القهاوي المصرية صمام أمان اجتماعي
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
في زياراتي إلى مصر، وتحديدًا القاهرة، أجد نفسي كل صباح في أحد مقاهي وسط البلد، أجلس هناك، أرتشف كوب الشاي بتمهل، وأراقب الحياة وهي تستيقظ على مهل. مع إشراق الشمس، يبدأ الشارع المصري في رسم ملامحه اليومية، حيث تمتزج نداءات الباعة بخطوات العابرين، وتتعالى ضحكات الصباح بين روّاد المقهى، الذين يجلسون وكأنهم جزء من هذا المكان منذ الأزل.
هنا، في هذه الزاوية الصغيرة من مصر، أشعر بأنني داخل مشهد حيّ يعكس روح هذا البلد بكل تفاصيله، من دفء العلاقات إلى بساطة الحياة التي لا تخلو من عمق.
في مصر، ليست المقاهي مجرد أماكن لشرب القهوة أو الشاي، بل هي منصات للحوار ومرافئ للراحة وملتقيات يتداخل فيها العام بالخاص. على الطاولات الخشبية العتيقة، تجد النقاشات تمتد من السياسة إلى كرة القدم، ومن هموم المعيشة إلى حكايات الطفولة. في هذه المساحات المفتوحة، تُعاد صياغة العلاقات، حيث يجلس رجل الأعمال إلى جوار البائع المتجول، ويتبادل المثقف حديثًا عفويًا مع العامل، في لقاءات تعكس طبيعة المجتمع المصري، الذي لا يعرف حواجز حقيقية بين أبنائه، بل يجمعهم الودّ والسجال اللطيف.
حين تضيق الحياة بأحدهم في مصر، لا يبحث عن العزلة، بل يجد في المقهى متنفّسًا يخفف عنه ثقل الأيام، وتقلبات الزمن. هناك، في زوايا هذه الأماكن العامرة بالحياة، تُروى الحكايات، تُطرح التساؤلات، ويجد كل شخص أذُنًا صاغية أو حتى نظرة تفهّم تُعيد إليه شيئًا من الطمأنينة. ليست المقاهي في مصر مجرد نقاط تجمع، بل هي نوافذ تطل منها الروح المصرية على ذاتها، حيث يتنفس الناس براح الحديث، ويتجدّد الأمل مع كل فنجان يُرفع، ومع كل ضحكة تخترق روتين اليوم.
لطالما كانت المقاهي في مصر ملتقى للمثقفين والمفكرين، حيث جلس العقاد، وتأمل طه حسين، وساجل المازني، وحاور نجيب محفوظ أصدقاءه، في جلسات أفرزت رؤى أثرت الأدب والفكر العربي. على هذه المقاعد، تشكّلت ملامح الحركات الثقافية، وتلاقحت الأفكار، وخرجت من بين الدخان المتصاعد روايات ومقالات حملت نبض الشارع المصري. هنا، لا تقتصر الأحاديث على الحياة اليومية، بل تمتد إلى أفق أوسع، حيث تناقش القضايا الكبرى كما لو أن هذه الطاولات الصغيرة تحولت إلى منابر للحوار الوطني والتأمّل العميق في واقع مصر ومستقبلها.
لكن المقاهي في مصر ليست فقط موطنًا للثقافة والفكر، بل هي أوطان صغيرة للتكاتف الاجتماعي. حين يمر أحد روّاد المقهى بلحظة فرح، يشاركه الجميع بهجته، وحين يواجه أزمة، يجد من يواسيه ولو بكلمة طيبة. هذا التلاحم البسيط، الذي قد لا يُلتفت إليه في زحام الحياة، هو ما يجعل المجتمع المصري متماسكًا رغم كل التحديات التي لا يبدو لها نهاية. هنا، بين طاولات المقاهي، تُبنى الصداقات، وتتشكل دوائر الدعم غير الرسمية، التي تحوّل اللقاءات اليومية إلى روابط أعمق من مجرد تقاطع طرق.
ورغم تطور مصر ودخول الحداثة إلى كل زاوية فيها، فإن المقاهي لا تزال تحافظ على روحها الأولى. صحيح أن البعض يجلس اليوم منشغلًا بهاتفه، لكن في المقابل، لا تزال هناك طاولات لا تعرف الصمت، ولا تزال الضحكات تمتزج بصوت ارتطام الملاعق بالأكواب، ولا تزال الأرواح تبحث عن لحظات الصفاء وسط ضجيج المدينة. في كل صباح، حين أجلس هناك، في قلب القاهرة، أشعر بأنني داخل لوحة حية، حيث تتشابك الأصوات، وتتداخل الحكايات، وتستمر مصر في البوح بأسرارها لمن يعرف كيف يصغي إليها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية مصر لا تزال فی مصر
إقرأ أيضاً:
«أمان بأبوظبي» تستقبل بلاغات 6 جرائم متنوعة
أبوظبي: شيخة النقبي
تستقبل «خدمة أمان» التابعة لشرطة أبوظبي بلاغات 6 جرائـــم متنوعــة وهي: نصـب واحتيال، وابتزاز، وتسول، وجرائم إلكترونية، ومخدرات، ومعلومات أمنية، وذلك من أجل تعزيز الدور المجتمعي في الحفاظ على مجتمع آمن ومستقر.
وأكدت الشرطة أن الخدمة تعد قناة أمنية تعمل بحرفية على مدار الساعة لتوفر للجمهور حرية الإدلاء بأي معلومة تسهم في الحد من الجرائم واكتشافهـا، كما تضمن الحفاظ على سرية الشخص مقدم المعلومة في نشر الوعي وزيــادة مستوى الأمن والأمان في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأوضحت أن «خدمة أمان» تهدف إلى المساهمة في رفع مستوى الأمن والأمان، وتحقيق أولوية مكافحة الجريمة والوقاية منها، ونشر الوعي وزيادة مستوى الحس الأمني لأفراد المجتمع، وتعزيز مفهوم مسؤولية الأمن من مسؤولية الجميع، وتوفير قناة أمنية عالية السرية وسهلة لإيصال المعلومة.