استبشار عربي بالعصر الترامبي السعيد
تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT
من منغصات بدايات هذا العام أنه لا مهرب لقارئ الصحف العربية والعالمية الجادة من ترامب. أينما ذهبتَ أطل عليك بلِمَّته البرتقالية وخُيلائه وأباطيله الفاقعة وأقواله الكاذبة كذبا ملحميا حتى لو صدق، لأنه لا يصدُق إلا عرَضا من غير قصد. وإن كان يجوز الاكتفاء في مسألة ما بقول واحد، ولو إلى حين، لذهبنا إلى حد الزعم بأن الكاتب توم ستيفنسون هو الذي سبق منذ شهرين إلى إدراك الجوهر لما كتب أن «عودة ترامب لا تعادل صدمة فوزه عام 2016 ولكنها تفرض تغيرا دائما في منظور الفهم التاريخي».
ومؤدى هذا كله أن ولاية بايدن لم تكن سوى فترة عارضة، مجرد قوسين سرعان ما انغلقتا، وأننا الآن في عصر (لا مجرد عهد) ترامب، أي أن البشرية المعولمة قد أظلها، وأضلها، عصر ترامب الذي زج بها التاريخ فيه صاغرة مستسلمة، فما عليها إلا أن تتحمل وتتأقلم. وما على الصحافيين إلا أن يهتموا بما يقول ترامب ويفعل، من منطلق واجب الفهم لا تحكّمات المزاج. تماما كما أن الأمة الأمريكية ذاتها ملزمة، كما كتب ديفيد فروم، أن تتعلم كيف تعيش في بلد اختار عدد هائل من سكانه «رئيسا لا يقف من أبسط بسائط الديمقراطية وقيمها إلا موقف الاحتقار والاستهتار».
وقد كثر الحديث أخيرا عن الرئيس الخامس والعشرين ويليام ماكنلي، الذي حكم من عام 1897 حتى اغتياله عام 1901، والذي يَعُدّه ترامب بطلا قوميا ويسعى للاقتداء به لأنه تألق في التاريخ الأمريكي بالإفراط في فرض «الرسوم» الجمركية، التي صرنا نعلم بفضل ذائقة ترامب الأدبية أنها «أجمل كلمة في اللغة الإنكليزية»!، وبإثارة الحروب التجارية وشن حملات الغزو والتوسع الإمبريالي (في الفلبين، وغوام، وبورتو ريكو، وهاواي، الخ.). ولكن مؤرخين كُثرا يرون أن ترامب إنما هو أقوى شبها، من حيث غوغائية المسار وتدميرية الدور، بالرئيس السابع أندرو جاكسون الذي حكم من 1829 إلى 1837 وتزعم حملة قمع رهيبة آلت إلى اقتلاع الأهالي الأصليين من جنوب شرق البلاد. ووجه الشبه أن جاكسون لم تكن له خبرة بالسياسة، بل كان عسكريا من كارولاينا الجنوبية كارها لواشنطن ومؤسساتها. وهو الذي ابتدع نموذج المرشح الشعبوي الخارج على الصندوق والمتمرد على النُّخب. ومنذئذ أخذت تترسخ في الجنوب الأمريكي ثقافة شعبية حانقة على الصفوة (الاستابلشمنت) وأذرعها الطويلة المتدخلة في تسيير شؤون الناس.
وما تخافه الشرائح الشعبية في الداخل الأمريكي، وخصوصا في الجنوب وفي الغرب الأوسط، هو ما تظن أنه حلف واسع، بين الأجهزة الحكومية ووسائل الإعلام النافذة وكبريات الجامعات، يديم التواطؤ على إنفاذ سياسات التمييز الإيجابي وإنصاف الأقليات. ومن ملاحظات المعلق وولتر راسل ميد الثاقبة أن هذا الخوف متأصل في الثقافة الأنغلو-أمريكية منذ عصر النهضة: الخوف من مؤامرة شيطانية تتربص بالحرية الدوائر وترمي إلى استعباد الناس وتجريدهم من السلاح وتقديمهم لقمة سائغة لنخبة ميولها عالمية وأطماعها بلا حدود.
ويكفي لفهم طريقة ترامب في التفكير التذكر بأنه وصف خطبة أسقف واشنطن بأنها مَقيتة وفيها لؤم. لماذا؟ لأنها ذكّرته بقيم الرحمة والشفقة المسيحية، وناشدته الرأفة بأفراد الأقليات وبالمهاجرين غير الشرعيين الذين يريد طردهم عن بكرة أبيهم. أما عن العلاقة الأمريكية ـ الإسرائيلية في العصر الترامبي فلا شك، كما يرى بيتر بينارت، أن «ترامب سينتقد التصرفات الإسرائيلية على نحو يفاجئ الإعلام ويثير امتعاض أنصاره اليمينيين من مؤيدي إسرائيل. ولكن هذا غير مهم ولن يكون له أي أثر لأن الرجل أحاط نفسه مجددا بأعضاد متفانين في خدمة إسرائيل. وبحكم جهل ترامب وكسله ورداءته، فإن مستشاريه سوف يداورون حوله ويناورون لضمان أن تبقى إسرائيل مطلقة اليد تفعل كل ما تريد».
ولكن رغم أهمية هذه الحقيقة التي قررها الكاتب اليهودي بنزاهة، فإن بعض الصحف العربية الكبرى أخذت تقدم قراءة إيجابية، بل تمجيدية، للعصر الترامبي السعيد وتُثني على ترامب بأنه رجل تاريخي ذو عقلية «صفقاتية» وتبشّر العرب، وهي بالطبع تعني القلائل منهم حصرا، بما في وسعهم أن يجنوه من ثمر جنته البزنسية.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العربية ترامب امريكا العرب ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
نص الجدال الذي دفع ترامب للطلب من زيلينسكي لاحقا مغادرة البيت الأبيض
(CNN)—اندلع جدال في المكتب البيضاوي، الجمعة، بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ما سلط الضوء على المستقبل الغامض للغاية للمساعدة الأمريكية لكييف.
وفي انتقاد زيلينسكي لعدم إظهاره ما يكفي من الامتنان للدعم الأمريكي، رفع ترامب ونائبه جيه دي فانس أصواتهما، واتهموا الزعيم المحاصر بالوقوف في طريق اتفاق سلام مع روسيا مع تجاوز الغزو الشامل عامه الثالث.
ماذا قيل؟قال ترامب: "أنت الآن، لست في وضع جيد حقًا.. لقد سمحت لنفسك أن تكون في وضع سيء للغاية.. ليس لديك أوراق الآن، زمعنا ستبدأ في الحصول على أوراق".
رد زيلينسكي: "أنا لا ألعب الورق".
وقال ترامب، بعد مزيد من الجدل، وهو يرفع صوته: "إنك تقامر بحياة الملايين من الناس.. أنتم تقامرون بالحرب العالمية الثالثة".
وفي لحظة ما، اتهم فانس زيلينسكي بـ"عدم الاحترام" تجاه مضيفيه الأمريكيين.
وأضاف ترامب: "أنت لا تتصرف بكل هذا الامتنان".
وسأل فانس زيلينسكي: "هل قلت شكرا مرة واحدة؟".
ردود فعل ترامب وزيلينسكي:
نشر ترامب على الإنترنت أنه غير مرحب بعودة نظيره حتى يصبح "مستعدًا للسلام"، وكتب زيلينسكي عبر حسابه على منصة إكس: "شكرًا لأمريكا، شكرًا لدعمكم، شكرًا لكم على هذه الزيارة. شكرًا للرئيس الأمريكي والكونغرس والشعب الأمريكي”.
رد الفعل الروسي:
رد المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كيريل دميترييف، على إكس بكلمة واحدة: "تاريخي".. وجاء في العنوان الرئيسي لوكالة الأنباء الروسية تاس أن زيلينسكي "قاطع وتجادل وكان وقحًا مع الصحافة"، وجاء في عنوان رئيسي لوكالة أنباء روسية رسمية أخرى، وكالة ريا نوفوستي، ما يلي: "هستيريا زيلينسكي في البيت الأبيض تصدم الرادا"، في إشارة إلى البرلمان الأوكراني.