الجيش السوداني يسيطر والانتهاكات تتفاقم ضد النساء منازل تُقتحم وأجساد تُنتهك
تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT
بعد سيطرة الجيش وحلفائه على مناطق واسعة في ولاية الجزيرة، برزت موجة جديدة من الانتهاكات الممنهجة ضد النساء، شملت الاعتداء الجسدي، الإذلال، والتحريض على العنف الجنسي، تحت ذرائع التعاون مع قوات الدعم السريع.
كمبالا: التغيير : تقرير
في 17 يناير، انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مروع من قرية “نعيم الله” بجنوب الجزيرة، يظهر سيدة تُدعى مريم، المعروفة محلياً باسم “مريومة”، وهي تتعرض لاعتداء من قبل جنود الجيش.
يُظهر الفيديو الجنود وهم يوجهون للسيدة مريومة اتهامات بالتعاون مع قوات الدعم السريع. في المشهد، بدت مريومة محاطة بالجنود الذين أطلقوا عليها ألفاظاً بذيئة وهددوها بالعنف والاغتصاب، كما تم الاعتداء عليها جسدياً.
وفقاً للشهادات الحية التي حصلت عليها ( التغيير)، حول الحادثة، من مصادر محلية، أن الاعتداء وقع في قرية “مبروكة”، وهي إحدى القرى المجاورة لقرية “نعيم الله”.
وأوضحت أن أحد الجنود المتورطين في الحادثة يُدعى يسري، والذي كان يعمل سابقاً سائقاً، للواء تابع لقوات الدعم السريع قبل أن يهرب إلى الجزيرة مع بداية الحرب وبصحبته مركبة عسكرية قام بإخفائها في المنطقة.
الجندي يسري المتورط في حادثة مريومة، كان يعمل سائقًا لدى لواء في قوات الدعم السريع قبل أن يفرّ إلى الجزيرة مع اندلاع الحرب وينضم لاحقًا إلى الجيش
لاحقاً، انضم يسري إلى الجيش، مدفوعاً بغبن شخصي تجاه المدنيين، وشارك في ممارسات انتقامية غير أخلاقية، كان من بينها الاعتداء على مريومة كما ذكرت المصادر.
لاحقاً، ظهر مقطع فيديو آخر للسيدة مريومة وهي في أحد المواقع التابعة لأجهزة أمنية.
الجندي الذي أهان السيدةفي الفيديو، قالت أنها نُقلت إلى عدة أماكن احتجاز دون معرفة أسباب اعتقالها أو التهم الموجهة إليها. وعلمت( التغيير) من مصادرها أن السيدة نُقلت إلى جهاز الأمن والمخابرات العامة في ود مدني حيث خضعت للتحقيق من قبل لجنة تقصي الانتهاكات التي شكّلها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ولم يطلق سراحها حتى الآن.
اتهامات عشوائية واستهداف عرقيأشارت مصادر من مؤتمر الجزيرة إلى أن اقتحام منزل مريومة جاء في سياق اتهامات عشوائية بالتعاون مع الدعم السريع، وهي تهمة شائعة تُوجه دون أي أدلة قانونية، خاصة لسكان الكنابي الذين غالباً ما يُستهدفون بسبب خلفياتهم العرقية والاجتماعية.
وأكدت المصادر أن هذه الحادثة ليست الوحيدة، لكنها الوحيدة التي تم توثيقها بمقطع فيديو وانتشرت على نطاق واسع، مما أثار حالة من الغضب والاحتجاج.
تقارير حقوقية وشهادات محلية أكدت أن سكان الكنابي باتوا هدفاً لاستهداف عرقي وقبلي بعد سيطرة الجيش على المنطقة.
السلطات لم تتخذ أي إجراءات لتوقيف المتورطين في الانتهاكات رغم وجود مقاطع فيديو .. ولجان التحقيق “لتغطية الجرائم” دون تقديم نتائج أو محاسبة حقيقية
والكنابي هي تجمعات سكنية ظهرت مع تأسيس مشروع الجزيرة في العام 1925، حيث يعيش فيها العمال الزراعيون في ظروف غير لائقة، إذ تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، المدارس، والمراكز الصحية، مما جعل سكانها عرضة للاستهداف في ظل النزاعات المسلحة
الأمين العام لمؤتمر الكنابي جعفر محمدين، قال لـ (التغيير)، أن الانتهاكات في ولاية الجزيرة طالت المدنيين بشكل واسع، وتركزت بشكل خاص على سكان الكنابي.
وقرية مبروكة التي تعرضت فيها السيدة مريومة للاعتداء، هي واحدة من هذه التجمعات التي تطورت من “كمبو” إلى قرية مأهولة. إلى جانبها توجد قرى أخرى مثل “نعيم الله”، و”كمبو الجير”، و”كمبو شتات”، وجميعها تعرضت لهجمات متكررة .
وأوضح محمدين أن المجموعات القبلية المسلحة والمستنفرين استهدفوا بشكل خاص السكان المنتمين إلى القبائل ذات الأصول الإفريقية مثل البرقو والتاما، إضافة إلى اللاجئين من جنوب السودان، حيث تُستخدم التهم العشوائية لتبرير الاعتداءات والانتهاكات ضدهم.
محمد صلاح، عضو تحالف محامو الطوارئ، اشار في حديثه لـ (التغيير) أن هناك نمطاً ممنهجاً من الانتهاكات التي تُرتكب ضد النساء في ولاية الجزيرة، تحت ذرائع التعاون مع الدعم السريع، رغم عدم توفر أرقام دقيقة حول عدد الضحايا.
وأوضح أن هذه التهم تُستخدم بشكل عشوائي وبدون أي أدلة قانونية، ما يجعل النساء والمواطنين في هذه المناطق عرضة للاعتداءات الجسدية والنفسية.
ذرائع التعاون مع الدعم السريع تهم تُستخدم بشكل عشوائي وبدون أي أدلة قانونية
وأضاف صلاح أن هذه الاتهامات غالباً ما توجه ضد سكان الكنابي، الذين ينتمون إلى خلفيات إفريقية مثل النوبة واللاجئين من دولة جنوب السودان.
وقال: “تم الاعتداء على هؤلاء المدنيين بشكل عنصري واتهامهم زيفاً بالتعاون مع الدعم السريع، فقط لأنهم ينتمون إلى مكونات اجتماعية معينة.”
ولفت إلى أن الانتهاكات لم تقتصر على هذه الفئة فقط، بل امتدت لتشمل مجموعات مسلحة كانت في السابق جزءاً من قوات الدعم السريع قبل أن تنشق وتنضم إلى الجيش، مثل قوات “درع السودان”.
وأكد صلاح أن هذه المجموعات تمارس حالياً انتهاكات مماثلة لما كان يُتهم به الدعم السريع، مما يفاقم معاناة المدنيين ويعزز استمرارية العنف في المنطقة
تسييس القضاء ولجان التحقيقواعتبر، أن لجان التحقيق التي أعلن عنها الجيش السوداني للتحقيق في الانتهاكات بولاية الجزيرة تفتقر إلى المصداقية والاستقلالية.
وأوضح صلاح أن هذه اللجان ليست سوى محاولة لامتصاص الغضب الشعبي والإعلامي بعد حملات المناصرة التي سلطت الضوء على المجازر والتصفيات الميدانية المرتكبة في الجزيرة.
وأضاف صلاح أن الجهاز القضائي في السودان أصبح أداة في يد الجيش منذ بداية الحرب، حيث يُحاكم المدنيون على أساس الاشتباه بتهم فضفاضة، أبرزها التعاون مع الدعم السريع.
تم نقل السيدة (مريومة) إلى جهاز الأمن والمخابرات في المناقل، حيث خضعت للتحقيق على يد لجنة تقصي الانتهاكات التي شكّلها رئيس مجلس السيادة ولم يتم الإفراج عنها حتى هذه اللحظة
وأشار إلى وجود أكثر من 130 شخصاً محتجزين في سجن بورتسودان بتهمة التعاون مع الدعم السريع، بالإضافة إلى آخرين يواجهون محاكمات بموجب مواد قانونية مثل المادة 50 الخاصة بتقويض النظام الدستوري والمادة 51 المتعلقة بالتعامل مع جهات معادية، والتي تصل عقوباتها إلى السجن المؤبد.
ورأي عضو محامو الطوارئ، أن المحاكمات الحالية تُجرى بإجراءات مخالفة للقانون، ولا تحقق معايير العدالة، مؤكداً أن النيابة العامة غير مؤهلة لإجراء تحقيقات عادلة في ظل التسييس الذي يسيطر على الجهاز القضائي.
وأكد أن هذه الإجراءات رُفضت في عدة حوادث من قبل محاميي الطوارئ ومنظمات المجتمع المدني، التي طالبت بإشراك جهات دولية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات.
وفيما يتعلق بلجنة التحقيق التي شكّلها رئيس مجلس السيادة، اعتبر صلاح أن هذه اللجنة تفتقر إلى الشرعية الدستورية، خصوصاً بعد الانقلاب على الوثيقة الدستورية في 25 أكتوبر 2021.
وأكد أن الإجراءات المستندة إلى هذه اللجنة باطلة وغير قانونية.
صلاح أوضح أن السلطات لم تتخذ أي إجراءات لتوقيف المتورطين في الانتهاكات رغم وجود مقاطع فيديو توثق الجرائم بوضوح. ووصف اللجنة بأنها محاولة “لتغطية الجرائم” دون تقديم نتائج أو محاسبة حقيقية.
الوسومآثار الحرب في السودان انتهاكات الجيش السوداني بولاية الجزيرة مريومة ولاية الجزيرةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان مريومة ولاية الجزيرة التعاون مع الدعم السریع قوات الدعم السریع ولایة الجزیرة فی الانتهاکات التی ت
إقرأ أيضاً:
لماذا تحتضن نيروبي مشروع حكومة الدعم السريع؟
استضافت كينيا الأسبوع الماضي اجتماعات متتالية للاتفاق على ميثاق (مانفستو) تؤسس عليه حكومة الدعم السريع التي تنوي إقامتها افتراضيًا أو مكانيًا (بحسب تمدد العمليات العسكرية الجارية حاليًا في مختلف مناطق السودان)، ونحاول هنا أن نراجع خط الزمن من بدايته لنعرف السياق الذي ألجأ المجتمعين هناك إلى اتخاذ تلك الخطوة.
الخطة الأساسية للهجوم الذي ابتدأته قوات الدعم السريع في منتصف أبريل/ نيسان 2023، هي الانقضاض على الحكومة السودانية والقبض على قائد الجيش أو قتله، كما صرح بذلك علنًا قائد الدعم السريع قبل اختفائه هو، وخروج قائد الجيش إلى بورتسودان.
تمدد الدعم السريع بعد مجزرة الجنينة في مايو/ أيار 2023، ليمضي لتنفيذ جرائم مشهودة قتلًا واغتصابًا وتدميرًا وسرقة، وثقتها المنظمات الأممية، ويهجر ملايين السودانيين من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض والنيل الأزرق، ليحل في منازلهم وأعيانهم بديلًا عنهم من أتى بهم الدعم السريع من عرب الشتات من مختلف الدول.
امتصّ الجيش السوداني الصدمة، وأعاد ترتيب صفوفه التي انضم إليها الآلاف من عموم السودانيين، منهم المجاهدون السابقون والمستنفرون الحاليون ومجموعات الحركات المسلحة التي ذاقت الأمرّين من الجنجويد منذ عام 2005.
إعلانعاد الجيش السوداني متمكنًا من أم درمان ومستعيدًا مواقعه ومحررًا لولايتَي سنار، والجزيرة ومناطق واسعة في الخرطوم، هُزمت فيها مجموعات الدعم السريع هزائم مريرة، أوضحت قوة الجيش السوداني المهنية وصحة ترتيباته وخططه العسكرية.
وقتها علت أصوات كانت خافتة من داخل الحاضنة السياسية للدعم السريع، تتحدث عن ضرورة تشكيل حكومة موازية تنطلق من دارفور حيث ينتشر الدعم السريع ووسط حاضنته الاجتماعية. صدى هذه الأصوات انتهى لخروج جزء من الحاضنة السياسية وانشطار "قحت/ تقدم" إلى مجموعات مضى جزء منها مواليًا وداعمًا ومشاركًا في تأسيس منطلقات الحكومة الموازية.
الانتقال إلى الخطة (ب)هكذا انتقلت ترتيبات المخطط للخيار (ب) بتشكيل حكومة موازية تضمن استمرار الحرب ووجود لافتة الدعم السريع التي تراجعت تمامًا وانهزمت عسكريًا في كل المعارك، وفي غالب الولايات عدا دارفور. ذلك سيضمن مكاسب عند التسوية السياسية بنهاية الحرب.
لتنفيذ ذلك، عمد المخططون إلى محاصرة الحكومة السودانية خارجيًا بتأثير مباشر على دول الجوار، كينيا، وإثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، إضافة إلى تشاد التي غدت مركزًا رئيسيًا للإمداد بالعتاد والسلاح الخارجي للدعم السريع.
يضمن ذلك تمدد التدخلات الخارجية في الشأن السوداني، ولربما مضت إلى أجندة ومصالح أجنبية تمضي إلى فصل دارفور، وكردفان عن بقية السودان، وما انفصال الجنوب ببعيد بعد أن تمددت الأيادي والمنابر الخارجية لتنال من وحدة السودان وأهله.
تكررت ذات المشاهد وفتحت كينيا أبوابها ومنابرها لمخطط مماثل يمضي على ذات منوال ليبيا، واليمن. قبلت كينيا أن تقوم بالدور وتفتح أراضيها للمؤامرة، وهي الدولة التي تعرضت أواخر عام 2007 لذات النزاعات السياسية والقبلية عقب الانتخابات، وقتها سقط آلاف الأبرياء من القتلى والنازحين في مدنها المختلفة، وقتها رفضت كينيا كل أشكال ومبررات التدخل الخارجي.
إعلانواليوم لا تسعف الذاكرة كينيا وهي تجسد دور التدخل الخارجي وتمهد الطريق لتقسيم السودان وتمزيق وحدته وتقدم المنصة الدعم المطلوب لذلك.
جمع المخططون الشتاتَ والتناقضَ من هنا وهناك مع الدعم السريع، للإيهام بأن من يقف وراء الخطة قوم معتبرون سياسيًا واجتماعيًا من مختلف مناطق السودان، وأنفقت الأموال بلا حساب لتنفيذ المخطط، كما أكد عدد من المشاركين أنفسهم.
نتج عن جمع التناقضات تأخير التوقيع لمرتين وإلغاء المؤتمر الصحفي الذي أُعلن عنه في نيروبي، هذا علاوة عن تصريحات مشككة وضعيفة من بعض المشاركين حول ماهية تفاصيل الوثيقة والميثاق وما يتبعها من خطوات، وإلى أين ستمضي؟ ومن سيقودها ويشكل حكومتها؟ ومن يمولها؟ وأين سيكون مقر هذه الحكومة؟ وغيرها من الأسئلة.
وقبل أن نخوض في قراءة الميثاق الذي من المفترض أن تؤسس عليه حكومة الدعم السريع الموازية للحكومة السودانية القائمة، يجدر أن نجيب عن سؤالي المدخل لهذا الحدث:
السؤال الأول: لماذا انعقد اللقاء في نيروبي؟اللقاء في نيروبي انعقد تأسيسًا على ما يجمع قائد الدعم السريع والرئيس الكيني من علاقة قديمة بدأت منذ كان الثاني نائبًا للرئيس الكيني، توثقت بشراكة اقتصادية بينهما في استخراج الذهب من عدة مناطق بالسودان، وربطت الرجلين تفاصيل المخطط الخارجي الذي يرمي إلى استغلال موارد السودان والتحكم في ثرواته وإدارة موارده وسلطته.
هكذا أصبح روتو منحازًا، بل ومتبنيًا لسردية الجنجويد منذ أول تدخل له في النزاع المسلح في السودان عام 2023، ومحاولته قيادة لجنة الإيغاد (IGAD) التي لم يكن ابتداءً طرفًا فيها. من تلك البداية وحتى البيان الأخير الذي صدر عن الحكومة الكينية الأسبوع الماضي، تأكد بوضوح الموقف الكيني المنحاز للدعم السريع.
أولى وأهم نقاط البيان الكيني، هي غياب الإشارة المباشرة إلى وحدة أراضي السودان، وهو أمر متعارف عليه دبلوماسيًا، ما يعني دعم كينيا لتقسيم السودان بإقامة حكومة أخرى تحكم أجزاء منه، وعمليًا تقسيم البلاد، وذلك ما ورد في الميثاق التأسيسي الموقع في نيروبي.
إعلانلتأكيد ذلك، ذكر البيان "حق الشعب السوداني في تقرير مصيره"، وهو تعبير واضح يفتح الباب إلى إعادة تقرير مصير أجزاء من السودان وخروجها من الحكومة المركزية، وهو اعتراف ضمني بدور قوات الدعم السريع كفاعل سياسي يمثل مجموعات من الشعب السوداني تختار دولتها كما ترى وترغب، مما يخرج كينيا تمامًا عن الحياد، ويؤكد التزامها بمسار المخطط وما تقوم به قوات الدعم السريع. استضافة قوات الدعم السريع في نيروبي لا تأتي في سياق وساطة، وإنما كجزء من موقف كيني في التعامل مع الأزمة السودانية.
لا يمكن مقارنة هذا الموقف الكيني بمحادثات مشاكوس/ نيفاشا 2002، التي كانت نتاج عملية تفاوضية تحت إشراف الإيغاد (IGAD) وبمشاركة طرفي النزاع: (الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان).
اللقاء الأخير في نيروبي جمع فقط مجموعات الدعم السريع ومناصريهم، وهدف إلى تشكيل حكومة موازية دون حضور الطرف الآخر (حكومة السودان أو حتى القوات المسلحة). غياب الطرف الآخر يفقد الحدث صفة الوساطة أو المفاوضات أو المحادثات.
انعقاد المؤتمر بقرار كيني منفرد يضعف مصداقية الرئيس روتو كوسيط، ويعزز الشكوك حول حياده، ويؤكد انطباع السودانيين أن كينيا منحازة للدعم السريع.
يجمع بين حميدتي وروتو أيضًا النزعة العرقية التي يقوم عليها كلٌّ منهما، ففي الانتخابات الكينية عام 2007، اندلعت احتجاجات عنيفة في البلاد بدعوى تزوير الانتخابات، وأخذت الاحتجاجات طابعًا عرقيًا، وشاركت فيها عرقية الكالينجين (قبيلة روتو) وغيرها، الأمر الذي أصدرت على إثره المحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر/ كانون الأول 2010، قائمة بالمسؤولين عن التحريض على العنف، من بينهم الرئيس روتو، واتهمتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وبتنظيم وتنسيق لهجمات دموية مسلحة استهدفت مجموعات عرقية.
كينيا، التي تتدخل الآن في الشأن السوداني، لا تنفك عنها الأزمات منذ عام 2007 وحتى العام الماضي، فمن دوامة الاقتتال إثر انتخابات 2007، التي خلفت المئات من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى والنازحين، مرورًا بأحداث القتل في 2013 إثر الانتخابات التي جمعت بين أهورو كينياتا ورفيقه وليام روتو، وهما من بين أربعة أشخاص وجهت إليهم المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بشأن حمام الدم الذي وقع في الانتخابات السابقة، ثم التدخل الكيني في الصومال، الذي تبعه رد فعل صومالي مماثل في كينيا أودى بحياة المئات، ثم أعمال العنف التي صاحبت انتخابات عام 2022، والتي اتُهم روتو بتزويرها لصالحه ليصبح رئيسًا بعد ستة أيام من صمت لجنة الانتخابات.
إعلانلم تستقر الأوضاع الاقتصادية في كينيا، وتكررت الاحتجاجات العنيفة مع استمرار التضخم الاقتصادي في الارتفاع، مع تراجع مقدرات الكينيين الشرائية، ما دعا الحكومة الكينية إلى سنّ قوانين مالية جديدة تفرض زيادات ضريبية كبيرة على المواد الأساسية.
اندلعت التظاهرات وتحولت إلى تعبير شعبي عن السخط إزاء طبقة سياسية يُنظر إليها على أنها فاسدة، وسقط العشرات قتلى في التظاهرات، وانتقدت الأمم المتحدة الحكومة الكينية لاستخدامها "القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين"، واتهمتها "بالفشل في حماية مواطنيها أثناء ممارسة حقوقهم الديمقراطية"، ما دعا الرئيس الكيني إلى التراجع عنها. أوشكت حكومة روتو على السقوط، وضحّى بإقالة غالب وزرائه.
الوضع الاقتصادي المتردي فتح الباب للمخطط الخارجي لابتزاز الرئيس الكيني بالدعم الاقتصادي، ما فتح الباب لأطراف إقليمية تملك الأموال لإغراء كينيا لدعم أجندة الدعم السريع مقابل وعود بمئات الملايين من الدولارات.
هكذا انضمت كينيا إلى مخطط تدمير وحدة السودان وتقسيمه، وأقيم المؤتمر التأسيسي لذلك في 19 فبراير/ شباط 2025، لتقديم مليشيات الدعم السريع بواجهة سياسية وغطاء مدني من بعض الموالين قبليًا ومناطقيًا، وبعض من أغراهم الدعم المالي.
في المقابل، استنكر مسؤولون كينيون هذه الخطوة، التي تشكل دعمًا ضمنيًا لقوات الدعم السريع في صراعها ضد الحكومة السودانية، ومنهم برلمانيون ووسائل إعلام أكدوا أن هذا التصعيد يزيد من تعقيد العلاقات الثنائية بين الخرطوم ونيروبي، في وقت حساس تمر فيه كينيا بتحديات داخلية وخارجية.
توقع عدد من القيادات السياسية الكينية ألا يقبل الأفارقة بالدور المنحاز الذي تلعبه حكومتهم ضد الحكومة السودانية، وذلك ما حدث بالفعل في أول محفل أفريقي جامع، إذ سقط المرشح الكيني (رئيس الوزراء السابق) في انتخابات رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي أمام مرشح جيبوتي (وزير خارجيتها)، ما عُدّ انتكاسة كبرى للسياسة الكينية ووزنها الأفريقي.
إعلانكذلك، يتوقع الكينيون ردات فعل سياسية واقتصادية من الحكومة السودانية تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين، وربما تقود إلى تعقيدات حادة في عدة مجالات ومحاور ضارة بكينيا.
السؤال الثاني: من الحاضرون؟ ومن يمثلون؟بعد فشل مشروعها الأساسي بهزيمة الجيش السوداني وتدميره والاستيلاء على الحكم بكامل البلاد، لجأت المؤامرة الخارجية للخطة (ب) بالإعلان عبر مجموعات الدعم السريع عن ميثاق تأسيسي يمضي لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع.
المجموعات التي انضمت للدعوة لا تعدو كونها انشطارات صورية عن أحزاب تقليدية معروفة بموقفها من الدعم السريع منذ تأسيسه إبان حكم الإنقاذ.
من وقع عن حزب الأمة لم يستذكر موقف الإمام الصادق المهدي، عليه رحمة الله، من الجنجويد، وجهره بكلمة الحق منتصف عام 2014، والتي أكد فيها "ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم حرق للقرى واغتصاب ونهب لممتلكات المواطنين، وضم عناصر غير سودانية إلى صفوفها، والعمل خارج نطاق القوات النظامية".
موقف الحزب ممن وقع باسمه كان سريعًا وحاسمًا بإقالته من رئاسة الحزب. كذا كان نفس الموقف لمن وقع باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي. أما بقية من وقع من المدنيين والواجهات واللافتات التي حُشدت في نيروبي، فلا يقف وراءها مد جماهيري ولا بعد سياسي.
ما تبقى من حركات مسلحة وقعت اتفاق جوبا ولم تنحز للجيش السوداني، فتلك أيضًا تعاني من تعقيدات قبلية ومناطقية أفقدتها عددًا كبيرًا من مقاتليها، وأصبحت مرتهنة بيد الدعم السريع ماليًا وسياسيًا.
حضر لقاء الميثاق رئيس "الحركة الشعبية – شمال"، السيد عبدالعزيز الحلو، المعروف عنه رفضه أي اتفاق أو توافق مع أي حكومة مرت على البلاد طوال الحقب السابقة وحتى حكومة الثورة.
فرض الحلو على الميثاق بنوده وشروطه التي ظل يرددها دون معنى وبلا تبرير، وعلى رأسها العلمانية وفصل الدين عن السياسة. أيضًا انتهت مجموعته إلى التشتت، واستقال عدد من كوادر الحركة وانتقدوا مواقفه بشدة.
إعلانبهذا التناقض جاء التأسيس لخطة التقسيم، لافتات مدنية ضعيفة تلتف حول الدعم السريع لتقدم الغطاء المطلوب، تمامًا كما حدث في ليبيا مع حفتر ونموذج المجلس الانتقالي في اليمن.
ظهر الدعم السريع متسيدًا للمشهد، مقدمًا المشاركين كمتحالفين معه وداعمين له. صورة انقسام وتشظي الأحزاب التقليدية تعزز مخطط الانقسام الجهوي والجغرافي المطلوب لفرض المخطط الخارجي وتقسيم البلاد.
تسارعت الخطى لانعقاد لقاء الميثاق، والواضح أن التقدم العسكري للجيش السوداني، الذي يتوسع يومًا بعد يوم، هو الدافع الرئيسي لذلك، قبل أن يفقد الدعم السريع ما يحتله حاليًا من مناطق يمكن أن تنطلق منها، ولو شكليًا، ما سموه بحكومة السلام المدنية.
المخطط يتطلع للتشبث بمناطق دارفور، التي تتوفر فيها مطارات تستقبل الدعم الخارجي، خاصة الدعم العسكري الثقيل، الذي يمكن أن يوقف تقدم الجيش وانتصاراته. ظهرت أهداف اللقاء قبل أن تقدم ورقة الميثاق، حينما أكد أفراده أن الدعم الخارجي بانتظار اجتماعهم وتشكيل حكومتهم الموعودة.
هكذا تتسارع الخطى من جانبين:
القوات المسلحة، التي يقف خلفها الشعب السوداني مستنفرين وداعمين، متطلعين للعودة إلى منازلهم ودورهم لإعادة حياتهم الطبيعية بعد قتل ونهب وسرقة مليشيات الدعم السريع لممتلكاتهم. مخطط الخارج، عبر مليشيات الدعم السريع وداعميه، لتثبيت أقدامهم في نيالا، والجنينة، والضعين، وكاودا، ليكون للمخطط مساحة جغرافية يوهم بحكمها، وتهبط فيها طائرات الحرب تحمل الدمار للسودان.الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline