‎لطالما كانت مصر داعمًا رئيسيًا للقضية الفلسطينية، انطلاقًا من مسؤوليتها التاريخية والقومية تجاه الشعب الفلسطيني. ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، برز الدور المصري بقوة في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ليس فقط من خلال الجهود الدبلوماسية لوقف العدوان، ولكن أيضًا برفضها القاطع لأي محاولات لفرض واقع جديد عبر تهجير الفلسطينيين من أرضهم.

وكانت الإدارة المصرية، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في طليعة من تصدوا لمقترحات التهجير القسري التي روّجت لها بعض الأوساط الأمريكية والإسرائيلية، وفي مقدمتها فكرة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بترحيل الفلسطينيين إلى سيناء أو الأردن.

المحاولات الأمريكية لفرض التهجير كحل للأزمة

‎منذ بداية الأزمة، سعت بعض الدوائر الغربية، بقيادة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى إعادة إحياء أفكار قديمة تهدف إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه، تحت مزاعم توفير “حل إنساني” لهم.

وكان الاقتراح الذي تم تسريبه يشير إلى نقل مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية في سيناء، أو إلى الأردن، باعتبار ذلك مخرجًا للأزمة التي صنعتها إسرائيل عبر الحصار والعدوان المستمر.

‎ويأتي هذا الاقتراح امتدادًا لرؤية ترامب تجاه القضية الفلسطينية، التي تجلت بوضوح في خطته المعروفة بـ”صفقة القرن”، والتي تضمنت العديد من الترتيبات التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتذويب حقوق الفلسطينيين في حلول مؤقتة غير عادلة، بعيدًا عن حقهم الأصيل في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم.

الموقف المصري.. رفض حاسم وحجج قوية

‎ومنذ اللحظة الأولى لطرح هذه الأفكار، جاء الموقف المصري حاسمًا وواضحًا برفضها التام لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين، سواء إلى مصر أو إلى أي مكان آخر خارج أرضهم. وتبلور هذا الموقف في عدة نقاط رئيسية:


‎ 1. رفض المساس بالسيادة المصرية:

أكدت مصر مرارًا وتكرارًا أنها لن تسمح بأي تغيير ديموغرافي في المنطقة، خاصةً إذا كان على حساب الأمن القومي المصري.

وأوضحت القيادة المصرية أن سيناء أرض مصرية لا يمكن استخدامها لتصفية القضية الفلسطينية أو فرض حلول لا يقبلها الشعب الفلسطيني.

‎ 2. التأكيد على حقوق الفلسطينيين في أرضهم:

شددت مصر على أن أي حل للأزمة في غزة يجب أن يكون عبر وقف العدوان الإسرائيلي وإنهاء الاحتلال، وليس عبر ترحيل السكان الأصليين من أرضهم.

وهذا المبدأ يتماشى مع الموقف التاريخي لمصر التي دعمت الفلسطينيين منذ النكبة، ورفضت عبر العقود أي مخططات تهدف إلى تشريدهم.

‎ 3. البعد الأمني والاستراتيجي:

يدرك صانع القرار المصري أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لن يحل المشكلة، بل سيخلق أزمة جديدة قد تكون لها تداعيات كارثية على الأمن القومي المصري.

إن إدخال أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى سيناء سيخلق توترًا إضافيًا في منطقة كانت مصر تعمل بجهد على تأمينها واستقرارها بعد سنوات من مكافحة الإرهاب.

‎ 4. رفض فرض سياسة الأمر الواقع:

جاء الموقف المصري ليؤكد رفض سياسة “فرض الأمر الواقع”، التي تحاول بعض القوى الدولية فرضها بحجة أن الفلسطينيين بحاجة إلى "ملاذ آمن"، فمثل هذه السياسات لن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة، بدلًا من إيجاد حل عادل ودائم.

التفاعل المصري مع المجتمع الدولي

‎ولم يقتصر الموقف المصري على التصريحات، بل عملت الدبلوماسية المصرية بقوة على المستوى الإقليمي والدولي لمنع تمرير أي مقترحات تتعلق بالتهجير القسري للفلسطينيين. فقد تحركت القاهرة في عدة اتجاهات:

1. التواصل مع القوى الكبرى:

أجرى المسؤولون المصريون، وعلى رأسهم الرئيس السيسي ووزير الخارجية، اتصالات مكثفة مع القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، للتأكيد على رفض مصر لأي خطة تهجير وللمطالبة بحل سياسي عادل.

2. التنسيق مع الدول العربية:

لعبت مصر دورًا محوريًا في التنسيق مع الأردن ودول الخليج لتوحيد الموقف العربي ضد أي محاولات لفرض حلول غير عادلة على الفلسطينيين.

3. دعم الموقف الفلسطيني: 

وقفت مصر بقوة إلى جانب السلطة الفلسطينية والفصائل في غزة، مؤكدةً أن الحل يجب أن يكون عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وليس عبر تهجير سكان غزة.

الرفض الأردني يتناغم مع الموقف المصري

‎على الجانب الأردني، جاء الموقف متطابقًا مع الموقف المصري، حيث رفضت عمان بشدة أي فكرة لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيها، معتبرةً ذلك محاولة لإنهاء القضية الفلسطينية على حساب الدول المجاورة.

وأكد الرئيس الأردني، الملك عبد الله الثاني، أن الأردن لن يكون “بديلًا عن فلسطين”، وهو موقف يعكس توافقًا عربيًا واسعًا حول ضرورة حماية حقوق الفلسطينيين ورفض أي حلول غير عادلة.

‎نتائج الموقف المصري وتأثيره على مسار الأحداث

‎وكان للموقف المصري الحازم تأثير كبير على مسار القضية الفلسطينية في هذه المرحلة الحرجة. فقد ساهم هذا الموقف في:

‎1. إفشال محاولات فرض التهجير كأمر واقع:

بفضل التحرك المصري والدعم العربي، لم يتمكن داعمو فكرة التهجير من فرضها على الأجندة الدولية كحل قابل للتطبيق.

2. تعزيز الدعم الدولي للحل العادل:

 أسهمت الجهود المصرية في دفع المجتمع الدولي للتركيز على الحلول السياسية، بدلًا من البحث عن طرق لتشريد الفلسطينيين.

3. إجبار إسرائيل على التفكير في بدائل:

مع وضوح الموقف المصري، اضطرت إسرائيل إلى إعادة حساباتها، خاصةً بعدما أدركت أن التهجير القسري لن يجد دعمًا عربيًا أو دوليًا.

‎إن الموقف المصري من رفض تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر أو الأردن يعكس التزام مصر الثابت بالقضية الفلسطينية، ومسؤوليتها التاريخية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

لقد أظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي والإدارة المصرية حكمة ووضوحًا في التصدي لهذا المخطط، مؤكدين أن الحل لا يكون بترحيل الفلسطينيين، بل بإنهاء الاحتلال وتحقيق السلام العادل والشامل.

إن هذا الموقف، إلى جانب الدعم الأردني والعربي، شكل سدًا منيعًا أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير، ورسّخ أهمية الحل السياسي المستند إلى الشرعية الدولية والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة تهجیر الفلسطینیین حقوق الفلسطینیین الفلسطینیین إلى الموقف المصری

إقرأ أيضاً:

هل تنجح قمة القاهرة في مواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية؟

القاهرة- تختلف توقعات الخبراء بشأن نتائج القمة العربية الطارئة بالقاهرة المقررة، غدا الثلاثاء، والمخصصة لقطاع غزة، حيث يرى بعضهم أنها قد تتبنى خطة واضحة لرفض مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهجير سكان غزة، وتأكيد إعمارها وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية.

في المقابل، يشكك آخرون في قدرتها على اتخاذ موقف حاسم، نظرا للخلافات العربية التي برزت في القمة التشاورية بالرياض، مما قد يؤدي إلى بيان نظري دون خطوات عملية لإفشال المخطط.

وتعرض الخطة التي طرحها ترامب، وقوبلت بانتقادات واسعة النطاق، أن تتولى بلاده زمام السيطرة على القطاع المدمر بسبب الحرب، وتعيد تطويره ليصبح "ريفييرا الشرق الأوسط".

موقف قوي

من جهته، أعرب وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق، اللواء محمد رشاد، عن ثقته في قدرة هذه القمة على تبني موقف قوي تجاه خطط الرئيس الأميركي، "خاصة في ظل وجود إجماع عربي ضد هذا المخطط الذي يشكل ضررا بالغا بالأمن القومي العربي، ويسهم في إنجاح المخطط الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية".

وبرأيه، فإن الأمر تجاوز المخاطر على القضية الفلسطينية وأهلها الصامدين، وأصبحت التهديدات تمس أغلب الدول العربية بما يفرض عليها تبني خطوات واضحة ترفض خطة التصفية.

إعلان

وأكد اللواء رشاد -للجزيرة نت- أن دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه والعمل على فك الحصار عن قطاع غزة في ظل تعنت الاحتلال تجاه دخول المساعدات، يتطلب تبني خطوات قوية تجاه إعمار القطاع تتجاوز الفيتو الإسرائيلي تجاه هذا الملف المهم.

وشدد على ضرورة اتخاذ القمة مواقف قوية تجاه كفاح الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ورفض أي مقترحات "صهيونية" بنزع سلاح المقاومة أو تقليص دورها، باعتبار أن دعم الشعب الفلسطيني يخدم الأمن القومي في الدول العربية، وفي مقدمتها مصر والأردن.

وحسب وكيل المخابرات العامة السابق، ستدرس القمة أيضا موقفا عربيا من خرق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المستمر لاتفاق وقف إطلاق النار مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومحاولاته استئناف الحرب.

ووفقا له، تمتلك الدول العربية أوراقا قوية، مثل الطاقة والممرات المائية الإستراتيجية، وورقة التطبيع والتعاون الاقتصادي، ويرى أنها قادرة على ردع العدوان ومنع استئنافه، وأن القمة ستتبنى "سقفا عاليا جدا باعتبارها مفصلية وحاسمة تدرس قرارات لا تحتاج إلى أنصاف الحلول".

قمة مختلفة

من ناحيته، قال الأكاديمي المصري أحمد فؤاد أنور، إن هذه القمة الطارئة ستكون مختلفة عن سابقاتها، حيث ستتجاوز الشجب التقليدي وتعتمد خطة عربية قوية تدعم صمود الفلسطينيين، وتحقق حقوقهم المشروعة في بناء دولتهم المستقلة، متجاوزة مخطط ترامب لتهجيرهم.

وأشار إلى أنها حظيت بإعداد جيد، إذ سبقتها قمة تشاورية في الرياض تأجلت لضمان قرارات قوية تحظى بالإجماع، نظرا لخطورة التحديات الراهنة. وأوضح أن التهديدات الإسرائيلية لم تعد مقتصرة على دول الطوق، "بل امتدت إلى السعودية، حيث طالبها نتنياهو بتوطين الفلسطينيين".

وأكد الأكاديمي أنور، أن هناك وعيا عربيا متزايدا بالمخاطر المحدقة بالأمن القومي العربي، ما يستوجب موقفا قويا ضد "الأطماع الصهيونية ورفض مخطط تصفية القضية".

إعلان

ورجح -في حديثه للجزيرة نت- أن تُصدر القمة قرارات عملية ترفض التهجير، وتدعم إعادة إعمار غزة عبر "مشروع مارشال عربي"، كما ستتبنى تصورا لما بعد الحرب يحافظ على ثوابت القضية الفلسطينية ويعالج قضية سلاح المقاومة. وأكد "قدرة القمة -بسقف مطالبها العالي- على إفشال مخطط ترامب كما انحرفت سياساته السابقة في غزة".

بيان فضفاض

في المقابل، رأى مساعد وزير الخارجية المصري السابق عبد الله الأشعل أن قمة القاهرة لن تتبنى مواقف جادة تجاه مخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين، وأن البيان الختامي سيكون فضفاضا وغير قادر على تقديم رؤية عربية واضحة لإفشال المخطط.

وأوضح أن الخلافات بين الدول العربية وضبابية مواقفها من التصفية بدت واضحة في قمة الرياض، حيث لم يصدر بيان يعكس رفض التهجير ودعم الفلسطينيين. وقال إن "بعض الدول العربية تعادي المقاومة وتسعى إلى نزع سلاحها، بينما يرى بعضها الآخر في بقاء الكيان الصهيوني دعما لوجوده".

وحسب الأشعل، ستكتفي القمة برفض نظري لمخطط التهجير دون خطوات عملية تدعم صمود الفلسطينيين أو تسهم في إقامة دولتهم، مؤكدا للجزيرة نت "أن الأنظمة العربية لا تبدو مستعدة لمعارضة ترامب أو ردع نتنياهو، رغم امتلاكها أوراقا قوية قادرة على إفشال المخطط، لكنها تفضل مصالحها الخاصة على مصالح شعوبها".

من جانبه، أكد الأكاديمي المصري والخبير في شؤون الصراع العربي الإسرائيلي، محمد سيف الدولة، أن القمة لن تكون مختلفة عن كل القمم السابقة، حيث ستكرر عبارات شجب وإدانة مخطط ترامب، خاصة أن كل الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت الحاضر الغائب في جميعها، و"كانت هي ضابط إيقاعها بشكل يغلق يدها عن تبني مواقف جادة تجاه مخطط التهجير والتصفية".

وتساءل سيف الدولة "كيف نتحدث عن سقف عالٍ للقمة ورفض لمخطط التصفية وهو قائم فعلا في الضفة الغربية، حيث تم تهجير أكثر من 45 ألف فلسطيني من مخيمات اللاجئين دون أن تحرك الدول العربية ساكنا، رغم أن السيطرة على منزلين في حي الشيخ جراح قرب القدس أقامت الدنيا، ولم تقعدها منذ عامين؟".

إعلان

وبرأيه، فإن مخطط التهجير في قطاع غزة يجري على قدم وساق مع دق نتنياهو طبول الحرب في غزة مجددا، ومساعيه لتحويلها إلى "جحيم يستحيل معه العيش فيها بشكل يجبر الفلسطينيين على الخروج منها".

وأردف "حين تتخذ قمة القاهرة مواقف جادة حول قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، ووقف التطبيع، والتوقف عن تقديم تسهيلات وقواعد عسكرية لواشنطن في المنطقة، وامتيازات لوجستية في الممرات المائية العربية، ووقف تقديم البترول والغاز للدول الداعمة للإجرام الصهيوني، عندها نستطيع أن نتحدث عن قدرة القمة والدول العربية على إفشال مخطط ترامب ومساعي نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية".

وخلص إلى أن القمة لن تأتي بجديد ولن تستطيع تحدي مخطط ترامب ولا ردع تطلعات نتنياهو للعودة إلى حرب الإبادة ضد غزة والتهجير في الضفة، "بشكل يدعونا إلى اليقين بأنها ستكون فارغة من أي مضمون وستكرر عبارات الشجب رغم ضخامة التحديات".

 

مقالات مشابهة

  • عقب وصوله القاهرة.. رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي يشيد بالجهود المصرية في دعم القضية الفلسطينية
  • أحمد موسى: على حماسس التنحي عن السلطة في غزة.. والموقف العربي من القضية الفلسطينية ثابت
  • لوموند: كيف أثر السيسي على الدور الذي كانت تلعبه مصر في القضية الفلسطينية؟
  • هل تنجح قمة القاهرة في مواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية؟
  • فتح: إسرائيل تواصل تنفيذ مخططات التهجير ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية
  • مصابو غزة من القاهرة: الرئيس السيسي رجل عظيم وقف ضد تصفية القضية الفلسطينية
  • أبوالفتوح: جهود الرئيس لدحض مخطط التهجير ودعم القضية الفلسطينية سيسطرها التاريخ
  • تظاهرة في السويد تضامنا مع الشعب الفلسطيني ورفضاً لمخططات التهجير
  • "فتح": الحكومة الإسرائيلية الحالية "حكومة حرب" تهدف لتصفية القضية الفلسطينية
  • فتح: الحكومة الإسرائيلية الحالية «حكومة حرب» تهدف لتصفية القضية الفلسطينية