الأسبوع:
2025-04-23@07:03:48 GMT

استعمار العقول أخطر من احتلال الأوطان

تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT

استعمار العقول أخطر من احتلال الأوطان

لم يعد التهديد الذي يواجه مجتمعاتنا يأتي من غزو الجيوش واحتلال الأراضي، فقد أدرك الغرب أن الشعوب التي تمتلك الوعي والهوية لا تهزم، حتى وإن ضعفت قوتها العسكرية.

لذا، تحولت المعركة من ميادين القتال إلى ساحات الفكر، وانتقل الاستعمار من السيطرة على الأرض إلى غزو العقول، حيث لم يعد الهدف إسقاط الدول، بل تفكيك الأفراد من الداخل، وسلخ الأجيال عن هويتها.

فبعد أن فشل الغرب في إخضاعنا عسكرياً أمام صمود جيوشنا وثبات رجالنا، وجد طريقاً آخر لاختراق مجتمعاتنا عبر أدوات حديثة تزرع الفراغ والانحلال، وتفقد الإنسان ارتباطه بجذوره العربية والإسلامية.

نحن اليوم أمام استعمار خفي، أكثر دهاءً من أي احتلال تقليدي، يحكم سيطرته على العقول قبل الأوطان، ويسرق الوعي قبل أن يهدم الجدران وأبرز أدوات هذا الاستعمار هي منصات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها تيك توك، الذي لم يعد مجرد تطبيق ترفيهي، بل أصبح أخطر الأسلحة المستخدمة في تفكيك القيم، وهدم المبادئ، وإضعاف المجتمعات من الداخل، إنه ليس منصة عشوائية، بل مشروع مدروس لإعادة برمجة وعي الأجيال، وتوجيهها بعيداُ عن الأخلاق والدين والانتماء. اللغة العربية تهمش، الهوية الإسلامية تطمس، والمبادئ الراسخة تستبدل بمفاهيم غريبة، فتنتج هذه المنصات أجيالاً بلا هوية، بلا مبادئ، بلا انتماء، مجرد نسخ مفرغة من القيم، سهلة الانقياد لأي فكر يفرض عليها.

إن أخطر ما في هذا الاستعمار أنه لا يفرض بالقوة، بل يتسلل في صمت، فيغزو العقول ويغير السلوك دون أن يدرك الضحايا حجم الخطر فنحن لا نواجه عدواً مرئياً يحمل السلاح، بل آلة إعلامية ضخمة تحارب العقيدة، تشوه الهوية، وتصنع أجيالاً ضعيفة، ترى الانحلال حرية، والتفاهة نجاحاً، والانقياد ثقافة.

فالرجال لم يعودوا رجالاً، والنساء فقدن دورهن في بناء الأجيال وانتشرت ثقافة اللامسوؤلية والتفاخر بالمظاهر الفارغة، وتحولت الرجولة إلى مجرد عدد متابعين بدلاً من قوة المواقف والإنجازات. أما النساء، فقد وقعن في فخ الحرية المزيفة حيث باتت قيمتهن تقاس بالاستعراض والبحث عن القبول الرقمي، بدلاً من العلم والأخلاق أو دورهن في بناء الأسرة والمجتمع. أصبح الابتذال وسيلة للصعود، والانحلال عنوان النجاح، حتى فقدت الأسرة دورها في تربية أجيال واعية. لكن الكارثة الكبرى تتجلى في مصير الجيل الواعد، الذي كان أمل الأمة ومستقبلها. انهارت القيم الدينية، واختفت المبادئ العربية، وأصبح العلم بلا قيمة بعدما رأوا أن المال والشهرة تأتي من التفاهة والانحراف، لا من الاجتهاد والبناء. نحن اليوم مجتمع مستعمر فكرياً، تقاد عقولنا من خلف الشاشات، وتعاد برمجة أجيالنا دون مقاومة تذكر، الانقياد لا يطلب منك أن ترفع السلاح، بل أن تلهو، أن تفقد هويتك دون أن تشعر.

إن أخطر ما قد يحدث لأي أمة هو أن تستيقظ يوما لتجد أن أبناءها لم يعودوا يشبهونها، أن ثقافتها اندثرت أن رجالها فقدوا الرجولة، ونساؤها تخلين عن الحياء، وأن جيلها الجديد أصبح نسخة مشوهة، صنعت بأياد أجنبية لا تريد لنا البقاء.

يا سادة، الوطن لا يحمى بالكلمات، ولا تبنى الأجيال بالصدفة، بل بالوعي والتحصين الفكري والتوجيه المسؤول نحن لا نطالب بإغلاق التطبيقات فقط، لأن المشكلة ليست في تيك توك وحده، بل في منظومة كاملة تستخدم لاستهداف مجتمعاتنا. الحل يبدأ من كل يد تربي وتوجه، من كل عقل يدرك أن هذه ليست مجرد "مرحلة"، بل حرب مفتوحة على وعي الأمة ومستقبلها.

الحكومات العربية اليوم أمام اختبار مصيري، فإما أن تتخذ موقفاً حازماً، وتفرض رقابة صارمة على المحتوى الذي يبث في فضائنا الرقمي، أو أن تشهد انهيار مجتمعاتها، دون أن تدرك متى وكيف حدث ذلك.

فالأوطان لا تصان بالأمنيات، بل تحمى بالمواقف الحاسمة والإجراءات الفاعلة. وإن لم يتخذ الآن قراراً جادً، فلن نجد غداً رجالاً يدافعون عن أوطانهم، ولا نساءً يصنعن أجيالاً قوية وواعية، بل سنواجه مجتمعات هشة، مفككة عاجزة عن الصمود أمام أي تحد، لأننا أصبحنا مجتمعاً مستعمراً فكرياً، يقاد دون وعي نحو الانهيار. اللهم احفظ امتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأزل عنها الغفلة، واعدها الى هويتها ودينها رداً جميلاً. ووفق قادتنا لاتخاذ القرارات الصائبة لحماية مجتمعاتنا. وأعز امتنا، واحمها من الدمار الفكري، يا ارحم الراحمين.

اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية: دار الإفتاء تسعى لتعزيز الوعي الإنساني في المجتمع

طلاب جامعة حلوان يزورون قاعدة المشير طنطاوي العسكرية لتعزيز الوعي الوطني

ثقافة البحيرة تواصل فعالياتها بأنشطة ثقافية وفنية لتعزيز الوعي وتنمية المهارات الإبداعية

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: قضية الوعي الوعي أميرة الحسن

إقرأ أيضاً:

هآرتس: إفادة بار تكشف أخطر صندوق باندورا في تاريخ إسرائيل

في تطور غير مسبوق داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فجّر رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار قنبلة سياسية مدوية بشهادته الخطية أمام المحكمة العليا، كاشفا عن ضغوط مارسها عليه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لتوظيف الجهاز في معاركه الشخصية والقضائية.

وعلّق الكاتب في صحيفة هآرتس يوسي فيرتر على هذه الإفادة، معتبرا أنها تكشف "أخطر صندوق باندورا في تاريخ إسرائيل"، ووصف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بأنه وصمة عار على جبين الدولة، وتهديد مباشر لكل ما تبقى من نزاهة ومؤسسات في النظام السياسي.

ويؤكد فيرتر أن الشهادة التي قدمها بار ضد قرار إقالته من قِبل الحكومة الإسرائيلية، تُسلّط الضوء على واقع سياسي مظلم يفتقر إلى العدالة والحرية، ويتصرف فيه نتنياهو بشكل دكتاتوري، مستغلا منصبه لأغراض شخصية وسياسية، عبر محاولة توريط "الشاباك" في خدمته خلال محاكمته الجارية بتهم فساد خطيرة.

إفادة غير مسبوقة

بحسب الكاتب، فإن هذه الإفادة لا تعبّر عن خلاف بين شخصين أو مؤسستين، بل تمثل "إعلان خوف صريح" من انهيار النظام السياسي والأمني. ويشبّه فيرتر سلوك نتنياهو، وفقا لما ورد في الشهادة، بما يفعله "زعيم عصابة إجرامية" يسعى لإسكات معارضيه وشرعنة خطوات تهدف إلى تبرئته، حتى لو استدعى ذلك زجّ أجهزة الأمن في صراعاته القضائية.

إعلان

ويشير إلى أن نتنياهو حاول أيضا حماية مقربين منه متورطين بعلاقات مشبوهة مع دولة قطر، التي يُتهم بأنها تموّل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ما يزيد من تعقيد الأزمة السياسية والأمنية التي تعصف بإسرائيل حاليا.

ويشدد الكاتب على أن إفادة بار ليست تصريحا صحفيا أو مقابلة إعلامية، بل وثيقة رسمية من 31 صفحة، جرى تقديمها للمحكمة العليا، يتضمن جزء كبير منها مواد سرّية. ويُرجّح أن الوثيقة مدعّمة بمستندات ومذكرات كتبها بار بعد تلقيه ما وصفه بطلبات غير قانونية، وربما تمسّ الأمن القومي بشكل مباشر.

ويقول فيرتر إن نتنياهو اعتاد على دعوة بار إلى اجتماعات مغلقة لطَرح تعليمات حساسة، بعد طرد مساعديه والسكرتير العسكري والكاتبة، في مشهد وصفه الكاتب بأنه يشبه "تحول رئيس الحكومة في لحظة إلى دكتاتور يعالج قضايا أمنية في الظل".

ويضيف أن نتنياهو ارتكب خطأ تقديريا حين ظن أن رئيس "الشاباك" المنصرف سيصمت ويغادر، ولم يتوقع أن يقدم شهادة علنية بهذه الحدة والخطورة. ويرى أن الإفادة تمثّل "أكبر زلزال سياسي في إسرائيل منذ تأسيسها قبل 77 عاما، وتطوّرا غير مسبوق في العلاقة بين المستوى السياسي والأمني".

احتجاجات حاشدة لإطلاق الأسرى في غزة خاصة بعد شهادة بار (رويترز) هجوم معاكس من نتنياهو

رغم ما تحمله الإفادة من مضامين خطيرة، فإن مكتب نتنياهو أصدر ردا مقتضبا ومعتادا، اكتفى بوصفها بـ"الأكاذيب". لكنه حرّك حلفاءه في الإعلام والسياسة لإطلاق حملة مضادة تزعم أن الشهادة جزء من "مؤامرة سياسية" تقودها المستشارة القانونية للحكومة لإجباره على التنحي بدعوى تعذر مواصلة مهامه.

ويرى فيرتر أن هذه الحملة امتداد لمحاولات نتنياهو المستمرة لتصوير كل معركة قانونية على أنها حرب من "الدولة العميقة"، وجزء من مؤامرة يتعرض لها من قِبل القضاء والأجهزة الأمنية.

ويذكّر الكاتب أن رئيسَي "الشاباك" السابقين يورام كوهين ونداف أرغمان تعرضا لمحاولات مشابهة، لكنهما آثرا الصمت وعدم التصعيد، في حين قرر بار أن يقول "لا" علنا، باعتباره واجبا وطنيا لحماية الدولة من انحراف القيادة.

إعلان

ومن بين الحجج التي تروج لها أوساط نتنياهو أن "الشاباك" سبق أن تدخّل ضد مواطنين إسرائيليين في احتجاجات أوسلو عام 1993، فلماذا لا يفعل الشيء نفسه مع المحتجين ضد خطة "الإصلاح القضائي" اليوم؟

ويفند فيرتر هذا المنطق، موضحا أن احتجاجات التسعينيات كانت في سياق تهديدات فعلية بالعنف السياسي، تُوّجت باغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين عام 1995، في حين أن المظاهرات الأخيرة كانت سلمية ومنضبطة، بل "شبه مثالية"، على حد تعبيره.

المطالبة بتحقيق جنائي

يرى فيرتر أن ما كُشف في شهادة بار يمثل "استمرارا لمحاولة الانقلاب القضائي بأساليب أخرى". ويعتبر أن المطالبة بإعلان تعذر نتنياهو عن مواصلة مهامه لا جدوى منها في ظل مؤسسات مشلولة وواقع سياسي مشوّه، حيث لا تملك المستشارة القانونية ولا المحكمة العليا الجرأة الكافية لاتخاذ قرار كهذا.

لكنه يطرح بديلا وهو التحقيق الجنائي، إذ يرى أن المحكمة العليا قادرة على الأمر بفتحه استنادا إلى ما جاء في الإفادة، التي تحوي -على ما يبدو- قرائن كافية على وجود مخالفات جنائية.

ويختم فيرتر مقاله برسالة شديدة اللهجة، يقول فيها إنه بعد الخطاب الشهير لوزير الدفاع السابق يوآف غالانت قبل نحو عامين حين حذر من أن نتنياهو يشكّل خطرا على أمن الدولة، جاءت شهادة بار كإثبات دامغ على مدى عُمق هذا الخطر، والذي لم يعد مقتصرا على الأمن، بل يمتد إلى صميم الديمقراطية، والمبادئ التي قامت عليها إسرائيل.

ويقول إن نتنياهو "عار متحرك، ووصمة عار على جبين إسرائيل"، وأنه لم يعد مجرد متهم في محكمة، بل "تحول إلى تهديد مباشر لكل ما تبقى من نزاهة ومؤسساتية في النظام الإسرائيلي".

مقالات مشابهة

  • نص قسم الولاء الذي ردده أئمة الأوقاف أمام الرئيس السيسي
  • ما هو القسم الجديد الذي أداه أئمة الأوقاف أمام السيسي في الأكاديمية العسكرية؟
  • مستقبل وطن: تأهيل الأئمة بالأكاديمية العسكرية خطوة جادة لبناء وعي ديني ووطني متماسك
  • هآرتس: إفادة بار تكشف أخطر صندوق باندورا في تاريخ إسرائيل
  • مصر تكثف الجهود لإنهاء احتلال إسرائيل لمواقع بجنوب لبنان
  • ذكرى تحرير سيناء| يوم النصر والصمود الذي يجسد إرادة الشعب المصري.. ويحفز الأجيال القادمة على البناء والتنمية
  • «على ربيع» لـ الأسبوع: «الصفا ثانوية بنات» يخاطب الأجيال الجديدة.. وإسعاد الجمهور على رِأس أولوياتي
  • رانيا يوسف:90% من أسباب الطلاق في مجتمعاتنا الشرقية سببها الحماة.. فيديو
  • الثقافة والسوشيال ميديا
  • شم النسيم عبر العصور.. جذور فرعونية واحتفالات تتجدد مع الأجيال