بوابة الوفد:
2025-03-10@12:28:42 GMT

بناء المستقبل العربي

تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT

 

بينما طوى العالم صفحات القرن العشرين ودخل القرن الحادي والعشرين بزخم التقدم والتطور، بقي العالم العربي أسيراً لتحولات عميقة، تنوعت بين صراعات إقليمية، وثورات تحررية، وانقلابات سياسية. رغم ذلك، ظل التقدم المنشود غائباً، ولم تتحقق التطلعات الكبرى في الوحدة والتنمية، بل تفاقمت الأزمات، وانحرفت المسارات المفصلية، لتضيع معها إمكانات تاريخية كان يمكن أن تعيد تشكيل مستقبل المنطقة.

الإرث الاستعماري وإخفاق السياسات الداخلية
لم يكن خروج الاستعمار من الدول العربية إيذاناً ببداية عهد من الاستقلال الحقيقي، بل ترك إرثاً ثقيلاً من التقسيم الجغرافي والانقسام المجتمعي، فضلاً عن تبعية اقتصادية عميقة رسخت هيمنة القوى العالمية على مًقدّرات المنطقة. أضف إلى ذلك، غياب القيادة التشاركية التي تخلق بيئة للحوار والتنمية، أدت بدورها إلى تفاقم مشكلات الحوكمة وسوء إدارة الموارد.
في ظل هذه التحديات، أُهدرت الموارد البشرية والطبيعية، واستُنزفت الدول العربية في صراعات داخلية وخارجية. هذا التوجه لم يعمق فقط الهوة بين الشعوب والحكومات، بل ساهم في إنتاج بيئة سياسية واجتماعية مُعيقة للإصلاحات ومُغذية لمشاعر الإحباط العام.

التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتشابكة
اليوم، تقف الدول العربية على مفترق طرق حرج، تواجه خلاله تحديات اقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد. فمعدلات البطالة المرتفعة، والتفاوت الاجتماعي، والضغط على البنى التحتية بفعل النمو السكاني، كلها عناصر تغذي أزمات هيكلية تهدد الاستقرار في الداخل العربي. كما أنه وفي ظل هذه الأوضاع المُتقلبة والمتوترة، لعبت التدخلات الخارجية دوراً سلبياً، إذ ساهمت في تفاقم الخلافات الداخلية وأعاقت محاولات تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.

التداعيات العابرة للحدود
ولم تتوقف آثار التدهور الاقتصادي والاجتماعي عند حدود الدول العربية، بل امتدت لتشمل العالم بأسره. فقد أصبحت المنطقة العربية مسرحاً لأزمات إنسانية حادة، من موجات النزوح والهجرة إلى تفاقم معاناة الفئات الأكثر ضعفاً من أطفال وشباب. وفي غياب استراتيجيات متماسكة للتعامل مع هذه الأزمات، برزت تهديدات جديدة تمثلت في انتشار التطرف والإرهاب، وجعل المنطقة مصدر قلق عالمي يهدد الأمن والاستقرار الدوليين.

فرص الإصلاح والتنمية
وسط هذه المعطيات القاتمة، يبقى الأمل في إعادة صياغة مسار المنطقة العربية قائمًا، ولكنه مشروط بقرارات حاسمة وإصلاحات استراتيجية جذرية. فلا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية دون إعادة هيكلة شاملة لمؤسسات الدولة وآليات عملها بما يضمن تحقيق العدالة والشفافية والمساءلة. هذا التغيير يتطلب الانتقال إلى نماذج حوكمة قائمة على الفصل بين السلطات، وسيادة القانون.
إلى جانب ذلك، فإن إصلاح منظومة التعليم يُعد الركيزة الأساسية لهذه التحولات، ليس فقط لتطوير الكفاءات البشرية القادرة على الإسهام بفعالية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكن أيضاً لخلق اقتصادات معرفية متقدمة. كما أن التكنولوجيا الحديثة تمثل فرصة ذهبية لتجاوز القيود التقليدية وإنشاء نماذج اقتصادية جديدة قادرة على المنافسة العالمية.
وعلى مستوى أوسع، فإن التكامل العربي لا يمكن اعتباره خياراً بل ضرورة استراتيجية، إذ تحتاج الدول العربية إلى رؤية مشتركة للتنمية تعزز المصالح الجماعية وتضع حداً للصراعات التي لا تحقق أي منفعة حقيقية، والتي غالباً ما تستغلها القوى الخارجية لتعزيز نفوذها على حساب استقرار المنطقة.
وفي صلب هذه الرؤية، لا بد أن يكون الشباب في قلب هذه الرؤية، بصفتهم المحرك الحقيقي لبناء المستقبل وتحقيق التحولات المستدامة. هذه الطاقات الهائلة وقدراتها على الابتكار والتكيف تمثل القوة الدافعة للتغيير الإيجابي في العالم العربي.

إعادة صياغة الواقع العربي
لقد علّمنا التاريخ بأن التحولات الكبرى تتطلب إرادة صلبة ورؤية استراتيجية بعيدة المدى. ومن هنا، ينبغي لصانعي القرار في الدول العربية أن يدركوا أن مستقبل المنطقة مرهون بقدرتهم على تجاوز الخلافات والانقسامات الضيقة والعمل نحو تحقيق التكامل في المصالح المشتركة. فالحديث عن مستقبل العالم العربي لا يمكن أن يُختزل في إصلاحات سطحية أو وعود سياسية عابرة، بل يتطلب تحولاً جوهرياً في الفكر والممارسة، يعيد تعريف التنمية بمفهوم شامل ويتجاوز الأبعاد الاقتصادية ليضع أسس العدالة الاجتماعية، ويؤسس لمناخ الحوار الشفاف والبنّاء الذي يرسخ قيم الانتماء والتعاون والمسؤولية المشتركة.
الفرصة لا تزال قائمة، ولكنها مشروطة بالعمل الجماعي والإيمان بأن المستقبل العربي لا يُصنع بالانتظار أو الترقب، بل بالإرادة والإقدام على خطوات جريئة والعمل المشترك.

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

عبدالله آل حامد: استكشاف أحدث الاتجاهات العالمية في الابتكار والتكنولوجيا والإبداع

تكساس (وام)

أخبار ذات صلة جامعة ساليرنو الطبية الإيطالية تمنح عبدالله آل حامد الدكتوراه الفخرية في العلوم الإنسانية وعضوية الكلية العليا عبدالله آل حامد يشهد ختام فعاليات المؤتمر العالمي للجوال ببرشلونة

حضر معالي عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام، رئيس مجلس إدارة مجلس الإمارات للإعلام، فعاليات مؤتمر «ساوث باي ساوث ويست» 2025 SXSW، الذي تستضيفه ولاية تكساس الأميركية، خلال الفترة من 7 إلى 15 مارس الجاري.
ويعتبر «مؤتمر SXSW» واحداً من أهم الأحداث العالمية في قطاع التقنية، والترفيه، والإعلام، والفنون التفاعلية، والأفلام والموسيقى، ويجمع بين الخبراء والمبتكرين من مختلف الصناعات لمناقشة أحدث الاتجاهات والتطورات.
ويقام المؤتمر سنوياً في أوستن، تكساس، ويشمل جلسات نقاشية، وعروضاً موسيقية، وعروض أفلام، الأمر الذي يجعله منصة حيوية للإبداع والتواصل بين رواد الأعمال والمبدعين حول العالم.
وشهد معاليه عدداً من الجلسات التي تناولت أبرز التطورات التكنولوجية وتأثيرها على المستقبل، من بينها جلسة تطرقت إلى «10 تقنيات رائدة ستغير العالم» واستعرضت قائمة بالتقنيات التي ستُحدث تحولاً كبيراً في أسلوب الحياة وطريقة العمل في المستقبل في مختلف القطاعات، مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات سريعة التعلم، والوقود النظيف للطائرات، والعلاجات الفعالة بالخلايا الجذعية. كما حضر معاليه جلسات حوارية، حول الأمن الرقمي والخصوصية في العصر الرقمي، وأخرى تناولت موضوعات متقدمة في مجالات التكنولوجيا والابتكار، ومستقبل الذكاء الاصطناعي في قطاع الإبداع، ودور التقنيات الناشئة في تعزيز الاستدامة، إضافة إلى جلسات ركزت على التحولات الرقمية في قطاعي الصحة والإعلام والتعليم.
وأكد معالي عبدالله آل حامد، أن SXSW والفعاليات المصاحبة له يمثلان فرصة جيدة لاستكشاف أحدث الاتجاهات العالمية في مجالات الابتكار والتكنولوجيا والإبداع، الأمر الذي يتيح الفرصة لتبادل الأفكار والخبرات مع مشاركين ومؤسسات من مختلف دول العالم. وعلى هامش المؤتمر، قام معاليه بجولة في عدد من الأجنحة المشاركة، بدأها بزيارة جناح متحف المستقبل، وتعرف فيه على ما يقدمه المتحف من فعاليات وجلسات حوارية تستعرض رؤية دولة الإمارات لمستقبل قطاعات التكنولوجيا والاستدامة والثقافة، وغيرها.
وتابع معاليه عدداً من التجارب التفاعلية التي يقدمها الجناح والمرتكزة على استشراف الفرص، وتوظيف التكنولوجيا والاستعداد للمستقبل. 
تحفة إبداعية
أشاد معالي رئيس المكتب الوطني للإعلام، بجناح المتحف الذي يبرز تحفة إبداعية تجمع بين التقنيات المتقدمة، والتجارب التفاعلية، والرؤى المستقبلية، عبر ما يقدمه من حوارات وأفكار وتجارب ملهمة تعكس فكر وفلسفة قيادتنا الرشيدة التي تؤمن بأن المستقبل يُصنع اليوم، وتجسد حرصها على تمكين العقول المبتكرة، لتعزيز مكانة الإمارات مركزاً عالمياً للمعرفة والاستدامة والتقدم العلمي. 
كما تعرف معاليه، خلال زيارته عدداً من الأجنحة المشاركة، على أحدث الابتكارات والتقنيات المتقدمة والحلول الإبداعية والمشاريع المستقبلية التي تعرضها الشركات والمؤسسات العالمية المشاركة.

مقالات مشابهة

  • أفكار شريرة يمكن استخدامها فيما بعد.. انتقادات لتعنيف النساء في الدراما العربية
  • الراعي في عظة الأحد: آن الاوان ان يستعيد لبنان دوره في العالم العربي
  • عبدالله آل حامد: استكشاف أحدث الاتجاهات العالمية في الابتكار والتكنولوجيا والإبداع
  • مقررة أممية: سلوك إسرائيل بالضفة الغربية مخزٍ والموقف العربي صادم
  • رئيس حزب العربي الناصري يصل إلى مقر حفل الإفطار السنوي لأبناء قنا والأقصر والقبائل العربية
  • الحشد العربي والإسلامي لدعم القضية الفلسطينية
  • الحشيمي ردا على عطالله: عزل لبنان عن محيطه لا يمكن تغطيته بمنشورات ساخرة
  • مختبر المستقبل في سوريا بين الفدرلة والتفكك
  • لو السودان سقط في الحرب، لا قدّر الله، ح تسقط وراه كلّ الدول العربيّة، الأفريقيّة، والمسلمة
  • سندباد التنورة.. أحمد عبد العظيم ينقل الفن التراثي إلى العالم العربي