معنى الظلم في (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن معنى الظلم في دعاء سيدنا يونس عليه السلام، محمول على معان تليق بمقام النبوة العظيم، منها أنه حمَّل نفسه أكثر مما تطيق، أو أنه تصرف بغير إذن ربه، أو أنه تَرَكَ الأولى والأفضل، أو أنه من جملة تسبيح الله سبحانه وتعالى وذكره له، وهذا الذكر من جملة الدعاء المستجاب الذي له فضلٌ عظيمٌ؛ فمن دعا به طالبًا النجاة من شيءٍ نجاه الله تعالى.
وقالت الإفتاء إنه لا يصح أن يُفهم الدعاء أنه من معاني الظلم المذمومة، فالأنبياء معصومون عن الذنوب كبائرها وصغائرها.
وأضافت الإفتاء أن ما ورد من نسبة سيدنا يونس عليه السلام الظلم إلى نفسه فيما حكاه على لسانه القرآنُ الكريم: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87] فليس المراد منه أي معنى من المعاني المذمومة، بل هذا محمول على معان تليق بمقام نبوته العظيمة.
قال الشيخ أحمد ابن عجيبة في "البحر المديد" (3/ 493، ط. الدكتور حسن عباس زكي) في قوله: ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أي: [لنفسي بخروجي عن قومي قبل أن تأذن لي، أو من الظالمين لأنفسهم بتعريضها للهلكة] اهـ.
وقال الإمام ابن جزي في "التسهيل" (2/ 28، ط. دار الأرقم): [والظلم الذي اعترف به كونه لم يصبر على قومه وخرج عنهم] اهـ.
وقال الإمام الماوردي في "تفسيره" (3/ 467، ط. دار الكتب العلمية): [يعني لنفسي في الخروج من غير أن تأذن لي، ولم يكن ذلك عقوبة من الله؛ لأن الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا، وإنما كان تأديبًا، وقد يُؤَدَّبُ من لا يستحق العقاب] اهـ.
قال الإمام البغوي في "معالم التنزيل في تفسير القرآن" (4/ 47، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقيل: فلولا أنه كان من المسبحين في بطن الحوت؛ قال سعيد بن جبير: يعني قوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87]] اهـ.
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (22/ 179-181، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، والظلم من أسماء الذم؛ لقوله تعالى: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 18]... لا شك أنه كان تاركًا للأفضل مع القدرة على تحصيل الأفضل فكان ذلك ظلمًا] اهـ.
وجاء في "غرائب القرآن ورغائب الفرقان" للنيسابوري (1/ 388، ط. دار الكتب العلمية): [الظلم فيه محمول على ترك الأولى؛ كما في حق آدم: ﴿رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا﴾ [الأعراف: 23] لا على الكفر والفسق] اهـ.
وأكدت الإفتاء قائلة: معنى الظلم الذي نسبه سيدنا يونس عليه السلام إلى نفسه كما في الآية المذكورة أنه شق على نفسه ولم يرفق بها في سبيل طاعة الله، وأهل الكمال يعاملون أنفسهم كما يعاملون نفوس الخلق، فهم مطالبون بالرفق عليها، كرفقهم على سائر نفوس الخلق، أو هو فعل خلاف الأولى مطلقًا، أو هو خروجه عن قومه بغير إذن ربه.
وتابعت: ولا يصح أن يُفهم على نحوٍ فيه انتقاص من مقامه الرفيع؛ إذ المقرر عند علماء المسلمين أنه يجب تأويل مثل هذه الألفاظ التي يوهم ظاهرها خلاف الواجب عقلًا فتُحمل على معنًى لائق بمقام النبوة العظيم؛ كما قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (4/ 13، ط. دار ابن عفان): [ولك في التأويل السعة بكل ما يليق بأهل النبوة ولا ينبو عنه ظاهر الآيات] اهـ.
واوضحت الإفتاء أنه ورد في السنة النبوية الحثُّ على هذا الدعاء والتضرع به إلى الله تعالى، وبيان فضله العظيم؛ فمن دعا الله تعالى به نال الإجابة كما نالها يونس عليه السلام.
فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ:لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ» رواه الترمذي في "سننه"، وأحمد في "مسنده"، والحاكم في "مستدركه على الصحيحين".
قال الإمام المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 6، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [(إلا استجاب الله له) لما كانت مسبوقة بالعجز والانكسار ملحوقة بهما صارت مقبولة] اهـ.
وقال الإمام القشيري في "لطائف الإشارات" (2/ 520، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب): [ثم قال: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾؛ يعني: كلُّ من قال من المؤمنين -إذا أصابه غمٌّ، أو استقبله أمر مهم- مثلما قال ذو النون نجيناه كما نجينا ذا النون] اهـ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دعاء دعاء سيدنا يونس دعاء سيدنا يونس عليه السلام يونس یونس علیه السلام قال الإمام سیدنا یونس
إقرأ أيضاً:
تواضروس: فلسطينيو غزة يتعرضون لظلم بشع ونرفض تهجيرهم (شاهد)
قال بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، البابا تواضروس الثاني، إن الفلسطينيين في قطاع غزة يتعرضون لـ"أبشع أنواع الظلم"، مشددًا على رفض تهجيرهم سواء طوعًا أو قسرًا، ومناشدًا المجتمع الدولي للتحرك العاجل لإنقاذهم من الإبادة المستمرة منذ أكثر من عام ونصف.
جاءت تصريحات البابا تواضروس خلال مقابلة مع التلفزيون المصري الرسمي، تزامنت مع احتفالات المسيحيين في مصر والعالم بعيد القيامة المجيد، الذي يُعد أبرز الأعياد في التقويم المسيحي.
ووصف البابا الأوضاع الإنسانية في غزة بأنها مأساوية، قائلاً: "الشعب الفلسطيني يُعاني من ظلم معيشي وإنساني واجتماعي غير مسبوق، وسط دمار شامل يطال البنى التحتية والحياة اليومية في القطاع".
وأشار إلى أن موقف الدولة المصرية ثابت وواضح، ويقضي برفض أي مساعٍ لتهجير الفلسطينيين، حيث قال: "كما عبّر عبد الفتاح السيسي، فإن مصر لن تكون طرفًا في هذا الظلم".
كما أكد على وحدة الرؤية بينه وبين شيخ الأزهر، الإمام الأكبر أحمد الطيب، قائلاً: "موقفنا متطابق في رفض الظلم، ونأمل أن يتحرك ضمير العالم لإنقاذ أهلنا في غزة".
وكانت قمة عربية طارئة انعقدت في 4 آذار/مارس الماضي قد أقرت خطة مصرية لإعادة إعمار قطاع غزة، تمتد لخمسة أعوام وبتكلفة تقديرية تصل إلى 53 مليار دولار، وتشدد على عدم تهجير الفلسطينيين من أرضهم.
غير أن هذه الخطة قوبلت برفض من قبل الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، اللتين تروجّان لخطة بديلة يدعمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تقضي بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول مجاورة، مثل مصر والأردن، وهو ما رفضته القاهرة وعمّان، إلى جانب عدد من الدول العربية والمنظمات الإقليمية والدولية.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أمريكي، شن عمليات عسكرية على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما أسفر عن سقوط أكثر من 168 ألف بين شهيد وجريح، غالبيتهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، في واحدة من أعنف الكوارث الإنسانية في العصر الحديث.