صخب ترامب مؤشر على الحالة الأميركية
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
الأسبوع الأول
"صخب وضجيج"، رسائل شفهية في جميع الاتجاهات، قرارات رئاسية للخارج والداخل الأميركي، فريق من المستشارين يتبادلون الأدوار في قرع الطبول لإحداث الضجيج، مشاهد من الصناعة الإعلامية الأميركية تخاطب جميع المستويات.
هذا السلوك وهذه اللغة وكل تلك الأدوات ليست مؤشرًا طبيعيًا لما يريد ترامب عمله! فجميع الرؤساء "في العالم" يأتون لتحقيق أجندات معينة، بل هو تعبير عميق عن "الحالة الأميركية"، وأن ترامب، إلى حد كبير، لا يثق في متانة خطواته القادمة وقدرته على فعل شيء حقيقي.
فالتحديات الدولية أصبحت أكبر من الإمكانات الأميركية، والأدوات الأميركية "التقليدية"، ومنها لغة التهديد والعقوبات الاقتصادية، أصبحت غير فاعلة، بل تنعكس سلبًا على الاقتصاد الأميركي، ومعظمها معطّل في قدرته على التعامل مع المستجدات والوقائع الدولية التي سبقت الحالة الأميركية الحالية.
"الحالة الأميركية" التي يقودها ترامب، بما فيها من تبعات، تأتي في فترة رئاسية "جديدة" وليست "ثانية"، فالفترة الثانية تكون مرتبطة بالأولى ومكملة لها (أي تنفيذية) لما تبقى من مشاريع، أما فترته الجديدة فتأتي منقطعة عن الفترة الأولى "زمنيًا وموضوعيًا"، حيث خلقت فترة بايدن حالة أميركية مختلفة، وهذا تحدٍّ إضافي يواجهه ترامب في العمق الأميركي، وفي العلاقات الأميركية الخارجية، وهي حالة عليه مواجهتها بكل تفاصيلها المربكة والمرتبكة.
إعلانهذه الحالة هي التي دفعت الرئيس ترامب إلى كل هذا الصخب الذي سبق استواءه على كرسي الرئاسة، فهل يُحسن دونالد ترامب التعامل معها؟
مفاتيح ومفاصل الحالة الأميركية أزمة الاقتصاد الأميركي، المتمثلة في الدين العام. روسيا في سياق الملف الأوكراني. استقرار الشرق الأوسط. الصين والسباق الاقتصادي، خاصة في عالم العملات الرقمية. أوبك بلس واستقرار سوق الطاقة العالمي، الذي يربك التكتيكات الأميركية.هذه المفاصل مفاتيحها "عزيزة" على أصحابها، وليس من السهولة تسليمها للرئيس ترامب لمساعدته على النجاح، ولا سيما أن المقدمات التي ظهرت كانت غير مشجعة وغير محفزة للتفاعل.
أزمة الاقتصاد الأميركيلا تنحصر هذه الأزمة في "الدين العام" الذي تجاوز 34 تريليون دولار، بل في تنامي اقتصاديات بريكس خارج فضاء الدولار الأميركي، ومؤشرات نمو الناتج المحلي لتحالف بريكس في تصاعد أمام مجموعة (G7)، لذلك أطلق ترامب تهديداته بأن أي استبعاد للدولار سيترتب عليه عقوبات تتمثل في فرض ضرائب تصل إلى 100%. فالفضاء الاقتصادي العالمي يتفلت من "النظم الاقتصادية التقليدية" التي تمسك أميركا بزمامها وتوظفها لمصالحها.
روسيا
بعد ثلاث سنوات في خضم الأزمة الأوكرانية (فبراير/ شباط 2022 – يناير/ كانون الثاني 2025) والمواجهات "السياسية والاقتصادية" مع الناتو، وما صاحبها من نجاحات وإخفاقات وتحديات، خلقت مزاجًا روسيًا مختلفًا لا يمكن لروسيا أن تتخلى عنه، بالأصح لا تستطيع أن تتراجع عنه، حيث أصبح جزءًا رئيسًا من المكوّن الروسي "الفلسفي والروحي"، والموقف السياسي الداخلي، يدعمه التقديرات العسكرية للقدرات الروسية على مواصلة حملتها العسكرية في حال لم يتم التوصل مع الجانب الأميركي إلى حل مرضٍ لروسيا.
وهذا ما يزعج بشكل واضح القيادة السياسية الأوكرانية، وظهر جليًا في تصريحات زيلينسكي بعد لقائه مع الرئيس ترامب، إلى جانب إدراك بوتين أن "دعم أوكرانيا عسكريًا" ليس في أجندة ترامب، لعدة اعتبارات:
إعلان أن الأزمة وتفصيلاتها أجندة الديمقراطيين، فهي ليست أجندته ولا يريد أن يكون حلقة في مشروع خصومه الديمقراطيين، ولا سيما أنها تتقاطع سلبًا مع مستهدفاته. أن الانغماس في الأزمة سوف يعطل كثيرًا من مشاريع ترامب، التي يسابق بها زمن فترة رئاسته الجديدة، ولا سيما أنها مكلفة اقتصاديًا ولا تعود عليه حتى بالنفع المعنوي. إدراك ترامب أن روسيا لا تزال قادرة على مواصلة الحملة العسكرية وبشراسة، وأنها لن تتنازل عن مكاسبها على الأرض. الجانب الأهم، أن الأزمة في الفضاء الأوروبي، الذي يعد خارج أولويات الإستراتيجية الأميركية ". استقرار الشرق الأوسطهذا تحدٍّ مماثل للأزمة الأوكرانية، حيث إن محوره الرئيس "غزة" ومآلاتها التي فرضتها أجندة الديمقراطيين. فالمزاج الرئاسي الأميركي الآن لا ينسجم مع فكرة استكمال مشاريع الديمقراطيين، إلا أن العامل "الإسرائيلي/الصهيوني" سيبقى المؤثر والفاعل في إلزام ترامب بالعمل على هذا الملف.
ويصطدم هذا، على الجانب الآخر، بالموقف السعودي من الملف الفلسطيني "حل الدولتين"، وهو موقف تشاركها فيه قطر والكويت. كما أن المشروع السعودي الفاعل لإعادة الهدوء لمناطق الصراع (سوريا، لبنان، العراق)، والذي حقق نجاحات كبيرة، ولقي استجابة من جميع الأطراف الإقليمية والدولية، سيكون ورقة ضغط وضبط بين الجانبين السعودي والأميركي، وهذا النوع من المساومة قد يتفهمه ترامب، ويحسن التعامل معه.
الصين والسباق الاقتصاديهذا ميدان حساس جدًا بالنسبة لترامب، فهو من جانب مسار اقتصادي إستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، ومن جانب آخر مصلحة خاصة لترامب لتنمية عملته الرقمية، ومشاريع شركائه "فريق عمله الرئاسي"، وعلى رأسهم إيلون ماسك. ومشكلته مع الصين تتجلى في عدة زوايا:
أن الصين غير منغمسة في ملفات عسكرية ولا حتى سياسية، يمكن لترامب المناورة معها بشأنها. الصين كسبت ثقة الشركاء في آسيا وأفريقيا، ووجدوا فيها متنفسًا اقتصاديًا بعيدًا عن الأجندات السياسية. القدرة الصينية على الاستثمار "بأموال صينية ضخمة"، خلافًا لأميركا التي تسعى للحصول على الأموال من الشركاء. القدرة الصينية "التقنية والصناعية" الرخيصة والسريعة، والتي تستجيب لمتطلبات السوق العالمي على مختلف مستوياته. أخيرًا، قدرة الصين على التحرك في النظام الاقتصادي التقليدي، إلى جانب النظم الجديدة، وخاصة في عالم "العملات الرقمية"، الذي يعتبره ترامب مستقبله الكبير لما بعد فترة رئاسته. إعلان أوبك بلسملف حساس جدًا لاستقرار سوق الطاقة العالمي، والذي تنسجم معه دول العالم المستهلكة قبل المصدرة. فمحاولة الضغط على الدول الأعضاء لن تجدي نفعًا، كونها ستضر بمصالح الجميع، ومنهم الولايات المتحدة الأميركية. لذا يجب أن يخرج هذا الملف من زاوية كونه ورقة "للتكتيكات الأميركية".
هناك الكثير من التفاصيل بشأن الحالة الأميركية، معظمها شأن أميركي داخلي تم تجاهلها هنا، وليس نسيانًا، حتى لا يخرج السياق عن حدوده التي تمس العالم الخارجي.
هذه المسارات أو المفاصل التي تم تناولها، هي المكونات الرئيسية "للحالة الأميركية" التي على دونالد ترامب أن يعيشها ويتعامل معها. وقد لا أكون مبالغًا إن قلت إن: (الحالة الأميركية لن تساعد ترامب على النجاح).
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
الرسوم الأميركية الجمركية تعيد رسم خريطة العالم الاقتصادية
حسونة الطيب (أبوظبي)
تهدد الرسوم التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بإعادة رسم خريطة العالم الاقتصادية، حيث طالت هذه الرسوم، كل رقعة في العالم حتى جزر هيرد وماكدونالدز، غير المأهولة على الساحل الغربي من أستراليا.
وأطلق هذا الإعلان، العنان لحرب تجارية عالمية شرسة وتفكك السوق العالمية، من دون أن تستثني حتى وول ستريت، حيث تراجعت قيمة الأسهم بمئات مليارات الدولارات. وتعرضت الأسهم الأميركية، لخسارة 5.4 تريليون دولار في غضون يومين فقط، بينما تنذر رسوم ترامب بحدوث ركود وشيك.
وحول العالم، وعلى سبيل المثال، تمثل الولايات المتحدة، أكبر سوق لفيتنام، حيث تشكل صادراتها لأميركا البالغة 30% من ناتجها المحلي الإجمالي، الشريان الرئيس الذي يتغذى عليه نمو اقتصادها. وتمثل إحدى الشركات التايوانية المتخصصة في صناعة الأحذية في فيتنام والمملوكة لشركة أميركية، أفضل مثال للعولمة الحديثة، إلا أنها مهددة من قبل الرسوم الأميركية.
وفي الاتحاد الأوروبي، لا تزال المشاورات جارية لاتخاذ رد الفعل المناسب، مع الاعتراف بأن هذه الرسوم تشكل ضربة تقصم ظهر الاقتصاد العالمي. لكن لا تزال بروكسل، تأمل في أن تؤدي مجموعة من الرسوم الجمركية المضادة والتهديدات والعروض خلال الأسابيع القليلة لمقبلة، لتحقيق نتائج مُرضية، ما يحد من الضرر الذي ربما يلحق بالعلاقة التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والتي تجاوزت قيمتها 1.6 تريليون يورو (1.3 تريليون جنيه استرليني) في عام 2023، بحسب ذا غارديان.
لا يبدو أن أمام أوروبا، خيارات كثيرة غير الرد برسوم مماثلة. وجاءت رسوم ترامب بنحو 20% على ما يقارب كافة صادرات أوروبا لأميركا، إضافة إلى الرسوم المفروضة سلفاً بنحو 25% على المعادن والألمنيوم والسيارات وقطع الغيار. وإجمالاً، ربما تتأثر 70% أو ما يعادل 380 مليار يورو، من صادرات أوروبا للولايات المتحدة.
وفي حال بقاء التبادل التجاري على ما هو عليه بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تستقبل الخزانة الأميركية، نحو 80 مليار يورو سنوياً، إلا أن بعض خبراء الاقتصاد يتوقعون تراجع صادرات أوروبا لأميركا، بنحو 50% على المدى المتوسط.
وفي الصين، لم تسلك حكومة بكين سكة التردد التي سارت عليها بروكسل، بل فضلت الرد الفوري، حيث أعلنت رسوم انتقامية قدرها 34% على واردات أميركا بدءاً من 10 أبريل، فضلاً عن فرض قيود على الشركات الأميركية والحد من نشاطها داخل الصين، بحسب فاينانشيال تايمز.
واستعدت الصين مبكراً لمجابهة رسوم ترامب، حيث ظلت الشركات الصينية، تعمل على تحويل سلاسل توريدها لجنوب شرق أسيا، بينما عكفت الحكومة على توقيع اتفاقيات تجارية مع دول الجنوب العالمي. وانتعشت تجارة الصين، حتى مع الدول التي لا تربطها معها اتفاقية تبادل تجاري مثل البرازيل، حيث بلغت قيمة هذا التبادل 157.5 مليار دولار خلال العام 2023.
وحاولت إدارة ترامب، التصدي لهذه المشكلة، عبر فرض رسوم على الدول التي تنشط فيها الشركات الصينية، بغرض تغيير مسار سلاسل توريدها مثل، فيتنام وتايلاند وكمبوديا، التي ناهزت 46% و36% و49%على التوالي.
ومن بين التدابير الأخرى التي اتخذتها الصين مؤخراً والتي ربما يكون لها التأثير الأكبر على أميركا، وقف استيراد فول الصويا والقمح والذرة، بالإضافة إلى خام النفط وغاز البترول والغاز الطبيعي المُسال.
وتبدو المملكة المتحدة، في وضع أفضل، بالمقارنة مع بقية الدول الأخرى، حيث تخضع فقط للرسوم العالمية عند 10%، لذا ليس من المرجح قيامها بفرض رسوم مقابلة. وما يعضد موقفها، أن صادراتها للولايات المتحدة عند 60 مليار جنيه إسترليني، لا تشكل سوى قدر يسير من ناتجها المحلي الإجمالي. لكن يظل الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأكبر للمملكة المتحدة، التي من الممكن أن تتأثر كرد فعل لتأثير الاتحاد الأوروبي.
وعلى الصعيد الداخلي، من المرجح معاناة المقترضين التجاريين صغاراً كانوا أم كباراً، فضلاً عن ارتفاع التكاليف وانخفاض الأرباح وبطء المبيعات، ما ينذر أيضاً بمشاكل تتعلق بالديون، وفقاً لخدمة واشنطن بوست.