الأسبوع:
2025-03-03@23:05:14 GMT

استعمار العقول أخطر من احتلال الأوطان

تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT

استعمار العقول أخطر من احتلال الأوطان

لم يعد التهديد الذي يواجه مجتمعاتنا يأتي من غزو الجيوش واحتلال الأراضي، فقد أدرك الغرب أن الشعوب التي تمتلك الوعي والهوية لا تهزم، حتى وإن ضعفت قوتها العسكرية.

لذا، تحولت المعركة من ميادين القتال إلى ساحات الفكر، وانتقل الاستعمار من السيطرة على الأرض إلى غزو العقول، حيث لم يعد الهدف إسقاط الدول، بل تفكيك الأفراد من الداخل، وسلخ الأجيال عن هويتها.

فبعد أن فشل الغرب في إخضاعنا عسكرياً أمام صمود جيوشنا وثبات رجالنا، وجد طريقاً آخر لاختراق مجتمعاتنا عبر أدوات حديثة تزرع الفراغ والانحلال، وتفقد الإنسان ارتباطه بجذوره العربية والإسلامية.

نحن اليوم أمام استعمار خفي، أكثر دهاءً من أي احتلال تقليدي، يحكم سيطرته على العقول قبل الأوطان، ويسرق الوعي قبل أن يهدم الجدران وأبرز أدوات هذا الاستعمار هي منصات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها تيك توك، الذي لم يعد مجرد تطبيق ترفيهي، بل أصبح أخطر الأسلحة المستخدمة في تفكيك القيم، وهدم المبادئ، وإضعاف المجتمعات من الداخل، إنه ليس منصة عشوائية، بل مشروع مدروس لإعادة برمجة وعي الأجيال، وتوجيهها بعيداُ عن الأخلاق والدين والانتماء. اللغة العربية تهمش، الهوية الإسلامية تطمس، والمبادئ الراسخة تستبدل بمفاهيم غريبة، فتنتج هذه المنصات أجيالاً بلا هوية، بلا مبادئ، بلا انتماء، مجرد نسخ مفرغة من القيم، سهلة الانقياد لأي فكر يفرض عليها.

إن أخطر ما في هذا الاستعمار أنه لا يفرض بالقوة، بل يتسلل في صمت، فيغزو العقول ويغير السلوك دون أن يدرك الضحايا حجم الخطر فنحن لا نواجه عدواً مرئياً يحمل السلاح، بل آلة إعلامية ضخمة تحارب العقيدة، تشوه الهوية، وتصنع أجيالاً ضعيفة، ترى الانحلال حرية، والتفاهة نجاحاً، والانقياد ثقافة.

فالرجال لم يعودوا رجالاً، والنساء فقدن دورهن في بناء الأجيال وانتشرت ثقافة اللامسوؤلية والتفاخر بالمظاهر الفارغة، وتحولت الرجولة إلى مجرد عدد متابعين بدلاً من قوة المواقف والإنجازات. أما النساء، فقد وقعن في فخ الحرية المزيفة حيث باتت قيمتهن تقاس بالاستعراض والبحث عن القبول الرقمي، بدلاً من العلم والأخلاق أو دورهن في بناء الأسرة والمجتمع. أصبح الابتذال وسيلة للصعود، والانحلال عنوان النجاح، حتى فقدت الأسرة دورها في تربية أجيال واعية. لكن الكارثة الكبرى تتجلى في مصير الجيل الواعد، الذي كان أمل الأمة ومستقبلها. انهارت القيم الدينية، واختفت المبادئ العربية، وأصبح العلم بلا قيمة بعدما رأوا أن المال والشهرة تأتي من التفاهة والانحراف، لا من الاجتهاد والبناء. نحن اليوم مجتمع مستعمر فكرياً، تقاد عقولنا من خلف الشاشات، وتعاد برمجة أجيالنا دون مقاومة تذكر، الانقياد لا يطلب منك أن ترفع السلاح، بل أن تلهو، أن تفقد هويتك دون أن تشعر.

إن أخطر ما قد يحدث لأي أمة هو أن تستيقظ يوما لتجد أن أبناءها لم يعودوا يشبهونها، أن ثقافتها اندثرت أن رجالها فقدوا الرجولة، ونساؤها تخلين عن الحياء، وأن جيلها الجديد أصبح نسخة مشوهة، صنعت بأياد أجنبية لا تريد لنا البقاء.

يا سادة، الوطن لا يحمى بالكلمات، ولا تبنى الأجيال بالصدفة، بل بالوعي والتحصين الفكري والتوجيه المسؤول نحن لا نطالب بإغلاق التطبيقات فقط، لأن المشكلة ليست في تيك توك وحده، بل في منظومة كاملة تستخدم لاستهداف مجتمعاتنا. الحل يبدأ من كل يد تربي وتوجه، من كل عقل يدرك أن هذه ليست مجرد "مرحلة"، بل حرب مفتوحة على وعي الأمة ومستقبلها.

الحكومات العربية اليوم أمام اختبار مصيري، فإما أن تتخذ موقفاً حازماً، وتفرض رقابة صارمة على المحتوى الذي يبث في فضائنا الرقمي، أو أن تشهد انهيار مجتمعاتها، دون أن تدرك متى وكيف حدث ذلك.

فالأوطان لا تصان بالأمنيات، بل تحمى بالمواقف الحاسمة والإجراءات الفاعلة. وإن لم يتخذ الآن قراراً جادً، فلن نجد غداً رجالاً يدافعون عن أوطانهم، ولا نساءً يصنعن أجيالاً قوية وواعية، بل سنواجه مجتمعات هشة، مفككة عاجزة عن الصمود أمام أي تحد، لأننا أصبحنا مجتمعاً مستعمراً فكرياً، يقاد دون وعي نحو الانهيار. اللهم احفظ امتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأزل عنها الغفلة، واعدها الى هويتها ودينها رداً جميلاً. ووفق قادتنا لاتخاذ القرارات الصائبة لحماية مجتمعاتنا. وأعز امتنا، واحمها من الدمار الفكري، يا ارحم الراحمين.

اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية: دار الإفتاء تسعى لتعزيز الوعي الإنساني في المجتمع

طلاب جامعة حلوان يزورون قاعدة المشير طنطاوي العسكرية لتعزيز الوعي الوطني

ثقافة البحيرة تواصل فعالياتها بأنشطة ثقافية وفنية لتعزيز الوعي وتنمية المهارات الإبداعية

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: قضية الوعي الوعي أميرة الحسن

إقرأ أيضاً:

جوتيريش يطرح 3 أولويات أمام قمة الجامعة العربية حول إعمار غزة ويؤكد أهمية حل الدولتين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 أكد الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، أنه سيطرح أولويات ثلاث رئيسية أمام مؤتمر القمة الاستثنائي لجامعة الدول العربية؛ لمناقشة إعادة إعمار غزة، والمقرر عقده بعد غد /الثلاثاء/؛ أولها ضرورة استمرار اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، ورفض كل أشكال التطهير العرقي وضرورة بقاء غزة جزءا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، وأهمية معالجة الشواغل الأمنية المشروعة لإسرائيل.


وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، قال جوتيريش: "يجب على الطرفين ألا يدخرا أي جهد لتجنب انهيار هذا الاتفاق. وأحثهما على الوفاء بالتزاماتهما وتنفيذها بالكامل. ويجب إطلاق سراح جميع الرهائن على الفور، ودون شروط وبطريقة تصون كرامتهم. ويجب على الطرفين ضمان المعاملة الإنسانية لجميع المحتجزين تحت سلطتيهما".
وأضاف أنه يجب الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية وحمايتها وتمويلها، وتدفقها دون عوائق للوصول إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها، مشيرا إلى أن "كل لحظة يصمد فيها وقف إطلاق النار تعني الوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص وإنقاذ مزيد من الأرواح".
وأشار إلى أنه منذ وقف إطلاق النار، تمكن العاملون في المجال الإنساني من تكثيف وتوسيع العمليات في غزة، بما في ذلك المناطق التي تعذّر الوصول إليها أثناء القتال، حيث تم توفير الغذاء لجميع السكان تقريبا في غزة، وتسليم مستلزمات الإيواء والملابس وغيرها من المواد الأساسية لعشرات الآلاف من النازحين، ومضاعفة كمية المياه النظيفة المتاحة للناس في غزة.
وشدد جوتيريش على ضرورة الحفاظ على الدور الفريد لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)، مشيرا إلى أنه سيناشد مرة أخرى من أجل تقديم الدعم العاجل والكامل لعمل الوكالة.
أما الأولوية الثانية التي سيطرحها الأمين العام أمام القمة العربية الاستثنائية فهي أن "إنهاء الأزمة الآنية ليس سوى الخطوة الأولى". وقال غوتيريش إنه يجب أن يكون هناك إطار سياسي واضح يرسي الأسس اللازمة لتعافي غزة وإعادة إعمارها واستقرارها الدائم، وأن يستند هذا الإطار إلى مبادئ واضحة. وأضاف أن هذا يعني "منع أي شكل من أشكال التطهير العرقي. وهذا يعني أنه ينبغي ألا يكون هناك وجود عسكري إسرائيلي طويل الأمد في غزة".
وقال إن هذا الإطار يعني أيضا معالجة الشواغل الأمنية المشروعة لإسرائيل، "ويعني بقاء غزة جزءا لا يتجزأ من دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية وذات سيادة، دون أي انتقاص في أراضيها أو نقل قسري لسكانها". وشدد على أنه يجب التعامل مع غزة والضفة الغربية المحتلةــ بما في ذلك القدس الشرقيةــ ككيان واحد، سياسيا واقتصاديا وإداريا.
ودعا الأمين العام، إلى "تهدئة عاجلة للوضع المثير للجزع في الضفة الغربية"، حيث يتم تدمير المنازل والبنية التحتية المدنية، ويُقتل المدنيون، والمجتمعات المحلية تُهجّر وتُمنع من العودة، ويُمنع الوصول إلى الرعاية الصحية. وشدد أيضا على أنه يجب وقف الإجراءات أحادية الجانب، بما في ذلك التوسع الاستيطاني والتهديدات بالضم، مضيفا "أدعو إلى وضع حد للهجمات على المدنيين وممتلكاتهم".
أما الأولوية الثالثة التي سيطرحها جوتيريش أمام القمة العربية، فهي ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة الآن نحو تحقيق حل الدولتين، وأكد ضرورة أن يتمتع الشعب الفلسطيني بالحق في حكم نفسه بنفسه، ورسم مستقبله، والعيش على أرضه بحرية وأمان.
وشدد على أن الطريق الوحيد إلى السلام الدائم هو أن تعيش دولتان ــ إسرائيل وفلسطين ــ جنبا إلى جنب في سلام وأمن، بما يتماشى مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وتكون القدس عاصمة لكلا الدولتين. وقال أمين عام الأمم المتحدة إن الفلسطينيين يستحقون الاستقرار الدائم والسلام العادل والمبدئي، ويستحق شعب إسرائيل أن يعيش في سلام وأمن.

مقالات مشابهة

  • مجلس السبيعي الرمضاني: منبر للتواصل ونقل الخبرات بين الأجيال
  • الدور المصري الذي لا غنى عنه
  • رئيس جامعة الأزهر: تغييب الشباب بالمخدرات طريق لإضعاف الأوطان
  • لمواجهة المخططات الإسرائيلية.. حزب الوعي يصدر ورقة سياسية للقمة العربية بالقاهرة
  • تعليم قنا تعلن نتيجة المدارس الفائزة بمبادرة العقول الخضراء
  • أخطر رجل فى العالم
  • تناولت التصدي للتصعيد بغزة.. حزب الوعي يصدر ورقة سياسات ويوجهها إلى القمة العربية بالقاهرة
  • حزب الوعي يصدر ورقة سياسات ويوجهها إلى القمة العربية بالقاهرة
  • عبير في دعوى خلع: زوجي لا يعرف البيت إلا للنوم
  • جوتيريش يطرح 3 أولويات أمام قمة الجامعة العربية حول إعمار غزة ويؤكد أهمية حل الدولتين