المواطنة الثقافية تأصيل للمواطنة الصالحة
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
تمثل الثقافة والفكر والفن والآداب روافد متنوعة تصب في نهر المعرفة، والثقافة هي القوة الناعمة التي ترفع راية الوطن في المحافل الدولية، والمواطنة المثقفة هي الذوق الرفيع والفكر المتطور والإدراك الحسي الواعي، والعلاقة طردية بين المواطنة الصالحة والمواطنة الثقافية.
الاستثمار في الإنسان بمكوناته الفكرية والثقافية هو إدراك لهويته الوطنية
إن الاستثمار في الإنسان بمكوناته الفكرية والثقافية هو إدراك لهويته الوطنية، بل ذاكرة خصبة لكل الثقافة العربية: التاريخ واللغة والآداب والفنون والمعتقدات، هذا لأننا- وبكل اعتداد وفخر- نمثل مهد الحضارات المتجذرة إلى ما قبل التاريخ الإنساني، حيث قدمنا للإنسانية نموذجنا العربي الحامل لموروثه وحضاراته المتعاقبة.
لا ننكر أن هناك تشوهات علقت بالوعي الثقافي، سواء من آليات الاتصال الدولي والتدفق الحر والإمبريالية الثقافية ومجتمع الشبكات، تشوهات هددت قيم المواطنة الصالحة والهوية الوطنية.. وهناك أزمة ثقافة، فما زال الشباب يعاني من ثقافة هشة ومن لغة خطاب ضعيفة، ونمط تفكير ضحل يفتقر إلى التحليل والعمق، وتدن لغوي يشوب غالبية شبابنا.
لذا فإنه لا بد من مفهوم الثقافة كرافعة للمواطنة الصالحة، وترسيخ قيم الثقافة الإسلامية والعربية المعتدلة والواعية، من أجل صناعة المعنى والحياة والحضارة، فهي على صلة متينة بالهوية والتاريخ وبالمستقبل.
هل من شك في أن الثقافة النيرة السليمة هي حائط الصد الأول في وجه أي انحراف في وعي المجتمع.. نحن لا نقف ضد التجديد، لكن في غير الثوابت، بل نسعى لخلق ثقافة دينية تتسم بالتسامح والتعايش، بعيداً عن أي محاولات لتشويه ثوابت الدين ذات النصوص القطعية.
المواطنة الصالحة هي تلك المواطنة المثقفة المؤمنة بقيم العمران والتقدم والإنتاج واحترام دولة القانون، وتعزيز دور القيم المدنية والسلوك والحضاري، فضلًا عن قيم العروبة والإسلام والقيم الإنسانيّة العامة.
لا تجدي المراكز الثقافية والمسارح والمتاحف والقاعات الفنون، ما لم يكن هناك مثقف وطني حقيقي ومتذوق ومبدع، يمتلك حساً مرهفاً يستلهم مفردات تاريخ المنطقة وتراثها وثقافتها الشعبية الأصيلة.
لن نكفَّ هنا عن المطالبة بالخصوبة في الأفكار والإنتاج والإبداع، لمواجهة موجات الأمية الثقافية، وانتشال واقع النشر العربي، الذي لم يستقر كصناعة ثابتة، وقلة فاعلية السياسات اللغوية، وتراجع الفائدة الاقتصادية للغة، وعدم إقامة تكتل عربي من المدخل الثقافي ليحل لنا هذه الـمعضلة.
لا يخفى أن ثمة مشكلات كبرى تواجه أمتنا، منها فقدان الهوية العربية أو تلاشي ملامح هذه الهوية، ما يدعونا جميعاً -كل في موقعه- إلى إحياء الفصحى، أو تفعيل التراث الثقافي العربي، أو التمكين للمعرفة الأصيلة، لمواجهة تلك الغربة الوجودية، التي لا بد من تجاوزها بما تيسر من سبل، من خلال التصدي لكل أدوات البيئة الرقمية والعولمة والطغيان التكنولوجي.
فإذا أردنا ثقافة وطنية صالحة وعميقة ومترسخة، علينا تأسيس مفهوم المواطنة الثقافية، فالعلاقة جد مترابطة ومتفاعلة بين هذين المفهومين، فلن نخلق ثقافة وطنية أصيلة في الشعوب، قادرة على الحفاظ على الأصالة والتراث، أو مواجهة التحديات التاريخية إلا بالمواطنة الثقافية الصالحة.
لا بد في هذا الصدد من بناء المؤسسات والمراكز الثقافية التي توظف الكفاءات المؤهلة، وتعنى بالمثقف الوطني وبمنجزاته الإبداعية.
ومن هنا تأتي أهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به رجال الوطن المثقفون من المؤمنين بالقيم المواطنة الصالحة في تدعيم اللحمة الوطنية أولًا، وتقديم ما يمثل الوطن من قيم إيجابية بناءة تعزز الأمن والاستقرار والتنمية، من أجل فضاء ثقافي يقود لواقع أفضل، بوصفه سلاحاً فعالًا في مواجهة المخاطر والأزمات، سلاحاً يهب المجتمعات القدرة على التميز والابداع والابتكار.
إن موطن المعجزة هو الثقافة الوطنية الواعية، بكل آفاقها العربية الأصيلة المعبرة عن الشعوب على مر اﻷجيال.
على سبيل المثال تمثل السياسة المتزنة تلك السياسة المثقفة، القادرة على انتشال الأوطان من ثقافة الفوضى والغوغاء، في ظل تعقيدات الواقع السياسي.
هناك الكثير من الظواهر السياسية المثقفة، القادره على تعميق الفكر، لا سيما ما تقوم به الإمارات من تحرك ملموس في صياغة المشهد السلمي وصياغة ثقافة تتسم بالحرية والتعايش وقبول الآخر، وكل تلك الإنجازات تحركها قيم الثقافة العربية.
من الجميل أن نذكر بأن هناك ثمة إنجازات ثقافية أحدثت فرقاً جوهرياً في العمل الثقافي في الإمارات، ومنها المهرجانات والأنشطة الثقافية، والمؤتمرات الفكرية، وإشاعة ثقافة السلم، وإحياء كل المناسبات التراثية والوطنية.
علينا -من أجل ذلك- أن نحيي في شبابنا ثقافة القراءة، وأن نخطط لذلك تخطيطًا مؤسسياً، مستفيدين من التجربة الغربية التي يسّرت أمر القراءة أمام الشباب المتطلع إلى الفهم، فجمعت لهم الكتب النوعية في تراثهم في ستين مجلداً، ضمن سلسلة "الكتب العظيمة في الحضارة الغربية".
فهكذا يكون التأثر المفيد.. وهكذا نستلهم خطاهم التي سبقتنا إلى ما يفيد أمتنا، ويرتقي بشبابنا.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
"أرسم مدينتك".. معرض فني بقصر ثقافة الأنفوشي احتفالا بيوم التراث
ضمن احتفالات وزارة الثقافة بيوم التراث العالمي، نظمت الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، المعرض الفني الأول لمبادرة "ارسم مدينتك"، بقصر ثقافة الأنفوشي، بالإسكندرية.
المعرض الفني الأول لمبادرة "ارسم مدينتك"
نفذ المعرض بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، ضمن برنامج إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي، ونفذ من خلال فرع ثقافة الإسكندرية.
وشهد حضور نخبة المثقفين والفنانين التشكيليين، من أبرزهم محمد حمدي، رئيس الإقليم، د. منال يمني، مدير عام الفرع، د. محمد عبد السلام، أستاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة، أماني علي مدير قصر ثقافة الأنفوشي، والفنانة سارة حجازي المشرفة على المعرض والمبادرة.
أبرز الأعمال الإبداعية
ضم المعرض مجموعة متنوعة من الأعمال الإبداعية قدمها أكثر من ٥٠ مشاركا، في مختلف مجالات الفنون البصرية كالرسم والتصوير الزيتي، والفوتوغرافي، وأعمال الكولاج، وغيرها من الأعمال التي توثق المعالم التراثية والأثرية بمحافظة الإسكندرية ومنها: متحف الفنون الجميلة بمحرم بك، مقهى علي الهندي والمقهى التجاري بالمنشية، قصر المجوهرات الملكية، مكتبة الإسكندرية، وشارع فؤاد.
وقد عبّر المشاركون عن رؤيتهم من خلال اللوحات المعروضة باستخدام خامات وألوان متنوعة، ساعدت على توثيق التراث السكندري المادي كالعمارة والمناطق الأثرية بما تحويه من طرز وزخارف وجماليات إنشائية.
مبادرة "ارسم مدينتك""ارسم مدينتك" إحدى مبادرات الهيئة العامة لقصور الثقافة الهادفة إلى الحفاظ على التراث المحلي من الاندثار، وتنمية المهارات الفنية وتعزيز روح العمل الجماعي من خلال تنظيم ورش عمل فنية وزيارات ميدانية تبدأ برسوم تخطيطية وتنتهي بأعمال مكتملة، وجرى تنفيذها في محافظة الإسكندرية في الفترة من سبتمبر وحتى نوفمبر ٢٠٢٤.