العالم في اليوم التالي لتنصيب ترامب
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
لم يُضع الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية كثيرا من الوقت، وبدأ دونالد ترامب إصدار الإجراءات التنفيذية يوم 20 كانون الثاني/ يناير بعد أن أدى اليمين الدستورية كرئيس الولايات المتحدة السابع والأربعين، وبدأ فترة ولايته الثانية في مكتب التوقيع داخل ساحة كابيتال وأن في واشنطن مع أفراد الأسرة والحلفاء خلفه على خشبة المسرح وحشد من المؤيدين في الجمهور.
وقع ترامب في أول يوم دخوله المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض ستة وعشرين قرارا تنفيذيا، وبالمقارنة للرؤساء السابقين، فإن ترامب بدا متحمسا ومتحفزا أكثر من كل الرؤساء السابقين، وحتى أكثر من نفسه في ولايته الأولى، فقد وقع سلفه بايدن تسعة قرارات، فيما وقع أوباما في ولايته الأولى قرارين اثنين فقط، ولم يوقع في الولاية الثانية أية قرارات، أما جورج بوش، فلم يوقع في الولايتين أية قرارات، وهذا يعني أن الرجل جاء البيت هذه المرة وقد اتخذ نَفَسا عميقا نفثه في أول يوم من توليه.
وبنظرة على القرارات التي وقعها، يمكن أن نرسم ملامح سياساته، مع الوضع في الاعتبار محددات دور المؤسسات الرسمية العريقة في الدولة التي تلعب دورا كبيرا في كبح جماح رغبات راعي البقر، ومنها على سبيل المثال، تصريحاته قبل تولي مهام منصبه رسميا عن نيته سحب قوات بلاده من سوريا، وهو ما عدل عنه في اليوم التالي لتنصيبه، لكن مع ذلك يمكن القول بأن هذه السياسيات يمكن أن تمرر وفق تفاهمات أو صفقات، لذا فإن رؤية ترامب ستحدد للعالم مسارات لم يستطع تنفيذها في ولايته الأولى.
قرارات ترامب التنفيذية في الساعات الأولى لتوليه مهام منصبه، توحي بأن الرجل ينحت منظومة عالمية جديدة
منذ ولايته الأولى يطلق ترامب شعار "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" (Make America Great Again)، وللرجل مفهوم لهذه العظمة المرجوة، ينطلق من فكرة تأسيس الجمهورية الفيدرالية في الجزء الجنوبي للقارة الأمريكية الشمالية، والمبني على استجلاب الحقوق، وغير الحقوق، بالقوة، حتى ولو ضرب بالاتفاقيات الدولية والتفاهمات الأممية عرض الحائط، متعديا اتفاقية التجارة الحرة التي استقرت منذ تسعينات القرن الماضي، في مقابل سياسات حمائية للتجارة والصناعة الأمريكية، أو حمل الدول على الاستثمار في الولايات المتحدة مقابل الحماية، أو تدفيعهم الجزية، كما لوّح في ولايته الأولى أمام قادة الاتحاد الأوروبي، والاستفادة من الانتشار العسكري الأمريكي في العالم لتنفيذ هذه السياسات، وهو ما يخلق، بحسب المنتقدين، نظاما جديدا لا يضر فقط بالدولة المرعية، ولكن بالإمبريالية العالمية التقليدية.
قرارات ترامب التنفيذية في الساعات الأولى لتوليه مهام منصبه، توحي بأن الرجل ينحت منظومة عالمية جديدة، يمكن رؤية ملامحها في قرار الانسحاب من منظمة الصحة العالمية والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وإعلانه حالة الطوارئ على حدود بلاده الجنوبية لوقف الهجرة، ويتلازم معه القرار التنفيذي الخاص بــتعليق برنامج إعادة التوطين، مخالفة لميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والقرار القاضي بتغير تسمية خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، ما يعني أن الرجل يريد خريطة جديدة للعالم لا على المستوى السياسي وتوزيع القوى، بل وعلى المستوى الجغرافي.
الشعبوية قادمة في العالم، وترسيخ الدكتاتوريات سيشهد عصره الذهبي في حقبة ترامب، التي بالمناسبة يمكن أن تمتد لولاية أخرى في ظل تراجع الديمقراطيين، ولعل تصريحه بأنه يحب الزعيم الكوري الشمالي، ووصفه إياه بأنه ذكي، يؤشر لكل دكتاتوريات العالم أن اقمعوا شعوبكم، فإن عهدا جديدا يطل على العالم بولاية ترامب الرئاسية لأمريكا
فعلى المستوى الجغرافي، شابت تصريحات ترامب جدلا واسعا، حيث طالب رئيسة وزراء الدنمارك، في مكالمة هاتفية، باستعادة أمريكا السيطرة على غرينلاند، كما انتقد الاتحاد الأوروبي خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وهدد بفرض تعريفات جمركية على الشركات التي لا تصنع منتجاتها في الولايات المتحدة، كما طالب حلف "ناتو" بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، وذلك بطبيعة الحال لتصريف المنتج العسكري من مصانع بلاده، كما طالب باستعادة قناة بنما، وتحصيل عائداتها الجمركية للخزانة الأمريكية.
قال شرح الشريعة والقانون في مقولة "لا سيادة من غير ملازمة" إن السيادة تركز ممارستها على عنصر الملازمة، بمعنى وجوب التزام الحكومة الدائم في الحالة الداخلية، والدولة في علاقتها الخارجية، بالقوانين والمبادئ التي تحدد سلطته، فإن كانت أمريكا تؤدي دور السلطة العليا في العالم، ويشرّع برلمانها ما يراه من قوانين ينفذها على العالم، ويفرض به العقوبات، ويمنح به الهبات، فإنها في ذلك يجب أن تلتزم بالمواثيق والقوانين والأعراف، حتى ولو رأينا فيها نحن المستضعفين، جورا وظلما، لكننا على أقل تقدير نحتكم لما ارتضيناه في زماننا هذا، وهو ما يعمل ترامب للقفز عليه.
حادثة الكابيتول التي أفزعت العالم، وكشفت عن مسار جديد يخطه ترامب وأتباعه في مفاهيم تداول السلطة، بعد الإعلان عن نتائج انتخابات 2020 ومحاولة أنصاره تغيير نتائج الانتخابات بالقوة، وظهور ترامب داعما للخطوة قبل أن ينكر ذلك؛ تكشف فكرة طموح ترامب لرسم محددات جديدة للعالم، مبنية على الشعبوية التي دعمها بشكل معلوم في أوروبا إبان ولايته الأولى، وهو ما يمكن تأكيده من خلال قراره التنفيذي بالعفو عن المشاركين في أحداث الكابيتول، بمعنى أن الشعبوية قادمة في العالم، وترسيخ الدكتاتوريات سيشهد عصره الذهبي في حقبة ترامب، التي بالمناسبة يمكن أن تمتد لولاية أخرى في ظل تراجع الديمقراطيين، ولعل تصريحه بأنه يحب الزعيم الكوري الشمالي، ووصفه إياه بأنه ذكي، يؤشر لكل دكتاتوريات العالم أن اقمعوا شعوبكم، فإن عهدا جديدا يطل على العالم بولاية ترامب الرئاسية لأمريكا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب الشعبوية امريكا ترامب شعبوية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی ولایته الأولى فی العالم أن الرجل یمکن أن وهو ما
إقرأ أيضاً:
ترامب وعقيدة الجنون اللعب على حافة الهاوية
#ترامب و #عقيدة_الجنون اللعب على #حافة_الهاوية _ د. #منذر_الحوارات
من يستمع أو يشاهد الرئيس الأمريكي الجديد وهو يطلق الوعود ويهدد، يصل إلى قناعة أن هذا الرجل يمكن أن يفعل ما يحلو له سواء كان الطرف الآخر حليفاً أو خصماً، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل ما يقوم به دونالد ترامب مجرد أفعال عبثية ؟ أم أنها جزء من استراتيجيته للحصول على ما يريد ؟ لا شك أن ما يفعله ترامب جزء من استراتيجية يطلق عليها (عقيدة الجنون) وهذه واحدة من أكثر أدوات السياسة تعقيداً واستخدمها اول الأمر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وبعده الرئيس رونالد ريغان، ومع عودة ترامب يتم احيائها بأسلوب جريء وغير تقليدي، وهي تقوم على إثارة الشك لدى الخصوم والشركاء على حد سواء تجعلهم يعتقدون ان الرئيس غير متوقع ومستعد لاتخاذ خطوات مدمرة إذا لزم الأمر مما يدفعهم لتقديم التنازلات، بالتالي فهي تجبر خصومه على التعامل معه بحذر وتمنحه موقفاً تفاوضياً اقوى.
لم يتأخر ترامب كثيراً في اللجوء لهذه الاستراتيجية فمنذ لحظة تنصيبه، بدأ بتهديد حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي والصين وهنا كشف عن نظريته عندما سأله احد الصحفيين وماذا لو لم تطبق الصين؟ ماذا تقول ؟ رد ترامب ستطبق! لأن الرئيس شي يعلم أنني مجنون هكذا بالحرف الواحد، اذاً هو يجاهر بنظريته، ولم يستثني ترامب احداً من تهديداته ايران وروسيا وكوريا واليابان، لكن الأخطر هو حديثه عن ضم جزيرة غرينلاند واحتلال كندا وقناة بنما، أما في المنطقة العربية فقد حدد سعره العربي سلفاً، بينما ابقى الدعم المطلق لاسرائيل، لكن لندقق قليلاً ما الذي يقوم به ترامب هل هو جنون حقاً أم جزء من خطة لقلب موازين العلاقات الدولية ؟ جميع ما يقوم به ترامب هو جزء من خطته لقلب موازين العلاقات التجارية لأمريكا لمصلحتها فقط تحت شعار امريكا اولاً، لكنه في نهاية الامر سيغير خارطة العلاقات الدولية برمتها، وهو الأمر الذي يخبئ في ثنياياه انعكاسات خطيرة على العالم والولايات المتحدة لن تتوقف عند فقدان الثقة بها والانتقال إلى حلفاء آخرين بل ربما تؤدي إلى إضرابات على مستوى الدول المختلفة وقد تطال الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها .
أخطر ما يجسد سلوك ترامب هو حديثه عن ضم جزيرة غرينلاند واحتلال كندا وقناة بنما، تحت بند توسيع أمريكا لغايات الصراع المستقبلي، فهو يعيد مبدأ مونرو والذي يعتمد على وجود فضاء جيوسياسي خاص بالولايات المتحدة لذلك يعيد التركيز على الممرات، فغرينلاند المغطاة بالثلوج تبشر بمكانة جيوسياسية هائلة، لذلك يتستثمر في غضب السكان من قضية موانع الحمل التي حاولت فيها مملكة الدنمارك تقليل مواليد الجزيرة في قضية اللوالب ذائعة الصيت، للتصويت لصالح الانضمام إلى الولايات المتحدة الأميركية في اي استفتاء قادم، وهي الجزيرة التي يُتوقع ان يذوب ثلجها خلال العقود القادمة في رهان واضح على التغير المناخي، وهي أرض هائلة وعذراء مليئة بالمعادن والموقع الاستراتيجي على ملتقى طرق مهم ولهذا فهي شديدة الأهمية، أما قناة بنما فلم يكن تهديده من قبيل الصدفة فكما هو معلوم اشترت الصين حقوق الخدمات للقناة وهذا الأمر لا يمكن أن تقبل به أمريكا ترامب، اما كندا فإن ميزانها التجاري يميل بشكل صارخ لمصلحة كندا، لكنه وبرغم كل ما سبق وفي سياق هذه الطموحات يدشن المرحلة التي تلغى فيها أسس وقواعد النظام الدولي وينسف مفهوم سيادة الدول.
مقالات ذات صلة عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة محاكاة ليوم تحرير فلسطين العظيم الذي نراه قريبًا 2025/01/28ما سبق يؤكد ان العالم وبقيادة الولايات المتحدة وهي التي أعلنت سابقاً عن عصر الانفتاح والشراكة العالمية تعود مرة اخرى لتبني سياسة العزلة وتعيد تدشين عصر الإمبراطوريات رغم التناقض بين المفهومين، مما يعطي الانطباع بأن في الأفق غبار يالطا جديدة تمنح الولايات المتحدة سيادة العالم ولكنها في نفس الوقت تمنح ما يعرف بالدول المفترسة (الصين وروسيا وربما الهند مكانة منضبطة في هذا العالم الجديد، لكن السؤال الملح هل دونالد ترامب أداة امريكياً للوصول إلى أهداف محدد أم ان الأمر جاء هكذا، التاريخ يقول ان ما من عهد أمريكي في أي وقت إلا وجسد مصلحة الولايات المتحدة في حينه، وقد يكون كل ذلك من قبيل الصدف، لكن الأكيد في كل ما يحدث أن العالم ومنطقتنا تبدو في مواجهة لحظة مفصلية وهي في اغلب التوقعات لا تؤدي إلى الاستقرار.
الغد