة التي تعيش فيها قوميات عديدة، وعلى رأسها التوتسي والهوتو.
وزاد من حدة الصراع أن البلاد شهدت موجات تدفق من دول الجوار، وتحديدا رواندا وبوروندي، وبين النازحين متهمون بالمشاركة في أعمال إبادة جماعية، وأصبحت البلاد ساحة لتصدير النزاع وتصفية الحسابات بين الفارين من الحروب في تلك الدول.
كما أن من بين الأسباب تدخّل بلجيكا أثناء المرحلة الاستعمارية لتعزيز النفوذ السياسي لقبائل التوتسي على حساب مجموعات أخرى، وفي عام 1981 سن سيسي سيكو قانونا يجعل الانتماء إلى إحدى المجموعات الإثنية التي كانت موجودة داخل الكونغو في 1885 شرطا للحصول على الجنسية، فزاد بذلك الشرخ الاجتماعي القائم.
إعلانوإضافة إلى ذلك، فإن الواقع الاقتصادي للبلاد واستشراء الفساد ونمط نظام الحكم وترهل المؤسسة العسكرية كل ذلك أسهم في اندلاع واستمرار التمرد.
بعيد الإطاحة برئيس الوزراء باتريس لومومبا ثم إعدامه في 17 يناير/كانون الأول 1961 بدأ لوران كابيلا -الذي ينتمي إلى قبيلة اللوبا- حراكا مسلحا ضد موبوتو، واستعان في ذلك بقبائل التوتسي الناقمة عليه.
قاد كابيلا حملة نحو كينشاسا، لكن بمساعدة الولايات المتحدة وبلجيكا استطاع موبوتو التصدي للتمرد، وفر كابيلا خارج البلاد وأسس في عام 1967 حزب الشعب الثوري الذي يضم جناحا مسلحا، وتمركز في إقليم كيفو شرقي البلاد.
وفي السبعينيات من القرن الـ20 فشلت محاولات عدة قادها كابيلا لإسقاط موبوتو، قبل أن يستقر في أوغندا حيث عمل في التجارة، ووصف بأنه عاش هناك حياة مترفة.
الحرب الأهلية الأولىفي 31 أغسطس/آب 1996 اندلع ما عرف بتمرد البانيامولينغ تحت قيادة تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو للإطاحة بالرئيس موبوتو بدعم من رواندا وأوغندا وأنغولا وبوروندي.
وتقول رواندا أن الهوتو الفارين إلى شرق الكونغو مارسوا إبادة جديدة بحق التوتسي الكونغوليين ذوي الأصول الرواندية، كما يتخذون من إقليم كيفو منطلقا لشن هجمات ضدها بدعم من نظام موبوتو.
وبقوة عاد كابيلا إلى الواجهة متصدرا قيادة المتمردين الجدد ضد حكم موبوتو الذي أصبح يعاني جراء تراجع الدعم الغربي ووضعية الجيش المثقل بالفساد والمحسوبية، مما أثّر على ضعف قدراته القتالية.
ووسط مساعٍ دولية للمفاوضات رفض رفاق كابيلا أي تسوية مع نظام موبوتو الذي كانت قواته تنهزم أمام المتمردين القادمين من أقصى شرق البلاد إلى العاصمة كينشاسا في الغرب.
وانتهت الحرب بهروب موبوتو وتولي زعيم المتمردين التوتسي لوران كابيلا حكم البلاد في 17 مايو/أيار 1997، فأعاد تسميتها من جديد لتصبح جمهورية الكونغو الديمقراطية.
إعلان الحرب الأهلية الثانيةيتهم لوران كابيلا من قبل خصومه بأنه أصبح أقرب إلى دكتاتورية موبوتو، فقد أعدم آلاف المدنيين العزل ومئات الجنود من إثنية التوتسي، وضيّق على الحريات العامة، وغرق في الفساد، وبدأ في تهيئة ابنه جوزيف لتوريثه السلطة.
وسرعان ما خرجت قبائل التوتسي من التحالف الذي أوصله إلى الحكم، وشكلت التجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية الذي أصبح يعرف باسم "ماي ماي".
كما توترت علاقات كابيلا مع حلفائه في رواندا وأوغندا الذين أسهموا في وصوله إلى السلطة، مما أدى إلى اندلاع حرب جديدة ضده عام 1998 شاركت فيها دول عدة بقيادة رواندا ودعم الولايات المتحدة، في حين وقفت أنغولا وتشاد وناميبيا وزيمبابوي إلى جانب كابيلا.
وألحق المتمردون هزائم عديدة بالقوات الكونغولية، خصوصا في معركة بويتو أواخر عام 2000 التي تكبدت فيها خسائر فادحة، وكادت قوات التمرد أن تقضي عليها لولا أن تمكن نحو 3 آلف عسكري من الفرار إلى زامبيا المجاورة وسط موجات النازحين.
وأثناء الحرب قُتل كابيلا في 16 يناير/كانون الثاني 2001 على يد قائد حراسه، في حين تشير روايات إلى نجاح خصومه في زرع مؤيدين لهم ضمن المقربين منه، وأصبح ابنه جوزيف قائدا للبلاد، وكان ذلك حلا وسطا اتفقت عليه القيادات العسكرية المتنافسة على خلافة والده.
وبموجب حوار سياسي دعا إليه جوزيف كابيلا انخرطت أبرز حركات التمرد ضد والده في مسار انتقالي لحكم البلاد 2003، كما أصبح زعيما أبرز فصيلين متمردين نائبين للرئيس.
لكن بؤر التمرد شرق الكونغو ظلت قائمة من خلال حركات عدة، بينها المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب الذي رفض قائده الجنرال لوران نكوندا دمج قواته في الجيش، إذ يعتبر أنها تحمي التوتسي من هجمات القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وهي مليشيا تنتمي إلى إثنية الهوتو.
إعلانلكن المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب شهد انقلابا داخليا، فأزيح الجنرال نكوندا، وأصبح الجنرال بوسكو نتاغاندا قائدا للمؤتمر، وأعلن في 17 يناير/كانون الثاني 2009 استعداده لإنهاء التمرد ضد الحكومة الكونغولية.
وفي 23 مارس/آذار 2009 توصلت الحكومة والمؤتمر إلى اتفاق سلام بموجبه وضع نتاغاندا مقاتليه تحت إمرة السلطات الحكومية، فأصبحوا جزءا من الجيش الكونغولي.
تمرد حركة "إم 23"في 06 مايو/أيار 2012 انشق عسكريون من قومية التوتسي عن الجيش بعد أن انضموا إليه بموجب اتفاق 23 مارس/آذار، احتجاجا على عدم تنفيذه، وأسسوا حركة مسلحة جديدة عرفت باسم "إم 23".
وخاضت "إم 23" قتالا ضاريا ضد حكومة كينشاسا، وتمكنت من تحقيق انتصارات ميدانية على الجيش الكونغولي والمليشيا المناصرة له، لكنها سرعان ما خسرت المعركة واستسلم مئات من مقاتليها وفر آخرون إلى دول الجوار.
ثم عادت الحركة بقوة إلى الواجهة في أواخر 2021، فسيطرت على مناطق عدة بإقليم كيفو الشمالي، ثم تزايدت وتيرة نشاطها المسلح لتصبح ثاني أكبر الحركات المسلحة الكونغولية نشاطا عام 2022، واستمرت المعارك الدائرة بين الحركة والجيش الكونغولي والمليشيا المناصرة له طوال عامي 2023 و2024.
وفي مارس/آذار 2024 تعثرت مفاوضات سلام بين الطرفين كان يقودها الرئيس الأنغولي جواو لورنسو، كما ألغت أنغولا قمة سلام كان قد تقرر عقدها منتصف ديسمبر/كانون الأول بين رواندا والكونغو الديمقراطية، إذ تتهم كينشاسا كيغالي بدعم حركة "إم 23".
وفي الأيام الأخيرة من عام 2024 ارتفعت حدة المعارك في إقليم كيفو الشمالي بين الجيش الكونغولي والمليشيا الموالية له ومقاتلي "إم 23″، التي واصلت تقدمها لتسيطر على مدينة غوما الإستراتيجية شرق البلاد أواخر يناير/كانون الثاني 2025.
الخسائر البشريةتوصف حروب الكونغو بأنها واحدة من أكثر النزاعات دموية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، فقد وصل عدد الضحايا في الفترة بين 1996 و2003 إلى نحو 6 ملايين شخص.
إعلانووفق تقديرات الأمم المتحدة، فقد نزح 5.7 ملايين شخص في الأقاليم الشرقية في شمال وجنوب كيفو وإيتوري بين مارس/آذار 2022 ويونيو/حزيران 2023، كما فر نحو 6.2 ملايين شخص من ديارهم في جميع أنحاء البلاد، وهو أعلى رقم مسجل للنزوح من الحرب في أفريقيا.
وبسبب الصراعات المتجددة بين القبائل والإثنيات أصبحت الكونغو في صدارة بلدان العالم التي تشهد نزاعات عرقية.
كان من أبرز نتائج حرب الكونغو الأولى الإطاحة بنظام موبوتو الذي امتد حكمه 37 عاما، وصعود معارضه التاريخي لوران كابيلا الذي أصبح رئيسا للبلاد.
أما لوران فقد اغتيل في الحرب الكونغولية الثانية، وخلفه ابنه جوزيف، مما يشير إلى الطابع العائلي للحكم، وكاد رفضه التنحي عن السلطة عقب انتهاء مأموريته الرئاسيتين أن يجر البلاد إلى حرب أهلية في عامي 2017 و2018.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، عززت الحرب الكونغولية الأولى حضور رواندا في الشأن السياسي بالكونغو، قبل أن يدير لوران كابيلا ظهره لكيغالي، وهو ما كان أحد أسباب الحرب الكونغولية الثانية.
كما عمقت الحروب الأهلية والنزاعات التي شهدتها الكونغو -خصوصا في المناطق الشرقية من البلاد- الخلافات الدبلوماسية مع جيرانها الشرقيين، وتحديدا رواندا وأوغندا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ینایر کانون الثانی 2025 الکونغو الدیمقراطیة الجیش الکونغولی حرب الکونغو مارس آذار
إقرأ أيضاً:
اعتقال وزير النفط وقادة عسكريين في جنوب السودان.. هل هي نذر حرب أهلية؟
قال متحدث باسم ريك مشار النائب الأول لرئيس جنوب السودان، الأربعاء، إن قوات البلاد اعتقلت وزير النفط وعددا من القادة العسكريين الكبار المتحالفين مع مشار مما يهدد اتفاق السلام الذي أبرم في 2018 وأنهى حربا أهلية.
جاءت الاعتقالات بعد قتال نشب في الأسابيع القليلة الماضية في مدينة الناصر الاستراتيجية في الشمال بين القوات الأمنية وميليشيا الجيش الأبيض المؤلف بالأساس من منتمين لقبيلة النوير وهي قبيلة مشار.
وقاتلت عناصر من الجيش الأبيض مع قوات مشار في الحرب الأهلية بين عامي 2013 و2018 في مواجهة قوات موالية للرئيس سلفا كير من قبيلة الدنكا.
وقال بال ماي دينغ المتحدث باسم مشار إن وزير النفط بوت كانج شول ونائب قائد الجيش جابرييل دوب لام اعتقلا بينما يقبع مسؤولون عسكريون كبار متحالفون مع مشار رهن الإقامة الجبرية.
وتابع قائلا إن قوات أمن انتشرت حول مقر إقامة مشار لكن نائب الرئيس تمكن من التوجه إلى مكتبه صباح الأربعاء.
وأضاف في بيان إن اعتقال الجنرال ديوب "ينتهك" اتفاق تقاسم السلطة الذي أنهى عام 2018 خمس سنوات من الحرب الأهلية.
وقال البيان إن "هذا الإجراء يعرض الاتفاق بأكمله للخطر... نحن أيضًا قلقون جدا بشأن الانتشار الكثيف لقوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان حول مقر إقامة (مشار)".
واتهمت قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان، وهو الجيش النظامي المتحالف مع الرئيس سلفا كير، ديوب لام وقواته بالعمل مع المتمردين في تلك المنطقة الذين ينتمون بغالبيتهم إلى قبيلة النوير نفسها.
وحصدت الحرب الأهلية، التي اندلعت في كانون الأول/ ديسمبر 2013 بعد إقالة كير لمشار، أرواح ما يقدر بنحو 400 ألف وأجبرت أكثر من 2.5 مليون على الفرار من منازلهم، وجعلت نصف السكان تقريبا البالغ عددهم 11 مليون نسمة يكافحون من أجل العثور على ما يكفي من الغذاء.
وانخفض أيضا إنتاج النفط، وهو مصدر دخل حيوي للدولة الفقيرة.
وحل السلام في جنوب السودان رسميا منذ أن أنهى اتفاق 2018 صراعا استمر خمس سنوات بين مشار وكير. لكن العنف بين القبائل المتنافسة يندلع بشكل متكرر.
وفي الأسبوع الماضي، دعا الاتحاد الأفريقي وبعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان إلى خفض حدة التصعيد في مدينة الناصر بولاية أعالي النيل وحذرا من مغبة "انتشار العنف على نطاق واسع".
وربط تير مانيانج، رئيس مركز السلام والدعوة ومقره جوبا، الاعتقالات بالقتال في ناصر وقال إنه يخشى على المستقبل.
وقال: "من المرجح أن تنزلق البلاد إلى الحرب ما لم تحسن القيادة العليا للبلاد إدارة الوضع".
وأفادت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان الشهر الماضي عن اشتداد القتال بين الجيش و"شباب مسلحين" في ناصر بولاية أعالي النيل، باستخدام "أسلحة ثقيلة أسفرت، كما ورد، عن مقتل وإصابة مدنيين وأفراد مسلحين".