لجريدة عمان:
2025-04-11@07:55:02 GMT

الصورة والعمى .. كأن شيئًا ما قد مات!

تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT

« أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصرُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»

من سورة الحج، الآية 64.

تعاظم اهتمامي بموضوع الصورة خلال الحرب على غزة، فقد كانت هذه الحرب الإبادية المدمرة في جهة منها مختبرًا حقيقيًا موحشًا للصور، هذا لمن يرقب المشهد من خارجه وليس لمن هو جزء من الحدث.

الزخم الهائل للصور الوحشية وتدفقها السريع على مدار الساعة جعلني أتبيَّن حقيقةَ أننا واقعون -لا محالة- في أسر ما نراه على التلفزيونات والهواتف. ولا شك أننا، هذه المرة بالذات، بعد الحرب على غزة، ندخل في صراع حاسم مع البَصَريّ؛ فإما أن نسمح للصور التي تحتلُ المساحات العظمى من نظرنا بأن تمعن في تدجيننا أكثر مما فعلت طيلة أكثر من قرن منذ اختراع التصوير، وإما أن نجتهد قليلًا في مقاومتها عبر إمعان النظر واختراق طبقات الصورة المُجَمَّدة، كي نخضعها بوعينا إلى قراءة جديدة، غير حصرية ولا منتهية.ذلك يعني أن عصرًا جديدًا في تاريخ الصورة لا بدَّ أن يبدأ، عصرًا ننتقل فيه من مرحلة «الفُرجة» السلبية الكسولة الضجرة، حيث تعتاش الذاكرة على تلقي العيون إلى حد الإشباع، ومن دون تدخل، إلى مرحلة القراءة التي تغدو فيها الصورةُ نصًا. قراءة الصورة، مرةً ومرتين وثلاثًا، إلى أن يتمكن الرائي في اختراق تحصينات الصورة وأغشيتها السميكة، هي الحيلة. هكذا في اعتقادي بأنه يمكننا أن نقاوم العمى وهيمنة خطاب الصورة الدامغ والمضلل. من هنا يصبح بوسعنا أن نعطي الصورة أكثر مما نأخذ منها. لكن الاعتياد يبقى الخطر الأكبر الذي يشوب علاقتنا بالصورة ويعطّل حوافز التفكير فيها ويحد من قراءتها بوصفها نصًا لا ينضب. لم يكن تطبيق إنستجرام موجودًا، ولا شبكة الإنترنت التي نعرفها اليوم، حينما ألَّفت سوزان سونتاغ كتابها الشهير «حول الفوتوغراف» عام 1977، حيث كتبت عن اعتيادنا للصور إن «طبيعة المشاعر، بما فيها الغضب الأخلاقي، التي يستطيع الناس تجميعها كردِّ فعل على الصور الفوتوغرافية للمقموع، المُستَغلّ، الجائع، والمذبوح تعتمد أيضًا على درجة اعتيادهم على هذه الصور». فورًا تضرب سونتاغ مثالين من ذاكرة النصف الثاني للقرن العشرين: «صور دون ماكولين للبيافريين الهزيلين، في نيجيريا، بدايات السبعينيات، كان لها تأثير أقل في بعض الناس من صور ورنر بيشوف لضحايا المجاعة في الهند، بدايات الخمسينيات، لأن هذه الصور غدت عادية. ولا بدَّ أن صور عوائل الطوارق، المعرضين للموت جوعًا، والتي ظهرت في المجلات في كل مكان عام 1973، بدت للعديد من الناس لقطات لا تحتمل لمعرض صار مألوفًا من الوحشية». حين تتوقف سوزان سونتاغ، في سبعينيات القرن الماضي، للاستشهاد بصور تحكي هزال البيافريين في نيجيريا أو مأساة الطوارق الجوعى في الصحراء الإفريقية، فإن أمثلة سحيقة كهذه بمقايس اليوم، والتي التُقطت على الأغلب بجودة متواضعة يحدها تطور عدسات ذلك الزمان، وأغلب الظن أنها لم تكن ملونة، ستقودنا حتمًا لنتساءل عمَّا تبقى منها في ذاكرة الألم الإنساني، وعن مدى تأثيرها اليوم في الحساسية العامة بعد أن طُمِرت، خلال خمسين سنة من التصوير، تحت صور أكثر فحشًا وجرأة وفظاعة. يمكننا في البلاد العربية المعذبة أن نلتفت إلى أرشيفنا البصري المعاصر فحسب، الحافل بصنوف مختلفة من أشكال التعذيب والقتل والاغتيال والدمار والجوع والسغب والمرض والهزال وسوء التغذية، في ملايين من الصور ذات الجودة العالية ولقطات الفيديو الجريئة التي تقفز بجنون خارج أسوار اللغة ونعوتها واستعداداتها التقليدية للوصف والمجاز، فأين ستتبخر تلك الصور الوحشية من الحرب الأهلية اللبنانية، والتي حاول روبرت فيسْك كتابتها في كتابه «ويلات وطن» مستعينًا بالصور حين تُخفق اللغة؟ أين ستتخبر مشاهد سوق العرب العُمانيين جماعات إلى حُفر الذبح الكبيرة في ذلك الفِيلم المرتجل الذي سرَّبه مصور إيطالي إلى العالم عام 1964؟ وتحت أي طبقات من النسيان ستختفي الصور الفاحمة لمذبحة دير ياسين عشية النكبة؟ وفي أي درج ستخفي الولايات المتحدة تلك الصور المسربة من حفلات التعذيب في معتقل أبو غريب؟ وغيرها وغيرها من الفظاعات المصورة، هل يسعها كلما قشَّرنا بصلة الذاكرة أن تستفز غضبنا الأخلاقي اليوم أمام هول الإبادة المبثوثة بأعلى التقنيات وأفقع الألوان؟

من شريط الإبادة الطويل، على مدى عام ونصف العام، أريد فقط أن أحتفظ بالصورة الأخيرة للجسد، الطفل، العليل حتى الموت في سرير بمستشفى أبي يوسف النجار في رفح.. أريد فقط أن أحتفظ بصورة يزن الكفارنة الذي قتله الإسرائيليون عطشًا لرائحة الجلوكوز في الدم. تكفي صورة واحدة لكي أتذكر، وصور يزن كانت درسي لتجاوز النظر في الصورة إلى قراءتها نصًا أحفوريًا يتكشَّف كلما جددت النظر وأطلت التأمل.

كأن شيئًا ما قد مات.. أجل، من المؤكد أن شيئًا فطريًا في تكويننا الطينيّ الأول قد انتُهك مرارًا حتى الموت بفعل الكاميرات وإشعاع الصور المُحرق، وكأن حواسنا أصبحت على حين غفلة أقل ذكاءً مما كانت عليه بالأمس، لذا لا بدَّ أن أوصي أصدقائي المصورين بضرورة قراءة كتاب «حول الفوتوغراف» لسوزان سونتاغ، كي يدركوا على الأقل أي أسلحة فتَّاكة تلك التي يصوبونها نحونا في المحافل والأوقات السعيدة.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عمرو يوسف يُعلن مشاركة هشام ماجد ضيف شرف في فيلم «درويش»

نشر الفنان عمرو يوسف خلال الساعات الماضية، بعض الصور التي تجمعه بالفنان هشام ماجد من كواليس فيلم درويش مما جعله في صدارة التريند خلال الساعات الماضية.

وشارك الفنان عمرو يوسف، عبر صفحته الرسمية على موقع تبادل الصور والفيديوهات إنستجرام، مجموعة من الصور التي تجمعه بالفنان الكوميدي هشام ماجد، من كواليس فيلم درويش، والذي يشارك فيه هشام كضيف شرف، وعلق عمرو يوسف على الصور قائلاً: صاحبي اللي نورنا في فيلم درويش.. حبيبي يا شوما، فيلم صيف 2025.

View this post on Instagram

A post shared by Amr Youssef (@amryoussefofficial)

وبدأ عمرو يوسف تصوير فيلمه الجديد «درويش» منذ أسبوعين.

فيلم درويش من إخراج وليد الحلفاوي وتأليف وسام صبري ومن انتاج محمد حفظي وممدوح السبع وفوكس للإنتاج والتوزيع، ويشارك في بطولته النجوم دينا الشربيني ومحمد شاهين وتارا عماد ومصطفى غريب وأحمد عبد الوهاب وخالد كمال وإسلام حافظ.

عمرو يوسف وهشام ماجد قصة فيلم درويش

تدور الأحداث في فترة الأربعينيات من القرن الماضي، ويجسد خلال أحداث الفيلم، في دور مُحتال ساحر، يُخطط لسرقة جوهرة نادرة والاختفاء، لكن عندما تنقلب الأمور، يُتهم زورًا بالقتل، ويصبح بطلًا بالصدفة، عالقًا بين ماضيه الذي يطارده، وحبيبته السابقة الغيورة، وامرأة تُغير حياته، وعليه أن يُنفذ أعظم خططه للبقاء على قيد الحياة في هذه الكوميديا غير المتوقعة.

عمرو يوسف

وقررت الشركة المنتجة، طرح فيلم عمرو يوسف الجديد، في صالات السينما، اعتبارًا من منتصف شهر يوليو المقبل، ليفتتح مُبكرًا موسم أفلام صيف 2025.

عمرو يوسف وهشام ماجد آخر أعمال الفنان عمرو يوسف

يُذكر أنّ عمرو يوسف يعمل على أكثر من مشروع سينمائي في الوقت الراهن، منها فيلم السلم والثعبان 2 مع الفنانة منة شلبي، وتأليف أحمد حسني، وإخراج طارق العريان، وكذلك شقو 2 مع محمد ممدوح ويسرا، وإخراج كريم السبكي، وتأليف وسام صبري.

اقرأ أيضاًبعد نجاح «وتقابل حبيب».. رسالة شهيرة لنجلها عمرو محمود ياسين | صورة

قبل عرض الحلقة الأخيرة لـ «وتقابل حبيب».. عمرو ياسين لـ نيكول سابا: خايف منك

مسلسل وتقابل حبيب الحلقة 2.. رقية تهدد يوسف بإعلان زواجهما

مقالات مشابهة

  • إلهام شاهين تخطف الأنظار بإطلالتها في لوس أنجلوس
  • اليوم الوطني للتقنية النووية.. أبرز الإنجازات التي كشفت عنها طهران
  • تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.. احتمالات حدوث أزمة مالية ورادة
  • واتساب يطور ميزة جديدة لحماية الوسائط والمحادثات على أندرويد
  • عمرو يوسف يُعلن مشاركة هشام ماجد ضيف شرف في فيلم «درويش»
  • الإعلامية أسماء إبراهيم تخطف الأنظار بمجوهرات باهظة
  • مجانًا.. تعرف على استخدام الذكاء الاصطناعي لتعديل الصور
  • مشروع المنصة الجيومكانية الوطنية مرجع شامل للصور الفضائية
  • مكتب النائب العام: الصور بحث مع تيته تدابير مواجهة الجرائم الأشد خطورة
  • مجانًا.. كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتعديل الصور