عادل الباز: خطاب حميدتي.. الخطة (ج)!!
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
ظهر المتمرد حميدتي بالأمس في حالة بدنية جيدة وحالة نفسية صعبة، مُعلنًا الخطة (ج) بعد أن فشلت الخطة (ب). هنالك عنصر ثابت في كل خططه “الضاربة”، وهو الكذب. ففي الخطة الأولى (خطة الانقلاب والاستيلاء على السلطة) بدأت كذبة الطلقة الأولى ومن أطلقها، ناسيًا تمامًا أن 140 تاتشر احتلت مطار مروي، والآلاف من الجنود الذين احتلوا العاصمة باكرًا معلنين في صحبة الانقلاب بشارع الجمهورية: “استلمنا السودان”.
الخطة (ج) أساسها أيضًا الكذب، فهو يقول للأشاوس المغفلين: “إلى كل القوات في كل المحاور، يجب عدم التفكير فيما أخذه الجيش منا في القيادة (وسط الخرطوم) وسلاح الإشارة (بمدينة بحري) وبلدة الجيلي (شمال الخرطوم) ومدينة ود مدني (عاصمة ولاية الجزيرة)”، مُعلنًا أنه سيتم استرجاع كل تلك المناطق، وعليهم الانتباه لما يمكن تحقيقه، لا إلى ما تم فقده. قائلًا: “إن قواته قادرة على طرد الجيش من الخرطوم مرة أخرى كما فعلت من قبل”.
يشي هذيان هذا المتمرد الميت بأنهم خاضوا حربًا استولوا بموجبها على القصر الجمهوري والإذاعة والتلفزيون وكل المقار الحكومية، والحقيقة التي يعلمها حتى رعاة الحمير في الضهاري أن تلك الأماكن والأعيان والمؤسسات الرسمية كان مؤتمنًا عليها من قبل الدولة ليحرسها، وحين قرر انقلابه استولى عليها دون أن يطلق طلقة واحدة! فكيف سيستولي عليها الآن مجددًا، وقواته معردة صباح مساء من موقع يتقدم إليها الجيش؟!
الكذبة الثانية التي لا يمل من تكرارها هي أن هذه الحرب يقودها كرتي وأسامة عبد الله، وفي نفس الوقت يحمل مسؤوليتها للرئيس البرهان الذي يسعى لقتله! مثل هذه الهضربة تكشف مستنقع الهرج الذي يقبع فيه فريق الخلا هذا، وهو يتدرج في خيباته وهزائمه المستمرة. فقد المتمرد قدرته على القتال والمنطق وعقله أيضًا، إذا كان موجودًا أصلًا. أنا لا أعرف لمن يوجه هذا المتمرد خطابه هذا؟ للشعب السوداني الذي يرى بعينه من يموت في ميدان المعركة ومن يقودها؟! أم لجماهير “تقدم”، التي تضحك عليه مساءً وتستحلب أمواله صباحًا؟ أم للأشاوس المخدوعين والمعردين صباح مساء؟
تعتمد الخطة (ج) على التكنولوجيا، مثل المسيرات، المدافع طويلة المدى، والتجسس بالأقمار الاصطناعية، ومركبات التشويش المتقدمة، كما شهدنا تلك المركبات الروسية التي تم ضبطها في بحري. هذه التكنولوجيا المتقدمة بالطبع لن يشغلها الأشاوس ولا المرتزقة من جنوب السودان، إنما مرتزقة من جنسيات مختلفة أوروبية وكولومبية وروسية. هذه الأسلحة المتطورة، التي تحملها الطائرات يوميًا إلى مطار نيالا، يتم إرسالها لقتل أهلنا بالفاشر، كما شهدنا الأسبوع الماضي الجريمة التي ارتكبتها الميليشيا المجرمة في مستشفى الفاشر، حيث قتلت طائرة مسيرة (متطورة) 70 مريضًا!
لكن المسيرات التي تقتل الناس في الفاشر وتدمر البنية التحتية في كل مدن السودان لن تحقق نصرًا للأشاوس. فبالرغم من تلك المسيرات والقاذفات بعيدة المدى التي يوفرها الكفيل، تواصلت هزائم الأشاوس، وانهارت دفاعاتهم، وهربوا من كل منطقة كانوا يحتلونها! لو كانت التكنولوجيا وحدها تقاتل، لانتصرَت إسرائيل في غزة، ولانتصرَت أمريكا والاتحاد السوفيتي على طالبان، ولانتصر الروس على أوكرانيا. إذا لم تكن لديك قضية ورجال قادرون على الدفاع عنها، فلن تنتصر، ولو أنفق الكفيل كل الأموال في خزائنه وصناديقه السيادية. ورغم الإمداد التكنولوجي المستمر، تتداعى الآن الميليشيا.
لرفع الروح المعنوية المنهارة لجنوده، يبشرهم المتمرد حميدتي بضلع ثالث للخطة (ج)، قائلًا: “إن الدعم السريع هذه المرة سيتسلم مناطق محددة”، وأضاف أنه لن يوضح ما يقصده، وأن التفاصيل ستتضح في أوامر القادة إلى القوات. ولكن كيف ستسلم تلك القوات مناطق محددة، وهي هاربة من مناطقها التي كانت تحتلها؟ وما جدوى احتلال مناطق جديدة، طالما أن المليشيا ليست لديها قوة يمكن أن تؤمنها بها وتبقى فيها؟! لا شك أنه يقصد بالمناطق المحددة منطقتين، هما الدبة والفاشر، وهما المنطقتان اللتان توعد قادته بغزوهما. الفاشر صامدة الآن، والإمداد بمجموعة من المتحركات يتجه إليها، وقريبًا يمكن فتح مطار الأبيض، مما يساعد كثيرًا في زيادة فعالية طلعات الطيران.
أما الدبة، فهي مغامرة خطرة، وصلت إليها متحركات الجيش منذ أسبوعين، وبها قوات كافية لصد أي هجوم غادر على المدينة، وذلك عدا تعقيدات خطوط إمداد الميليشيا. فلو أقدمت على تلك المغامرة بغبائها، فستكون نهايتها على أبواب الدبة قبل الفاشر.
هكذا ينتقل المتمرد من خطة فاشلة إلى خطة إفشل، والخطة الوحيدة الناجحة التي لم يفكر فيها حتى الآن، لأنه وداعميه يتمتعون بغباء تاريخي واستراتيجي. الخطة الوحيدة التي ستنجح هي الاستسلام الكامل لطي ملف الحرب وأكذوبة الدعم السريع.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
لا أحد يستطيع أن ينفي جهل حميدتي وعموم الجنجويد بالجيش وبالشعب السوداني
حرب الجنجويد كلها قامت على تصور خاطئ وساذج لرجل جاهل عن الجيش وعن الدولة وعن المجتمع السوداني. حميدتي كشخص بسيط اعتقد بأن الجيش ضعيف ولا وجود له، وهو لا يستطيع أن يفهم الدولة حتى مع الشرح، ويجهل المجتمغ أكثر من جهله بالدولة وبالجيش.
مستشاروه وأصدقاءه القحاتة ليسوا بأفضل منه؛ والدليل أنهم صدقوا تصوراته الساذجة وسايروه في مغامرته المجنونة لمحاربة الدولة وإخضاع الشعب. ودليل آخر على جهل وسذاجة القحاتة هو محاولتهم لركوب الثورة وإقامة حكم إستبدادي يعيدون فيه صياغة الدولة والمجتمع بواسطة بندقية العساكر (الجيش والدعم السريع في البداية، ثم لاحقا الدعم السريع لوحده) ووجه الغباء هنا هو محاولة تأسيس استبداد دون امتلاك مقومات الاستبداد، لا سند شعبي ولا قوة عسكرية، ولا حتى تكوين تنظيمي فقد كانوا مجرد شلليات بدون حتى مؤسسات وهياكل حقيقية. أرادوا أن يحكموا بلا أي مؤهلات أو مقومات لا يعرفون عدوهم ولا يعرفون حتى أنفسهم لا يفهمون الشعب الذي أرادوا أن يحكموه.
صحيح حتى لا نظلم ذكاء حميدتي فقد توفرت لديه القوة والإمكانيات التي حملته للاعتقاد بالتفوق على الجيش وهزيمته؛ إمكانيات هائلة من عتاد وتسليح وجنود ودعم سياسي داخلي وإقليمي ودولي. إذ يحتاج الأمر لقدرات أكبر من قدرات حميدتي والذين معه وأكبر من قدرات داعميه لإدراك هذه الحقيقة؛ وهي في الواقع ربما حقيقة لا يمكن إدراكها أساسا وإنما يمكن فقط الإيمان بها؛ أي حقيقة ذاتية يمكن الشعور بها داخليا أكثر من إدراكها؛ فالجيش والشعب من خلفه، كلنا لم نشك لحظة، حتى في أوج قوة هجوم المليشيا، في الانتصار وهزيمة المؤامرة ومن يقف خلفها، ولكن حميدتي ولا الذين معه لا يستطيعون أن يدركوا هذا الشعور فهم ليسوا جزءا من الجيش وهم كذلك منفصلون وجدانيا عن الشعب السوداني. فعلى الورق كانت المعطيات الموضوعية من واقع العدة والعتاد تقول بانتصار المليشيا وتدمير الجيش، ولكن هذه لم تكن هي الحقيقة.
ومع ذلك، فلا أحد يستطيع أن ينفي جهل حميدتي وعموم الجنجويد بالجيش وبالشعب السوداني. على سبيل المثال، عقل الجنجويدي لا يستطيع أن يفهم أهمية الانضباط والتراتبية العسكرية وما يعنيه ذلك في الحرب من التزام بالخطط والتكتيكات التي تحسم الحرب في النهاية، هذا شيء لا يمكن فهمه بالنسبة لعقل مليشي، وكذلك لا يستطيع الجنجويدي أن يتصور الشجاعة والقوة في الإنسان المتمدن، لدى الجنجويد اعتقاد خاطئ بأنهم أشجع من كل السودانيين الذين يعيشون في المدن والأرياف، وأظن هزائمهم المستمرة من سنار إلى الجزيرة ثم هروبهم من الخرطوم ومن قبل هروبهم من معسكرات الجيش في المدرعات والقيادة وغيرها سيجعلهم يراجعون هذه الفكرة. إعتقد حميدتي واعتقد كل الجنجويد أنهم يستطيعون إذلال الشعب السوداني وإخضاعه. أما حلفاء المليشيا من القحاتة فلديهم نفس التسطيح ولكن بشكل آخر، حيث ينظرون إلى جموع الشعب السوداني كقطيع من الجهلة يمكن خداعهم وسوقهم مثل الأغنام وإن تطلب الأمر إسكاتهم بالقوة.
القاسم المشترك بين الجنجويد والقحاتة هو النظرة الاستعلائية تجاه الشعب وإلغاء وجوده، الفرق أن الجنجويدي يلغي وجودك بشكل مادي بينما القحاتي يلغيه معنويا بمصادرة إرادتك والتقرير في مصيرك بل وتغييرك تماما كشعب جاهل متخلف.
حليم عباس