ما الذي تحتاجه مذكرات التفاهم مع مصر للتحول إلى واقع؟
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
بغداد اليوم - بغداد
تُشكّل مذكرات التفاهم التي وُقّعت بين بغداد والقاهرة خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الثنائية، لكنها تطرح تساؤلات حول مدى قابليتها للتحول إلى اتفاقيات رسمية ذات طابع إلزامي.
المختص في الشؤون القانونية، سالم حواس، أوضح لـ"بغداد اليوم"، أن هذه المذكرات ليست اتفاقيات بحد ذاتها، بل تمهيد لها، ويتطلب تحويلها إلى اتفاقيات مصادقة مجلس النواب العراقي.
توقيع 12 مذكرة تفاهم في مجالات مختلفة
تم خلال اجتماع اللجنة العليا العراقية المصرية أمس في بغداد توقيع 12 مذكرة تفاهم، شملت مجالات النقل البري، مكافحة الاحتكار، التنمية المحلية، التعاون الثقافي، تنظيم الرقابة المالية، الآثار والمتاحف، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى التعاون بين الغرف التجارية في البلدين.
وفي حزيران 2023، وقع العراق ومصر أكثر من عشر مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات التجارة، السياحة، الاستثمار، النقل، الثقافة، والآثار، بالإضافة إلى اتفاقيات أخرى سابقة تعود لعام 2020، لكن لم يتحقق تقدم يُذكر في تنفيذ هذه الاتفاقيات، ويعود ذلك إلى تعقيدات إدارية، وعدم توفر التمويل اللازم لبعض المشاريع، إلى جانب غياب آليات متابعة صارمة لضمان تنفيذها.
وتُعرف مذكرات التفاهم بأنها خطوات تمهيدية لعقد اتفاقيات رسمية ملزمة، لكنها لا تمتلك قوة قانونية تجبر الطرفين على التنفيذ الفوري. وفقًا للمختص في الشؤون القانونية سالم حواس، فإن تحويل مذكرات التفاهم إلى اتفاقيات حقيقية يتطلب موافقة البرلمان العراقي، وهو إجراء قد يستغرق وقتًا طويلاً، خاصة إذا كانت هناك خلافات سياسية أو اقتصادية حول مضمونها.
ويضيف أن العراق وقع خلال السنوات الماضية العديد من مذكرات التفاهم مع دول عدة، لكن القليل منها تحول إلى اتفاقيات رسمية، وذلك لعدة أسباب تتعلق بالإرادة السياسية، البيروقراطية الإدارية، والتحديات المالية.
ومنذ سنوات، وقع العراق العديد من مذكرات التفاهم مع دول مختلفة في مجالات متعددة، بما في ذلك الاستثمار، التجارة، الأمن، النقل، الثقافة، والطاقة.
ورغم توقيع هذه المذكرات بحضور رسمي وإعلامي كبير، إلا أن معظمها لم يُنفذ على أرض الواقع، ما يثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التعثر. فهل تعاني هذه الاتفاقيات من مشاكل فنية وإدارية، أم أن العوامل السياسية والاقتصادية تلعب الدور الأكبر في عرقلتها؟
عقبات أمام تفعيل الاتفاقيات
رغم أهمية هذه المذكرات، إلا أن التجارب السابقة تشير إلى أن العديد من مذكرات التفاهم التي وقعها العراق مع دول أخرى لم تتحول إلى اتفاقيات ملزمة، لغياب الإرادة السياسية، حيث يتم توقيع العديد منها لأغراض دبلوماسية وإعلامية أكثر منها لغايات تنفيذية حقيقية.
كما أن البيروقراطية العراقية تشكل عائقًا أمام تنفيذ الاتفاقيات، إذ إن عملية تحويل مذكرة تفاهم إلى اتفاقية رسمية قد تستغرق سنوات بسبب تعقيدات إدارية داخل المؤسسات الحكومية.
وإلى جانب ذلك، فإن الأوضاع المالية تلعب دورًا رئيسيًا، حيث تتطلب بعض المذكرات تخصيصات مالية كبيرة، وفي ظل الأزمات الاقتصادية التي مر بها العراق، يصبح من الصعب على الحكومة تأمين التمويل اللازم لهذه المشاريع.
وايضا، البيئة الاستثمارية غير المستقرة تمثل أيضًا أحد الأسباب التي تؤدي إلى تأجيل تنفيذ العديد من الاتفاقيات، حيث لا تزال التحديات الأمنية والسياسية تؤثر بشكل كبير على رغبة الدول والشركات الأجنبية في الالتزام بمشاريع طويلة الأمد داخل العراق.
ورغم محاولات الحكومة تحسين مناخ الاستثمار، إلا أن العراق لا يزال يواجه عقبات كبيرة في جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وهو ما ينعكس سلبًا على تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية.
ما الذي تحتاجه هذه المذكرات للتحول إلى واقع؟
في ضوء هذه التحديات، يبدو أن مستقبل مذكرات التفاهم يعتمد بشكل أساسي على قدرة العراق على إجراء إصلاحات إدارية واقتصادية، وتوفير بيئة أكثر استقرارًا لجذب الاستثمارات الأجنبية.
فبدون إرادة سياسية حقيقية، وتسهيلات إدارية، وتخصيصات مالية مناسبة، ستبقى هذه المذكرات مجرد وثائق تُوقع في القمم والاجتماعات، دون أن تتحول إلى مشاريع ملموسة تعود بالفائدة على البلاد.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيتمكن العراق من كسر هذه الحلقة المتكررة وتحويل وعود التعاون إلى إنجازات فعلية، أم أن الاتفاقيات ستظل مجرد أوراق تنتظر التنفيذ؟
المصدر: "بغداد اليوم"+ وكالات
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: مذکرات التفاهم هذه المذکرات إلى اتفاقیات العدید من
إقرأ أيضاً:
خدعة مذكرات هتلر المزيفة.. السبق الصحفي على حساب الحقيقة
كانت قضية مذكرات هتلر المزيفة واحدة من أكبر الخدع الصحفية، حيث كشفت عن ضعف التحقق الصحفي في مواجهة السبق الإعلامي، ما أدى إلى فضيحة عالمية أضرت بمصداقية المؤسسات الإعلامية والمؤرخين المشاركين.
فضيحة المذكرات المزيفة لهتلر هزت عالم الصحافة الغربية، في ثمانينات القرن الماضي، بعد أن تورطت صحف مرموقة في نشرها، ليتبين لاحقا أنها خدعة محكمة تسببت في تشويه سمعة أفراد ومؤسسات صحفية عريقة.
ونشرت مجلة "شتيرن" الألمانية وصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية ما زُعم أنها مذكرات شخصية لأدولف هتلر. سرعان ما تبين أن هذه "المذكرات" كانت خدعة مُحكمة تسببت في خسائر مالية فادحة وتشويه سمعة العديد من الأفراد والمؤسسات الإعلامية.
وضللت هذه المذكرات الخبراء والصحفيون بوثائق مزيفة دفعتهم للتصديق على صحتها قبل أن يكشف تحقيق جنائي زيفها، ما أدى إلى تداعيات مهنية وشخصية لحقت بالمتورطين في هذه الفضيحة، بما في ذلك اعتراف قطب الصحافة،ومالك صحيفة صنداي تايمز، روبرت مردوخ بالخطأ لاحقًا.
في نيسان/ أبريل 1983، أعلنت مجلة "شتيرن" الألمانية وصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية عن اكتشاف مذكرات أدولف هتلر التي ادُعي أنها أصلية، لتتحول لاحقاً إلى إحدى أكبر الخدع في القرن العشرين.
زُعم أن المذكرات تغطي فترة حكم هتلر (1932-1945) وتكشف جانباً شخصياً من حياته، مثل معاناته الصحية وعلاقته بمستشارته، وعشيقته، بإيفا براون.
وادّعت المذكرات التي اكتشفها الصحفي الألماني جيرد هايدمان، أن الطائرة التي كانت تنقل المذكرات تحطمت، ثم خُبّئت المذكرات في ألمانيا الشرقية، مشيرة إلى أن هتلر لم يكن على علم بالمحرقة.
استعانت "شتيرن" بخبراء ومؤرخين مثل هيو تريفور روبر، الذين أقروا بصحة المذكرات بناءً على معلومات مضللة، لكن اتضح أن المذكرات كتبها كونراد كوياو، مزور ألماني استخدم أساليب بدائية مثل سكب الشاي على الورق لتقليده القديم.
"السبق الصحفي على حساب الحقيقة"
ومن نتائج هذه الفضيحة، أنها كشفت عن تحيزات كبيرة في المؤسسات الإعلامية ومعاييرها التحريرية في ذلك الوقت، حيث أظهرت كيف يمكن للرغبة في تحقيق سبق صحفي عالمي أن تطغى على المبادئ الأساسية للتحقق والتدقيق.
وتجلت هذه التحيزات والمعايير المتساهلة في عدة جوانب، منها التركيز المفرط على السبق الصحفي الحصري، حيث كانت مجلة "شتيرن" الألمانية وصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية مدفوعتين بشدة للحصول على سبق صحفي "استثنائي" و"حصري عالمياً".
هذا الدافع القوي دفعهما إلى التسريع في عملية النشر والتغاضي عن إجراءات التحقق الدقيقة. فقد كانت "شتيرن" مصرة على "إبقاء قبضتها على السبق الصحفي"، مما أثر على كيفية تعاملها مع عملية التحقق.
وعلى الرغم من ادعاء "شتيرن" بالاستعانة بخبراء في علم الخطوط والورق ومؤرخين مثل البروفيسور تريفور روبر الذي "أكدوا لهم أنها أصلية"، إلا أنهم لم يقدموا لهم سوى "بضع صفحات مختارة من الدفاتر للاطلاع عليها"، وهذا يشير إلى تحيز نحو تصديق الرواية المثيرة دون توفير الظروف المناسبة لتدقيق شامل.
وأثيرت شكوك داخل صحيفة "صنداي تايمز"، حول صحة المذكرات، خاصة بالنظر إلى تجربة سابقة مع مذكرات موسوليني المزيفة. ومع ذلك، فإن إصرار مالك الصحيفة روبرت مردوخ على النشر، يكشف عن تحيز نحو نشر قصة ذات صدى واسع بغض النظر عن المخاطر المحتملة.
وتورطت الصحيفتان أيضا في الاعتماد على السمعة بدلاً من التحليل العميق، حيث كان لتأييد شخصية أكاديمية مرموقة مثل اللورد داكر (هيو تريفور روبر) وزناً كبيراً في إقناع المؤسسات الإعلامية بصحة المذكرات.
وحتى عندما أبدى شكوكاً أولية، فإن "الحجم الهائل من المواد" أقنعه، مما يدل على تحيز نحو الثقة في "الخبراء" وإغفال الحاجة إلى تحليل جنائي وتاريخي أكثر تفصيلاً.
وأخيرا فإن الدوافع المالية المحتملة، والربح المتوقع من وراء النشر كان عاملا حاسما أيضا، إذ تشير التقارير إلى أن توزيع صحيفة "صنداي تايمز" قد ازداد بسبب نشر القصة، وأن مردوخ ضمن بنداً يسمح له باستعادة الأموال إذا ثبت التزوير، هذا يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الاعتبارات التجارية قد لعبت دوراً في التسرع في النشر دون التأكد الكامل من المصداقية.