لجريدة عمان:
2025-03-06@19:13:17 GMT

شعوبية ترامب وتشريس القيم الأمريكية

تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT

نقلت وكالات الأنباء أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما إن حل بالبيت الأبيض حتى بدأ في تنفيذ وعيده الانتخابي بإطلاق أكبر برنامج ترحيل في الولايات المتحدة الأمريكية، بل أطلق الرجل على المهاجرين غير النظاميين وصف «المجرمين»، وترامب يبدو سعيدًا بإيقاف دخول المهاجرين إلى بلاده حتى من سُمح لهم بذلك قبل توليه السلطة، وما صمته عن الإجراءات غير الإنسانية تجاه المهاجرين إلا دليل نشوة انتصار.

هذا شأن الولايات المتحدة الأمريكية لكن ما يهمنا من هذه الشعوبية الجديدة في السياسة الأمريكية جانبها المتصل بالسياسات الثقافية، ولذا فإن عودة طبيعية إلى جوهر الفلسفة السياسية الأمريكية وبالتحديد إلى البراجماتية ومُنظّرها الأشهر جون ديوي ستكشف لنا كيف تعيش الحضارة الأمريكية أفولها المعلن، وديوي يقول إن أفضل طريقة لبناء المجتمع الحر هي اعتماد سياسة الاعتراف بالتنوع مع المساواة، ومن ثم دمجهما بشكل عملي، وهذه واحدة فتوحات الفيلسوف الأمريكي جون ديوي (1859-1952م) كون بناء الفاعلية السياسية لا بد أن يقوم على أُسس الاعتراف بالاختلاف الثقافي وهو وحده الذي سيمكن المجتمعات الحديثة من قيام المصالح الإنسانية على ملاءمة بين الفردي والجماعي، بين الخصوصية والمشترك، وديوي الذي أُسيء فهمه وتم اختصار كل مجهوداته باعتبارها نظرية مخاصمة للتأمل الفلسفي، بل تقوم على دحض مؤكد لكل ما هو نظري، والحقيقة أن مشاغله انتهت إلى توفير عمليات دمج بين التأملي والعملي، وهذا بسبب تعدد اختصاصات الرجل، لكن ما يهمنا هنا، مسألة شديدة الأهمية تتعلق بالعلاقة المضطربة بين منظومة القيم والتنوع الثقافي، وبالتحديد في الحالة الأمريكية، والتي هي خلاصة مثمرة لديناميات فاعلة استطاعت بها الولايات المتحدة الأمريكية وهي تعبر طرقا كثيرة منذ الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر، وحتى اليوم أن تصنع مجتمعًا للتعايش يُعد الأعلى في تصور البناء الاجتماعي الحديث، لكن اليوم فإن أمريكا ترامب تضع مقدمات سياسية للقضاء على جوهر القيم الأمريكية، وفي هذا المقال الذي يدعي وجود خطر كبير على بلاد العم السام، فإنه لا يأتي إشفاقًا عليها، ولا شماتة فيها، فهذا أمر هزلي، بل هو محاولة لفهم جوهر القيم الأمريكية والذي جعلها تقود العالم، والتهديدات التي تنتظر العالم بأسره من وجود هذا الرجل على عرش أقوى دولة في العالم، دولة لا تستمد قوتها من ترسانتها الحربية فقط بل من نموذجها الاجتماعي المتعالي عن أي تجربة.إن مشكلة التنوع الثقافي ناتجة عن صراع بين نموذجين وهو أمر ينطبق على أغلب المجتمعات ذات التعددية العالية، فالنموذج الأول هو «روح الأمة» أو «قِيم الشعب» أو أي أسم آخر دال على التبشير بوجود قيم عليا ينبغي أن تحل محل كل تباين ثقافي/اجتماعي داخل أي أمة، والنموذج الآخر هو النموذج الليبرالي في نسخته الراهنة، والذي يعزز من الفردانية ويكرس جهوده لتمزيق أي ادعاء بحاكمية القيم على الفرد، ولعل النموذج الأول ارتبط ارتباطًا واضحًا بالروح الأمريكية، فهذه حضارة تفاخرت بأنها حققت النموذج الأعلى للتعايش، والحقيقة أنها نجحت إلى حد كبير في ذلك، لكن مشكلة التعايش ظلت واحدة من أكبر مفازع الليبرالية الجديدة، فالتعايش القائم على المساواة بديهي وشديد التجريد، فالظاهرة الاجتماعية وإن تبدت في سطحها حالة من توازن بين القانوني والإنساني، إلا أنها تصطدم بمشكلة أخرى هي من نِتاج استفحال القول بالمساواة الاجتماعية، وهي الخصوصية الثقافية لبعض أفراد المجتمع وتكويناته، وتعلمنا السيسيولوجيا الجديدة أن الفاعليات الاجتماعية التي تصل حدا عظيما من التجريد تنتج متاعبها الخاصة، وفي الحالة التي نناقش فإن المساواة تجرد الفرد من خصوصيته ومكانته وهويته وتوهمه بأن الاختلاف الثقافي يأتي ثانيًا بعد تعزيز قانونية الجماعية الاجتماعية، فالدفاع عن المساواة بين المواطنين يُلغي بالضرورة الاعتراف بتنوعهم، بتنوع قيمهم المشكلة لوعيهم، كونها تتحول من مجرد قانون رسمي إلى معايير للانتماء، وتدعي تكامليتها بهذه الرسملة للقيم، وتقوم بدافع من تعميم إلى ترسيخ فكرة وحدة السياق الاجتماعي، وهذا بدوره يعارض أي قول بالخصوصية الثقافية، بل يعارض أكثر إمكانية الاعتراف بالثقافات الفرعية للمجتمع، وهي ثقافات وظيفتها في حال أُفْسِح المجال لتمثيلها أن تقوم بتقوية المشترك الاجتماعي وتوسيع نطاقه.

إن التعددية الثقافية هي نقطة الاتصال بين المفرد والمشترك عند جون ديوي، ومن فرادته الفلسفية أن التفرد ليس معنى يؤسس لنشوء هوية ثابتة مغلقة بل إن الكيانات الفردية هي دائما ثمرة تاريخ خاضع لإعادة التشكيل، عبر استثمار مستمر بين البيئة الاجتماعية والتكوين الثقافي، فالكيانات الفردية لا تتكون على الإطلاق بفضل خصائصها الثابتة، بل من خلال تفاعلها المستمر، وأن من مقاتل الاجتماع الإنساني تركيب السياسة على رؤى من الاستبعاد دون الإيمان بالتركيب المتبادل داخل الظاهرة الاجتماعية.

إن الإندماج كسياسة ثقافية ناجحة في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى مدى سنين طويلة قامت على تحويل الفردي إلى جماعي دون المساس بكيانية المجموعات الثقافية ، لكنها الآن في ظل رئاسة ترامب صائرة إلى شعوبية بغلاف وطني يستهدف أول ما يستهدف سياسة الاعتراف بالاختلاف الثقافي وإحلال نموذج العصبية الوطنية المؤسلبة لوحدة المجتمع، ففي الوقت الذي طوَّر فيه الفلاسفة البراجماتيون منذ ساندرس بيرس (توفي 1914م) وحتى جون ديوي نهجًا يربط بين التعددية الثقافية وبناء المشترك، وتحسينهم طُرق تجديد التجريب لصالح إحسان عمل الديناميات الاجتماعية، وبالخصوص أشغال ديوي التي انتهت إلى القول بأن الاعتراف بالتعددية الثقافية شرط للديمقراطية، وأنها المسألة الأم في البناء الديمقراطي كونها تكرّس أكثر لمطلب الاعتراف بالخاص وتدبيره بصورة موضوعية في العام، فإن مؤشرات عدة تقول بأننا أمام فلسفة معاكسة بالكامل لهذا التصور، فالرجل رسول الشعوبية الجديدة، شعوبية تستند إلى تحطيم أهم القيم الأمريكية «المساواة والحرية» وهي القيم التي أنتجها فلاسفة علم الاجتماع الأمريكي، فهل من مهدد أكبر من ذلك يواجه الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأسره تحت قيادة ترامب؟!.

غسان علي عثمان كاتب سوداني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة القیم الأمریکیة

إقرأ أيضاً:

ترامب يخطط لألغاء الوضع القانوني لـ 240 ألف أوكراني في الولايات المتحدة

مارس 6, 2025آخر تحديث: مارس 6, 2025

المستقلة/- قال مسؤول كبير في إدارة ترامب وثلاثة مصادر مطلعة على الأمر إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تخطط لإلغاء الوضع القانوني المؤقت لنحو 240 ألف أوكراني فروا من الصراع مع روسيا، مما قد يضعهم على مسار سريع للترحيل.

ستكون هذه الخطوة، المتوقعة في أبريل/نيسان، بمثابة تراجع كبير عن الترحيب الذي تلقاه الأوكرانيون في عهد إدارة الرئيس جو بايدن.

كان التراجع المخطط عن الحماية للأوكرانيين جاريًا قبل أن يتنازع ترامب علنًا مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأسبوع الماضي. وقالت المصادر إن هذا جزء من جهد أوسع نطاقًا لإدارة ترامب لسحب الوضع القانوني من أكثر من 1.8 مليون مهاجر سُمح لهم بدخول الولايات المتحدة بموجب برامج الإفراج المشروط الإنساني المؤقت التي أطلقت في عهد إدارة بايدن.

ردت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت على تقرير رويترز في منشور على X، قائلة “لم يتم اتخاذ أي قرار في هذا الوقت”. قالت المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي الأمريكية تريشيا ماكلولين يوم الأربعاء إن الوزارة ليس لديها إعلانات جديدة.

دعا أمر تنفيذي أصدره ترامب في 20 يناير وزارة الأمن الداخلي إلى “إنهاء جميع برامج الإفراج المشروط”.

تخطط الإدارة لإلغاء الإفراج المشروط لنحو 530 ألف كوبي وهايتي ونيكاراغوي وفنزويلي في أقرب وقت من هذا الشهر، وفقًا لمسؤول ترامب وأحد المصادر المطلعة على الأمر، وطلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة المداولات الداخلية. تم الإبلاغ عن خطة إلغاء الإفراج المشروط عن تلك الجنسيات لأول مرة بواسطة CBS News.

يمكن أن يواجه المهاجرون الذين جُردوا من وضع الإفراج المشروط إجراءات ترحيل سريعة.

يمكن وضع المهاجرين الذين يعبرون الحدود بشكل غير قانوني في عملية الترحيل السريع المعروفة باسم الإبعاد السريع، لمدة عامين بعد دخولهم. ولكن بالنسبة لأولئك الذين دخلوا بشكل قانوني دون “القبول” رسميًا في الولايات المتحدة – كما هو الحال مع المفرج عنهم – لا يوجد حد زمني لإبعادهم السريع.

كانت برامج بايدن جزءًا من جهد أوسع لإنشاء مسارات قانونية مؤقتة لردع الهجرة غير الشرعية وتوفير الإغاثة الإنسانية.

بالإضافة إلى 240 ألف أوكراني فروا من الغزو الروسي، و530 ألف كوبي وهايتي ونيكاراغوي وفنزويلي، غطت هذه البرامج أكثر من 70 ألف أفغاني فروا بعد سيطرة طالبان على أفغانستان.

حدد مليون مهاجر إضافي موعدًا للعبور عند معبر حدودي قانوني عبر تطبيق يُعرف باسم CBP One.

كان لدى الآلاف الآخرين إمكانية الوصول إلى برامج أصغر، بما في ذلك الإفراج المشروط لإعادة توحيد الأسرة لأشخاص معينين في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

تعهد ترامب كمرشح بإنهاء برامج بايدن، قائلاً إنها تجاوزت حدود القانون الأمريكي.

أوقفت إدارة ترامب الشهر الماضي معالجة الطلبات المتعلقة بالهجرة للأشخاص الذين دخلوا الولايات المتحدة بموجب برامج الإفراج المشروط الخاصة ببايدن.

مقالات مشابهة

  • ترامب يخطط لألغاء الوضع القانوني لـ 240 ألف أوكراني في الولايات المتحدة
  • دول يحظر دخول سكانها إلى الولايات المتحدة الأمريكية
  • ألكسندر دارشييف ..بوتين يعين سفيرا جديدا لدي الولايات المتحدة الأمريكية
  • شاهد | خطاب ترامب في حالة الاتحاد يثير الانقسام والجدل والمخاوف في الولايات المتحدة الامريكية
  • ترامب: جو بايدن أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة
  • ترامب: الولايات المتحدة بدأت في استعادة قناة بنما
  • ترامب: بايدن أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة
  • تحذير كندي: الرسوم الأمريكية غير المبررة تهدد بفقدان وظائف وارتفاع أسعار في الولايات المتحدة
  • الكرملين: تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة يتطلب رفع العقوبات عن موسكو
  • ردا على ازمة أوكرانيا.. روبيو: الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح باستغلالها