«المادية».. الاتجاه الأول للتفكير الفلسفي
تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT
مصطلح المادية Materialism أي "الفلسفة المادية" هي مذهب فلسفي يجعل المادة أصلًا للكون، أي يقر بأنه لا وجود لأي جوهر غير المادة، فجميع الظواهر (النفسية والأخلاقية،... إلخ) إنما يفسرها الوجود المادي، أي يفسر كل شيء في الوجود بالأسباب المادية. والمادية قديمة قدم الفلسفة، فهي مرتبطة منذ بدايتها بنشأة الفلسفة، فكانت المادية هي الاتجاه الأول للتفكير، وإن شئت قل اللغة الأول للتفكير الفلسفي.
عزيزي القارئ ظهرت أول النظريات المادية إلى حيز الوجود مع ظهور الفلسفة كنتيجة لتقدم المعرفة العلمية في ميادين الفلك والرياضيات وغيرها من الميادين في المجتمعات العبودية القديمة، في الهند، ومصر، والصين، واليونان. وكانت السمة العامة للمادية القديمة، التي كانت في معظمها مادية ساذجة هي الاعتراف بمادية العالم ووجوده المستقل خارج وعي الانسان، وقد حاولت المادية أن تجد في تنوع الظواهر الطبيعية المصدر المشترك لأصل كل ما يوجد أو يحدث. وماذا عن أنواع المادية؟
صديقي القارئ تنقسم المادية إلى مادية جدلية ومادية تاريخية. وعن المادية الجدلية “Dialectical Materialism” أو الديالكتيكية، توصف بالجدلية لأن أسلوبها في النظر إلى الأحداث، أو ما يُسمى منهجها في البحث والمعرفة، جدلي. وهو مصطلح صكه" كارل ماركس" و"فريدريك إنجلز" مستفيدين من ديالكتيك هيجل ومن تنظيرات فيروباخ، فهي ركن أساسي من أركان الفلسفة الماركسية. وترى المادية الجدلية أن العالم ككلّ يتكون من مادة في حركة ذات تطور متصاعد ومتزايد التعقيد، مما يؤدي في النهاية إلى قيام حياة روحية مستقلة عن الظواهر المادية، ولكنها بالطبع ناتجة عنها.
أما المادية التاريخية “Historical Materialism” فهي المصطلح الذي وضعه "إنجلز" للدلالة على مذهب "كارل ماركس" ويتلخص في أن الوقائع الاقتصادية أساس كل الظواهر التأريخية والاجتماعية وأنها المحددة لها، أي أنها تزعم أنها هي وحدها الكفيلة بوضع نظرية في المجتمع وتطوره من خلال الأحوال الفعلية الملموسة والطبيعية للحياة الإنسانية، وترتكز على أهمية عملية الإنتاج والتوالد الماديين وتطورهما.
أي أن المادية التاريخية ترمي إلى أن الوقائع الاقتصادية هي أساس كل الظواهر التاريخية والاجتماعية، وهي المحددة لها. فالانتقال من نمط إنتاج تاريخي إلى نمط آخر يفسر بتغيّر الظروف الاقتصادية، وبالتدقيق بتغيّر علاقات الإنتاج وفي عبارة موجزة "هي علاقات بين الأفراد داخل النمط الواحد".
ويمكننا تتبع الخط الفكري للمادية بحسب العصور على النحو التالي:
في العصر اليوناني والروماني، يقرر فلاسفة هذا العصر أمثال ديموكريتوس وإبيكوروس ولوكريتيوس أن الموجود ينحل إلى أجزاء لا تتجزأ هي الذات، والذات تنتقل في الخلاء. كذلك يرون أن كل موجود يخضع لقوانين ضرورية، والإنسان يندرج في هذا الوضع. والمادية هنا تهدف إلى الصراع ضد الخرافات والخوف من الموت، للتخلص ومحاربة الأفكار الخاطئة المسيطرة على عقل الإنسان آنذاك.
وإذا ما تقدمنا إلى الامام وانتقلنا إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، نجد أن المادية اتسمت بمجموعة صفات، أجملناها كالآتي:
تقوم على التعارض بين المادة والجوهر المفكر.في نظرية المعرفة ترد المعرفة إلى الحواس وحدها.تتصور الكون على أنه كلُّ مؤلف من أجسام مادية، فيه تجري أحداث الطبيعة وفقًا لقوانين موضوعية ضرورية.الزمان والمكان والحركة تعد أحولًا للمادة.كل ظواهر الوعي (الفكر) تتوقف على التركيب الجسماني للإنسان.وفي الختام، المادية بهذا المعنى مفهوم للعالم، أي طريقة معينة في فهم وتفسير مظاهر الحياة الاجتماعية؛ لأنها تُعلِم الإنسان النظر إلى العالم كما هو، ويستطيع بواسطتها أن يصل إلى حياة جديدة، وأن يعرف سعادة الحياة. وهو ما اكتشفناه مع إبيكوروس ولوكريتيوس عندما حاولوا تحرير الشعور البشري من قهر الخوف الخرافي من غضب الآلهة آنذاك، وايضًا تحرره من قهر الخوف الخرافي من الدولة، فالمادية كما أشار ماركس في ثلاث كلمات "تؤدي إلى الاشتراكية". ولكن هل كانت المادية هي الاتجاه الفلسفي الوحيد لفهم العالم وتقديم تصور واضح له، أم هناك أتجاه آخر؟ إجابتنا عن هذا التساؤل ستكون موضوع كبسولتنا القادمة.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
الأبحاث الجيولوجية تتهم مليشيا الدعم السريع بسرقة معرض الظواهر الطبيعية
إتهمت الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية (الذراع الفني لوزارة المعادن) مليشيا الدعم السريع بسرقة معرض الظواهر الطبيعية في السودان والذي يحتوي على مجموعة من النيزك النادرة إلى جانب الأشجار المتحجرة.وقالت الهيئة انها منذ تأسيسها في العام 1905 ظلت ترصد وتدرس وتسجل تأثيرات الظواهر الطبيعية كسقوط النيازك والزلازل البراكين من خلال تسيير البعثات الجيولوجية لانشاء متحف متخصص خاصة للنيازك واتاحت للجميع زيارته خاصة المهتمين بأبحاث علوم الأرض والفضاء وطلاب العلم.وأوضحت الهيئة أن النيازك التي تمت سرقتها شملت نيزك (أم الحرائر) الذي سقط بولاية شمال دارفور في العام 2012 ويزن( 75) كيلو جرام ونيزك قرية (الحريق) بمنطقة الخوي بولاية شمال كردفان في العام 2011 والذي يزن (2.9) كيلو إلى جانب نيزك (الصنقير) الذي سقط غرب مدينة ابوحمد في صحراء بيوضة ويزن (1010) كيلو جرام ويتكون من الحديد والنيكل إضافة إلى نيزكي (العباسية) بجنوب كردفان و(التبون) بولاية النيل الأبيض.وكشفت الهيئة أن سرقة النيازك تمت بطريقة مرتبة ومدروسة لجهة أن ترحيل تلك النيازك يحتاج إلى آليات ثقيلة لرفعها وترحيلها، مؤكدة أن قيمة تلك النيازك تكمن في الفوائد العلمية وليس المادية.كما أشارت الهيئة إلى تدمير أكبر متاحفها بالسودان والمتمثل في معرض الشيخ محمد عبدالرحمن والذي يحتوي على عينات وخامات معدنية وصخرية تم جمعها من خلال المأموريات الحقلية.واعتبرت الهيئة أن التخريب الذي طال مقدراتها عمل إجرامي وسلوك انتقامي ممنهج لمنشآت الدولة الحيوية.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب