مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
يناير 31, 2025آخر تحديث: يناير 31, 2025
محمد الربيعي
بروفسور ومستشار دولي، جامعة دبلن
تعتبر جامعة كامبردج، بتاريخها العريق الذي يمتد لاكثر من ثمانية قرون منذ تاسيسها عام 1209، منارة للعلم والمعرفة، وصرحا اكاديميا شامخا يلهم الاجيال المتعاقبة. تعد كمبردج رابع اقدم جامعة في العالم، وثاني اقدم جامعة في العالم الناطق باللغة الانجليزية، حاملة على عاتقها مسؤولية نشر العلم والمعرفة وخدمة الانسانية.
تتميز جامعة كمبردج بمكانة علمية رفيعة المستوى، حيث تصنف باستمرار ضمن افضل الجامعات في العالم في جميع التصنيفات العالمية المرموقة، مثل تصنيف شنغهاي. هذا التميز هو نتاج جهود مضنية وابحاث علمية رائدة في مختلف المجالات، من العلوم الطبيعية الدقيقة كالفيزياء والكيمياء والاحياء، مرورا بفروع الهندسة المختلفة كالهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية، وصولا الى العلوم الانسانية والاجتماعية التي تعنى بدراسة التاريخ والفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية. تضم الجامعة بين جنباتها العديد من المراكز والمعاهد البحثية المتطورة التي تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي، مثل معهد كافنديش الشهير للفيزياء. تعرف كمبردج باسهاماتها القيمة في جوائز نوبل، حيث حاز خريجوها على اكثر من 120 جائزة نوبل في مختلف المجالات، مما يعكس المستوى العالي للتعليم والبحث العلمي فيها. من بين الاسهامات الخالدة لجامعة كامبريدج، يبرز اكتشاف التركيب الحلزوني المزدوج للحامض النووي (DNA) على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك عام 1953. هذا الاكتشاف، الذي حاز على جائزة نوبل في الطب عام 1962، غيّر مسار علم الاحياء والطب، وأرسى الاساس لفهم أعمق للوراثة والأمراض، ويعد علامة فارقة في تاريخ العلم.
اضافة الى مكانتها العلمية المرموقة، تتميز جامعة كمبردج ببيئة تعليمية فريدة من نوعها، حيث تتكون من 31 كلية تتمتع باستقلال ذاتي، ولكل منها تاريخها وتقاليدها الخاصة، وهويتها المعمارية المميزة. هذه الكليات توفر بيئة تعليمية متنوعة وغنية، تجمع بين الطلاب من مختلف الخلفيات والثقافات من جميع انحاء العالم، مما يثري تجربة التعلم ويساهم في تكوين شخصية الطالب وتوسيع افاقه. توفر الجامعة ايضا مكتبات ضخمة ومتاحف عالمية المستوى، تعتبر كنوزا حقيقية للطلاب والباحثين، حيث تمكنهم من الوصول الى مصادر غنية للمعرفة والالهام. من بين هذه المكتبات، مكتبة جامعة كمبردج، وهي واحدة من اكبر المكتبات في العالم، وتحتوي على ملايين الكتب والمخطوطات النادرة، بالاضافة الى متاحف مثل متحف فيتزويليام، الذي يضم مجموعات فنية واثرية قيمة، ومتحف علم الاثار والانثروبولوجيا.
يعود تاريخ جامعة كمبردج العريق الى عام 1209، عندما تجمع مجموعة من العلماء في مدينة كمبردج. لم يكن تاسيس كمبردج وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لهجرة مجموعة من العلماء والاكاديميين من جامعة اكسفورد، بحثا عن بيئة اكاديمية جديدة. هذا الاصل المشترك بين كمبردج واكسفورد يفسر التشابه الكبير بينهما في العديد من الجوانب، مثل النظام التعليمي والهيكل التنظيمي، والتنافس الودي بينهما، الذي يعرف بـ “سباق القوارب” السنوي الشهير. على مر القرون، شهدت جامعة كمبردج تطورات وتحولات كبيرة، حيث ازدهرت فيها مختلف العلوم والفنون، واصبحت مركزا مرموقا للبحث العلمي والتفكير النقدي، ولعبت دورا محوريا في تشكيل تاريخ الفكر الاوروبي والعالمي.
كليات الجامعة هي وحدات اكاديمية وادارية مستقلة، تشرف على تعليم طلابها وتوفر لهم بيئة تعليمية فريدة من نوعها، تساهم في خلق مجتمع طلابي متنوع وغني، حيث يتفاعل الطلاب من خلفيات وثقافات مختلفة، مما يثري تجربتهم التعليمية ويساهم في تكوين شخصياتهم وهي ايضا مراكز اقامة للطلاب. هذا النظام الفريد للكليات يعتبر من اهم العوامل التي تميز جامعة كمبردج، ويساهم في الحفاظ على مستوى عال من التعليم والبحث العلمي.
تقدم جامعة كمبردج تعليما متميزا عالي الجودة يعتمد على اساليب تدريس متقدمة تجمع بين المحاضرات النظرية والندوات النقاشية وورش العمل العملية، مما يتيح للطلاب فرصة التعمق في دراسة مواضيعهم والتفاعل المباشر مع الاساتذة والخبراء في مختلف المجالات. يشجع نظام التدريس في كمبردج على التفكير النقدي والتحليل العميق، وينمي لدى الطلاب مهارات البحث والاستقصاء وحل المشكلات. هذا التنوع يثري تجربة التعلم بشكل كبير، حيث يتيح للطلاب فرصة التعرف على وجهات نظر مختلفة وتبادل الافكار والمعرفة، مما يساهم في توسيع افاقهم وتكوين صداقات وعلاقات مثمرة. كما توفر الكليات ايضا انشطة اجتماعية وثقافية متنوعة تساهم في خلق جو من التفاعل والتواصل بين الطلاب، مثل النوادي والجمعيات الطلابية والفعاليات الرياضية والفنية.
تخرج من جامعة كمبردج عبر تاريخها الطويل العديد من الشخصيات المؤثرة والبارزة في مختلف المجالات، الذين ساهموا في تغيير مجرى التاريخ وخدمة الانسانية، من بينهم رؤساء وزراء وملوك وفلاسفة وعلماء وادباء وفنانين.
باختصار، تعتبر جامعة كمبردج منارة للعلم والمعرفة، وتجمع بين التاريخ العريق والمكانة العلمية المرموقة والتميز في مجالات متعددة، مما يجعلها وجهة مرموقة للطلاب والباحثين من جميع انحاء العالم.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: فی مختلف المجالات فی العالم
إقرأ أيضاً:
وول ستريت جورنال: جامعات النخبة الأميركية تتحالف لمقاومة إدارة ترامب
أوردت صحيفة وول ستريت جورنال أن مجموعة من الجامعات الأميركية المرموقة شكلت، في خطوة غير مسبوقة، تحالفا خاصا وسريا لمواجهة محاولات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التدخل في شؤونها الأكاديمية وتمويل نشاطها البحثي.
وقالت في تقرير حصري لها إن هذا التحرك يأتي ردا على الإجراءات الأخيرة التي اتخذها البيت الأبيض، والتي اعتبرتها المؤسسات الأكاديمية تهديدا مباشرا لاستقلالها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحف فرنسية: كل الأصابع تشير إلى وزير الداخلية في جريمة القتل بالمسجدlist 2 of 2مؤرخ فرنسي: المنظمات الإنسانية قلقة من تحول غزة إلى مقبرة جماعيةend of listونقل التقرير عن مصادر مطلعة قولها إن التحالف غير الرسمي للجامعات يضم نحو 10 جامعات مرموقة، منها جامعات من رابطة الجامعات الأفضل في الولايات المتحدة، وأخرى رائدة في البحث العلمي.
وتتركز أغلب هذه الجامعات في ولايات تصوّت عادة للحزب الديمقراطي. وقد تصاعدت المناقشات بين قادة هذه الجامعات عقب إرسال الإدارة الأميركية قائمة مطالب مطولة إلى جامعة هارفارد، تطالب بتغييرات شاملة في سياساتها الثقافية والأكاديمية.
شخصيات بارزة
ويضم التحالف شخصيات بارزة تشمل رؤساء جامعات وأعضاء مجالس أمناء. وقد توافقت هذه القيادات على عدد من "الخطوط الحمر"، أبرزها رفض أي تنازل عن الاستقلال الأكاديمي، بما يشمل حرية القبول والتوظيف والمناهج الدراسية.
وتشير مصادر إلى أن أعضاء التحالف أجروا خططا افتراضية لمواجهة سيناريوهات مختلفة، منها احتمال منع الجامعات من تسجيل الطلاب الدوليين أو تقييد توظيف أعضاء هيئة تدريس من الخارج.
إعلانوتخشى الجامعات من أن يؤدي قبول بعض المؤسسات بتنازلات منفردة إلى فرض معايير جديدة تضر بالمنظومة الأكاديمية كلها.
وعبّر مسؤولو الجامعات عن قلقهم من أن يخلق التحالف تمايزا بين الجامعات المشاركة وتلك التي تبقى خارجه، مما قد يؤدي إلى انقسامات داخل القطاع التعليمي.
ذريعة معاداة السامية
وكانت إدارة ترامب قد شكّلت فريق عمل خاصا لمكافحة معاداة السامية، استخدم التهديد بتجميد التمويل كوسيلة للضغط على الجامعات، وقد أدى ذلك إلى استجابة بعض المؤسسات مثل جامعة كولومبيا لبعض المطالب.
أما جامعة هارفارد فقد رفضت المطالب الموجهة لها، مما دفع الإدارة إلى إعلان نيتها قطع تمويلات بحثية ضخمة تصل إلى 2.26 مليار دولار، وهددت أيضا بسحب إعفاء الجامعة الضريبي ومنع تسجيل الطلاب الدوليين.
وفي المقابل، اختارت بعض الجامعات التحرك القانوني؛ حيث رفعت هارفارد دعوى قضائية للطعن في هذه الإجراءات، ومن المتوقع أن تُعقد الجلسة الأولى في محكمة اتحادية بمدينة بوسطن.
تدافع عن حرياتها الأكاديميةورغم أن التحالف الجديد يتحرك بسرية، فقد ظهرت أصوات علنية منددة بما وصفته بالتدخل الحكومي غير المسبوق، مثل العريضة التي أصدرتها جمعية الكليات والجامعات الأميركية، ووقع عليها أكثر من 500 من كبار الأكاديميين.
وقالت وول ستريت جورنال إن هذه التحركات تؤكد أن الجامعات الأميركية الكبرى تسعى للحفاظ على استقلالها الأكاديمي والدفاع عن مبادئ الحرية الأكاديمية في مواجهة الضغوط السياسية المتزايدة.