دراسة مصرية ترصد تجليات العبادة الشعبية في طيبة القديمة
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
القاهرة "د.ب.ا": تعددت الآلهة لدى قدماء المصريين الذين عرفوا مئات الربات والأرباب، وكان هناك "ملك الآلهة "وسيدة الآلهة"... وفى المسافة ما بين العاصمة الشمالية منف، وحتى أسوان، مرورا بطيبة مقر آمون "رب الأرباب" كانت الآلهة المصرية القديمة، تتجسد في صورة حيوانات متعددة مثل التماسيح والكباش والأبقار واللبؤات والكلاب والعجول والقردة والثيران والطيور.
وبالطبع فقد فرَق الآثاريون بين الآلهة الكونية التي هي موضوعا للكثير من الأساطير، وهي التي قلما تظهر في المعتقدات الشعبية اليومية، وآلهة الأسرة الخاصة الشعبية، التي لا تذكرها الأساطير... ويقول الآثاريون وعلماء المصريات، أن كل مقاطعة ومدينة كان لها معبودها الخاص، فيما كانت بعض الآلهة مثل حورس وخنوم وتحوت، يُعبدون في الكثير من المدن بجميع أرجاء الدولة.
وقد جذب تعدد الآلهة والربات في مصر القديمة، اهتمام الكثير من الباحثين، الذين يواصلون البحث لكشف ما يحيط بالحضارة المصرية من سحر وغموض.
وفي دراسة أكاديمية، كشف الباحث المصري، الدكتور محمد إمام، أن الإنسان في مصر القديمة، اعتقد أن هناك عناصر كونية كثيرة تتحكم في حياته ومصائره بطريق مباشر أو غير مباشر، وهي تتكفل بها قدرة ربانية تستوجب التقرب لها وعبادتها، منها الفيضان الذي لعب دورا رئيسيا في حياة المصريين القدماء، فهو المتدفق من أوزير الذي يُنبِت الزرع لكي يحيا المعبودات والناس، ولهذا الارتباط أُطْلِقَ عليه سيد الغذاء، وأقيمت له مقصورة في الطريق إلى معبد بتاح في معابد الكرنك بمدينة الأقصر التاريخية جنوبي البلاد.
وبحسب الدراسة التي حملت عنوان "العبادة الشعبية بطيبة في العصر المتأخر"، فإنه مع أن المصري القديم لم ير هذه القوى، إلا أنه آمن بها وأعطاها أسماء وأشكالا حسبما تخيلها، جاعلا من بعضها أخيارا يساعدونه، ومن البعض الآخر أشرارا أعداء له. وبخطواته نحو التحضر أراد أن يجعل له معبودا، كلما فكر فيه سما بنفسه فوق ما ينتابه من اضطرابات ليكون في عونه.
ويقول الباحث محمد امام، في دراسته، ان المصري القديم عبَر في نصوصه الدينية والأدبية عن فكرة علاقته بالمعبود، التي تدرجت من الارتباط الوقتي نتيجة حدوث حدث معين له من الأمور المتعلقة بالحياة اليومية إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث العلاقة التي يأمل أن تكون دائمة وأبدية، فقد سيطرت العقيدة على حياته الدينية كما لم تسيطر قوة أخرى، وكان الوضع الديني إما عن رغبة أو رهبة صادرة عن تصوراته، ولم تتأثر الحياة بالدين فحسب بل امتزجت بمجموعة من الانطباعات الخارجية أدت الى ظهور مِزاج إنساني عَبَّر عن القوة الكامنة فيه، وخرج من ذلك كله بفكر تطور مع القوى الكامنة بداخله كان التعبد فيه بمثابة الرباط الذي يجمع بين الفرد العادي ومعبوده.
وتناول الفصل الأول من الدراسة العبادة الرسمية التي مارس طقوسها الملك والكهنة في المعبد، وتميزت بالصرامة الشديدة، ولم يشترك فيها أحد من العامة، فالمعبد يمثل النظام الكوني واشتراك غير المعنيين بحفظه قد يؤدى إلى تأثر العملية الكونية واختلالها.
وتعرضت هذه العبادة إلى صدمتين كبيرتين أثرتا على شكل ممارسه طقوس الدين آنذاك، الأولى الثورة الاجتماعية التي أسقطت فكرة التأليه المطلق للملك، وجعلت نصوص الأهرام مشاعا للجميع والتي تحولت إلى متون التوابيت...وجاءت الصدمة الثانية بحركة اخناتون الدينية، وبعد سقوطها أصبحت حرية ممارسة العبادة كبيرة إلى حد بعيد، فانتشرت ظاهرة العبادة الشعبية.
ورصد الفصل الثاني من الدراسة، بعض مظاهر العبادة الشعبية من خلال النصوص والقرابين النذرية التي تركها أصحابها من مختلف طبقات وفئات المجتمع في المعابد أو المنازل، ومع هذا – وبحسب الدراسة فإنه لا يمكن تلمس طقوسه بشكل واضح ودقيق مثل العبادة الرسمية، فالأول تميز بالحرية الشديدة ومارسه عامة الناس ما دون الملك، وحتى الكهنة على الرغم من ارتباطهم بالعبادة الرسمية، فنجد في بعض نصوصهم نغمة تشبه ما تقرب به العامة للمعبودات، فالعبادة الشعبية تعبر عن اعتقاد العامة في معبوداتهم.
وكان من مظاهر العبادة الشعبية استخدام العامة ساحات المعابد الخارجية أماكن للصلاة، ليتضرعون إلى المعبودات، ويتجمعون أمام بوابات المعبد في مواكب الأعياد ليستشيرون الوحي الإلهي الذي لعب دورا كبيرا في حياتهم خاصة في العصر المتأخر، فيكونون قريبين من المعبودات ليحصلوا على إجابات شكواهم وطلباتهم التي قدموها بالابتهالات والدعاء عن طريق كهنة الوحي الوسطاء بينهم وبين المعبودات.
وتشير الدراسة إلى أن العبادة الشعبية اتسمت بالمرونة، فتمنى الناس أن يتحولوا فى العالم الآخر إلى بعض الصفات الإلهية، فمنهم من تمنى أن يتحول إلى زهرة لوتس أو إلى أسد أو إوزة، ليس بمعنى التحول من إنسان إلى هيئة أخرى، بل الاتحاد مع معبودات أصحاب هذه الصفات مثل رع وأمون.
ورصد الفصل الثالث من الدراسة، تعبد العامة لعدة معبودات خلعوا عليها من الصفات والقدرات ما يلبى احتياجاتهم ورغباتهم، فتعبدوا إلى ثالوث طيبة فرادى ومجتمعين، فـ " آمون " المعبود الساهر القوى الذي ينقذ الفقراء وهو قاضيهم، الذي يلجأون إليه فى الشدائد، فهو يراهم وهو السامع لمن يدعوه... وتعبدوا إلى "موت" سيدة الصراخ التي تحيا به وفى نفس الوقت الرحيمة، والتي تداخلت عبادتها مع معبودات أخرى مثل موت وسخمت علاوة على ارتباطها بحتحور فقدم العامة قرابينهم النذرية لمعبودات الخصوبة فى نطاق معبدها بالكرنك.
وبحسب دراسة الباحث الدكتور محمد امام، فقد حظي خنسو بعبادة شعبية فهو حامى العوام، فبعد أن فرغوا من حجهم صعدوا على سطح معبده بالكرنك ونقشوا طبعات أقدامهم هناك طالبين منه إلحاق الأذى بمن يطمس هذه الطبعة.
وتناول الفصل الرابع انتشار عبادة أوزير الشعبية خارج النطاق الجنائزي، فأقيمت له المقاصير وقدم له العامة القرابين النذرية، وحاولوا الارتباط به فى الدنيا قبل الآخرة، فتسمى بعض العامة باسمه ليكونون فى معيته، فهو بحسب عقديتهم – آنذاك - واهب الحياة.
أما المعبود " بس " فقد انتشرت عبادته بشكل كبير فى العصر المتأخر، وهو "حامى السيدات عند ولادتهن وشافيهن".. كما ارتبط أيضا بالخصوبة.
وتعبد العامة إلى بتاح رب الصناعة والفنون ولم تنتشر عبادته بشكل كبير فى فترة العصر المتأخر.
فيما جاء فى الفصل الخامس، أن العصر المتأخر تميز بعبادة السلف ففي نطاق مدينة طيبة بجل العامة إيمحتب، وكذلك أمنحتب بن حابو الذي بدأت عبادته فى الظهور فى عصر الرعامسة واستمرت رفقة إيمحتب حتى نهاية العصرين اليوناني والروماني.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العصر المتأخر
إقرأ أيضاً:
النواب يناقش دراسة الجدوى لإعادة تأهيل الخط الثاني لمترو أنفاق القاهرة
افتتح المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب، الجلسة العامة للمجلس، والتي ستناقش تقرير اللجنة المشتركة من لجنة النقل والمواصلات ومكتب لجنة الشئون الاقتصادية عن قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 116 لسنة 2025 بشأن الموافقة على "ملحق رقم (1) لاتفاق التعاون بشأن دراسة الجدوى لإعادة تأهيل الخط الثاني لمترو أنفاق القاهرة " بين حكومة جمهورية مصر العربية وبنك الاستثمار الأوروبي.
كما تناقش الجلسة أيضا، تقرير اللجنة المشتركة من لجنة النقل والمواصلات ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن مشروع قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم ١١٣ لسنة ١٩٨٣ بإنشاء الهيئة القومية للأنفاق.
ويأتى مشروع القانون في إطار سعي الدولة نحو الحفاظ على أصولها وتحقيق أقصى استفادة اقتصادية وخدمية من مرافقها العامة، وتعظيم قدرات تلك المرافق التشغيلية.
وجاء مشروع القانون لبناء أساس تشريعي مناسب يمكن الهيئة القومية للأنفاق من تحقيق أكبر استفادة ممكنة من الأراضي والمنشآت والمباني، والأصول، غير المستخدمة في عملية التشغيل، وذلك عن طريق استثمارها واستغلالها بالوجه الأمثل، ومن أجل تعظيم مواردها وتمكينها من سداد مديونياتها وتطوير خطوط مترو الأنفاق، وتنفيذ المشروعات القومية العملاقة المنوطة بها في مجال النقل السككي الكهربائي، مع تحصين جميع مكونات التشغيل من منشآت، ومبان، والحرم المخصص لها، ضد أي استعمالات خارج نطاق منظومة التشغيل.
ويهدف مشروع القانون إلى تحقيق بنيان تشريعي متكامل قادر على تحقيق أكبر عائد ممكن لصالح الهيئة بصورة مطردة ومستمرة من خلال معالجة التقيد النوعي غير المبرر في طبيعة تخصيص أصول الهيئة المتمثل في ازدواج الطبيعة القانونية لتلك المخصصات العينية، بين نفع عام، ونفع خاص مقيد، دون أساس لهذه التفرقة.
وجاء مشروع القانون لوضع تحديد دقيق لأصول الهيئة ذات النفع العام وحصرها في المباني والمنشآت المستخدمة في، مع السماح للهيئة باستغلال باقي أصولها ومخصصاتها العينية التي لا تندرج تحت نطاق النفع العام بجميع صوره، هذا بالإضافة إلى تمكين الهيئة من التصرف في تلك المخصصات وفق ضوابط محددة.
ويهدف مشروع القانون إلى إنهاء التخصيص المقرر للمنفعة العامة عن كافة أملاك الهيئة غير التشغيلية وإعادة تخصيص هذه الأصول والأراضي للهيئة القومية للأنفاق لاستغلالها بذاتها أو عن طريق أي من شركاتها في المشروعات الاستثمارية، التي تستهدف تنمية مواردها وزيادتها وإدراج العائد الناتج عن هذا الاستغلال ضمن إيرادات الهيئة، بما يمكن الهيئة من سداد مديونياتها وتطوير مرفقها التشغيلي الحيوي الذي يخدم الوطن والمواطن، ورفع العبء الذي تتحمله الخزانة العامة للدولة عن هذا المرفق والنهوض به إلى المستوى الذي يمكنه من صب عوائده بخزانة الدولة.