لجريدة عمان:
2025-04-11@23:53:52 GMT

شعوبية ترامب وتشريس القيم الأمريكية

تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT

نقلت وكالات الأنباء أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما إن حل بالبيت الأبيض حتى بدأ في تنفيذ وعيده الانتخابي بإطلاق أكبر برنامج ترحيل في الولايات المتحدة الأمريكية، بل أطلق الرجل على المهاجرين غير النظاميين وصف «المجرمين»، وترامب يبدو سعيدًا بإيقاف دخول المهاجرين إلى بلاده حتى من سُمح لهم بذلك قبل توليه السلطة، وما صمته عن الإجراءات غير الإنسانية تجاه المهاجرين إلا دليل نشوة انتصار.

هذا شأن الولايات المتحدة الأمريكية لكن ما يهمنا من هذه الشعوبية الجديدة في السياسة الأمريكية جانبها المتصل بالسياسات الثقافية، ولذا فإن عودة طبيعية إلى جوهر الفلسفة السياسية الأمريكية وبالتحديد إلى البراجماتية ومُنظّرها الأشهر جون ديوي ستكشف لنا كيف تعيش الحضارة الأمريكية أفولها المعلن، وديوي يقول إن أفضل طريقة لبناء المجتمع الحر هي اعتماد سياسة الاعتراف بالتنوع مع المساواة، ومن ثم دمجهما بشكل عملي، وهذه واحدة فتوحات الفيلسوف الأمريكي جون ديوي (1859-1952م) كون بناء الفاعلية السياسية لا بد أن يقوم على أُسس الاعتراف بالاختلاف الثقافي وهو وحده الذي سيمكن المجتمعات الحديثة من قيام المصالح الإنسانية على ملاءمة بين الفردي والجماعي، بين الخصوصية والمشترك، وديوي الذي أُسيء فهمه وتم اختصار كل مجهوداته باعتبارها نظرية مخاصمة للتأمل الفلسفي، بل تقوم على دحض مؤكد لكل ما هو نظري، والحقيقة أن مشاغله انتهت إلى توفير عمليات دمج بين التأملي والعملي، وهذا بسبب تعدد اختصاصات الرجل، لكن ما يهمنا هنا، مسألة شديدة الأهمية تتعلق بالعلاقة المضطربة بين منظومة القيم والتنوع الثقافي، وبالتحديد في الحالة الأمريكية، والتي هي خلاصة مثمرة لديناميات فاعلة استطاعت بها الولايات المتحدة الأمريكية وهي تعبر طرقا كثيرة منذ الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر، وحتى اليوم أن تصنع مجتمعًا للتعايش يُعد الأعلى في تصور البناء الاجتماعي الحديث، لكن اليوم فإن أمريكا ترامب تضع مقدمات سياسية للقضاء على جوهر القيم الأمريكية، وفي هذا المقال الذي يدعي وجود خطر كبير على بلاد العم السام، فإنه لا يأتي إشفاقًا عليها، ولا شماتة فيها، فهذا أمر هزلي، بل هو محاولة لفهم جوهر القيم الأمريكية والذي جعلها تقود العالم، والتهديدات التي تنتظر العالم بأسره من وجود هذا الرجل على عرش أقوى دولة في العالم، دولة لا تستمد قوتها من ترسانتها الحربية فقط بل من نموذجها الاجتماعي المتعالي عن أي تجربة.إن مشكلة التنوع الثقافي ناتجة عن صراع بين نموذجين وهو أمر ينطبق على أغلب المجتمعات ذات التعددية العالية، فالنموذج الأول هو «روح الأمة» أو «قِيم الشعب» أو أي أسم آخر دال على التبشير بوجود قيم عليا ينبغي أن تحل محل كل تباين ثقافي/اجتماعي داخل أي أمة، والنموذج الآخر هو النموذج الليبرالي في نسخته الراهنة، والذي يعزز من الفردانية ويكرس جهوده لتمزيق أي ادعاء بحاكمية القيم على الفرد، ولعل النموذج الأول ارتبط ارتباطًا واضحًا بالروح الأمريكية، فهذه حضارة تفاخرت بأنها حققت النموذج الأعلى للتعايش، والحقيقة أنها نجحت إلى حد كبير في ذلك، لكن مشكلة التعايش ظلت واحدة من أكبر مفازع الليبرالية الجديدة، فالتعايش القائم على المساواة بديهي وشديد التجريد، فالظاهرة الاجتماعية وإن تبدت في سطحها حالة من توازن بين القانوني والإنساني، إلا أنها تصطدم بمشكلة أخرى هي من نِتاج استفحال القول بالمساواة الاجتماعية، وهي الخصوصية الثقافية لبعض أفراد المجتمع وتكويناته، وتعلمنا السيسيولوجيا الجديدة أن الفاعليات الاجتماعية التي تصل حدا عظيما من التجريد تنتج متاعبها الخاصة، وفي الحالة التي نناقش فإن المساواة تجرد الفرد من خصوصيته ومكانته وهويته وتوهمه بأن الاختلاف الثقافي يأتي ثانيًا بعد تعزيز قانونية الجماعية الاجتماعية، فالدفاع عن المساواة بين المواطنين يُلغي بالضرورة الاعتراف بتنوعهم، بتنوع قيمهم المشكلة لوعيهم، كونها تتحول من مجرد قانون رسمي إلى معايير للانتماء، وتدعي تكامليتها بهذه الرسملة للقيم، وتقوم بدافع من تعميم إلى ترسيخ فكرة وحدة السياق الاجتماعي، وهذا بدوره يعارض أي قول بالخصوصية الثقافية، بل يعارض أكثر إمكانية الاعتراف بالثقافات الفرعية للمجتمع، وهي ثقافات وظيفتها في حال أُفْسِح المجال لتمثيلها أن تقوم بتقوية المشترك الاجتماعي وتوسيع نطاقه.

إن التعددية الثقافية هي نقطة الاتصال بين المفرد والمشترك عند جون ديوي، ومن فرادته الفلسفية أن التفرد ليس معنى يؤسس لنشوء هوية ثابتة مغلقة بل إن الكيانات الفردية هي دائما ثمرة تاريخ خاضع لإعادة التشكيل، عبر استثمار مستمر بين البيئة الاجتماعية والتكوين الثقافي، فالكيانات الفردية لا تتكون على الإطلاق بفضل خصائصها الثابتة، بل من خلال تفاعلها المستمر، وأن من مقاتل الاجتماع الإنساني تركيب السياسة على رؤى من الاستبعاد دون الإيمان بالتركيب المتبادل داخل الظاهرة الاجتماعية.

إن الإندماج كسياسة ثقافية ناجحة في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى مدى سنين طويلة قامت على تحويل الفردي إلى جماعي دون المساس بكيانية المجموعات الثقافية ، لكنها الآن في ظل رئاسة ترامب صائرة إلى شعوبية بغلاف وطني يستهدف أول ما يستهدف سياسة الاعتراف بالاختلاف الثقافي وإحلال نموذج العصبية الوطنية المؤسلبة لوحدة المجتمع، ففي الوقت الذي طوَّر فيه الفلاسفة البراجماتيون منذ ساندرس بيرس (توفي 1914م) وحتى جون ديوي نهجًا يربط بين التعددية الثقافية وبناء المشترك، وتحسينهم طُرق تجديد التجريب لصالح إحسان عمل الديناميات الاجتماعية، وبالخصوص أشغال ديوي التي انتهت إلى القول بأن الاعتراف بالتعددية الثقافية شرط للديمقراطية، وأنها المسألة الأم في البناء الديمقراطي كونها تكرّس أكثر لمطلب الاعتراف بالخاص وتدبيره بصورة موضوعية في العام، فإن مؤشرات عدة تقول بأننا أمام فلسفة معاكسة بالكامل لهذا التصور، فالرجل رسول الشعوبية الجديدة، شعوبية تستند إلى تحطيم أهم القيم الأمريكية «المساواة والحرية» وهي القيم التي أنتجها فلاسفة علم الاجتماع الأمريكي، فهل من مهدد أكبر من ذلك يواجه الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأسره تحت قيادة ترامب؟!.

غسان علي عثمان كاتب سوداني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة القیم الأمریکیة

إقرأ أيضاً:

الصين ترفع رسومها الجمركية الانتقامية على الولايات المتحدة إلى 84% اعتبارًا من 10 أبريل

أبريل 9, 2025آخر تحديث: أبريل 9, 2025

المستقلة/- رفعت الصين الرسوم الجمركية الأنتقامية إلى 84% على البضائع القادمة من الولايات المتحدة في إجراء مضاد إضافي.

في الأسبوع الماضي، أعلنت الصين أنها ستفرض رسومًا جمركية بنسبة 34% على جميع البضائع الأمريكية.

يوم الأربعاء، دخلت رسوم ترامب الجمركية البالغة 104% حيز التنفيذ على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة.

وتعهدت الصين مجددًا “بالنضال حتى النهاية” ضد رسوم دونالد ترامب الجمركية في بيان سياسي مطول نُشر يوم الأربعاء، مؤكدةً أن التجارة بين البلدين متوازنة مع دخول ضريبة بنسبة 104% على صادرات البلاد إلى الولايات المتحدة حيز التنفيذ.

رفضت الحكومة الإفصاح عما إذا كانت ستتفاوض مع البيت الأبيض، كما بدأت العديد من الدول الأخرى في ذلك.

كتبت وزارة التجارة في بيانٍ: “إذا أصرت الولايات المتحدة على تصعيد قيودها الاقتصادية والتجارية، فإن الصين تمتلك الإرادة القوية والوسائل الكافية لاتخاذ التدابير المضادة اللازمة والقتال حتى النهاية”.

يوم الجمعة الماضي، أعلنت الصين عن فرض رسوم جمركية بنسبة 34% على جميع السلع المستوردة من الولايات المتحدة، وضوابط تصدير المعادن الأرضية النادرة، ومجموعة من الإجراءات الأخرى ردًا على رسوم ترامب الجمركية في “يوم التحرير”. ثم أضاف ترامب رسومًا جمركية إضافية بنسبة 50% على السلع القادمة من الصين، قائلاً إن المفاوضات معها قد انتهت.

حتى الآن، لم تُبدِ الصين أي اهتمام بالتفاوض. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية، لين جيان، يوم الأربعاء: “إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقًا حل المشكلات من خلال الحوار والتفاوض، فعليها تبني موقف المساواة والاحترام والمنفعة المتبادلة”.

وكتب في البيان إن الولايات المتحدة لم تفِ بوعودها التي قطعتها في المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري الذي أُبرم خلال ولاية ترامب الأولى. على سبيل المثال، قالت إن القانون الأمريكي الذي من شأنه أن يحظر تطبيق تيك توك ما لم يتم بيعه من قبل الشركة الأم الصينية ينتهك وعدًا بأن أيًا منهما لن “يضغط على الطرف الآخر لنقل التكنولوجيا إلى أفراده”.

مقالات مشابهة

  • وسائل التواصل توسّع الفجوة بين الأجيال .. وحماية القيم مسؤولية مشتركة
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات على شركة صينية و30 ناقلة نفط
  • ‏"وام": الخارجية الإماراتية تعلن نجاح عملية تبادل سجناء بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية
  • "معاداة السامية" قيد جديد أمام المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية
  • الصين تحذر مواطنيها من السفر إلى الولايات المتحدة
  • صفقة لتبادل السجناء بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا | تفاصيل
  • ترامب: الولايات المتحدة تمتلك أقوى أسلحة في العالم لم يسمع بها أحد
  • بعد زيادة الرسوم الجمركية.. الصين تحذر مواطنيها من السفر إلى الولايات المتحدة
  • الصين ترفع رسومها الجمركية الانتقامية على الولايات المتحدة إلى 84% اعتبارًا من 10 أبريل
  • النفط يهوي بعد فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية بنسبة 104% على الصين